الصفات الخلقية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض واجباتنا نحوه

2010-12-04

صفوت نور الدين

الحمد لله رب العالمين وباعث المرسلين ، والهادي إلى طريق الفائزين ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه برسالته وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده. بعثه الله بالدين القويم ، وأرسله بالمنهج المستقيم ، واصطفاه رحمة للعالمين ، وجعله إمامًا للمتقين وحجة على الخلائق أجمعين ، أرسله ربه على حين فترة من الرسل ، فهدى به إلى أقوم طريق . وأرشد به إلى أفضل سبيل .

وجعل من أولى الفرائض علىالعباد وطاعته وتعزيره (نصره وإعانته) ، وتوقيره وتحيته والقيام بحقوقه وسد طرق ، الجنة إلا من طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فشرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره .

وجعله صاحب لواء الحمد يوم القيامة ، ورائد الشفاعة العظمى يوم الندامة ، والحسرة ، وجعله صاحب الحوض المورود ، والمقام المحمود يُسأل كل عبد بعد شهادة أن لا إله إلا الله: ( مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) [ القصص : 65] .

فلا ينجو من هذه الأمة إلا من حقق شهادة أن محمدًا رسول الله حقًّا وصدقًا يجعله الله على هذه الآية شهيدًا:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا )[النساء:41].

هذا وبحسب متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكون العزة والكفاية والنصرة ، وتكون الهداية والفلاح والنجاة ، وقد علق الله - سبحانه - سعادة الدارين بمتابعته ، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) (1) .

وقال - سبحانه وتعالى - : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) [ الأحزاب : 36] .

وبعد . فلقد جاء في حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - الذي سبق الكلام عن بعض فوائده قال : ( وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون وجوههم . قال : فأخذت بيده - صلى الله عليه وسلم - فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج ، وأطيب رائحة من المسك ) .

لذلك فإننا نذكر طرفًا مما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفاته الخلقية والواجب على المؤمنين من توقيره وإجلاله وإعظامه ، وبيان أن ذلك حق ينفرد به عن سائر الأمة حتى لا يغلو أحد في بشر صالحًا كان أو غيره لنبين شرع الله في ذلك بعد أن ذكرنا طرفًا من الحديث عن التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا يقاس على التبرك بآثاره أحد من الصالحين بعده .

الصفات الخلقية :

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا وأجملهم لونًا ، كان صبيح الوجه

(2) وسطًا معتدلاً في كل شيء ربعة بين الرجال ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد بعيد ما بين المنكبين ، أزهر اللون مليحًا ، ليس بأبيض أمهق

(3) ، ولا بآدم مُشربٌ وجهه حمرة ، وإنما كان ذلك من كثرة أسفاره ، ما بدا من جسده للشمس ظهرت فيه الحمرة ، وما غطاه الثوب فهو أبيض أزهر . وكان كثير الشعر ، شعر رأسه جُمة

(4) تبلغ شحمة أذنيه ، بل يبلغ إلى منكبيه . ليس بجعد قطط ، ولا سبط رجل

(5) ، وكان يسدل شعره، فكان من أضوأ الناس وجهًا ، وجهه كالشمس والقمر في استدارته .

قال جابر بن سمرة : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء ، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر ليلة البدر ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ، أسرع الشيب إلى لحيته ، أكثر من رأسه يظهر الشيب في صدغيه وعنفقته

(6) .وكان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر . لو رأيته رأيت الشمس طالعة تبرق أسارير وجهه ، إذا مشى كأنه ينحط من صبب ، وإذا التفت التفت جميعًا ، وكان سريعًا في مشيته ، كأنما تطوى له الأرض طيًّا ، يجهد من يسير معه ، وإنه لغير مكترث . إذا بدت ساقه فكأنها جمارة

(7) .إذا بدا ظهره كأنه سبيكة فضة ، وكان عظيم الرأس أشكل العينين

(8) ، أهدب الأشفار

(9) ، كأنما صيغ وجهه من الفضة ، مشرب العينين بحمرة واسع العينين ، عظيم الكفين والقدمين والأصابع ، ضخم المفاصل ، طويل المسربة ، الشعر في جسده يمتد من النحر إلى السرة ، وليس له شعر في صدره ، ولا ظهره غيره ، وكان دقيق الأنف والحاجبين ، سهل الخدين ، مفاض الجبين ، رحب الصدر ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو غدة حمراء مثل بيضة الحمامة ، عليها شعرات مجتمعة .

وكان يدهن ويتطيب ويلمع الطيب في مفرقة، ويُشم له رائحة من بعيد، يتعطر من الناس من مسَّ يده أو أصاب من عرقه من لمس شيئًا من جسده كأنما مس الحرير والديباج، بل ألين من ذلك.

