بين المجلة وقرائها

2010-12-04

صفوت نور الدين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد :

فإن مجلة التوحيد جزء أصيل من الدور التربوي والمهمة الدعوية التي تقوم بها الجماعة وهي لسان الحال المعبر عنها والمنبر الذي تخاطب القارئ من خلاله ، ولذا فإن الجماعة توكل إدارتها إلى هيئة تعهد إليهم أن يقوموا بهذه المهمة الشاقة ملتزمين منهج أهل السنة والجماعة اعتقادًا وتعبدًا ، والمجلة تفتح أبوابها وصفحاتها لكل قلم عف كريم يكتب المقال التربوي ملتزمًا بذلك المنهج ، ومن منطلق إيماننا بالعجز البشري فإن باب النصيحة الذي جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - دينًا مفتوحًا بالأصول الشرعية والضوابط التي بسطها العلماء في كتبهم ، وحتى يتم التكامل عملاً بقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، ولذا فإننا لا نضيق ذرعًا بناقد ينقد ولا بناصح ينصح ، وإن كلمة الناقد الهادفة أولى بالرعاية والاهتمام من كلمة المثني والمادح ؛ لأن العجز والضعف سمة بشرية والكمال هدف منشود تقصر عنه الأعمال وإن تطلعت إليه الآمال وأعلنت عنه الأهداف . هذا والمجلة شهرية الصدور وكثير من الأحداث تمر عليها وقد أعدت للطبع فلا نستطيع المشاركة فيها برأي ولا المساهمة فيها بقول ، ويصعب الحديث عنها في العدد الذي بعده ؛ لأن الحديث يصبح مستهلكًا قديمًا ، فلا يكون الحديث عنه إلا من باب الاعتبار بأحداث مضت ، وإن من أقرب ذلك ما حدث من عدوان سفيه في الأقصر ، فبدلاً من أن نُسمع السياح كلمة الله التي يجهلونها ليرجعوا بها إلى بلادهم ، فإننا نسمع العالم كله صوت الهجوم عليهم ليتذرع المتلصصون بذلك فيقولوا : الإسلام سفك للدماء وعدوان على الأبرياء ، فنعطي كل علماني منافق أو عدو حاقد المادة التي يتكلم بها يزيد ويزيد ، هذا وإن في العرض العلمي للقضايا التي وردت في القرآن والسنة من خلال الأبواب الثابتة وغير الثابتة في المجلة غنية لمن أراد أن يستغني بكلمة الإسلام المعبرة والدعوة الإسلامية الهادفة من خلال منبر الجماعة في مجلة التوحيد ، ونحن لا نود أن تصبح المجلة أسبوعية الصدور فحسب ، بل يومية ، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله .

هذا والمجلة بحمد الله تعالى تسعد بكل كاتب يكتب إليها ، سواء مستفت أو مستنصح أو ناقد أو ناصح ، ونود لو استطعنا أن نفرد لكل رسالة تصلنا موضعًا للرد عليها ، لكن تضيق صفحات المجلة عن ذلك ، ونحن نود لو اتسعت صفحاتها وزاد حجمها حتى تفي بالأغراض كلها ، لكن حرصنا على ألا يزيد ثمنها لتبقى في متناول كل قارئ مهما كان دخله ، بل نود أن تصل إلى كل مستفيد هدية مجانية خاصة الأئمة والوعاظ والخطباء الذين يستفيدون منها ويفيدون العدد الكبير من المسلمين ، إلا أن ما يتبع ذلك من تكلفة مادية لا تستطيعها الجماعة التي تفقد المشروعات الوقفية ويمنعها قانون تأسيسها من المضاربات المالية ، إنما دعامتها تبرعات من أهل الخير والبر الذين يتعاونون معها لتصل إلى أكبر عدد من القراء والمستفيدين، ومن ثم فإننا نفتح باب التبرع لتوسيع توزيعها وتحسين أدائها لرسالتها وتوصيلها في الداخل والخارج لكل مستفيد ، وندعو من تصل إليه أن يقرأ ويبلغ الخير ويناصح في العجز والقصور، خاصة والمجلة تنتقل إلى الناس بقرائها فهم حملتها ، هذا والدخول في معمعة الإعلانات له محاذيره ومخاوفه الكثيرة وإن كانت الحاجة ماسة إلى المردود المالي ، لكن تبقى الألسنة تتعلق بالدعاء ضراعة لله سبحانه حتى تستمر ، بل وتزدهر ، ونحن في حاجة إلى دعوات صالحات من القراء الكرام الصالحين في أوقات الإجابة ، فضلاً عن يد المساعدة منهم ، سائلين المولى سبحانه أن ينفعهم وينفع بأعمالهم .

