قيمة العمل في الإسلام

2009-11-09

صلاح الدق

قيمة العمل في الإسلام

المقدمة

الحمد لله، حمداً طيباً، طاهراً، مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد، فإن العمل المشروع له منزلة سامية في الإسلام، من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بأهمية العمل في الإسلام، وقد تناولت في هذه الرسالة الحديث عن الفرق بين الفعل، والعمل، والعمل وصية رب العالمين، وأنبياء الله يعملون، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على العمل، والتوكل لا يتعارض مع الأخذ بأسباب الرزق، والحرص على العمل المشروع والابتعاد عن الشبهات، وغرس حب العمل في الأطفال، والتحذير من ظلم العمال، وأقوال سلفنا الصالح في العمل، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في العمل، وحرص الصحابة على العمل، ومتى يكون العمل عبادة ؟، وصفات العامل المسلم، ثم ختمت الرسالة بالحديث عن وظاهرة التسول وعلاجها.

أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين .

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أخوكم / صلاح نـجيب الدق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين الفعل و العمل:

الْفِعْلُ يدلُ على إِحْدَاثِ شَيْءٍ من الْعَمَل وَغَيره، فَهَذَا يدل على أَن الْفِعْلَ أَعَمُّ مِن الْعَمَل.

وَالْعَمَلُ لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَا كَانَ عَن فكر ورَوِيَّة، وَلِهَذَا قُرِنَ بِالْعلمِ، ولا يكون إلا من الْإِنْسَان مصحوباً بقصده.وَأَمَّا الْفِعْلُ فَلا يُشترطُ فيه ذلك، ويَكُونُ مِن الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ والجمادات. (الكليات لأيوب بن موسى الكفوي صـ:680)

العمل وصية رب العالمين :

(1) قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة 10:9)

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله):

قَوْلُهُ تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أَيْ: فُرغ مِنْهَا، (فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه) لَمَّا حَجَر عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ، أَذِنَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ وَالِابْتِغَاءِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. (تفسير ابن كثير جـ 13صـ563)

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ(رحمه الله): كَانَ عَرَّاكُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ، أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(تفسير ابن أبي حاتم جـ10صـ3356رقم: 18897)

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله): رُوِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ مَرَّةً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (تفسير ابن كثير جـ13صـ563)

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله): قَوْلُهُ تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أَيْ: حَالَ بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ، وَأَخْذِكُمْ وعَطَائكم، اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَلَا تَشْغَلْكُمُ الدُّنْيَا عَنِ الَّذِي يَنْفَعُكُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.(تفسير ابن كثير جـ563)

(2) وقال سبحانه:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك:15)

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله): ذَكَرَ سُبِحَانهُ نِعْمَتَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي تَسْخِيرِهِ لَهُمُ الْأَرْضَ وَتَذْلِيلِهِ إِيَّاهَا لَهُمْ، بِأَنْ جَعَلَهَا قَارَّةً سَاكِنَةً لَا تَمْتَدُّ وَلَا تَضْطَرِبُ بِمَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ، وَأَنْبَعَ فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ، وَسَلَكَ فِيهَا مِنَ السُّبُلِ، وَهَيَّأَهَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَمَوَاضِعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، فَقَالَ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) أَيْ: فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ سَعْيَكُمْ لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يُيَسِّرَهُ اللَّهُ لَكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) فَالسَّعْيُ فِي السَّبَبِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ. (تفسير ابن كثير جـ14صـ75)

(3) وقال جَلَّ شأنه عند الحديث عن مناسك الحج:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (البقرة: 198)

هذه الآيات دليلٌ واضحٌ على شرف العمل ومكانته السامية في الإسلام.

قال الإمام ابن جرير الطبري(رحمه الله):قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ مِنَ اللَّهِ: الْتِمَاسُ رِزْقِ اللَّهِ بِالتِّجَارَةِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنْ يَتَّجِرُوا إِذَا أَحْرَمُوا يَلْتَمِسُونَ الْبِرَّ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ لَا بِرَّ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ لَهُمُ الْتِمَاسَ فَضْلِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.

