الجبرية

2013-04-14

صلاح الدق

الجبرية

 نشأة الجبرية :

الْجَبْرِيَّةُ:هم أتباعُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، الذي قَتَلَهُ ، سَلْمُ بْنُ أَحْوَزَ، أَمِيرُ خُرَاسَانَ ، سنة 128هـ.

(شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي جـ2صـ:349)

سبب التسمية:

سُمِّيَ الجبرية بذلك لأنهم يقولون:إن العبدَ مجبورٌ على أفعاله ، ولا اختيار له، وأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وأن الله سبحانه جَبَرَ العبادَ على الإيمان أو الكفر. (الملل والنحل للشهرستاني جـ 1صـ87)

معنى الجبر:

الجبرُ: هو إجبار الناس وإرغامهم على فِعْلِ شيءٍ من غير إرادةٍ أو مشيئة لهم، ويرى الجبرية أن الناس لا اختيار لهم في أفعالهم، ولا قدرة لهم على أن يغيروا مما هم فيه شيئاً، وإنما الأفعال لله سبحانه، فهو الذي يفعل بهم ما يفعلونه، وجعلوا هذا مطلقاً في جميع أفعالهم، فإذا آمن العبدُ، أو كفر فإن الإيمان أو الكفر الذي وقع منه، والطاعة أو المعصية، ليست فعله إلا على سبيل المجاز، وإنما الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه، لأن العبد لا يستطيع أن يغير شيئاً من ذلك. (مقالات الإسلاميين ـ لأبي الحسن الأشعري جـ1صـ338)

ويقول الجبرية أيضاً:إن العبدَ مُسَيَّرٌ، لا خيار له أبداً، فهو كالريشة في مهب الريح، وعلى هذا فإنه يكفيه في مسألة الحساب والجزاء أن يؤمن بالله تعالى بقلبه فقط، مهما فعل من الكفر والمعاصي حتى الشرك، تعالى الله عما يقولون! فمن أشرك بالله عندهم ما دام عارفاً بالله فهو مؤمن! فهؤلاء هم الجبرية الغلاة؛لأنهم يرون أنه ما دام الفعل كله لله تعالى، فلا حساب على العباد إلا بما يتعلق بالمعرفة في القلب، فمن عرف الله سبحانه نجا، ومن أنكر الله هلك.ومذهب الجبرية من أخبث المذاهب وأبطلها، لأنه يجعل الله تعالى ظالمٌ لعباده. تعالى الله عما يقول غُلاةُ الجبرية، عُلُواً كبيراً.

قَالَ الإمَامُ ابنُ حزم(رحمه الله) اخْتلف النَّاس فِي مَاهِيَّة الْإِيمَان فَذهب قوم إِلَى أَن الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ معرفَة الله تَعَالَى بِالْقَلْبِ فَقَط وَإِن أظهر الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَسَائِر أَنْوَاع الْكفْر بِلِسَانِهِ وعبادته فَإِذا عرف الله تَعَالَى بِقَلْبِه فَهُوَ مُسلم من أهل الْجنَّة وَهَذَا قَول الجهم بن صَفْوَان. (الفصل في الملل والنحل لابن حزم جـ3صـ105)

تأويلات الجبرية الفاسدة لآيات القرآن:

(1) اجتمع بعضُ الجبرية يوماً فتذكروا الْقَدَرَ، فَجَرَى ذِكْرُ الْهُدْهُدِ وَقَوْلُهُ (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم) (النمل: 24) ، فقال بعضهم: كَانَ الْهُدْهُدُ قَدَرِيًّا، أَضَافَ الْعَمَلَ إِلَيْهِمْ وَالتَّزْيِينَ إِلَى الشَّيْطَانِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِعْلُ اللَّهِ!! .

(2) سُئِلَ بعض الجبرية عن قوله تعالى: (وماذا عليهم لو آمنوا) (النساء: 39)إذا كان هو الذي معهم؟ قَالَ: اسْتِهْزَاءٌ بِهِمْ. قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (النساء: 147) ؟ قال: فعل ذلك مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ جَنَوْهُ، بَلِ ابْتَدَأَهُمْ بِالْكُفْرِ ثم عذبهم عليه.

(3) قَالَ بَعْضُ الجبرية، وَقَدْ عُوتِبَ عَلَى ارتكابه معاصي الله تعالى: إِنْ كُنْتُ عَاصِيًا لِأَمْرِهِ فَأَنَا مُطِيعٌ لِإِرَادَتِهِ.

(4) قرأ قارئ بحضرة بعض الجبرية:(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) فَقَالَ: هُوَ اللَّهُ مَنَعَهُ. وَلَوْ قَالَ إِبْلِيسُ ذَلِكَ لَكَانَ صَادِقًا، وَقَدْ أَخْطَأَ إِبْلِيسُ الْحُجَّةَ وَلَوْ كُنْتُ حَاضِرًا لَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مَنَعْتَهُ.

