الخطب : وقفات مع مصايا لقمان لابنه (سلسلة الواعظ عدد ربيع الآخر 1438هـ )

2017-01-01

اللجنة العلمية

وقفات مع وصايا لقمان لابنه

وقفات مع وصايا لقمان لابنه

كثيرًا ما نقرأ سورة لُقمان، لكن ما أحوجَنا إلى وقفة تأمُّل وتدبر ثم التطبيق العملي لمَا تَحمِله وصايا لُقمان مِن مَناهِجَ تربويَّةٍ وتعليميَّة، وتقويم للسُّلوك؛ نقلها الله لنا في القرآن وسمى السورة باسمه لننتبه إلى ما انتهَجه "الأب" لُقمان مع ابنه؛ لِيَجعل منه رجلاً صالحًا، نافعًا لِمُجتَمعه، بأسلوب تربويٍّ رفيع.

من هو لقمان؟

قال ابن كثير -رحمه الله-: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي لُقْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ كَانَ نَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا صَالِحًا مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، الْأَكْثَرُونَ عَلَى الثَّانِي. (1)

ولكن الله تعالى وصفه بوصف يحتاجه كلّ مربٍّ في تعامله مع مَن يربيه، فقد وصفه بالحكمة فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان: 12]

والحكمة رزق عظيم يؤتيه الله من يشاء من عباده: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]

الوقفة الأولى مع قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ}

ويستفاد منها أهمية دور الأسرة - والأب خاصة - في تحمل مسؤولية التربية، لأن التربية عبارة عن مجموعة من القيم والأصول والأخلاق التي يكتسبها الأبناء من خلال رؤيتهم ومعايشتهم لآبائهم وأمهاتهم أو ما يغرسه المربون من قيم وأخلاق فيمن يربون.

مشى الطاووسُ يوماً باختيال. . . فقلدَ شكل مشيته بنوهُ

فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا:. . . بدأت به ونحن مقلدوهُ

فخالف سيركَ المعوجَّ واعدل. . . فإنا إن عدلت معدلوه

أما تدري أبانا كلّ فرعٍ. . . يحاكي في الخطى من أدبوه

وينشأ ناشئ الفتيان منا. . . على ما كان عوَّده أبوه

وما دان الفتى بحِجى، ولكن. . . يعوِّده التديُّنَ أقربوه

ويؤكد هذا المعنى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)). (2)

فلقد خلق الله تعالى عباده جميعا على الفطرة السوية ولكن يأتي بعض شياطين الجن والإنس ليغيروا هذه الفطرة وينكسوها كما قال تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [التين: 4 - 6]

وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: قال الله تعالى: (( خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)). (3)

لذلك كانت المسؤولية على الأبوين في المحافظة على هذه الفطرة من الطمس والتغيير، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]

قال عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه-: عَلِّمُوهُمْ، وَأَدِّبُوهُمْ.

وقال ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، ومُروا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ، يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.

وقال قَتَادَة -رحمه الله-: يَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً رَدَعْتَهُمْ عَنْهَا، وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا. (4)

فعلى الآباء أن يستشعروا أهمية هذه التربية المنوطة بهم، وأنه من الإساءة للأبناء والإخلال بالأمانة التي استودعها الله لهم أن يتركوهم بدون تربية وتوجيه لأنهم مسؤولون عنها أمام الله تعالى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )). (5)

وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ )). (6)

وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تضييع هذه الأمانة وبيَّن عاقبة ذلك، فعن مَعْقِل بْن يَسَارٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )). وفي رواية: (( فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ)). (7)

الوقفة الثانية مع قوله تعالى{ وَهُوَ يَعِظُهُ }.

سماها الله تعالى موعظة وهي: التذكير بكلام يلين له القلب وينشرح له الصدر فيكون بذلك ادعى لقبول السامع، فلننتبه لذلك؛ فليست التربية توبيخا ولا تقريعا ولا تقنيطا ولا استهزاء، ومن هنا نعلم سبب الفجوة التي توجد بين الكثير من الأبناء وآبائهم؟!

الوقفة الثالثة مع قوله { يَا بُنَيّ }

إنها كلمة تحمل كل معاني الاستعطاف والحرص والشفقة والرحمة، وهي أيضا تذكيرٌ بالصلة الوثيقة التي تربط بين المتكلم والسامع وهي ( صلة البنوة ) التي هي من أوثق الصلات بين بني الإنسان؛ فهذه الكلمة تكسر كل حواجز وموانع التمرد من قِبَل الأبناء لذلك انتهَجها إبراهيم مع ابنه إسماعيل حين أمره الله بذبحه، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } فما كان لهذا الابن البار بأبيه إلا أن يُبادله هذا الحب والاستعطاف، فيقول: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } [الصافات: 102].