(تفسير الطبري جـ4صـ163)

روى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَتْ عُكَاظُ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي المَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ.) (البقرة: 198) فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ. (البخاري حديث: 4519)

(4) وقال سبحانه:( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المزمل:20)

في هذه الآية المباركة خفف الله تعالى عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وكل من اقتدى به من المسلمين، أعباء قيام الليل لأسباب، منها ألا يُرهِق قيامُ الليل الناسَ، فيُقعدهم عن طلب الرزق في النهار.

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله): عَلِمَ اللهُ تعالى أَنْ سَيَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ذَوُو أَعْذَارٍ فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ، مِنْ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ، وَمُسَافِرِينَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْمَتَاجِرِ، وَآخَرِينَ مَشْغُولِينَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي حَقِّهِمْ مِنَ الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهَذِهِ الْآيَةُ -بَلِ السُّورَةُ كُلُّهَا-مَكِّيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْقِتَالُ شُرع بَعْدُ، فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ الْمُسْتَقْبِلَةِ. وَلِهَذَا قَالَ: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) أَيْ: قُومُوا بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ. (تفسير ابن كثير جـ14صـ172)

أنبياء الله يعملون :

(1) قال تعالى عن دَاوُدَ -صلى الله عليه وسلم-: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (الأنبياء:80)

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله) قَوْلُهُ تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ) يَعْنِي صَنْعَةَ الدُّرُوعِ.(تفسير ابن كثير جـ9صـ424)

وقال سبحانه:(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ(الدروع) وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (سبأ11:10)

قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) :لَا تُدِقّ الْمِسْمَارَ فَيقلَق فِي الْحَلْقَةِ، وَلَا تُغَلَّظه فَيَفْصِمَهَا، وَاجْعَلْهُ بِقَدَرٍ. (تفسير ابن كثير جـ11صـ263)

(2) قال اللهُ تعالى عن موسى -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)(القصص 28:26)

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله): قَوْلُهُ تعالى: (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ) أَيْ: عَلَى أَنْ تَرْعَى عَلَيَّ ثَمَانِي سِنِينَ، فَإِنْ تَبَرَّعْتَ بِزِيَادَةِ سَنَتَيْنِ فَهُوَ إِلَيْكَ، وَإِلَّا فَفِي ثَمَانٍ كِفَايَةٌ. (تفسير ابن كثير جـ10صـ453)

روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:«مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ.»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ:وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ.»(البخاري حديث: 2262)

(قَرَارِيطَ ):جمع قيراط وهو جزء من النقود.

روى البخاريُّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.»(البخاري حديث: 2073 )

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا.» (مسلم حديث: 2379)

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على العمل:

أرشدنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى السعي والأخذ بأسباب الرزق الحلال في كثير من أحاديثه الشريفة , وسوف نذكر بعضاً منها :-

(1) روى البخاريُّ عن الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ . (البخاري حديث2072)

قال الإمام ابنُ حجر العسقلاني(رحمه الله): فِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الْعَمَلِ بِالْيَدِ وَتَقْدِيمُ مَا يُبَاشِرُهُ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا يُبَاشِرُهُ بِغَيْرِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ دَاوُدَ بِالذِّكْرِ أَنَّ اقْتِصَارَهُ فِي أَكْلِهِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا ابْتَغَى الْأَكْلَ مِنْ طَرِيقِ الْأَفْضَلِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قِصَّتَهُ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ خَيْرَ الْكَسْبِ عَمَلُ الْيَدِ وَهَذَا بَعْدَ تَقْرِيرِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَدْحُهُ وَتَحْسِينُهُ مَعَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّكَسُّبَ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ وَأَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ أَوْقَعُ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ.(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4صـ 358)

ما أجمل أن يستيقظ المسلم مبكراً لطلب الرزق الحلال، متبعاً في ذلك سُّنة نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- .

