أحكام القصاص والديات

2011-11-05

صلاح الدق

أحكام القصاص والدِّيَات

المقدمة

الحمد لله، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيرًا، وداعياً إلي الله بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد :

فإن الإسلام هو الدينُ الخاتمُ الذي اختاره الله تعالى ليختم به الأديان السماوية، وقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية مناسبة وشاملة لجميع جوانب الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان . إن مبادئ الإسلام لتسمو على جميع المبادئ الإنسانية التي وضعها الناس من عند أنفسهم، لأن مبادئ الإسلام تشريع من عند الله تعالى، الذي خلق الإنسان ويعلم ما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، وهذا واضح لكل من تأمل بصدق أحكام الشريعة الإسلامية .

من أجل ذلك قُمت بإعداد هذه الرسالة والتي تناولت الحديث فيها عن معنى القصاص، والفرق بينه وبين الحدود، الحكمة من القصاص وأنه مسئولية الحاكم أو من ينوب عنه، و شروط القصاص، وأنواع القتل وأحكام كل نوع المتعلقة به، وصفة القصاص من القاتل، وسقوط القصاص عن القاتل، وتحدثت عن معنى الدية ومشروعيتها، وأحكام الدية في النفس والأطراف، ثم ختمت الرسالة بالحديث عن القسامة وأحكامها . أسأل اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.

صلاح نجيب الدق

بلبيس ـ مسجد التوحيد

 

القصاص لغة : تتبع الأثر، ومنه قوله تعالى : (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) ( القصص : 11 )

أي اتبعيه، وقوله تعالى : (فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا ) ( الكهف : 64 )

فكأن المقتص يتبع أثر جناية الجاني، والقصاص يعني أيضاً المماثلة، ومنه أُخِذَ القصاص لأنه يجرحه مثل جرحه أو يقتله به، وقيل سُمي قصاصاً لأنه يقص الخصومات أي يقطعها، وقيل أصله من القص، وهو القطع لأن المقتص يقطع بدنه مثل ما قطع الجاني .

القصاص في الشرع :

معاقبة الجاني بمثل جنايته .

( معجم الألفاظ والمصطلحات الفقهية لمحمود عبد الرحمن جـ3 صـ94 : صـ95 )

ويُسَمى القصاص القَوْد : لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ يُقَادُ بِشَيْءٍ يُرْبَطُ فِيهِ أَوْ بِيَدِهِ إلَى الْقَتْلِ، فَسُمِّيَ الْقَتْلُ قَوَدًا لِذَلِكَ . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ506 )

ويُسَمى القصاص جناية .

الْجِنَايَةُ في الشرع هي : كُلُّ فِعْلِ عُدْوَانٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، لَكِنَّهَا فِي الْعُرْفِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّعَدِّي عَلَى الْأَبْدَانِ، وَسَمَّوْا الْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا، وَنَهْبًا، وَسَرِقَةً، وَخِيَانَةً، وَإِتْلَافًا .(المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 11صـ 443)

الفرق بين القصاص و الحدود

1ـ القصاص يورث، والحد لا يورث.

2 - القصاص يصح العفو عنه، والحد لا يُعفى عنه.

3 - التقادم لا يمنع قبول الشهادة بالقتل، بخلاف الحد ما عدا القذف.

4 - تجوز الشفاعة في القصاص، ولا تجوز في الحد بعد الوصول للحاكم.

5 - لا بد في القصاص من رفع الدعوى إلى القضاء من ولي الدم، أما الحد ما عدا القذف والسرقة، فلا يُشترط فيه الادعاء الشخصي من صاحب المصلحة فيه، وإنما يصح الحسبة فيه.

6 - يثبت القصاص بإشارة الأخرس أو كتابته، أما الحد فلا يثبت بهما، لاشتمالهما على الشبهة.

7 - يجوز للقاضي القضاء بعلمه الشخصي في القصاص دون الحدود.

(رد المحتار لابن عابدين جـ 6 صـ 550:549)

الحكمة من القصاص:

قال الله تعالى :(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة : 179 )

قال الإمام ابن كثير(رحمه الله) يقول تعالى: وفي شَرْع القصاص لكم -وهو قتل القاتل -حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المُهَج وصَوْنها؛ لأنه إذا عَلِمَ القاتلُ أنه يقتل انكفَّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتلُ أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) قال أبو العالية: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتُل، فتمنعه مخافة أن يُقتل.(تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 166)

القصاص مسئولية الحاكم :

قال الإمام القرطبي (رحمه الله):اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل اللّه السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض .

وأجمع العلماء على أن على السلطان أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحدٍ من رعيته، إذ هو واحد منهم، وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل، وذلك لا يمنع القصاص، وليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام اللّه عز وجل، لقوله جل ذكره: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) وثبت عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملاً قطع يده: لئن كنت صادقاً لأقيدنك منه. (تفسير القرطبي جـ 2صـ 260)

شروط القصاص :

يُشترطُ في القصاص ما يلي :

(1) أن يكون المقتول معصوم الدم فلو كان حربيا، أو زانيا محصنا، أو مرتدا، فإنه لا ضمان على القاتل، لا بقصاص ولا بدية، لان هؤلاء جميعا مهدور و الدم.

(2) أن يكون القاتل بالغاً، عاقلاً .

(3) أن لا يكون القاتل أصلاً للمقتول ( كالأب والجد ) .

(4) أن يكون المقتول مكافئاً للقاتل في الدين والحرية .

(5) أن يكون القتل عمداً .

( فقه السنة للسيد سابق جـ3 صـ271 : صـ275 )

القتل :

تعريف القتل : هو فعل ما تزول به الحياة .

