فضل المحرم وعاشوراء

2009-01-15

صلاح الدق

الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي رسول الله. أما بعد:

فإن الله جعل لنا مواسم للخيرات، يزداد فيها المؤمن إيمانا، ويتوب فيها العاصي إلي الله تعالي. فالسعيد من اغتنم هذه المواسم المباركة بفعل الطاعات، والشقي من حَرم نفسه خيرها، ومن هذه المواسم المباركة شهر المحرم، فنقول وبالله التوفيق:

لطائف المعارف حول شهر المحرم

شهر المحرم هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله تعالى عنها في كتابه العزيز: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

(التوبة: 36)

روى الشيخان عن أبى بكرة رضي الله عنه عن النبي قال:

)إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان(.

(البخاري / حديث 4662) (مسلم / حديث 1679)

وذهب بعض أهل العلم إلى أن أفضل الأشهر الحرم هو شهر المحرم.

قال الحسن البصري: إن الله افتتح السنة بشهر حرام، وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة، بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يسمي شهر الله الأصم من شدة تحريمه.

(لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي / ص 79)

قال أبو عثمان النهدى: (كانوا ـ أي أصحاب النبي ـ يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم).

(لطائف المعارف / ص 80)

ومن فضائل شهر الله المحرم أن الله نجي فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه.

روي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ النبي المدينة فرأي اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال :ما هذا ؟ قالوا :هذا يوم صالح هذا يوم نجي الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال :"فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه).

(البخاري / حديث 2004)

فـضـل الصيـام في شهر الـمحرم

روى مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المُحَرمُ وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل).

(مسلم / حديث 1163)

قال الإمام النووي- تعليقاً علي هذا الحديث- : فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم.

(صحيح مسلم بشرح النووي / ج4 ص312)

وقال الإمام ابن رجب الحنبلي ـ تعليقاً علي هذا الحديث أيضاً : سمى النبي المحرم شهر الله ، وإضافته إلي الله تدل علي شرفه وفضله، فإن الله تعالي لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته ، كما نسب محمداً وإبراهيم  وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلي عبوديته ونسب إليه بيته وناقته.

(لطائف المعارف لابن رجب / ص81 )

وانطلاقاً من هذا الحديث فإن أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في شهر المحرم هو الصيام، فينبغي علي كل مسلم أن يكثر من صيام التطوع فيه ولنتذكر أن الصوم له فضله وثوابه العظيم عند الله تعالي.

(1) روى الشيخان عن سهل رضي الله عنه عن النبي قال: (إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).

(البخاري / حديث 1896) (مسلم / حديث 1152)

(2) روى الشيخان عن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً).

(البخاري / حديث 2840) (مسلم / حديث 1153)

(3) روى النسائي عن أبي أمامة الباهلي قال : قلت يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به قال: (عليك بالصيام فإنه لا مثيل له).

(حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني حديث / 2098)

فضـل صـوم يوم عـاشوراء

إن صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم، له فضل عظيم عند الله، فعلي كل مسلم أن يغتنم صومه خالصاً لله وحده رجاء أن يغفر الله ذنوب السنة الماضية.

روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله سُئِِلَ عن صوم يوم عاشوراء فقال: (يكفر السنة الماضية).

(مسلم- كتاب الصيام / حديث 197)

فانظر أخي الكريم: إلي هذا الفضل الجزيل من رب كريم واغتنم هذه الفرصة المباركة ولا تجعل هذا اليوم يمر عليك دون أن تصومه إلا إذا كنت صاحب عذر شرعي كمرض أو كبر سن أو غير ذلك ، ولكن عليك أن تنوى صيام عاشوراء .

لقد كان نبينا حريصاً علي صوم يوم عاشوراء وإرشاد أمته إلي صيام ذلك اليوم المبارك لتنال هذه المغفرة الربانية الكريمة وذلك من خلال أحاديث كثيرة منها :

روى الشيخان عن ابن عباس قال: (ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله علي غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر شهر رمضان).