(2) روى الترمذيُّ عن صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ . (حديث صحيح ) (صحيح الترمذي للألباني حديث968)

(3) روى أحمدٌ عَنْ أَنَسِِِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ.(حديث صحيح)(مسند أحمد جـ20 صـ292 حديث: 12981)

(4) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: «إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ الَّذِي يُنْفِذُ مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ»(مسلم حديث: 1023)

(5) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ.»(البخاري حديث: 5353)

(6) روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ.»(البخاري حديث: 2320/مسلم حديث: 1553)

(7) روى الطبرانيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ.» (حديث صحيح لغيره) (صحيح الترغيب للألباني حديث1692)

(8) روى ابنُ ماجه عَنِْ الْمِقْدَامِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ، فَهُوَ صَدَقَةٌ.» (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث:1739)

(9) روى الترمذيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِىَ لَهُ . (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث1114)

* الأرض الميتة:هي الأرض التي خلت من العمارة والسكان، لا مالك لها , ولا ينتفع بها أحد.

إحياء الموات: تعمير الأرض التي لا مالك لها , والانتفاع بها. (الموسوعة الفقهية الكويتية جـ2 صـ238)

التوكل لا يتعارض مع الأخذ بأسباب الرزق:

(1) روى أبو نُعيم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» (حديث صحيح )(صحيح الجامع للألباني حديث:2085)

* إِجْمَالُ الطَّلَبِ:هُوَ أَنْ يَطْلُبَ المسْلِمُ الرِّزْقَ مِنَ الْحَلَالِ مُعْتَمِدًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ فِي حَرَكَاتِهِ، عِلْمًا بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يُلَاحِظُ فِي طَلَبِهِ قُوَاهُ وَجَلَدَهُ وَحِيَلَهُ، وَلَا يَطْلُبُهُ مِنَ الْحَرَامِ. (الآداب للبيهقي صـ314)

(2) روى الترمذي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا . ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1911 )

قال المباركفوري(رحمه الله):قوله -صلى الله عليه وسلم- (تَغْدُو) أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ (خِمَاصًا) أَيْ جِيَاعًا (وَتَرُوحُ) أَيْ تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ (بِطَانًا) جَمْعُ بَطِينٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْبَطْنِ وَالْمُرَادُ شِبَاعًا. (تحفة الأحوذي للمباركفورى جـ7صـ7)

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بن حنبل (رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى): لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْقُعُودِ عَنِ الْكَسْبِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ إِذَا غَدَتْ فَإِنَّمَا تَغْدُو لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لَوْ تُوَكَّلُوا عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي ذَهَابِهِمْ وَمِجِيئِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَرَأَوْا أَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَنْصَرِفُوا إِلَّا سَالِمِينَ غَانِمِينَ كَالطَّيْرِ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا، لَكِنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّتَهُمْ وَجَلَدِهِمْ وَيَغِشُّونَ وَيَكْذِبُونَ، وَلَا يَنْصَحُونَ وَهَذَا خِلَافُ التَّوَكُّلِ. (شعب الإيمان للبيهقي جـ2صـ405)

الحرص على العمل المشروع والابتعاد عن الشبهات :

 يجب على المسلمٍ أن يحرص على اختيار العمل المشروع، وأن يتجنب الوقوع في الشبهات.

روى الشيخانِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ : إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ . ( البخاري حديث 52 / مسلم حديث 1599 )

غرس حب العمل في الأطفال:

يجب على الآباء ورجال التربية في المدارس الاهتمام بغرس حب العمل في نفوس الأطفال، وتدريبهم على أعمال مناسبة لسنهم، مع إعطاء جوائز للأعمال المتميزة، تشجيعاً لهم، لتخرج أجيالٌ تعرف قيمة العمل وأثره في تقدم البلاد في جميع نواحي الحياة:السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يقول الشاعر : وينشأ ناشئ الفتيان منا * على ما كان عَوَّدَه أبوه . (معجم اللغة العربية جـ3صـ2208)

التحذير من ظلم العمال :

روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ . ( البخاري حديث 2227)

روى ابنُ ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ . ( حديث صحيح ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1980)

التحذير من غش الناس :

يحرم على المسلم أن يغش الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.وقد حذرنا نبينا من الغش بجميع أنواعه.