حكْم القتل :

 أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَيقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا )

وَقَالَ تَعَالَى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً ) .وَقَالَ سبحانه : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ) .

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى الشيخانِ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ.( البخاري حديث 6878/ مسلم حديث 1676)

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا، فَسَقَ، وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .(المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 11صـ 443)

أنواع القتل

القتل ثلاثة أنواع وهي :

1 – القتل العمد . 2 – القتل شبه العمد . 3 – القتل الخطأ .

وسوف نتحدث عن كل منها بإيجاز :

أولاً : القتل العمد :

معنى القتل العمد هو : قصد العدوان على شخص بما يقتل غالباً .

( الفقه الإسلامي للزحيلي جـ6 صـ222 )

أركان القتل العمد :

(1) أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً، قاصد للقتل .

(2) أن يكون المقتول إنساناً، ومعصوم الدم .

(3) أن تكون الأداة التي استعملت في القتل، مما يُقتل بها غالباً .

فإذا لم تتوفر هذه الأركان، فإن القتل لا يعتبر قتلاً عمداً .

( فقه السنة للسيد سابق جـ3 صـ263 : صـ264 )

عقوبة القتل العمد :

اتفق الفقهاء على عقوبة القتل العمد هي القصاص من القاتل، بشرط أن يكون المقتول حراً مسلماً إلا أن يعفو أولياء المقتول ويقبلوا الدية مائة من الإبل أو بما يتصالحون عليه .

( المغني لابن قدامة جـ11 صـ457 )

قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( البقرة : 178 )

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ:مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ . ( البخاري حديث 2434/ مسلم حديث 1355 )

روى الترمذيُّ عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بْنِ العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ( مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ )وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ . ( حديث حسن ) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1121 )

فائدة :يترتب على القتل العمد إذا توافرت شروطه الحرمان من الميراث أو من الوصية .

العفو عن القصاص :

روى النسائيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:مَا أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَيْءٍ فِيهِ قِصَاصٌ إِلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ (حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني جـ 3صـ 293 )

قتل الرجل بالمرأة :

اتفق فقهاء المسلمين على أنه يجوز قتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالمريض .

روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ-صلى الله عليه وسلم- قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ قَتَلَهَا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا.(حُلي من الفضة)( البخاري حديث :6885)

قال البخاري (رحمه الله) قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ. ( البخاري ـ كتاب الديات ـ باب 1)

روى ابن أبي شيبة عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ : الْقِصَاصُ فِيْمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْعَمْدِ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْسِ.(مصنف ابن أبي شيبة جـ 9 صـ 126رقم:28039)

روى ابن أبي شيبة عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي والشَّعْبِيِّ، قَالاَ : الْقِصَاصُ فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْعَمْدِ، فِي كُلِّ شَيْءٍ.(مصنف ابن أبي شيبة جـ 9 صـ 126رقم:28040)

الكفارة في قتل العمد :

لا تجب الكفارة في قتل العمد، لأن الله تعالى قد شدد في أمر القاتل عمداً بالقصاص منه وهو القتل أو دفع الدية إذا عفا أولياء المقتول، ولأن الله تعالى ذكر الجزاء الدنيوي على القتل العمد، وهو القصاص بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( البقرة : 178 )وذكر سبحانه الجزاء الأخروي بقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) ( النساء : 93 )

فإذا قلنا بوجوب الكفارة في قتل العمد، لزدنا على ما جاء في القرآن والسنة وهو باطل، ولأن قتل النفس عمداً بغير حق كبيرة من الكبائر وهو أعظم من أن تكون له كفارة .

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ:مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ . ( البخاري حديث 2434/ مسلم حديث 1355 ) ( الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري جـ5 صـ202 )

القصاص بين الوالد وأبنائه :

لا يقتل الوالد الذي قتل ابنه أو حفيده، سواء كان ذلك ولد البنين أو ولد البنات، ولكنه يدفع الدية ولا يأخذ منها شيئاً، ويدخل في ذلك الأمهات والجدات .( المغني لابن قدامة جـ11 صـ483 )

روى ابن ماجه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ.

(حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2157 )

وأما إذا قتل الولد أباه أو أمه فإنه يقتص منه بالقتل . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ489 )

لا يقتل المسلم بغير المسلم :

أجمع العلماء على أنه لا قصاص على المسلم إذا قتل غير المسلم ولكن عليه دفع الدية لأهله . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ465 : صـ467 )

روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ .( حديث حسن صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3798)

تنبيه هام :

لا يجوز للمسلم قتل غير المسلم بدون وجه حق، ولا يقوم بذلك إلا الحاكم أو من ينوب عنه .

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا . ( البخاري حديث 3166 )

المُعاهد :كُلُّ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12صـ 271)

عفو بعض أولياء القتيل :

إذا عفا بعض أولياء القتيل عن القاتل، ورفض البعض الآخر سقط القصاص عن القاتل، لأن عقوبة القتل لا تتجزأ . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ459 )

روى البيهقي عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِىِّ : أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ امْرَأَتَهُ اسْتَعْدَى ثَلاَثَةُ إِخْوَةٍ لَهَا عَلَيْهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَفَا أَحَدُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْبَاقِيَيْنِ خُذَا ثُلُثَىِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى قَتْلِهِ.

