حرمان الشيطان من حظه فى قلب الإنسان

2008-02-26

جمال عبد الرحمن

حدث شق الصدر هذا عند رضاع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد، وكان هذا بداية إكمال أحوال العصمة- والرواية الثانية تشير إلى شق صدره في بيته بمكة، وقد وقع ذلك عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير- ثم وقع شق الصدر عند العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة.
«وغسله بطست ذهب»: لأن الذهب أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها، ولأن فيه خواصَّ ليست لغيره، وهو من أواني الجنة، ولا تأكله النار ولا التراب، ولا يلحقه الصدأ، وهو أثقل الجواهر، فيناسب ثقل الوحي، ثم إن جبريل عليه السلام جاء بطست من ذهب، «مملوءة حكمة وإيمانًا»: والْملء هذا لا مانع أن يكون على حقيقته، وتجسيد المعاني جائز، كما تأتي سورة البقرة كأنها ظلة، والموت في صورة كبش، وغَسْل قلب النبي صلى الله عليه وسلم . « بماء زمزم»: فيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه.
وقد جرت العادة على أن مَن شُق بطنه يموت لا محالة، ومع ذلك لم يؤثر ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم ضررًا ولا وجعًا.
قال العلماء: والحكمة من فعل ذلك وكان يمكن أن يُملأ قلبه بدون شق، أن رؤيته صلى الله عليه وسلم الشق وعدم تأثره بذلك زيادة في اليقين، فأمن من جميع المخاوف العادية، ولذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالاً ومقالاً، صلى الله عليه وسلم .
«فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك».
وإذا كانت هذه التنقية والتطهير والتصفية للداعية الأول المعصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماذا على الدعاة والأتْباع بعده ؟ الذين قال الله فيهم:
] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ [يوسف: 108].
لا شك أن عليهم عبئًا ثقيلاً في مجاهدة الشيطان واستخراج حظه وحظ النفس، فالمطلوب مجاهدة الشيطان، واستخراج حظه كما جاء في الأثر: وما تصدقت رياءً وسمعة فذلك حظ الشيطان.
وحظه في القلب كثير وهو الذي يتمثل في إساءة الظن، الحسد، البغضاء، الكراهية، إلخ.
كلها من أعمال الشيطان في القلب وحظه منه، والنبي صلى الله عليه وسلم وسلم يقول: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا».
[متفق عليه].
وهذا يعني أن له وصولاً وتأثيرًا في القلب، ويستطيع أن يقذف فيه من مكره وكيده ووسوسته، إلا لمن أفاق وتيقظ ونفعه إيمانه، فإن كيد الشيطان لا يضره:
]إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[ [النحل: 99].

مواضع حظ الشيطان في حياتنا


أخي المربي، أختي المربية، لنعلم جميعًا أن للشيطان تدخلات سخيفة ملحة في سائر حياتنا ودنيانا من أول لحظة عند الولادة إلى آخر لحظة عند الاحتضار، والواجب تعويذ الأولاد من الشيطان وغيره، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين فيقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة».
ولنذكر الآن بعض المواضع التي يقحم الشيطان فيها نفسه لإفساد بني آدم وعملهم.
1- في الصلاة: ففي الحديث: «لا يجعل أحدكم للشيطان حظًا من صلاته». [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم : «أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان».
[رواه أبو داود].
2- في الطعام، قال صلى الله عليه وسلم : «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها... وليأكلها ولا يدعها للشيطان».
[رواه مسلم].
3- في الفراش: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «فراش للرجل وفراش لامرأته وفراش للضيف والرابع للشيطان». [رواه مسلم].
وأرجو أن يسمع هذا الكلام المتزوجون الجدد الذين يشترطون في جهاز العروس غرفة للضيوف وغرفة للأولاد وغرفة للاستقبال وغرفة للطعام (السفرة)، فالبيت مليء بالمتاع، والقلب خاوٍ من الصلة بالله سبحانه، إلا من رحم الله.
4- بين الرجل وزوجته: قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أتى أحدكم أهله قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قُدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا».
5- في النوم: قال صلى الله عليه وسلم : «لا يخبر أحدكم بتلعب الشيطان به في المنام». [رواه مسلم].
6- في التحريش بين الناس: ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : «لا تكونوا عونًا للشيطان على أخيكم». [رواه أحمد].
وفي الحديث الآخر: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» أي: يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن. [صحيح مسلم].
7- في طعامك والمبيت معك: قال صلى الله عليه وسلم : «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء». [مسلم ابن حبان].
8- في النظرة المحرمة: قال صلى الله عليه وسلم : «النظر سهم مسموم من سهام إبليس».
9- في الخيل: قال صلى الله عليه وسلم : «الخيل ثلاثة، فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان... وأما فرس الشيطان فالذي يقامر ويراهن عليه».
[رواه أحمد، وصححه الألباني].
10- في النذر: قال صلى الله عليه وسلم : «النذر نذران ؛ فما كان لله فكفارته الوفاء به، وما كان للشيطان فلا وفاء وعليه كفارة يمين».
[أخرجه البيهقي وقال الألباني: صحيح عن ابن عباس].
11- عند النوم (عُقَدٌ): قال صلى الله عليه وسلم : «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد بكل عقدة يضرب عليه ليلاً طويل فإذا استيقظ ذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان». [متفق عليه].
12- في التثاؤب: قال صلى الله عليه وسلم : «التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال: ها، ضحك الشيطان».
[البخاري في صحيحه].
13- عند النوم الطويل: عن ابن مسعو رضي الله عنه قال: «ذُكر رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح ما قام إلى الصلاة، فقال: «بال الشيطان في أذنه». [البخاري في صحيحه].
14- في الصحبة عند السفر وحده: قال صلى الله عليه وسلم : «الراكب شيطان...».
[رواه أبو داود والترمذي].
يعني يحمله على فعل ذلك الشيطان.
15- وهو ذئب الإنسان يفترسه ويستحوذ عليه: قال صلى الله عليه وسلم : «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».
[رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني].
وهذه بعض المواقف للمرأة المسلمة كمربية وراعية في بيت زوجها، يظهر فيها تغلبها على الشيطان، وتنازلها عن حظ النفس:

المسلمة المربية تتغلب على كيد الشيطان وتقابل السيئة بالحسنة


للعفو والصفح أهلٌ كظموا غيظهم وعفوا عمن أساء إليهم، والله يحب المحسنين، ومن هؤلاء أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فقد بلغها أن عبد الله بن الزبير (وهو ابن أختها أسماء)، كان في دار لها فباعتها، فتسخَّط عبد الله على بيع تلك الدار، فقال: أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها (أي منازلها) أو لأحجرن عليها، فقالت عائشة رضي الله عنها: أَوَ قال ذلك؟ قالوا: قد كان ذلك. قالت: لله عليَّ ألا أكلمه حتى يفرق بيني وبينه الموت، فطالت هجرتها إياه، فشق عليه ذلك، فاستشفع بكثيرين لكي تكلمه، فأبت أن تكلمه، فلما طال ذلك ؛ كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود أن يستأذنا على خالته عائشة رضي الله عنها وهو معهما، فإن أذنت لهما قالا: كلنا ؟ وذلك حتى يدخلوا كلهم، فقالت: نعم كلكم فليدخل، ولم تشعر أن معهما عبد الله بن الزبير، فدخل فكشف الستر- وهي خالته- فاعتنقها وبكى، وبكت عائشة رضي الله عنها بكاءً كثيرًا، ونشدها عبد الله بن الزبير الله والرحم، ونشدها مسور وعبد الرحمن بالله والرحم وذكرا لها قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». فلما أكثروا عليها كلمته بعدما خشي ألا تكلمه، ثم كَفَّرت عن نذرها ذلك بعتق أربعين رقبة، قال عوف راوي الحديث: ثم سمعتها بعد ذلك تذكر نذرها ذلك فتبكي حتى تبل خمارها.
[أبو نعيم في «الحلية» (2/49) بتصرف].
نعم، فإن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بشر يصيب ويخطئ، وعائشة رضي الله عنها بشر تصيب وتخطئ، لكنهم إذا ذُكِّروا تذكروا:
]إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[ [الأعراف: 201].
وقد تمثلت عائشة في فعلها ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كفارة النذر كفارة اليمين».
[صحيح الجامع ح4488].
يعني أن من نذر فِعْل طاعة ثم عجز عن الوفاء، أو نذر نذرًا محرمًا فلا يفعل المحرم وعليه كفارة يمين، وهذا الذي فعلته أم المؤمنين رضي الله عنها.

موقف آخر


أيضًا فإن صفية بنت حُيَيْ رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت معروفة بأنها «شريفة عاقلة، ذات حسب وجمال ودين»، وأبوها حُيَيْ بن أخطب من زعماء اليهود (بني قريظة)، أسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب- في خلافته- فقالت له: إن صفية تحب السبت (يوم السبت يعظمه اليهود كما يعظم المسلمون يوم الجمعة)، وتصل اليهود، فبعث عمر رضي الله عنه يسألها، فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحمًا فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعتِ ؟ قالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنتِ حرة. سبحان الله! من سمع أن النمام يُعْطَى أعز جائزة (عتق رقبته)؟! وانظري أيتها المربية إلى ثمرة الصدق وجزائه. وكثيرًا ما تُظْلَم صفية رضي الله عنها وهي بريئة صادقة.
قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي ! فغمزن أزواجه ببصرهن، فقال: «مضمضن». فقلن: من أي شيء ؟ فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة».
فانظري أختي المسلمة إلى عفو أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن عبد الله بن الزبير، وكيف تغلبت على وسوسة الشيطان الرجيم بالمسارعة والصلح مع عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، كذلك صفية بنت حيي رضي الله عنها تعفو عن الجارية مع عظم ما فعلته، فلم تقم بتعذيبها وطردها كما يفعل السفهاء.
فكوني أيتها المسلمة كأمهات المؤمنين ؛ تكونين من الناجين من عذاب رب العالمين.

اعداد الشيخ / جمال عبد الرحمن
مجلة التوحيد عدد شهر صفر1429 هـ
عدد المشاهدات 11944