هذا وقد تنشر المجلة من الكلمات ما يكون مختصرًا يحتاج إلى توضيح أو مجملاً يحتاج إلى تفصيل أو تعقيب ، وعلماء الإسلام منذ القديم وهم يتولون التصحيح والمناصحة ويقولون : (وإن منا إلا راد أو مردود عليه) ، وقد لا تتسع صفحات المجلة لكل معقب أو مفصل ، لكن ذلك لا يمنع من الاهتمام والعناية بالمكتوب وتوضيح المقصود ، فعلى سبيل المثال : نشرت المجلة في باب الفتاوى من عدد شهر رجب فتوى حول التأمين والمعاشات للعاملين في الحكومة ، وأثناء المراجعة النهائية من رئيس التحرير وهو عضو أصيل في لجنة الفتوى خاف أن يفهم القارئ من كلمة جاءت في نهاية الفتوى : (وهذا من التعاون يجب تشجيعه والمشاركة فيه) خاف أن يفهم من ذلك الإقرار على ما تضمنته سلسلة الأعمال التي تقوم بها تلك المؤسسات من تعامل بالربا لا يجوز أن نقر عليه ، فكتب عبارة بعد الفتوى : (توجد تحفظات على هذه الفتوى تنشر في العدد القادم بإذن الله) ، ثم نشر التعقيب في عدد شعبان وأراد به أن يبين المحاذير الشرعية من الربا والوقوع فيه ، ويطالب بتطهير الأموال منه ، لكن فهم بعض القراء الكرام - جزاهم الله خيرًا - أن الشيخ يحرم على أصحاب المعاشات الذين صاروا بين الضعف البدني والمرض العضوي يحرم عليهم معاشاتهم ، وهم أحوج الناس للتعاون معهم ورفع الحرج عنهم أن يأكلوا من أموال تمنح إليهم ، وقد تعاقدوا عليها مع الحكومة ومؤسساتها عند بلوغهم سن التقاعد أو العجز ؛ لذا فإننا ننقل ما يقوله الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع في كتابه (بحوث في الاقتصاد الإسلامي) (ص27) ، يقول حفظه الله : وقد قالوا بإباحة ما يأخذه الأجير على إجارة مباحة ممن لا يتورع من أكل الربا وغيره من الأموال الحرام إذا لم تكن الأجرة محرمة في ذاتها كالخمر والخنزير ، فقد ثبت أن امرأة يهودية استأجرت علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، على سقي بستان لها بتمرات ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقره على ذلك ، ومن وجبت له نفقة على من لا يتورع عن أكل المال الحرام ، فله أخذها منه إذا لم تكن من مال حرام بذاته ، فإن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، سئل عن رجل يعامل بالربا أضاف غيره فقال ابن مسعود : كل فإنه مهنأة لك وحسابه عليه . (انتهى) .

ومما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية : أن بعض عمال عمر أخذ في الجزية خمرًا وباع الخمر لأهل الذمة فبلغ ذلك عمر ، فأنكر ذلك ، وقال : وَلَّوهم بيعها واخذوا ثمنها ، وهذا ثابت عن عمر وهو مذهب الأئمة (انتهى) .

ونحن نوصي إخواننا القراء الكرام بمتابعة المجلة والمناصحة والمراسلة والتعاون في نشر الخير ودعمه بكل وسيلة ، فليكونوا كالنحلة التي تنتقل بين الأزهار تحمل رحيقها فيحيله الله في بطونها شرابًا مختلفًا ألوانه فيه شفاء للناس ، واحذر أن تسمع ممن يشبهون الغراب الذي لا يقع من طيرانه وارتفاعه على الحديقة الغناء والبستان الوارف إلا إذا وجد دودة في الأرض فيخرج بها ، ونحن نعلم أن العجز صفة البشر وأن التعاون على البر واجب ، وأن الدعوة إلى الله مهمة الرسل ومن تبعهم .

فالله نسأل أن ييسر لنا الخير ، وأن يجعلنا من أهل التعاون عليه .

والله من وراء القصد .

عدد المشاهدات 4913