الحـج أشهر معلومات

2009-11-09

محمد على عبد الرحيم - رحمه الله -

قال اللَّه تعالى: [ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ] وهي شوال وذو القعدة والعشر الأولى من ذى الحجة. ولمناسبة إقبال موسم الحج الكريم، وإعداد العدة لمن وفقه اللَّه تعالى لأداء هذا الركن من الدين، ناسب أن يكون لهذه الفريضة بسط من الكلام يتضمن حكمته، وأحكامه، في هذا العدد من مجلة التوحيد وعددي ذي القعدة وذي الحجة إن شاء اللَّه تعالى. عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: [أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان باللَّه ورسوله. قيل ثم ماذا ؟ قال الجهاد في سبيل اللَّه. قيل ثم ماذا ؟ قال: حج مبرور ] متفق عليه

المفردات :

أي الأعمال أفضل = أرفع درجة وأكثر ثوابا عند اللَّه تعالى.

إيمان باللَّه = الإيمان باللَّه تجريد التوحيد من كل شبهة تدعو إلى الشرك باللَّه، وإن كان ينطق بـ ( لا إله إلا اللَّه ).

فلا بد أن يعمل بشروطها، فاهمًا معناها، عاملاً بمقتضاها، فلا يترك صلاة، ولا يلجأ إلا إلى اللَّه في دعائه واستعانته وفي جميع أنواع العبادة من خشوع وإنابة ونذر واستغاثة وغيرها.

والإيمان برسوله = يقتضي التصديق بكل ما جاء به، واتباعه في كل ما أمر ونهى.

الجهاد في سبيل اللَّه = لإعلاء كلمة الدين ورفع راية التوحيد.

الحج المبرور = هو الذي لا يرتكب صاحبه معصية حين أدائه وتحصل به المغفرة لصاحبه.

المعنى :

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الإجابة على سؤال السائل بالإيمان باللَّه ورسوله لأنه مفتاح الإسلام وأساس الدين، وكل عمل لا يستند إلى التوحيد الصحيح فهو باطل ولن يقبل من صاحبه.

كما أن الحديث يؤكد فريضة الجهاد في سبيل اللَّه، ليكون الدين كله لله، وأن الدين عند اللَّه الإسلام، ولترفرف راية التوحيد التي تحمل معاني الأخوة والمساواة بين الناس، ولكي لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللَّه، فلا يعبد من دون اللَّه سواه.

ولئن كان الجهاد في سبيل اللَّه لم يتناوله حديث [ بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ] فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية جعلت الجهاد فريضة على كل قادر، بل جعل الإسلام كل من تخلف عن الجهاد مع القدرة في زمرة المنافقين والعياذ باللَّه.

قال صلى الله عليه وسلم: ( من مات ولم يغز ولم تحدثه نفسه بالغزو في سبيل اللَّه مات على شعبة من النفاق ) رواه مسلم عن أبي هريرة.

ذلك لأن الدين لم يأخذ عزته ولم تعل كلمته إلا بالجهاد.

فإذا نام المسلمون عنه تمكن منهم عدوهم، وكانوا غثاء كغثاء السيل، تداعى عليهم الأمم من كل جانب، ونزع اللَّه الرعب من قلوب أعدائهم.

والأمر الثالث في الحديث الشريف هو حج بيت اللَّه الحرام، الذي جعله اللَّه مسك الختام لأركان الإسلام الخمسة.

ولما فرضه اللَّه على المسلمين في السنة التاسعة للهجرة ( على أصح الأقوال ) خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ إن اللَّه فرض عليكم الحج فحجوا ].

وكان الأقرع بن حابس التميمي الدارمى يتميز بجرأة أهل البداوة، وكان شريفًا في قومه.

فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته سأله الأقرع: هل الحج فرض علينا كل عام؟

فلم يجبه رسول اللَّه لعله ينتهي عن سؤاله.

فأعاد الأقرع سؤاله للمرة الثانية: أكل عام يا رسول اللَّه؟

فسكت النبي عليه الصلاة والسلام.

ولما كرر السؤال للمرة الثالثة أجابه النبي صلى الله عليه وسلم في غضب وقال: [ لو قلت نعم لوجبت ] أي لوجب عليكم الحج كل عام، [ ولو وجبت ما استطعتم ] أي لعجزتم عن أدائه كل عام لما فيه من مشقة وأسفار، وحينذاك تقعون في مخالفة كبيرة ومشاقة لله ورسوله، وهذا إثم كبير. ثم نصحهم صلى الله عليه وسلم بقوله: [ دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ] ونزل قول اللَّه تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ]

[ المائدة.: 101 ]

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيمًا بالأمة، وجه إليهم النصيحة بقوله: [ إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ].