وكان من جملة من وصفه من أصحابه أبو جحيفة حيث قال : لما وضع يده الشريفة على وجهي هي أبرد من الثلج ، وأطيب ريحًا من المسك - أي : أن نفسه طابت في ذلك الوقت الحار لَمِسِّ يدهِ - وكذلك مَنْ جالسه أحبه وهابه ، ومن سمع قوله استروح به وتمنى المزيد - فصلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه - كان تام الخَلق والخُلق ، جمَّله الله في كل شيء ، فهو خاتم النبيين ، أجود الناس صدرًا ، وأصدق الناس لهجة ، ألينهم عريكة ، وأكرمهم عزة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله (1) .

عاش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرًا تجري عليه أعراض البشرية طيلة حياته منذ أن ولد إلى أن مات ، فأكل وشرب ، ومشي في الأسواق ، وباع واشترى وتزوج وأنجب ، وحارب وسالم ، وغضب ورضي ، وقد قال الله - تعالى - : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) [ الكهف : 110] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ) .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، وفي [ مسند أحمد ] عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً قال : يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا وابن خيرنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يأيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا محمد بن عبد الله ، عبد الله ورسوله ، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - عز وجل - ) قال الساعاتي : فالحديث صحيح لا ريب ، وقوله : ( عليكم بتقواكم ) أي : بما يقيكم عذاب النار ( لا يستهوينكم الشيطان ) : أي : لا يفتنكم .

وإليك أيها القارئ الكريم جملة من الواجبات على كل مسلم للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - .

1- التصديق بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وهو أول واجباتنا تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وقد أمر الله - تعالى - به فقال : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ الأعراف : 157] ، ويقول أيضًا : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [ الأعراف : 158] ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفس محمد بيده  لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ) [ مسلم ] .

2- طاعة أمره وترك زجره :

يقول - تعالى - : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [ النساء : 69]، ويقول - جل ذكره -: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) [ محمد : 33] .

ويقول : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) [ النساء :80] .

3- الاقتداء به قولاً وعملاً والحذر من مخالفته :

قال - جل وعلا - :  ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر ) [ الأحزاب : 21] ، ويقول أيضًا عن استقامة منهجه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ الشورى : 52] ، وقال - صلى الله عليه وسلم -  : ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) [ أحمد وابن ماجه ] .

قال الشافعي في [ الرسالة ] : ( وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كتاب الله وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب ، وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته ، وفي القعود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقًا ولم يجعل له من اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخرجًا ) .

ويحذر ربنا من مخالفته فيقول - سبحانه - : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ النور : 63] .

 قال ابن كثير : ( أي : عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان كما في ( الصحيحين) : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي : فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنًا وظاهرًا  ( أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) أي : في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ( أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي : في الدنيا بقتل أو حدٍّ أو حبس أو نحو ذلك ) انتهى .  

4- التحاكم إليه - صلى الله عليه وسلم - عند التخاصم مع الرضى بحكمه :

قال رب العزة : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [ الأحزاب : 36]، وقال -سبحانه-: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [ النساء : 65] ، ويقول أيضًا : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [ النساء : 59] .

5- تعظيمه وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - :

أمر الله بتعزيره وتوقيره فقال : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) ، والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه ، والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام ، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه من كل ما يخرجه عن حد الوقار خاصة وأن الله - جل وعلا - قد خصه بمزيد فضل وتوقير لم يعطه لرسول قبله ، فقال : ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ) ، فنهى أن يقولوا : يا محمد ، أو يا أحمد ، أو يا أبا القاسم ، ولكن يقولوا : يا رسول الله ، يا نبي الله ، وكيف يخاطبونه بذلك والله - سبحانه وتعالى - أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدًا من الأنبياء ، فلم يَدْعُهُ باسمه في القرآن قط ، بل قال : ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) ، ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ) ، ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك ) ، ( يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ، ( يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنْذِر ) ، (  يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا  ) ، ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ) ، مع أنه سبحانه قال : ( وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ) ، ( يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ) ، ( يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) ، ( يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ) ، (  يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ) ، ( يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً ) ، ( يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ ) .

6- عدم رفع الصوت فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قال - تعالى - : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(2)إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم) [ الحجرات:1-  3].

يقول ابن تيمية - رحمه الله - : ( يحرم التقدم بين يديه بالكلم حتى يأذن ، ويحرم رفع الصوت فوق صوته وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل ، وأخبر أن ذلك سبب حبوط العمل ، فهذا يدل على أنه يقتضي الكفر ؛ لأن العمل لا يحبط إلا به (2) . وأخبر أن الذين يغضون أصواتهم عنده هم الذين امتحنت قلوبهم للتقوى ، وأن الله يغفر لهم ويرحمهم ، وأخبر أن الذين ينادون وهو في منزله لا يعقلون ، لكونهم رَفَعُوا أصواتهم عليه ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج ، ولكن أزعجوه إلى الخروج ) . انتهى من ( الصارم المسلول ) (ص423) .