وكذلك نوح ينتهجها مع ابنه الكافر المعاند، قال تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]

وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستخدمها مع غلامٍ يخدمه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( يَا بُنَيَّ )). (8) وكأنه يفخر بها ويتباهى وحُقَّ له ذلك.

وها هو لقمان الحكيم يِسلُك نفْسَ المسلك، ويَنتهِج نفْسَ المنهَج؛ منهَج الاستِعطاف لما في ذلك من سرعة استجابة الابن لما يسمع من أبيه.

الدرس الأول: التربية تبدأ بتصحيح الاعتقاد

انتهَج لقمان مِنهاج التدرُّج في التَّلقين، وابتدأ بأصول المسائل وأهمِّها ألا وهي العقيدة، والبداية في التربية على العقيدة منهج نبوي أصيل، فهذا نوح عليه السلام يوصي ولده بالتوحيد، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-، قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: آمُرُكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ )). (9)

وقال تعالى عن إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35]

وقال الله تعالى عن إمام الحنفاء وهو يوصي أبناءه: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 132]

وهذا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم يوصي أبناءه: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132، 133]

لذلك يخرج من صلبه هذا النبي العظيم يوسف عليه السلام شاب ينسى كلَّ مآسي السجن ويدعو إلى التوحيد الذي تربى عليه: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [يوسف: 38، 39]

ومن ذريته أيضا خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم- يبدأ ويلقن الغلمان العقيدة الصحيحة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )). (10)

وقال -صلى الله عليه وسلم-لِمعاذ بن جبَل وهو شاب صغير: (( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ ))، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )). (11)

لماذا التحذير من الشرك؟

قال تعالى عن لقمان: { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13].

لقد وصَف لقمانُ الشِّركَ بالله بأنه ظُلم عَظيم، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك وضع العبادة في غير موضعها وصرفها لغير مستحقها وسوّى بين الخالق المالك المدبر وبين المخلوق الضعيف، لذلك أنكر الله على أهل الشرك قائلا: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [النحل: 17] فهذا أعظم الظلم والطغيان

لذلك كان الشرك أعظم الذنوب، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: (( أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)). (12)

وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ )). (13)

وحذره من الشرك أيضا لأن الله تعالى لا يغفره إن مات عليه صاحبه، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 116].

وهو سبب حبوط جميع الأعمال: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]

وهو سبب الحرمان من الجنة والخلود في النار {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]

الدرس الثاني: التربية على الإحسان إلى والوالدين وبرهما

قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [لقمان: 14].

لقد اقترنَت وحدانيَّة الله تعالى ببرِّ الوالِدَين في القرآن الكريم في أكثر مِن مَوضِع؛ مما يدلُّ على أنَّ هذا الاقتران جاء لِيُنبِّه إلى قدْر الوالدَين ومكانتهما، وإلى أنَّ عُقوقهما هو أكبر جُرم يُقترَف بعد الشِّرك بالله، فجاء التنبيه على برهما والإحسان إليهما في أكثر من موضع منها: قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]

وقال تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]

وقال تعالى { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151]

وخصَّ الله تعالى ذكر الأمِّ في قوله سبحانه {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ. . . } تنبيها لما قاسته من تعب ومشقة في الحمل والولادة والرضاعة والرعاية في الصغر لذلك خصها الشرع أيضا بمزيد من البر والإحسان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (( أُمُّكَ )) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (( ثُمَّ أُمُّكَ )) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (( ثُمَّ أُمُّكَ )) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ أَبُوكَ )). (14)

وجاء التحذير الصريح من التعرض لهما أو لأحدهما بأدنى نوع من العقوق، قال تعالى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } [الإسراء: 23]

وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عقوقهما من أكبر الكبائر كما في حديث أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ )) ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ. . . )). (15)

وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ. . . )). (16)

الدرس الثالث: اختيار الصحبة الصالحة

قال تعالى: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } [لقمان: 15]. يَعني: اقتفِ أثر الصالِحين، واقْتدِ بعمل الفالِحين، وسرْ على طريقتِهم، وصاحب مَن سلك طريق التوبة إلى الله.