( إسناده صحيح )(سنن البيهقي جـ 8 صـ 59)

روى عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب أن عمر بن الخطاب رُفعَ إليه رجل قتل رجلاً، فأراد أولياء المقتول قتله، فقالت أخت المقتول - وهي امرأة القاتل - قد عفوت عن حصتي من زوجي، فقال عمر : عتق الرجل من القتل.( إسناده صحيح ) (مصنف عبد الرزاق جـ 10صـ 13)

ثانيًا : القتل شِبْه العَمْد:

المقصود بالقتل شبه العَمْد هو أن يقصد المسلم المكلف ضرب إنسان آخر بما لا يقتل غالبًا، إما لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه، كالضرب بالسوط، والعصا، والحجر الصغير، والوكز باليد، وسائر ما لا يقتل غالبًا فيؤدي ذلك إلى القتل. ( المغني لابن قدامة جـ 11ـ صـ 462)

آثار القتل شِبْه العَمْد :

يترتب على القتل شبه العمد ما يلي :

1 - دفع عاقلة القاتل الدية المغلظة إلى أولياء المقتول :

وهذه الدية عبارة عن مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، وتجب على عاقلة الجاني لأولياء المقتول . (المغني لابن قدامة جـ11 صـ 463)

روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ إِلَى هَاهُنَا حَفِظْتُهُ عَنْ مُسَدَّدٍ ثُمَّ اتَّفَقَا أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُذْكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِ أَوْلَادِهَا ( حديث حسن) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3807 )

وروى الشيخانِ عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. ( البخاري حديث 6740/ مسلم حديث 1681)

وجبت الدية على عاقلة الجاني لشبهة عدم قصد القتل، فأشبه قتل الخطأ .

2- الكفارة :

تجب على القاتل الكفَّارة، وهي :عتق رقبة مسلمة من ماله، فإن لم يستطع، صام شهرين متتابعين.(منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص440)

ثالثاً: القتل الخطأ :

القتل الخطأ هو أن يفعل المسلم، البالغ العاقل، فعلاً لا يريد به إصابة المقتول، فيصيبه ويقتله، مثل أن يرمي صيدًا أو هدفًا فيصيب إنسانًا فيقتله. ( المغني لابن قدامة جـ 11 صـ 464)

يقول الله تعالى : [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] (النساء: 92)

الآثار المترتبة على القتل الخطأ :

يترتب على القتل الخطأ ما يلي :

1 - وجوب الدية والكفَّارة معًا :

تجب الدية والكفارة على من قتل مسلمًا خطأ، أو غير مسلم، له عهد مع المسلمين، وذلك باتفاق أهل العلمبدليل الآية السابقة .

فائدة هامة :الدية تكون مخففة (مائة من الإبل) وتدفعها عاقلة القاتل لأولياء المقتول، والكفارة تكون من مال القاتل.

2- وجوب الكفارة فقط :

وتجب الكفارة فقط على من قتل مسلمًا في حرب مع الكفار وهو يظن أنه منهم وذلك لقوله تعالى : [فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ](المغني لابن قدامة جـ 11 صـ 464)

القتل الجماعة بالواحد :

إذا اشترك جماعة من الناس في قتل مسلم، حر، بالغ، عاقل، فإنهم يقتلون جميعاً . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ490 )

روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ غُلَامًا قُتِلَ غِيلَةً(سراً) فَقَالَ عُمَرُ لَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ . ( البخاري حديث 6896 )

قتل الحر للعبد :

إذا قتل مسلم، حر، بالغ، عاقل، عبداً، فإنه لا يقتل به ولكن عليه دفع الدية لسيده . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ473 )

لا إكراه في قتل إنسان لآخر ظلماً :

إذا اكره رجلٌ شخصاًَ على قتل إنسان آخر، وجب القصاص بالقتل على كل من الرجلين، لأن الذي أكره شخصاً على القتل عمداً تسبب في قتل معصوم الدم ظلماً، وأما المستكره على القتل، فقد قتل شخصاً عمداً وظلماً لإبقاء نفسه . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ455 : صـ456 )

القصاص من السكران:

 ويقتص من السكران بشراب محرم باتفاق المذاهب الأربعة .

والقصاص من السكران واجب؛ لأنه حق آدمي، وقياساً على إيجاب حد الشرب عليه، وسداً للذرائع أمام المفسدين الجناة، فلو لم يقتص منه لشرب ما يسكره، ثم يقتل ويزني ويسرق، وهو بمأمن من العقوبة والمأثم، ويصير عصيانه سبباً لسقوط عقوبة الدنيا والآخرة عنه.(المغني لابن قدامة جـ 11صـ 482)

كيف يثبت القصاص :

يثبت القصاص بأحد أمرين :

(1) الاعتراف بغير إكراه .

روى الشيخانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ(هَشَّم) رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ قِيلَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ أَفُلَانٌ أَفُلَانٌ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ . ( البخاري حديث 6879 / مسلم حديث 1672 )

(2) شهادة رجلين عدلين من المسلمين .

روى أبو داودَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ فَانْطَلَقَ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَكُمْ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا هُمْ يَهُودُ وَقَدْ يَجْتَرِئُونَ عَلَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا قَالَ فَاخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَاسْتَحْلَفُوهُمْ فَأَبَوْا فَوَدَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ عِنْدِهِ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3793 )

اشتراك من لا قصاص عليه في القتل :

إذا اشتركت جماعة من الناس، منهم من تنطبق عليه شروط القصاص، ومنهم من لا قصاص عليه (الصبي، المجنون ) في قتل مسلم، حر، بالغ، عاقل، وجب القصاص بالقتل فيمن تنطبق عليه، شروط القصاص، وأما من لا قصاص عليهم، فإن عاقلتهم تتحمل دية القتيل، ويجب عتق رقبة من ماله .