(5) سمعَ بعضُ الجبرية قَارِئًا يَقْرَأُ:(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العمى على الهدى) فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، بَلْ أَضَلَّهُمْ وأعماهم.

(6) قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية (رحمه الله): عتبت بَعْضَ شُيُوخِ هَؤُلَاءِ الجبريةِ، فَقَالَ لِي: الْمَحَبَّةُ نَارٌ تَحْرِقُ مِنَ الْقَلْبِ مَا سِوَى مُرَادِ الْمَحْبُوبِ، وَالْكَوْنُ كُلُّهُ مُرَادُهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْغَضُ مِنْهُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا كَانَ الْمَحْبُوبُ قَدْ أَبْغَضَ بَعْضَ مَنْ فِي الْكَوْنِ وَعَادَاهُمْ وَلَعَنَهُمْ فأحببتهم لأنت وَوَالَيْتَهُمْ، أَكُنْتَ وَلِيًّا لِلْمَحْبُوبِ، أَوْ عَدُوًّا لَهُ؟ قال: فكأنما ألقمَ حَجَراً.(مختصر معارج القبول ـ لهشام عبد القادر صـ:290)

من شبهات الجبرية والرد عليها:

(1) يستدل الجبرية على مذهبهم الباطل بأن الله تعالى يقول: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الأنفال:17)

وقالوا: هذا دليلٌ على أن الفعل ليس للإنسان، وإنما هو لله؛ لأن الله هو الذي رمى.

الرد على هذه الشبهة:

قال العلماء: ما أصبت الهدف ولكن الله هو الذي وفق لإصابته، فأنت الذي رميت والله تعالى هو الذي وفق للإصابة.

(2) يستدل الجبرية على مذهبهم الباطل أن العمل ليس سبباً في دخول الجنة بالحديث التالي:

روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ» (البخاري حديث: 6467/مسلم حديث: 2816)

قالوا: هذا دليلٌ على أن الأعمال ليس لها أثر، وأن الأعمال ليست هي التي تسبب دخول الجنة؛ وعلى هذا فالأعمال ليست من الإنسان، والإنسان ليس له أي عمل، وليس له عندهم حركة، بل هو مدفوع إلى هذه الحركة ومغلوب على أمره، وتحركه إرادة الله كما تتحرك الشجرة بدون اختيارها.

الرد على هذه الشبهة:

(1) قَالَ الإمَامُ ابنُ الْقَيِّمِ(رحمه الله) (تعليقاً على هذا الحديث:أَخْبَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ أَحَدٍ وَأَنَّهُ لَوْلَا تَغَمد اللهُ سُبِحَانَه لِعَبْدِهِ برَحْمَتِهِ لَمَا أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، فَلَيْسَ عَمَلُ الْعَبْدِ، وَإنْ تَنَاهَى مُوجِبَاً بِمُجَرَّدِهِ لدُخُولِ الْجَنَّةِ وَلَا عِوَضًا لَهَا، فَإنَّ أعْمَالَه، وَإنْ وَقَعَت مِنْه عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، فَهِي لا تُقَاوِمُ نِعْمَةَ اللَّهِ، التي أَنْعَمَ بِها عَلْيهِ في دَارِ الدُّنْيا، وَلا تُعَادِلُها، بَل لَو حَاسَبَه، لوقعت كُلها في مُقَابَلةِ اليَسير مِن نَعَمِهِ، وَتَبِقى بَقِيَّةُ النِّعَمِ مُقْتَضِيَةً لِشُكْرِهَا. فَلَوْ عَذَّبَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَعَذَّبَهُ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ وَلَوْ رَحِمَهُ لكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا مِنْ عَمَلِهِ.

 (مفتاح دار السعادة لابن القيم صـ18)

روى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث:3932)

(2) وقال الإمامُ ابنُ الجوزي(رحمه الله)وهو يتحدث عن الجمع بين هذا الحديث وقَوْلِهِ تَعَالَى (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزخرف:72) يَتَحَصَّلُ عَنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ:

الْأَوَّلُ:أَنَّ التَّوْفِيقَ لِلْعَمَلِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ السَّابِقَةُ مَا حَصَلَ الْإِيمَانُ وَلَا الطَّاعَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا النَّجَاةُ.

الثَّانِي:أَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَعَمَلُهُ مُسْتَحَقٌّ لِمَوْلَاهُ فَمَهْمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَاءِ فَهُوَ مِنْ فَضْلِهِ.

الثَّالِثُ: جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ نَفْسَ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَاقْتِسَامَ الدَّرَجَاتِ بِالْأَعْمَالِ.

