المعجزة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم

2012-07-18

زكريا حسينى

 المعجزة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة».

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في موضعين من صحيحه؛ أحدهما في كتاب فضائل القرآن، باب: «كيف نزل الوحي وأول ما نزل» برقم (4981)، والثاني في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت بجوامع الكلم» برقم (7274)، والثاني في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت بجوامع الكلم» برقم (7274)، كما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والنسائي في الكبرى إلى جميع الناس ونسخ الملل قبله برقم (152)، كذا أخرجه الإمام أحمد في المسند، والنسائي في الكبرى .

راوي الحديث:

قال الذهبي: الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبو هريرة الدوسي اليماني، سيد الحفاظ الأثبات، اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال جمة أرجحها: عبد الرحمن بن صخر .

ويقال: كان في الجاهلية اسمه عبد شمس أبو الأسود، فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله وكناه أبو هريرة . قال الطبراني: وأمه رضي الله عنها هي ميمونة بنت صبيح .

حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه - لم يلحق في كثرته - وكذلك عن أبي بن كعب وأبي بكر وعمر وأسامة وعائشة والفضل وبصرة بن أبي بصرة وكعب الحبر .

حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين، فقيل: بلغ عدد أصحابه ثمانمائة أو أكثر كما قال البخاري .

عن محمد بن قيس قال: كان أبو هريرة يقول: لا تكتوني أبا هريرة؛ كنا في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبا هر، فقال: «ثكلتك أمك أبا هر» . والذكر خير من الأنثى، وعن الوليد بن رباح أن أبا هريرة كان يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوني: «أبا هر» .

قال أبو هريرة: والله ما خلق الله مؤمنًا يسمع بي إلا أجبني . قال يزيد بن عبد الرحمن لأبي هريرة: وما علمك بذلك ؟ قال: إن أمي كانت مشركة، وكنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى عليَّ، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فأخبرته، وسألته أن يدعو لها، فقال: «اللهم اهد أم أبي هريرة» . فخرجت أعدو أبشرها، فأتيت فإذا الباب مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعت حسي، فقال: كما أنت، ثم فتحت وقد لبست درعها وعجللت عن خمارها، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله . قال: فرجعت إلى رسول اللَّه أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن، فأخبرته، وقال: ادع الله أن يحيبني وأمي إلى عباده المؤمنين، فقال: «اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما». أخرجه مسلم وأحمد .

شرح الحديث:

قوله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن الأنبياء نبيٌّ إلا أُعْطي» . هذا يدل على أن كل نبي من الأنبياء لابد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه وعدم تكذيبه، ولا يضره بعد ذلك من أصر على تكذيبه .

قوله: «من الآيات» أي: المعجزات الخوارق للعادات .

وقوله: «ما مثله آمن عليه البشر»: المِثْلُ يطلق ويراد به عين الشيء، ويطلق أيضًا على ما يساويه، والمعنى أن كل نبي من الأنبياء أعطي معجزة أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن ويصدق هذا النبي لأجلها، وعللى هنا بمعنى اللام أولباء، وإنما عبر بـ «على» لأنها تفيد معنى الغَلَبَةِ، أي أنه يؤمن بذلك مغلوبًا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، ولكنه قد يجحد ويعاند، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}، قوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ» أي إن معجزتي التي تحدَّيْتُ بها هي الوحي الذي أنزل على وهو القرآن لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته صلى الله عليه وسلم فيه، ولا أنه لم يؤت من المجزات ما أوتي مثل من تقدمه من الأنبياء، بل المراد أن القرآن هو المعجزة العظمى التي اختصه الله بها دون غيره، لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدي بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تققع مناسبة لحال قومه، فلما كان السحر فاشيًا عند فرعون وقومه جاءه موسى عليه السلام بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، للكنها تلقت ما صنعوا أي تبطله، ولم يقع ذلك بعينه لغيره من الأنبياء، وكذلك لما كان الأطباء والحكماء في عهد عيسى عليه السلام في غاية الظهور كانت معجزته عليه السلام إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وهو ما لم تصل إليه قدرتهم . ولما كان العرب الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة والفصاحة جاءهم بالقرآن تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فلم يقدروا على ذلك، وقيل المراد أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة، بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلو عن مثل، وقيل المراد أن كل نبي أعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله، والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله، وقيل المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل وإنما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما يتخيل منه التشبيه به، بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبهه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر، والنظر عرضة للخطأ، فقد يخطئ الناظر فيظن تساويهما، وقيل المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بذهاب عصورهم وأزمانهم فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه، وهذا أقوى المحتملات، وقيل المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه ..... أكثر، لأن الذي يشاهدُ بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرًا، قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق الأقوال: ويمكن نظم هذه الأقوال كلها في كلام واحد؛ فإن محصلها لا ينافي بعضه بعضًا .