(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ(الكومة المجموعة من الطعام) فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ:أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ(المطر) يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:«أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي.»(مسلم حديث: 102)

(2) روى أبو داودَ عن صَفْوَانِ بْنَ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً(الأقربون) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ(خصمه) يَوْمَ الْقِيَامَةِ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2626 )

*قال ابن حجر العسقلاني : المعاهَد: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ271 )

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على إتقان العمل :

إتقان العمل أمرٌ واجبٌ علي المسلم . فيجب علينا أن نتقي الله عز وجل في أعمالنا وأن نعلم بأننا محاسبون على هذه الأعمال . ومن صفات العامل المسلم إتقان العمل . ويجب أن نعلم أن الناس ينظرون إلى العمل، فإن كان فيه إتقان وثقوا بصاحبه وكَبُرَ في أعينهم , وأما إن رأى الناس في عمله العشوائية والتخبط وعدم الإتقان فإن الناس تزهد فيه وفي عمله وعدم الإخلاص في العمل هذا الذي جعل المسلم ينفر من الإقبال علي ما عند أخيه المسلم , فراجت للأجنبي بضاعته, وأصبح الواحد من هؤلاء الذين لا يتقنون أعمالهم سواء في مدرسة أو جامعة أو متجر أو سوق أو في كل ميادين الحياة موصوفاً بالغش والتزوير والاحتيال.

روى البيهقي عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ. (حديث حسن)(السلسلة الصحيحة للألباني حديث:1113)

أقوال سلفنا الصالح في العمل :

(1) قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقةٌ في دينه، وضعفٌ في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

(2) قَالَ عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:لَا يَقْعُدُ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

* وقال عمر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضاً: ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

(3) كان زيد بن مَسْلَمَة يغرس في أرضه فقال له عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أصبت استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

(4) قَالَ عبدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَتِهِ. (إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

(5) سئل إبراهيم النخعي(رحمه الله) عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أم المتفرغ للعبادة؟ قال: التاجر الصدوق أحب إليَّ لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

(6) قال أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: الزم السوق فإن الغنى من العافية، يعني الغنى عن الناس.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ62)

(7) قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ وَقَالَ: لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي ؟ فَقَالَ: أحمد : هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ أَمَا سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي. وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ ذَكَرَ الطَّيْرَ فَقَالَ: تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو فِي طَلَبِ الرِّزْقِ.وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَّجِرُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلِهِمْ، وَالْقُدْوَةُ بِهِمْ.

(إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ:63:62)

(8) قال أبو سليمان الداراني: ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك(ينفق عليك) ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تَعَبَّد. (إحياء علوم الدين للغزالي جـ2صـ63)

نبينا -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في العمل :

 قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21) كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- مثالاً للعامل المخلص المجتهد المتوكل على الله، والذي يسعى في الأرض للحصول على الرزق الحلال، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يرعى الأغنام لأهل مكة بأجر، و كان مشهوراً في طفولته و شبابه بأنه الصادق الأمين، و كان أهل مكة يحفظون عنده أموالهم حتى بعد أن جهر بالدعوة إلى الله تعالى، وعندما هاجر ترك عليَّ بن أبي طالب ليرد الأمانات إلى أهلها، وكان التجار يحرصون على أن يعمل عندهم، و لذا اختارته السيدة خديجة ليتولى أمور تجارتها، فربحت ربحاً كبيراً في مدة قصيرة من الزمن.