الرَّابِعُ:أَنَّ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ كَانَتْ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَالثَّوَابُ لَا يَنْفَدُ فَالْإِنْعَامُ الَّذِي لَا يَنْفَدُ فِي جَزَاءِ مَا يَنْفَدُ بِالْفَضْلِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11صـ302:301)

(3) وقال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله)وهو يتحدث عن الجمع بين هذا الحديث وقَوْلِهِ تَعَالَى (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزخرف:72) يَظْهَرُ لِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَمَلٌ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْعَامِلُ دُخُولَ الْجَنَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْرُ الْقَبُولِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ لِمَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ .وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى (ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ)(النحل:32) أَيْ تَعْمَلُونَهُ مِنَ الْعَمَلِ الْمَقْبُولِ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11صـ302)

الرد على الجبرية :

قال الإمامُ ابنُ عثيمين (رحمه الله) في الرد على الجبرية: نحن نفعل الطاعات باختيارنا، ولا نشعر بأن أحداً يجبرنا عليها، ونفعل المعاصي كذلك باختيارنا، ولا نشعر أن أحداً يجبرنا عليها.والدليل على أن فعلَ الإنسان صادر عن إرادة منه سَمعي وواقعي:

أما الدليل السَّمعي: فالآيات في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة) (آل عمران: 152) وقوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) (البقرة: 272)

روى الشيخانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.  (البخاري حديث:1/ مسلم: 1907)

والأدلة أكثر من أن تحصر بأن فِعلَ العبد صادر باختياره، لكن هذا الاختيار تابع لمشيئة الله، لقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الإنسان:30)

أما الدليل الواقعي: فإن كل إنسان يفعل الأفعال وهو لا يشعر أن أحداً يجبره عليها، فيحضر إلى الدرس باختياره، ويغيب عن الدرس باختياره، ولهذا إذا وقع الفعل من غير اختيار لم ينسب إلى العبد، بل يرفع عنه إثمه.

روى أبو داودَ عَنْ عَلِيٍّ بنِ أبي طالب، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. " (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث:3703)

لم ينسب اللهُ عز وجل تقلبَ أصحاب الكهف إلى أنفسهم بل نسبه إليه، فقال: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) (الكهف: الآية 18) ولم يقل يتقلبون، لأنه ليس منهم إرادة، فالنائم لا إرادة له، ولهذا لا يقع طلاقه لو طلق؛ فلو فرضنا أن أحداً كلم زوجته في النوم، وقال: يا فلانة، أنت طالق ثلاثاً بتاتاً، ثم أصبح فإن طلاقه لا يقع؛ لأن النائم لا ينسب فعله إليه، لأنه وقع بغير إرادة.

ولو طلق السكران - وهو لا يعي ما يقول - فإن طلاقه لا يقع، ولو طلق الغضبان غضباً شديداً لا يملك نفسه فإن طلاقه لا يقع؛ لأنه بغير إرادة. فإذا كان الشيء بغير إرادة فلا حكم له شرعاً، فتبين بهذا أن وقوع الشيء بإرادة منا ثابتٌ بالقرآن والواقع. (شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين صـ:335)

الرد على الجبرية في الاحتجاج بالمعاصي:

(1) قَالَ الإمَامُ النووي(رحمه الله): إِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ:هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ.فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهَا وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ محتاج إلى الزجر ما لم يَمُتْ. (مسلم بشرح النووي جـ8صـ454)

(2) وقال الإمامُ ابنُ عثيمين (رحمه الله): أفعالُ العباد كلها مِن طاعات ومعَاصٍ كلها مخلوقة لله ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية وذلك لأدلة كثيرة منها:

(1) أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسبا له فقال سبحانه:(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (غافر: 17) .

ولو لم يكن له اختيار في الفعل وَقْدرة عليه ما نُسِبَ إليه.

(2) أن الله أمر العبد ونهاه ولم يكلفه إلا ما يستطيع لقوله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286).

وقوله سبحانه(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16) .

ولو كان مجبوراً على العمل ما كان مستطيعاً على الفعل أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.

(3) أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري وأن الأول يستطيع التخلص منه.

(4) أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قُدَّر له وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول، أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول هذا ما قُدَّر لي؟!

(5) أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة:قال سبحانه:(لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165) .

ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر على معصية ولا اضطره إلى ترك طاعةٍ. قال الله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286).

وقال الله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) (التغابن: 16) .

وقال سبحانه:(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)( غافر: 17).فدل على أن للعبد فعلاً وكسبًا يُجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره. (شرح لمعة الاعتقاد ـ لابن عثيمين صـ:94:93)

عدد المشاهدات 8064