قال القاضي أبو بكر بن العربي : ( حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ميتا كحرمته حيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه ، ولا يُعْرض عنه ، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به ) . انتهى .

7- الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - : قال - تعالى - : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .

أمر الله بالصلاة والتسليم بعد أن أخبر أنه - سبحانه - وملائكته يصلون عليه ، والصلاة تتضمن ثناء الله عليه ودعاء الخير له وقربته منه ، ورحمته له ، والسلام عليه يتضمن سلامته من كل آفة ، فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات ، ثم إنه يصلى - سبحانه - عشرًا على من يصلي عليه مرة واحدة حضًّا للناس على الصلاة عليه ليسعدوا بذلك وليرحمهم الله بها .

ولهذا نجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث الأمة على كثرة الصلاة عليه فيقول : ( من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ) .

8- تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين :

فهي طريق الجنة وعليها مدار قبول العبد لهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال - تعالى - : ( قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) - إلى قوله تعالى - ( أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ  ) الآية ، مع الأحاديث الصحيحة المشهورة كما في (البخاري) من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) ، وفي ( الصحيحين ) من حديث عمر قال : ( يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي ) ، فقال : ( لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ) ، فقال: ( والله يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من نفسي ) ، قال: (الآن يا عمر ) .

9- عدم الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - :

على مَنْ آمن بدعوته - صلى الله عليه وسلم - وتأدب معه وأحبه واهتدى بهديه وكان حذرًا من مخالفته ، عليه أيضًا أن يحذر من تغيير سنته أو القول عليه بما ليس من قوله ولا هديه - صلى الله عليه وسلم - ، فمن فعل ذلك فالنار النار ، لما ورد في ( الصحيحين ) من حديث علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تكذبوا عليَّ ، فإنه من كذب عليَّ فليلج النار ) ، وحديث المغيرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنَّ كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد ، من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوا مقعده من النار ).

10 - تبليغ دعوته ورسالته - صلى الله عليه وسلم - :

قال تعالى - : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وقال - تعالى - : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ) الآية .

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن مسعود الصحيح : نَضَّر الله أمرًا سمع منا شيئًا ، فبلغه كما سمعه ، فرُبَّ مبلغ أوعى من سامع ) .

11- الدفاع عن سنته ضد المحرفين والمبتدعين :

وذلك بإحياء سنته وإماتة البدعة وبيان ذلك للناس مع بيان أنه ما قامت بدعة إلا هدمت سنة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث الناس على التمسك بسنته ، وسنة خلفائه الراشدين، وترك البدع ومسلك المبتدعين ؛ لأن البدعة عمل لم يعمله رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه ، ورغم ذلك يقوم المبتدع قاصدًا به قربة إلى الله فكيف يتقرب بما نهاه الله عنه أو طائعًا بعصيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقد ثبت في ( مستدرك الحاكم ) من حديث العرباض بن سارية قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ) .

12- سؤال الوسيلة له بعد الأذان :

ومن حقه كذلك أن تسأل له - صلى الله عليه وسلم - الوسيلة كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن جابر مرفوعًا قال : ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامَّة والصلاة القائمة . آت محمدًا الوسيلة والفضيلة . وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته . حَلْت له شفاعتي يوم القيامة ) .

والأصل في الوسيلة ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به ، والمراد في الحديث القرب من الله - تعالى - وقيل : هي الشفاعة يوم القيامة ، وقيل : هي منزلة من منازل الجنة كما جاء في الحديث .

وأخيرًا لتعلم أخا الإسلام أن وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلقه وواجبنا نحوه تضيق عنه المجلدات الكبار ، فضلاً عن المختصرات والمقالات ، فاللهم اجعلنا له أتباعًا ، ولسنته أنصارًا ، وله في الجنة رفاقًا ، وأصحابًا ، إنك على كل شيء قدير ، والحمد لله رب العالمين ، وسلام على المرسلين وعلى خاتمهم وأكرمهم  وصحبه وآل بيته وكل من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين .

 

(1) راجع في ذلك كتاب ( الشمائل للترمذي ) و ( الشفاء ) للقاضي عياض ، وابن كثير في (البداية والنهاية ) ، و ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) .

(2)  قوله تعالى : ( أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) لا يوجب كفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنًا إلا باختيار الإيمان على الكفر ، كذلك لا يكون المؤمن كافرًا إلا أن يختاره ، والحبوط هنا نقص المنزلة لا إسقاط العمل من أصله ، إلا أن يكون رفع الصوت من قبيل الاستخفاف والاستهانة.( راجع ( القرطبي و زاد المسير ) عند تفسير الآية الكريمة).

عدد المشاهدات 4873