روى الشيخانِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَة :اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا * وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا.فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا * وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا.إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا * إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا. يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. (البخاري حديث: 3034/مسلم حديث: 1803)

حرص أصحاب نبينا-صلى الله عليه وسلم- على العمل :

روى الشيخانِ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-عَلَى مِلْءِ بَطْنِي وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ(التجارة والمعاملة) بِالْأَسْوَاقِ وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمْ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ .( البخاري حديث 7354 / مسلم حديث 2492 )

(1) الخليفة: أبو بكر الصديق:

 لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَصْبَحَ غَادِيًا إِلىَ السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتْجَرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَبْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالا لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: السُّوقَ، قَالا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالا لَهُ: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَكَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا، فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ. (المنتظم لابن الجوزي جـ4 صـ71)

(2) الخليفة:عمر بن الخطاب:

روى مسلمٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الأشْعَرِي، اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، ائْذَنُوا لَهُ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ، قَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا . قَالَ: لَتُقِيمَنَّ عَلَى هَذَا بَيِّنَةً أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، فَخَرَجَ فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: «كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا» فَقَالَ عُمَرُ: «خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ» (مسلم حديث: 2153)

* (الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ):أي التجارة والمعاملة في الأسواق.

(3) عمر يحث ابنه على العمل :

قال عاصم بن عمر بن الخطاب : زوجني أبي، فأنفق علي شهرا، ثم أرسل إليَّ بعدما صلى الظهر. فدخلت عليه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني ما كنت أرى هذا المال يحل لي، وهو أمانة عندي، إلا بحقه، وما كان قط أحرم عليَّ منه حين وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله، ولست زائدك عليه، وقد أعنتك بثُمُنِ مالي، فبعه ثم قم في السوق إلى جنب رَجُلٍ من قومك، فإذا صفق بسلعة فاستشركه، ثم بع وكُل، وأنفق على أهلك. ( تهذيب الكمال للمزي جـ13 صـ522 )

(4) عبد الرحمن بن عوف :  

روى البخاريُّ عَنْ إبراهيمَ بْنِِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا. َ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ. قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ. قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ(عِطر) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ : وَمَنْ؟ قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ: كَمْ سُقْتَ؟ قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.

(البخاري حديث:2048)

متى يكون العمل عبادة ؟

أولاً: معنى العبادة:

الْعِبَادَةُ : هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ فَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ؛ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَالْجِهَادُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْجَارِ وَالْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَةِ. وَكَذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَالْإِنَابَةُ إلَيْهِ. وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالصَّبْرُ لِحُكْمِهِ وَالشُّكْرُ لِنِعَمِهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ؛ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ؛وَالرَّجَاءُ لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْفُ لِعَذَابِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ هِيَ مِنْ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ10صـ150:149)

ومن خلال هذا المفهوم نعلم خطأ مَن يُقْصِرُونَ العبادةَ على بعض الجوانب الروحية من الإسلام، فالهدف الذي خَلَقَ اللهُ الإنسانَ من أجله هو عبادته سبحانه وحده، وعبادة الله تشمل الدين كله، وتشمل أيضاً جميع جوانب الحياة.

وعلى ذلك نقول وبالله تعالى التوفيق:

كل عمل يقوم به المسلم يمكن أن يكون عبادة لله تعالى إذا توفرت فيه الشروط التالية:

(1) أن يكون العمل خالصاً لله تعالى، ويعتقد المسلم أنه يُثابُ عليه، ويقصد به أن يَكُفَّ نفسه وأسرته عن سؤال الناس، وينفع المسلمين بهذا العمل.

(2) أن يكون العمل مشروعاً وموافقاً لكتاب الله تعالى وسُّنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- .

(3) أن لا يشغله العملُ عن القيام بما أوجبه اللهُ تعالى عليه، كالمحافظة على إقامة الصلوات المفروضة جماعة في المساجد، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على حسب استطاعته.

 فإذا تحققت هذه الشروط كان عمل المسلم عبادة لله تعالى، وفي ميزان حسناته يوم القيامة.

صفات العامل المسلم :

هناك بعض الصفات التي يجب أن يتحلي بها العامل المسلم نـوجزها فيما يلي :

(1) الإخلاص وتقوى الله عز وجل في العمل، الاعتقاد بأن يثاب على عمله هذا .

(2) الإيمان بأن الله تعالى ضمن الأرزاق لجميع المخلوقات.

(3) حُسنُ التوكل على الله، مع الأخذ بالأسباب المشروعة للحصول على الرزق.

(4) المحافظة على إقامة الصلوات المفروضة جماعة في المساجد، والإكثار من الدعاء .