(البخاري / حديث 2006( )مسلم / حديث 1132)

روى عبد الرزاق عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: (خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر) .

(صحيح: مصنف عبد الرزاق / ج4، ص 287)

وينبغي علي كل منا أن يدعو أهل بيته وجيرانه وأصدقاءه لصوم يوم عاشوراء إحياءً لسنة النبي.

تشجـيع الأطفال علي صـوم عاشوراء

ينبغي أن يعتاد أطفالنا الصغار فعل الخيرات منذ نعومة أظفارهم واتباع سنة نبينا، ولذا علينا أن نعرفهم فضل صوم يوم عاشوراء ونشجعهم علي صيامه وذلك بأن نعطيهم بعض الهدايا أو القليل من المال.ولنتذكر دائماً أن التربية الصحيحة في سن الطفولة لها أثر كبير في حياة الإنسان .

روى الشيخان عن الربيع بنت معوذ قالت: (أرسل النبي غَدَاةَ عاشوراء إلي قري الأنصار من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائماً فليصم قالت فكنا نصومه بعدُ ونصَوِّمُ صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم علي الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار).

(البخاري / حديث 1960) (مسلم / 1136)

أحوال النبي في صوم عاشوراء

كان للنبي في صيام عاشوراء أربعة أحوال وهي:

الحالة الأولي:

كان النبي  يصوم يوم عاشوراء بمكة قبل هجرته إلي المدينة ولم يأمر أحداً من المسلمين بصيامه.

الحالة الثانية:

لما هاجر النبي إلي المدينة ورأى صيام أهل الكتاب لعاشوراء وتعظيمهم له، صامه وأمر المسلمين بصيامه، وأكد الأمر بصيامه.

الحالة الثالثة:

لما فرض الله صوم رمضان علي المسلمين ترك النبي أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء.

روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان فلما افترض رمضان قال رسول الله: (أن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه).

(مسلم / حديث رقم 1126 )

الحالة الرابعة:

أن النبي عزم في آخر حياته علي أن لا يصوم يوم عاشوراء مفرداً ، بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه,

(لطائف المعارف لابن رجب / ص 102 : 108)

روى مسلم عن عبد الله بن عباس قال:حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامهِ قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود

والنصارى فقال رسول الله: (فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع) قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله.

(مسلم / حديث 1134)

مراتب صوم يوم عاشوراء

ذكر بعض أهل العلم أن صوم يوم عاشوراء علي ثلاث مراتب وهي:

المرتبة الأولي:  

صيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذه أكمل المراتب وأفضلها.

المرتبة الثانية:

صيام يوم التاسع والعاشر، وهذه المرتبة أقل في الفضل من المرتبة الأولى.

المرتبة الثالثة:

صيام اليوم العاشر فقط، وهذه أدني المراتب الثلاث.

(زاد المعاد / ج2 ص76) (فتح الباري / ج4 ، ص289)

روى الطبري في تهذيب الآثار عن عطاء عن عبد الله بن عباس أنه كان يصوم يوماً قبله ويومًا بعده. (أي يوم العاشر من المحرم).

(إسناده صحيح )( ما صح من آثار الصحابة في الفقه لزكريا ابن غلام قادر / ج2 ص675 : 676)

التحذير من الابتداع في الدين

إن جهل الكثير من الناس بسنة النبي جعلهم يبتدعون في دين الله ما ليس فيه ومن المعلوم أن الله قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ولا يجوز لنا أن نبتدع شيئاً في دين الله ليس من الشرع في شيء. قال تعالي: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً).

(المائدة: 3)

وقال سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

 (الحشر : 7)

وقد حذرنا نبينا محمد من الابتداع في الدين :

روى الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول الله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ).