فاختيار الصُّحبَة للأبناء هو اختيار للقِيَم التي نُريد غرْسَها فيهم، وتَحديدٌ للطَّريق الذي نُريد أنْ يَسلكوه؛ لذا فإن مَسؤوليَّة اخْتيار الصُّحبة الصالِحة، وإبعاد الأبناء عن رُفَقاء السُّوء - مُلقاة على كاهِل الآباء. قال الغزالي -رحمه الله-: وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ. (17)

وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر الرفيق والصاحب إيجابًا وسلبًا فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )). (18)

عَنْ أَيُّوبَ السختياني قَالَ: إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْحَدَثِ الصغير - وَالْأَعْجَمِيِّ أَنْ يُوَفِّقَهُمَا اللَّهُ لِعَالِمٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وقال يُوسُف بْن أَسْبَاطٍ: كَانَ أَبِي قَدَرِيًّا، وَأَخْوَالِي رَوَافِضَ، فَأَنْقَذَنِي اللَّهُ بِسُفْيَانَ الثوري. (19)

الدرس الرابع: التربية على المراقبة الذاتية

قال تعالى عن لقمان: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [لقمان: 16].

إنها وصيَّة ودَرسٌ يَقتضي بموجبه استِحضار مُراقَبة الله لأعمالنا، فكلُّ فعْلٍ وكل تصرُّف، وكلُّ عمَل يأتيه الإنسان، بلْ وكل نجوى، وكلُّ همْس، وكلُّ خائنة عَين إلا وقد عَلِم الله هذا الفِعل، ومَن فعَله، ولِمَ فعَله، ومتَى فعَله، وأين فعَله، وكيف فعَله، ويوم القيامة يُجازيه عليه ويُنبِّئه به، فإنْ كان خَيرًا فخيرًا، وإن كان شرًّا فشرًّا، قال تعالى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47].

وقال تعالى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]

ما أجمل أن نغرس في قلوب أبنائنا هذه الوصية الرائعة: إياك أن يراك الله حيث نهاك وأن يفقدك حيث أمرك.

عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )). (20)

وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس: 61]

الدرْس الخامِس: الوصية بالواجبات

ومنها المحافظة على الصلاة، قال تعالى عن لقمان: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [لقمان: 17].

الدَّعوة لإقامة الصَّلاة والحِفاظ عليها بأركانها وأوقاتها وآدابها وخُشوعِها؛ فهي تَنهى عن الفَحشاء والمُنكَر، وتروض النفْس، وتُهذِّب الرُّوح، وتَمنعُها مِن إتيان المُنكَرات، وتَحضُّها على فعْل الخَيرات، وهي صلة بين العبد وربِّه، مَن حافظَ عليها كان الله حافِظًا له، ومَن أهملَها وضيعها تَعِس وشَقِي في حيَاته وآخرته إلا أن يتوب إلى الله تعالى.

قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين تبعا له{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]

وأثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]

وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)). (21)

قال البيهقي -رحمه الله- في السنن الكبرى: باب ما على الآباء والأمهات من تعليم الصبيان أمر الطهارة والصلاة. (22)

- ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال تعالى عن لقمان: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ }.

ثم يَدعو لقمان ابنه أن يأمُر بالمعروف ويَنهى عن المُنكَر، وهو انتِقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم، وأمْرِهم بالمعروف ونهْيِهم عن المُنكَر، والتزوُّد قبل ذلك كله للمَعركة مع الشرِّ بالزَّاد الأصيل، زادِ العبادة لله والتوجُّه إليه بالصَّلاة.

- إن امتلاك روح المبادرة البناءة، والشجاعة الأدبية، وصف نادر في صفوف ناشئتنا، لأسباب متعددة، لعل من أهمها عدم الدربة، والخوف من التبكيت وإهمال التربية على ذلك فلا ينبغي أن نقلل من شأن أبنائنا في الجانب الدعوي بما يتناسب مع حالهم فبأمثالهم غيَّر الله حال أمم ولنعتبر بغلام الأخدود.

الدرس السادس: الوصية بالأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها

- ومن ذلك الصبر: قال تعالى عن لقمان { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }

علم لقمان أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.(23)

والصبر من أمهات الأخلاق الإنسانية، ومن أجلِّ الأخلاق الإسلامية، وأعظمها أجراً، وأحمدها عاقبة في الدنيا والآخرة، ولهذا فهو أصل تفرعت عنه كثير من الأخلاق الفاضلة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ )). (24)

- ومن ذلك التنفير من الكبر وازدراء الناس:

قال تعالى عن لقمان: { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ }. أي لا تُعرض بوجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك، احتقارا منك لهم، واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك، وابسط وجهك إليهم. (25) كما في حديث أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ )). (26)

- ومن ذلك ذم الخيلاء والفخر:

قال تعالى عن لقمان { وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }.