(5) التفقه في الدين ومعرفة أحكام الحلال والحرام فيما يقوم به من العمل.

(6) استخارة الله تعالى ومشاورة أهل الخبرة الصالحين في نوع العمل الذي يقوم به.

(7) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة و الموعظة الحسنة.

(8) الالتزام بالصدق والأمانة، والتحلي بمحاسن الأخلاق والصبر على العمل.

(9) تقديم العون والمساعدة للمسلمين .

(10) التحدث بنعمة الله وفضله عليه وظهور أثر هذه النعمة على مظهره ومأكله ومسكنه .

ظاهرة التسول:

التسوُّل ظاهرةٌ ممقوتةٌ، وعادةٌ مذمومةٌ، لها آثار سلبية، ونتائج عكسية على المجتمع، حيث تُظهر المجتمع وكأنه مجتمع عجزة ومتسوِّلين، تظهر فيه البطالة ويخيم عليه الكسل، والتسول فيه إهانة للإنسان أمام الآخرين، وإراقة لماء وجهه أمامهم. يعتبر بعض الناس التسول حرفة ومهنة مربحة، تدر عليه دخلاً كبيراً.إن اتخاذ التسول مهنة لجمع المال، دليل على ضعف الثقة بالله، والتخلي عن سؤاله ودعائه، وما أذلّ المرء حين يعرضُ حاجته على العباد، ويترك التوكل على رب العباد، ويتذلل للمخلوقين، ويتركُ دعاء الخالق.

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحذرنا من التسول :

(1) روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ(قطعة) لَحْمٍ.(البخاري حديث: 1474/مسلم حديث: 1040)

(2) روى البخاريُّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ:لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ . (البخاري حديث1471)

(3) روى الترمذيُّ عَنْ أَبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث1894)

(4) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، فَتَرُدُّهُ(تسد حاجته) اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ» قَالُوا، فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ، فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا. (البخاري حديث: 1479/مسلم حديث: 1039)

قال الإمامُ النووي (رحمه الله)قَوْله -صلى الله عليه وسلم-( لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ): مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ الْمَسْكَنَةِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ وَأَحْوَجُ إِلَيْهَا لَيْسَ هُوَ هَذَا الطَّوَّافُ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَافِ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِ الْمَسْكَنَةِ. ( مسلم بشرح النووي جـ4 صـ140 )

(5) سَمِعَ عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَائِلًا يَسْأَلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ لِوَاحِدٍ مَنْ : عَشِّ الرَّجُلَ فَعَشَّاهُ، ثُمَّ سَمِعَهُ ثَانِيًا يَسْأَلُ، فَقَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ عَشِّ الرَّجُلَ؟قَالَ:قَدْ عَشَّيْتُهُ، فَنَظَرَ عمر فَإِذَا تَحْتَ يَدِهِ مِخْلَاةٌ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا، فَقَالَ: لَسْتَ سَائِلًا، وَلَكِنَّكَ تَاجِرٌ ثُمَّ أَخَذَ الْمِخْلَاةَ وَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَيْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ:لَا تَعُدْ. (إحياء علوم الدين للغزالي جـ4صـ211)

(6) قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ):

لَنَقْلُ الصَّخْرِ مِنْ قُلَلِ الْجِبَالِ * أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرِّجَالِ.

يَقُولُ النَّاسُ لِي فِي الْكَسْبِ عَارٌ * فَقُلْت الْعَارُ فِي ذُلِّ السُّؤَالِ.

(المبسوط للسرخسي جـ30صـ272)

حالات يُباح فيها طلب المساعدة:

روى مسلمٌ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا (حرام)يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا . ( مسلم حديث 1044 )

قال الإمامُ النووي (رحمه الله)قَوْله : ( تَحَمَّلْت حَمَالَةَ ) وَهِيَ الْمَال الَّذِي يَتَحَمَّلهُ الْإِنْسَان أَيْ يَسْتَدِينُهُ وَيَدْفَعهُ فِي إِصْلَاح ذَات الْبَيْن كَالْإِصْلَاحِ بَيْن قَبِيلَتَيْنِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَحِلّ لَهُ الْمَسْأَلَة، وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاة بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَدِينَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ .( مسلم بشرح النووي جـ4 صـ144 )

* جَائِحَةٌ :الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة.