(البخاري حديث) (مسلم / حديث 1718)

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي قال: (إن خير الحديث كتاب الله وخير الهَدْي هَدْي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).

(مسلم / حديث 867)

قال الإمام الشاطبي: البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهى الشريعة، يقصد منها المبالغة في التعبد لله سبحانه

(الاعتصام للشاطبي / ج1ص28)

قال الإمام مالك بن أنس: من ابتدع  في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً ً خان الرسالة، لأن الله تعالى يقول :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً).  

(المائدة : 3)

فما لم يكن يومئذٍ دينا ً، فلا يكون اليوم دينا ً.

(الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم / ج6ص 225)

بــدع يــوم عـاشــوراء

لقد أحدث بعض الناس في يوم عاشوراء كثيرا ًمن البدع معتمدين على أحاديث مكذوبة وموضوعة أو أحاديث ضعيفة جداً لا قيمة لها عند أهل العلم بالحديث ويمكن أن نُجْمل بدع يوم عاشوراء فيما يلي:

1) اعتبار يوم عاشوراء عيدا ًمن أعياد الإسلام وهذا تشبه باليهود لأنهم يتخذون يوم عاشوراء عيداً لهم وقد أمرنا النبي أن نخالف أهل الكتاب في أعيادهم .

2) التوسعة علي الأهل والأبناء والأقارب والفقراء في ذلك اليوم وصنع أطعمة خاصة بهذا اليوم.

3) الاغتسال والاكتحال في هذا اليوم خاصة.

4) قيام الناس بأداء صلاة بهيئة مخصوصة ليلة يوم عاشوراء.

5) الطواف بالبخور علي المنازل والمحلات التماساً للبركة في هذا اليوم.

6) قيام بعض الجهلة برقية الأطفال بكلمات ساقطة أمام أبائهم وأمهاتهم اعتقاداً منهم أن هذه الرقية وقاية للأطفال من الحسد إلي العام القادم .

7) قيام الشيعة بإظهار الحزن بالبكاء ولطم الخدود، والعطش، وإنشاد المراثي، وسب الصحابة الكرام ولعنهم في يوم عاشوراء حيث قتل الحسين  بن علي في ذلك اليوم.

(الإبداع في مضار الابتداع / ص269: ص272))السنن والمبتدعات / ص 118 : 119)  

أحاديث مكذوبة في فضل المحرم وعاشوراء

اعلم أخي الكريم أن بعض الكذابين والجاهلين وضعوا أحاديث في فضل شهر المحرم وصوم يوم عاشوراء ونسبوها كذباً إلي النبي ومن هذه الأحاديث ما يلي:

 1)  من أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله تعالي بمثل عبادة أهل السموات، ومن صلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد لله رب العالمين مرة، وخمسين مرة قل هو الله أحد غُفر له ذنوب خمسين عاماً مستقبلا، وبُني له في الملأ الأعلى ألف ألف منبر من نور.            

(الموضوعات لابن الجوزي ج2 ص122)

2) من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي عشر مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات، فإذا سلم استغفر سبعين مرة ، أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء فيها بيت من زمردة خضراء، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وفي ذلك البيت سرير من نور، قوائم السرير من العنبر الأشهب، علي ذلك السرير ألف فراش من الزعفران.   

(الموضوعات لابن الجوزي / ج2 ص122)

3) من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة.

4) من صام تسعة أيام من أول المحرم بني الله له قبة في الهواء ميلاً في ميل لها أربعة أبواب.

5) من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف مَلَكَ.

6) من وسع علي أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سَنَتهُ.

7) من اكتحل بالإثمد  يوم عاشوراء لم يرمد أبداً.

8) إن الصرد أول طير صام عاشوراء.

(الموضوعات لابن الجوزي / ج2ص200،ص204(

)اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي / ج2ص108 : ص 113(

)الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني / ص96 : 99)

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.

سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلي الله وسلم علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم القيامة . 

عدد المشاهدات 6328