أي: بطرا، فخرا بالنعم، ناسيا المنعم، معجبا بنفسك، فإن تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. أي: مختال معجب في نفسه، فخور: أي على غيره، وقال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الْإِسْرَاءِ: 37]. (27)

ومِن علامات التكبُّر المشْي في الأرض مرَحًا وخُيَلاء وعجبًا بالنفْس، وهذا مرَضٌّ نفسِيٌّ يصيب الكثيرَ مِن الناس ويكون سببا في هلاكهم، فما سبب خسْفِ الله بقارون داره إلا هذا التكبُّر في الأفعال؛ { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ }.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )). (28)

- ومن ذلك الأمر بالوقار والسمت الحسن

قال تعالى عن لقمان{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }. أَيِ: امْشِ مَشْيًا مُقْتَصِدًا لَيْسَ بِالْبَطِيءِ الْمُتَثَبِّطِ، وَلَا بِالسَّرِيعِ الْمُفْرِطِ، بَلْ عَدْلًا وَسَطًا بَيْنَ بَيْنَ. (29)

فبدَل أنْ يَمشي الإنسان مُختالاً مُتكبِّرًا، وفي مِشيَته تَبختُر وتَعجرُف، وجَب عليه أن يَمشي مُقتصِدًا مُتواضِعًا، لا بطيئًا مُتبختِرًا، ولا سريعًا مُتجبِّرًا.

- ومن ذلك الأمر باعتدال المنطق وأدب الحديث

إن الأعم الأغلب أن الشاب ينزع إلى رفع الصوت، والتشدق بالكلام، والتفاصح، كما هو جلي لدى المراهقين، الذين يجدون في ذلك تعبيراً عن القوة والسطوة الكاذبة، فكان بحاجة إلى الوصية بالغض من الصوت: { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }.

قال ابن كثير -رحمه الله-: أَيْ: لَا تُبَالِغْ فِي الْكَلَامِ، وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، أَيْ: غَايَةُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ أَنَّهُ يُشَبه بِالْحَمِيرِ فِي عُلُوِّهِ وَرَفْعِهِ، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي هَذَا بِالْحَمِيرِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَذَمَّهُ غَايَةَ الذَّمِّ. (30)

قال السعدي -رحمه الله-: فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد عُلمتْ خسته وبلادته. (31)

---

(1) تفسير ابن كثير (6/ 333)

(2) رواه البخاري (1385) ومسلم (22)

(3) رواه مسلم (2865)

(4) راجع تفسير الطبري (23/ 103) وتفسير ابن كثير (8/ 167)

(5) رواه البخاري (893) ومسلم (1829)

(6) رواه النسائي (9129) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 365)

(7) رواه البخاري (7150) ومسلم (142) واللفظ له

(8) رواه مسلم (2151)

(9) رواه أحمد (2/ 170) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 259)

(10) رواه أحمد (2763)، والترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1318)

(11) رواه البخاري (2856) ومسلم (30)

(12) رواه البخاري (4477) ومسلم (86)

(13) رواه البخاري (2653) ومسلم (88)

(14) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548)

(15) رواه البخاري (2654) ومسلم (87)

(16) رواه البخاري (2653) ومسلم (88)

(17) موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 184)

(18) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628) من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-.

(19) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 66) وما بعدها

(20) رواه الترمذي (1987) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 81)

(21) رواه أبو داود (495) والبزار (9823) وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عمرو وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1022)

(22) ثم ساق بسنده الحديث المتقدم. السنن الكبرى للبيهقي (3/ 83)

(23) تفسير ابن كثير (6/ 338)

(24) رواه البخاري (1469) ومسلم (1053)

(25) تفسير ابن كثير(6/ 338)

(26) رواه مسلم (2626)

(27) تفسير ابن كثير(6/ 339) وتفسير السعدي (ص: 649)

(28) رواه البخاري (5789) ومسلم (2088)

(29) تفسير ابن كثير(6/ 339)

(30) تفسير ابن كثير (6/ 339)

(31) تفسير السعدي (ص: 649)

عدد المشاهدات 9870