( المغني لابن قدامة جـ11 صـ498 : صـ499 )

صفة القصاص من القاتل:

يقتص من القاتل بمثل الطريقة، والآلة التي قتل بها، بشرط أن تكون طريقة القتل غير منهي عنها، كالتحريق بالنار حتى الموت .قال الله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) ( البقرة : 194 )

وقال سبحانه : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) ( النحل : 126 )

روى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ قِيلَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ أَفُلَانٌ أَفُلَانٌ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ . ( البخاري حديث 6879 / مسلم حديث 1672 )

قال الماوردي يعتبر في استيفاء القصاص عشرة أشياء:

(1) حضور الحاكم أو نائبه (2) حضور شاهدين (3) حضور أعوان الحاكم، لأنه ربما يحتاج إليهم. (4) يُؤمرُ المقتص منه بقضاء الصلاة (5) يُؤمرُ بالوصية فيما له وعليه (6) يُؤمرُ بالتوبة من ذنوبه(7) يُساقُ إلى موضع القصاص برفق ولا يُشتم (8)تُشدُ عورته بشداد حتى لا تظهر (9) تُسدُ عينه بعصابة حتى لا يرى القتل (10) يُمدُ عنقه ويضرب بسيف صارم لا كال ولا مسموم. (الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 485)

القصاص من المرأة الحامل :

اتفق الفقهاء على أنه لا يُقامُ القصاص على المرأة الحامل حتى تضع حملها، وتُنتظرُ حتى تفطم رضيعها، إذا لم يوجد غيرها لإرضاعه . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ327 )

روى مسلمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي. فَقَالَ: وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ وَمَا ذَاكِ قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَ آنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: فَرَجَمَهَا. (مسلم حديث1695 )

سقوط القصاص عن القاتل :

يسقط القصاص عن القاتل بأحد الأمور التالية :

(1) موت القاتل .

(2) عفو أولياء القتيل .

(3) الصلح على القصاص بما يتراضى عليه أهل القتيل مع القاتل .

روى الترمذي عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بْنِ العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ( مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ )وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ .( حديث حسن ) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1121 )(فقه السنة للسيد سابق جـ 3صـ 283)

القصاص في أعضاء الجسم :

 قال الله تعالى وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة:45)

روى ابنُ جرير الطبري عن عبد الله بن عباس قوله:" أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "، قال: تقتل النفس بالنفس، وتفقأ العين بالعين، ويقطع الأنف بالأنف، وتنزع السنّ بالسن، وتقتص الجراح بالجراح. (تفسير الطبري جـ 10صـ 361)

روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ، عَمَّتَهُ، كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الْأَرْشَ(الدِّيَةُ) فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ .(البخاري حديث 2703)

القصاص بين الرجل و المرأة فيما دون النفس :

يجوز القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس ( أعضاء الجسم ) لأن الأطراف تابعة للنفس، فكما يجري القصاص بين الرجال والنساء في النفس، فكذلك يجري القصاص بينهم في الأطراف لأنها تابعة للنفس .

قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( البقرة : 178 )

روى ابنُ جرير عن مجاهد قال، دخل في قول الله تعالى ذكره:"الحر بالحر"، الرجل بالمرأة، والمرأةُ بالرجل. وقال عطاءُ بنِ أبي رباح: ليس بينهما فَضل. (تفسير الطبري جـ3 صـ360 ) ( الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري جـ5 صـ226 )

أحكامُ الدِّيـَات

تعريف الدية : هي المال المؤدى إلى مجني عليه أو إلى أوليائه أو ورثته بسبب جناية .

وتُسمى الدية : بالعقل وذلك لأنهم كانوا يأتون بالإبل فيعقلونها ( يربطونها ) بفناء ولي المقتول .

وقيل لأن هذه الدية تعقل ( أي تمنع إراقة دم القاتل ) . ( الموسوعة الفقهية الكويتية جـ21 صـ44 )

مشروعية الدية :

الأصل في وجوب الدية القرآن والسُّنة وإجماع فقهاء المسلمين .

أما القرآن، فيقول الله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) ( النساء : 92 )

وأما السُّنة، فقد روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ إِلَى هَاهُنَا حَفِظْتُهُ عَنْ مُسَدَّدٍ ثُمَّ اتَّفَقَا أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُذْكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِ أَوْلَادِهَا . ( حديث حسن ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3807 )

أما الإجماع فقد أجمع أهل العِلْمِ على وجوب الدية . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ5 )

مقدار الدية :

أجمع أهل العِلْمِ على أن الإبل أصل في الدية، وأما ما ثبت في تقدير الدية بغير ذلك فإنما هو مبني على تقويمها بالإبل، ويجوز أخذ الدية من غير الإبل بما يناسب كل مكان على حدة، بشرط أن تكون هذه الدية مقدرة بقيمة الإبل .

روى أبو داودَ عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بْنِ العاص قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَمَانَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ قَالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ قَالَ وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدِّيَةِ.(حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3806)

وعلى ذلك نقول وبالله تعالى التوفيق أن الدية هي : مائة من الإبل، أو مائتا بقرة، أو ألف شاةٍ، أو ألف دينار ( 250¸4 كيلو جرام من الذهب )، أو اثنتا عشرة ألف درهم (700¸ 35 كيلو جرام من الفضة ) وذلك بما يناسب المكان الذي تمت في جريمة القتل . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ6 : صـ8 ) ( المجموع للنووي جـ19 صـ47 : صـ51 )

أولاً : دية النفس :

(1) دية المسلم الحر :( رجل أو امرأة ) مائة من الإبل أو ما يعادلها من المال، في القتل العمد وتكون مغلظة، وتجب في مال القاتل نفسه . ( المجموع للنووي جـ19 صـ40 )

روى الترمذي عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بْنِ العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ( مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ )وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ .( حديث حسن ) صحيح الترمذي للألباني حديث 1121 )