* فَاقَةٌ : فقر وضرورة بعد غنى.

* ذَوِي الْحِجَا:أصحاب العقل الراجح والخبرة.

أسباب التسول :

بعض الناس قد يميلون إلى الراحة وسؤال الناس، وتقع مسئولية التسول على عموم المسلمين أولاً، ثم على الحكومة ثانياً. كثير من المسلمين تغلب عليهم العاطفة، فيجودون بالمال على المتسولين، ولا يسعون لإيجاد فرص عمل لهؤلاء المتسولين، اعتقاداً منهم أن هذا امتثالاً لقول الله تعالى:( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) (الضحى:10) وينسون أن السائل قد يكون طالب علم، أو قضاء حاجة، وأما سائل المال، فهو متسول، لا ينبغي تشجيعه، لأنه وصمة عار في جبين الأمة الإسلامية.فالصدقة التي ترجح كفتها في ميزان المسلم، يوم القيامة، تكون لمن ضاق عليهم، ويمنعهم الحياء من بذل ماء الوجه رخيصاً بالتسول.

قال الله تعالى:( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة:273) (العمل والقيم الخلقية لأحمد البقري صـ72)

وسائل التسول :

بعض الناس يحتال من أجل التسول بإظهار العجز إما بالحقيقة، كبعض العميان ليعذرهم الناس بالعمى، فيُعطَونَ، وإما بادعاء المرض وإظهار ذلك بأنواع من الحيل مع بيان أن تلك محنة أصابت من غير استحقاق ليكون ذلك سبب الرحمة وجماعة يلتمسون أقوالاً وأفعالاً يتعجب الناس منها حتى تنبسط قلوبهم عند مشاهدتها فيسخوا برفع اليد عن قليل من المال في حال التعجب، وقد يكون التحايل بالأشعار الغريبة والكلام المنثور المسَجَّع مع حُسْنِ الصوت والشعر الموزون أشد تأثيراً في النفس، لا سيما إذا كان فيه تعصب يتعلق بالمذاهب كأشعار مناقب الصحابة وفضائل أهل البيت أو الذي يحرك داعية العشق، كصنعة الطبالين في الأسواق.

(إحياء علوم الدين للغزالي جـ3صـ228)

علاج مشكلة التسول:

يجب على ولاة أمور المسلمين أولاً توزيع العائد من ثروات البلاد بالعدل بين جميع أفراد المجتمع، لتحقيق العدالة الاجتماعية، ويجب على ولاة الأمور أيضاً أن يبذلوا قصارى جهدهم لإيجاد فرص عمل مناسبة للمتسولين، أو عمل مشروعات صغيرة تساعدهم على مواجهة ظروف الحياة:من تعليم وطعام ومسكن وكساء وعلاج، وذلك عن طريق وزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من الوزارات. ويمكن للدولة أن تحث الناس على العمل عن طريق وسائل الإعلام:المقروءة والمسموعة والمرئية، فإن تأثير وسائل الإعلام على الناس لا يمكن لأحد أن ينكره.

أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين .

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

فهرس الموضوعات

الفرق بين الفعل و العمل

العمل وصية رب العالمين

أنبياء الله يعملون

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على العمل

التوكل لا يتعارض مع الأخذ بأسباب الرزق

الحرص على العمل المشروع والابتعاد عن الشبهات

غرس حب العمل في الأطفال

التحذير من ظلم العمال

أقوال سلفنا الصالح في العمل

نبينا -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في العمل

حرص أصحاب نبينا-صلى الله عليه وسلم- على العمل

متى يكون العمل عبادة ؟

صفات العامل المسلم

ظاهرة التسول

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحذرنا من التسول

حالات يُباح فيها طلب المساعدة

أسباب التسول

وسائل التسول

علاج مشكلة التسول

عدد المشاهدات 4873