إن الحج تطهر به النفوس، وتزكو به الأبدان، وتمحى به الخطايا والآثام.

قال صلى الله عليه وسلم: [ من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ]

[ رواه البخاري. ]

يقف الحجاج على عرفة، فتخلص قلوبهم مما ران عليها من الذنوب والأهواء، وتتجرد النفوس مما سيطر عليها من غل وكراهية، فلا ينفرون من موقفهم إلا أرواحا نقية، تمكنت منها المعاني السامية، من محبة وإخاء ومودة وصفاء.

هذا إلى حصول المغفرة من اللَّه تعالى إن صحت العقيدة، وحسنت النية وصلح العمل، وذلك بالإضافة إلى الربح العظيم في الدنيا والآخرة [ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ]

[ سورة التوبة : 121 ]

لقد فرض اللَّه الحج على المستطيع مرة واحدة في العمر، وما زاد فهو تطوع، وليس للحج جزاء إلا الجنة.

فأي إفضال أكرم من إفضال اللَّه بالمغفرة؟

قال صلى الله عليه وسلم: [ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ].

إن للحاج جزاء عاجلا في الدنيا وآجلا في الآخرة.

فجزاؤه العاجل: توفيق من اللَّه وبركة، وإقبال على العمل الصالح، واكتساب الفضائل من الأخلاق، كما أن اللَّه يخلف عليه ما أنفقه: [ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ] [ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ].

والجزاء في الآخرة جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

* * *

لماذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة حينما فرض الحج؟

كانت الجزيرة العربية حينما فرض الحج، لم يتم تطهيرها من المشركين الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة رجالاً ونساءً: الرجال بالنهار والنساء بالليل. وكانت المرأة تكشف عورتها وتقول:اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله وكانت هذه المناظر التي تشمئز منها النفس يتأذى منها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وسبب ذلك أن الشيطان سول لهم أنهم إن طافوا بثياب تدنست بالمعاصي فلن يقبل لهم طواف، فتجردوا من ثيابهم، ثم اشتروا غيرها جديدة من مكة ليعودوا إلى ديارهم. وهذا شرك ( بفتح الشين والراء بمعنى فخ ) نصبته قريش للحجاج لتروج تجارها بالباطل أثناء الحج. فأنزل اللَّه تعالى: [ ‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ] قال ابن عباس: الزينة اللباس [ وهو ما يوراي السوأة وما سوى ذلك من جيد الثياب] وقال أيضا: نزلت الآية في المشركين الذين يطوفون بالبيت عراة.

فأمر اللَّه الناس جميعًا باللباس والزينة عند كل مسجد. ولما فرض الحج بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في السنة التاسعة من الهجرة ليحج بالناس، فخرج في ثلاثمائة رجل.

وبعد خروج أبي بكر للحج نزلت سورة براءة وفيها: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ ] فبعث بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب يقرأها على الناس، وأمره أن يبلغهم: [ أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان].

وإنما امتنع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الحج في هذه السنة، لما يعلم من أهل الجاهلية من إهلالهم بتعظيم أوليائهم من دون اللَّه، فيهتفون بغير اسم اللَّه، أو يرى منهم عاريا عند البيت، ويسكت على هذه المناظر المؤذية، فلا بد أن يمنعهم، وقد يستغل شياطين الإنس والجن ذلك.

فينتهكون حرمة البيت في الأشهر الحرم، وتنشأ الحرب والضرب والقتال.

فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج في تلك السنة اتقاء ذلك، حتى أعلنهم ببلاغ علي رضي اللَّهُ عنه.

فمن تعدى بعد ذلك فهو الجاني على نفسه. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع في السنة العاشرة في أكثر من تسعين ألفا من الصحابة مما سنفصله إن شاء اللَّه تعالى.

وفي الحديث مشروعية وجوب الحج على القادر زادًا وراحلة، ولا يجوز التأجيل والتسويف إذا توفرت القدرة البدنية والمالية، وإلا يعتبر آثما إثما عظيما لأن اللَّه يهدد من استطاع الحج ولم يحج بأنه قريب من الكفر، يقول تعالى: [ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ].

كما أن أفضل الأعمال عند اللَّه تعالى: الإيمان به وبرسوله مع تجريد التوحيد من كل ما يشوهه من دعاء غير اللَّه، والنذر للمقبورين والاستعانة بهم.

كما أن الجهاد فرض على القادر عليه لما فيه من عزة الإسلام والمسلمين.

عدد المشاهدات 5830