(2) دية القتل شبه العمد : هي دية مغلظة مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، (أو ما يعادلها من المال ) تدفعها عاقلة الجاني لأهل القتيل .( المجموع للنووي جـ19 صـ40 )( المغني لابن قدامة جـ11 صـ462 : صـ463 )

(3) دية المسلمة الحرة : نصف دية الرجل المسلم الحر ( أي خمسون من الإبل ) وذلك في حالة القتل الخطأ، وكذلك دية أطرافها و جراحها . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ56 )

(4) دية القتل الخطأ : للمسلم الحر، المكلف، تكون مخففة : أي مائة من الإبل أو ما يعادلها من المال . وتدفعها عاقلة الجاني لأهل القتيل . ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ463 : صـ464 )

فائدة هامة :

دية القتل العمد تدفع فوراً لأهل القتيل وتكون من مال الجاني نفسه، وأما دية القتل الخطأ وشبه العمد، فتكون على عاقلة الجاني، وتدفعها في ثلاث سنوات في كل سنة ثلث الدية، سواء أكانت هذه الدية في النفس أو الأطراف . ( المجموع للنووي جـ19 صـ146 : صـ147 ) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ17 )

روى البيهقي عن عامر الشعبي قال جعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه الدية في ثلاث سنين وثلثي الدية في سنتين . ( سنن البيهقي جـ8 صـ109 )

روى البيهقي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِالْعَقْلِ فِى قَتْلِ الْخَطَإِ فِى ثَلاَثِ سِنِينَ.(سنن البيهقي جـ 8 صـ 110)

قال الترمذيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَرَأَوْا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ.(سنن الترمذي ـ الديات ـ باب 1)

ما المقصود بالعاقلة ؟

العاقلة مأخوذة من العقل(المنع)، وسميت بهذا الاسم لأنهم يمنعون القتل عن الجاني، والعاقلة هم أقارب الجاني من جهة الأب وهم : الإخوة وبنوهم، ثم الأعمام وبنوهم، ثم أعمام الأب وبنوهم، ثم أعمام الجد وبنوهم .

فائدة :

ليس على فقير ولا امرأة ولا صبي، ولا زائل العقل، في العاقلة حمل شيء من الدية .

( المجموع للنووي جـ19 صـ159 ) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ47 : صـ48 )

(5) دية الرجل الحر من أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) نصف دية المسلم الحر( أي خمسون من الإبل).

(6) دية المرأة الحرة : من أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) نصف دية المرأة المسلمة الحرة ( خمس و عشرون من الإبل ) .( المغني لابن قدامة جـ12 صـ51 )

روى ابن ماجه عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بن العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى .( حديث حسن ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2139 )

(7) دية العبد : تكون بقدر قيمته من المال .( المغني لابن قدامة جـ12 صـ58 : صـ59 )

(8) دية جنين المرأة المسلمة الحرة هي : عبد أو أمة، قيمة كل منهما خمس من الإبل  (بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 606) (مسلم بشرح الووي جـ 6صـ 193)

 (9) دية جنين المرأة غير المسلمة هي : عشر دية أمه . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ61)

(10) دية الجنين المملوك : هي عشر قيمة أمه سواء كان هذا الجنين ذكراً أو أنثى . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ69 )

(11) دية الجنين الذي خرج نتيجة الضرب من بطن أمه بعد ستة أشهر حياً ثم مات : تكون ديته كاملة (مائة من الإبل أو ما يعادلها من المال ) إذا كانت أمه مسلمة حرة، أو قيمة الجنين إذا كان مملوكاً . (المغني لابن قدامة جـ12 صـ74)

ثانياً : دية الأطراف :

روى مالكُ والنسائيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ هَذِهِ نُسْخَتُهَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِيِ رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ أَمَّا بَعْدُ وَكَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ (أُخذ كله) جَدْعُهُ(قطعه ) الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ.

(موطأ مالك كتاب العقول باب 1 حديث 1) (سنن النسائي جـ8 صـ58 )

هذا الحديث يشتمل على كثير من الديات، ولذا فمن الضروري بيان أقوال أهل العلم في هذا الحديث، فنقول وبالله تعالى التوفيق :

(1) قال الإمام ابن عبد البر: (رحمه الله تعالى ) : لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد وقد رُوي مسنداً من وجه صالح وهو كتابٌ مشهورٌ عند أهل السير، معروفٌ ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.

وقال أيضاً :وكتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء وما فيه فمتفق عليه إلا قليلا وبالله التوفيق.

ومما يدلك على شهرة كتاب عمرو بن حزم وصحته ما ذكره ابن وهب عن مالك والليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه وفيما هنالك من الأصابع عَشرٌ عَشرٌ،  فصار القضاء في الأصابع إلى عَشرٍ عَشرٍ. (التمهيد لابن عبد البرجـ 17 صـ 339:338)

(2)الإمام الشافعي(رحمه الله تعالى):

 قال الإمام النووي(رحمه الله تعالى): وصححه من حيث الشهرة لا من حيث الإسناد الإمام الشافعي في رسالته حيث قال: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (المجموع للنووي جـ 19صـ 352)

(3) الحاكم(صاحب المستدرك) :

 قال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز، وإمامُ عصره الزُّهْرِي بالصحة لهذا الكتاب. ( المجموع للنووي جـ 19صـ 353)

(4) قال الحافظ ابن كثير (رحمه الله تعالى):وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أئمة الإسلام قديما وحديثاً يعتمدون عليه ويفزعون في مهمات هذا الباب إليه .(سبل السلام للصنعاني جـ 3 صـ 356)

(5) قال الألباني (رحمه الله تعالى) : إسناده صحيح مرسل. (إرواء الغليل للألباني جـ 7صـ 268حديث: 2212 )

اعلم أخي المسلم الكريم :أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ إلَّا وَاحِدًا كَاللِّسَانِ، وَالْأَنْفِ، وَالذَّكَرِ وَالصُّلْبِ، فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ إذْهَابُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَإِذْهَابُهَا كَإِتْلَافِ النَّفْسِ، وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ ؛ كَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْمَنْخِرَيْنِ، وَالشَّفَتَيْنِ، وَالْخُصْيَتَيْنِ، وَالثَّدْيَيْنِ، وَالْأَلْيَتَيْنِ، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً ؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِمَا إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفٌ ؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِ إذْهَابَ نِصْفِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ .

وَمَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ، وَهُوَ أَجْفَانُ الْعَيْنَيْنِ وَأَهْدَابُهَا .

وَمَا فِيهِ مِنْهُ عَشَرَةٌ ؛ فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُهَا، وَهِيَ أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَأَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ .

وَمَا فِيهِ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي الْوَاحِدِ ثُلُثُهَا . وَهُوَ الْمَنْخِرَانِ، وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا .

وَعَنْهُ، فِي الْمَنْخِرَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْخِرَيْنِ شَيْئَانِ مِنْ جِنْسٍ، فَكَانَ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَالشَّفَتَيْنِ.

وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسٍ يَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ إلَّا الْأَسْنَانُ، فَإِنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَتَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ. ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ105 : صـ106 )

دية عين الأعور :

إذا اعتدى أحد على عين الأعور وفقد البصر ففيها الدية كاملة . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ110 )

إِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ قَلَعَ الْعَيْنَ الَّتِي لَا تُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ، أَوْ قَلَعَ الْمُمَاثِلَةَ لِلصَّحِيحَةِ خَطَأً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قَلَعَ الْمُمَاثِلَةَ لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْدًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ .( المغني لابن قدامة جـ12 صـ111 )

وأما إذا قلع الأعور عين صحيح العينين، عمداً فإنه عليه القصاص من عينه الواحدة الموجودة ونصف الدية للعين الأخرى . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ112 )

دية ذهاب السمع :

أجمع أهل العلم على أن ذهاب السمع فيه ديةٌ كاملةٌ، وإن ذهب السمع من إحدى الأذنين ففيه نصف الدية .

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ115 :صـ116 )

دية الأسنان :

يجب في كل سن خمس من الإبل .

روى النسائي عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بْنِ العاص قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- :فِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ.

( حديث صحيح ) ( صحيح النسائي للألباني جـ 3صـ 307)

( المجموع للنووي جـ19 صـ97 : صـ98 ) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ130 : صـ134)

دية أصابع الأيدي والأقدام :

في كل إصبع من اليدين والرجلين عشر من الإبل ( أو قيمتها من المال )، وفي الإصبع الزائدة ما يحكم به أهل العلم .

روى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ، الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ . ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1123 )

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ149 : صـ150 )

فائدة :كَسْرُ اليد، والذراع، والساق، والفخذ، فيه حكومة عدل.( المغني لابن قدامة جـ12 صـ140 )

دية ذهاب العقل :

إذا اعتدى شخص على آخر فأدى ذلك لذهاب عقله ففيه الدية كاملة. ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ150)

دية الأعضاء الشلاء الموجودة :

دية اليد الشلاء، التي ذهبت منفعتها، والعين الموجودة التي ذهب بصرها، ثلث دية كل واحد منها .

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ154 : صـ155 )

روى النسائيُّ عَنْ عبدِ الله بنِ عَمْرِو بْنِ العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إِذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إِذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إِذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا .( حديث صحيح ) ( صحيح النسائي للألباني جـ 3صـ 307)

روى عبد الرزاق عن ابن عباس قال : قضى عمر بن الخطاب في السن السوداء إذا كسرت، والعين القائمة، واليد الشلاء، بثلث ديتها.( إسناده حسن ) ( مصنف عبد الرزاق جـ 9صـ 350 رقم 17522)

قطع لسان الأخرس :

لا دية في قطع لسان الأخرس، بل تجب فيه حكومة عدل، لأن المقصود منه الكلام، ولا كلام فيه، فصار كاليد الشلاء . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ124 )

وأما قُطِعَ لسان الطفل الصغير الذي لم يتكلم لصغره، ففيه الدية كاملة، ( مائة من الإبل أو ما يعادلها من المال ) لأن ظاهر السلامة، وإنما لم يتكلم لأنه صغير . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ129 )

دية اللحية :

إذا أزال شخص لحية رجلٍ عمداً أو خطأً بأي وسيلةٍ، ولم تبنت مرة أخرى ففيها الدية كاملة فإن نبت نصفها ففيها نصف الدية وهكذا . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ117 : صـ119 )

دية الشجاج :

الشِّجَاجُ: هي الجراح التي تحدث في الرأس أو في الوجه.

الشِّجَاجُ عَشرةٌ في اللغة والفقه، وهي:

1 - الحَارِصَة: وهي التي تشق الجلد قليلا ولا تخرج الدم .

2 - البَاضِعَة: وهي التي تشق اللحم بعد الجلد شقاً كبيراً .

3 - الدامية : وهي التي تدمي الجلد فتسيل دمه .

 4 - الدامغة: وهي التي تصل إلى الدماغ .

5 - المتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم.

6 - السِّمحاق: وهي التي لم يبقى عن وصولها إلى العظم إلا قشرة رقيقة .

7 - الموضحة: وهي التي تكشف عن العظم وتبرزه .