قوله صلى الله عليه وسلم: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» . قال الحافظ في الفتح: رتب هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه، لاشتماله على الدعوة والحجة والإخبار بما سيكون، فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرجاء المذكور على ذلك، وهذا الرجاء قد تحقق، فإنه أكثر الأنبياء تابعًًا، ثم قال رحمه الله: وقد جمع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء:

أحدها حسن تأليفه والْتِئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة .

ثانيها: صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظمًا ونثرًا حتى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه .

ثالثها: ما اشتمل عليه من الإخبار عما مضى من أحوال الأمم السالفة والشرائع الدائرة مما كان لا يعلم منه بعضه إلا النادر من أهل الكتاب .

رابعها: الإخبار بما سيأتي من الكوائن اليت وقع بعضها في العصر النبوي، وبعضها بعده .

ومن غير هذه الأربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قضايا أنهم لا يفعلونها فعجزوا عنها مع توفر دواعيهم على تكذيبه، كتمني اليهود الموت، ومنها ..... التي تحصل لسامعه، ومنها أن قارئه لا يمل من ترداده، وسامعه لا يمجه ولا يزداد بكثرة التكرار إلا طراوة ولذاذة، ومنها أنه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا، ومنها جمعه لعوم ومعارف لا تنقضي عجائبها ولا تنتهي فوائدها . اهـ .

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله مجتمعين أو متفرقين في جميع الأصعار مع اعتنائهم بمعارضته فلم يقدروا وهم أفصح القرون مع غير ذلك من وجوه إعجازه المعروفة، والله أعلم .

ثم قال رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا» عَلَمٌ من أعلام النبوة؛ فإنه أخبر عليه السلام بذلك في زمن قلة المسلمين، ثم مَنَّ الله تعالى وفتح على المسلمين البلاد وبارك فيهم حتى انتهى الأمر واتسع الإسلام في المسلمين إلى هذه الغاية المعروفة ولله الحمد على هذه النعمة وسائر نعمه التي لا تحصى، والله أعلم .

هذا ولا شك أن القرآن الكريم هو معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه الوحي الذي أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك السنة النبوية وحي الله تبارك وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، والقرآن باق ومحفوظ بحفظ الله تعالى لا يتبدل ولا يتغير، قال تعالى: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، لي بحاجة إلى حفظ البشر، فإن الله تعاللى حافظه، وإنما يسعد المسلمون ويرقون ويفوزون في الدنيا والآخرة إذا تعلموا هذا الكتاب واعتنوا به، تلاوة وحفظًا وتدبرًا وفهمًا وعلمًا وعملاً، حافظوا على تلاوته وحفظه وتفسيره وإعرابه، فإنه دستورهم الذي فيه عزهم ونصرهم في الدنيا، وفوزهم بالجنة ونجاتهم من النار في الآخرة.

ولن يستطيع أعداء الإسلام والمسلمين أن يصرفوهم عن دينهم وعن كتاب ربهم إذا استمسكوا به وحفظوه ولم يهجروه، أما إذا هجروه تلاوة وحفظًا وفهمًا وتدبرًا وعلمًا وعملاً، فإن الأعداء يسهل عليهم أن يتسلطوا على المسلمين ويعيثوا فسادًا، بتشكيكهم في كتابهم وإلقاء الشبه عليهم فيتهوك منهم من يتهوك ويتشكك من يتشككون، وذلك لضعف الإيمان والجهل بالقرآن، ولا عجب بعد ذلك أن تُطْلَب من المسلمين مَحْوُ آياتٍ من القرآن تتعارض مع مبادئ الكافرين وأهوائهم أو تتصادهم مع مصالحهم فيما يزعمون، بل أكثرهم من ذلك أن يؤلفوا كتابًا أو كتبًا بديلة عن القرآن للمسلمين، ليأخذوه فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ومن هان عليه دينه هان عليه كل شيء .

نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا وعقائدنا، وأن يجعلنا من أهل القرآن المستمسكين به العاملين به في الدنيا الفائزين به في الآخرة، وأن يجعله شفيعنا لنا إلى جنات النعيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 6947