8 - الهاشمة: وهي التي تكسر العظم وتهشمه.

9 - المُنَقِّلَةُ: وهي التي تكسر العظام وتزيلها عن مواضعها .

10 - المأمومة، أو الآمة: وهي التي تصل إلى جلدة الرأس.

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 612)

( المجموع للنووي جـ19 صـ62 : صـ70 )

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ158 : صـ177 )

وسوف نتحدث عن دية الشجاج بإيجاز، فنقول و بالله تعالى التوفيق :

(1) ليس هناك ديةٌ محددةٌ في الحَارصة، والدامية، والبَاضِعة، والمتلاحمة، والسِّمْحَاق، ولكن يجب فيها حكومة عدل لأنه لا يجوز إهدارها .( روضة الطالبين للنووي جـ9 صـ265 )

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ175 : صـ177 )

(2) دية الموضحة : أجمع الفقهاء على أن دية الموضحة خمس من الإبل، في الرجال والنساء على السواء.

ويجب فيما دون الموضحة حكومة عدل، وقيل أجرة الطبيب، وأما الموضحة، ففيها القصاص إذا كانت عمداً، ونصف عشر الدية إذا كانت خطأ، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، وهي خمس من الإبل.

ولو كانت مواضح متفرقة، يجب في كل واحدة منها خمس من الإبل.

روى الترمذيُّ عَنْ عبد الله بنِ عَمْرِوِ بْنِِ العاص أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ .( حديث حسن صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1122 )

والموضحة في غير الوجه والرأس توجب حكومة.

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 613) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ158 )

(3) دية الهاشمة : ذهب جمهور الفقهاء إلى أن دية الهاشمة هي عشرٌ من الإبل.

روى عبد الرزاق عن زيد بن ثابت أنه قال : في الهاشمة عشرٌ من الإبل.

( مصنف عبد الرزاق جـ9 صـ314 رقم 17348 )

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 614) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ162)

(4) دية المنقلة : هي خمس عشرة من الإبل.

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 614) ( روضة الطالبين للنووي جـ9 صـ264 )

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ164 )

(5) دية المأمومة والدامغة : هي ثلث الدية لكل منهما .

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 614) ( روضة الطالبين للنووي جـ9 صـ264 )

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ164 )

(6) دية الجائفة:( الجائفة هي كل ما يصل إلى الجوف كالبطن والظهر والصدر ) وديتها ثلث الدية .

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 614) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ166 ) ( روضة الطالبين للنووي جـ9 صـ265 )

فائدة :

حكومة عدل : ما يقدره مسلم عدل في جناية ليس فيها مقدار معين من المال .

الأَرْشُ : التعويض المالي الواجب بالجناية على ما دون قتل النفس .

وجوب الدية في بيت مال المسلمين ( الدولة ) :

يتحمل بيت مال المسلمين ( الدولة ) الدية في الحالات الآتية :

(1) عدم وجود العاقلة أو عجزها عن أداء الدية :

 إذا كان الجاني المسلم لا عاقلة له، أو كان له عاقلة ولكنها عجزت عن دفع دية خطأ الجاني فإن الدية تكون في بيت مال المسلمين .

روى ابن ماجه عَنْ الْمِقْدَامِ الشَّامِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ ( أعطى عنه الدية ) عَنْهُ وَأَرِثُهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ .

( حديث صحيح ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2130 ) ( المجموع للنووي جـ19 صـ153 )

( المغني لابن قدامة جـ12 صـ48 : صـ49 )( رد المحتار لابن عابدين جـ5 صـ413 )

(2) خطأ الأمام أو القاضي في حكمه :

إذا أخطأ ولي أمر المسلمين (الحاكم) أو من ينوب عنه، كالقاضي، في حكمه وترتب على ذلك قتل نفس ظلماً أو قطع عضو فديته من بيت مال المسلمين، ولا تتحمل عاقلة الحاكم شيئاً لأن هذا الخطأ قد يتكرر ويسبب لهم ضرراً لا يستطيعون تحمله . ( المجموع للنووي جـ19 صـ145 )( المغني لابن قدامة جـ12 صـ35 )

(3) وجود القتيل في الأماكن العامة :

إذا عُثر على قتيل في أحد الأماكن العامة، وكذلك إذا قتل مسلم في الزحام ولم يعرف قاتله فديته من بيت مال المسلمين ( الدولة ) . ( رد المحتار لابن عابدين جـ5 صـ406 )(فتح الباري لابن حجرـ جـ 12صـ 227)

القسامة

القَسَامَةُ في اللغة :

 القَسَامَةُ: مصدر أقسمَ، قسماً، وقَسَامَةٌ . والقَسَامَةُ مأخوذة من القسمة، لأن الأيمان تُقَسَّمُ على أولياء القتيل، أو أولياء القاتل.

القَسَامَةُ في الشرع :

أَيْمانٌ مُكَررةٌ بالله تعالى في دعوى قتلِِ شخصٍ معصومِ الدم . وتُقَسَّمُ هذه الأيمان على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعي عليهم بالقتل. وخُصَّ القَسَمُ على الدم بلفظ القسامة.

 ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ188 ) (فتح الباري لابن حجرـ جـ 12صـ 240)

مشروعية القسامة :

اتفق الفقهاء على أن الْقَسَامَةَ مشروعةٌ إذا وُجِدَ قتيلٌ في مكانٍ ما، ولم يعلم أحدٌ مَن قتله . وكانت القسامة معروفة في الجاهلية فأقرها الإسلام على ما كانت عليه .

(بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 صـ 624) ( الشرح الممتع لابن عثيمين جـ11 صـ81 )

روى مسلمٌ عَنْ أَبُي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْأَنْصَارِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .(مسلم حديث 1670)

روى الشيخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَبِّرْ الْكُبْرَ أَوْ قَالَ لِيَبْدَأْ الْأَكْبَرُ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ قَالُوا أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ قَالَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ قِبَلِهِ قَالَ سَهْلٌ فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا.(البخاري حديث 6898 / مسلم حديث 1660)

صورة القسامة :

صورة القسامة أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف من قتله ولا بينة ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة وتوجد قرينة تشعر بصدقه فيحلف على ما يدعيه ويحكم له .

(روضة الطالبين للنووي جـ 10 صـ 9)

فائدة : لا قسامة في إتلاف المال ولا فيما دون النفس من الجروح والأطراف بل القول فيها قول المدعى عليه بيمينه وإن كان هناك قرينة تثير الظن لأن النص ورد في النفس وهي أعظم من الأطراف ولهذا اختصت بالكفارة فلا تلحق بها الأطراف. (روضة الطالبين للنووي جـ 10 صـ 9) ( المغني لابن قدامة جـ 12 صـ 217)

فائدة : إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَوْضِعٍ، فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ عَلَى رَجُلٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، وَلَا قرينةٌ تُثِيرُ الظَّنَّ، فَهِيَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، إنْ كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُمْ بِهَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. ( المغني لابن قدامة جـ 12 صـ 189)

القسامة فيها الدية فقط:

القسامة لا يُقتصُ بها من أحدٍ، وإنما يُحْكَمُ فيها بالدية فقط، وذلك لأن أيمان أهل القتيل إنما هي على غلبة الظن، و حُكْمٌ بالظاهر، فلا يجوز إراقة دم إنسان بها.

 وسوف نذكر بعض أقوال أهل العلم في ذلك :

(1) عُمَر ُبن الخطاب : روى أبو بكر بن أبي شَيبة عَنِ الْقَاسِمِ بن عبد الرحمن، قَالَ : قَالَ عُمَر ُبن الخطاب : إِنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تُوجِبُ الْعَقْلَ، وَلاَ تُشِيطُ الدَّمَ.(مصنف ابن أبي شيبة جـ 9صـ 185رقم 28391)

(2)أبو بكر الصديق :

 روى أبو بكر بن أبي شَيبة عَنِ الْحَسَنِ البَصري ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَالْجَمَاعَةَ الأُولَى لَمْ يَكُونُوا يَقْتُلُونَ بِالْقَسَامَةِ.(مصنف ابن أبي شيبة جـ 9صـ 185رقم 28392)

(3) عبد الله بن عباس:

 روى ابن المنذر عن ابن عباس أن القسامة لا يُقَادُ بها(لا يُقتلُ بها أحد). (فتح الباري لابن حجرـ جـ 12صـ 241)

(4)قتادة بن دعامة:

 روى أبو بكر بن أبي شَيبة عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ : الْقَسَامَةُ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الدِّيَةَ، وَلاَ يُقَادُ بِهَا.(مصنف ابن أبي شيبة جـ 9صـ 185رقم 28394)

(5) إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ:

 روى أبو بكر بن أبي شَيبة عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ : الْقَسَامَةُ يُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ، وَلاَ يُقَادُ بِهَا.(مصنف ابن أبي شيبة جـ 9صـ 185رقم 28395)

(6) الشافعي :

 قال الإمام النووي (رحمه الله) قال الشافعي (رضي الله عنه) في أصح قوليه: لا يجب بالقسامة القصاص، وإنما تجب الدية، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وعثمان الليثي والحسن بن صالح، ورُوي أيضا عن أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم .(مسلم بشرح النووي جـ 6صـ 162)

(7) روى عبد الرزاق عن معمر قال: قلت لعبيد الله بن عمر أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا.قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت :فكيف تجترئون عليها ؟ فسكت .

(مصنف عبد الرزاق جـ 10صـ 37رقم 18276)

(8)قال النووي(رحمه الله) قوله -صلى الله عليه وسلم-( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ) (مسلم ـ كتاب الديات ـ حديث 6)

 معناه أن ثبت القتل عليهم بقسامتكم فإما أن يَدُوا صاحبكم، أي يدفعوا إليكم ديته وإما أن يُعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا فينتقض عهدهم(المقصود بذلك اليهود) ويصيرون حرباً لنا. وفيه دليلٌ لمن يقول الواجب بالقسامة الدية دون القصاص. (مسلم بشرح النووي جـ 6صـ 167)

(9) قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله):الذي يَظهرُ لي أن البخاري لا يُضَعِفُ القسامة من حيث هي بل يوافق الشافعي في أنه لا قَوْدَ فيها. (فتح الباري لابن حجرـ جـ 12صـ 249)

صفة القسامة : يُقْسمُ خمسونَ من أولياء القتيل بالله تعالى خمسين يميناً على استحقاقهم دم صاحبهم، إذا وجدوه قتيلاً بين قومٍ، ولم يُعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين، أقسم الموجودون خمسين يميناً، ولا يكون فيهم صبيٌ، ولا امرأةٌ، ولا عبدٌ، أو يقسمُ المتهمونَ خمسين يميناً على أنهم ما قتلوه، ولا علموا له قاتلاً. فإن حلف أولياء القتيل استحقوا الدية، وإن أقسم المتهَمون على نفي القتل، سقطت عنهم الدية، وإن رفض أهل القتيل يمين المدعى عليهم، والتبس الأمر على الحاكم، كانت دية القتيل من بيت مال المسلمين(الدولة). (فتح الباري لابن حجرـ جـ 12صـ 248)

وختاماً :

أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ، وصحبهِ، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .

عدد المشاهدات 12123