كفران النعم وشكرها - كتاب الواعظ عدد ربيع الآخر1439هـ

2017-12-21

اللجنة العلمية

New Page 5

كفران النعم وشكرها

كفران النعم وشكرها

إن من تمام تحقيق العبودية لله عز وجل أن يخضع العبد لربه فيشكره على نعمائه الظاهرة والباطنة، ومَنْ شَكَرَ مَعْرُوفَ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ، وَنَشَرَ أَفْضَالَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَدَّى حَقَّ النِّعْمَةِ، وَقَضَى مُوجِبِ الصَّنِيعَة، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ إتْمَامًا لِشُكْرِهِ لِيَكُونَ لِلْمَزِيدِ مُسْتَحِقًّا وَلِمُتَابَعَةِ الْإِحْسَانِ مُسْتَوْجِبًا(1).

نعم الله لا تعد ولا تحصى

إن نعم الله على العباد كثيرة لا تعد ولا تحصى ولا سبيل لاستقرار هذه النعم وثباتها إلا بشكرها

وقال جل ثناؤه: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]

 قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: " إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِهِ، وَكَلَّفَهُمُ الشُّكْرَ عَلَى قَدْرِهِمْ حَتَّى رَضِيَ مِنْهُمْ مِنَ الشُّكْرِ بِالِاعْتِرَافِ بِقُلُوبِهِمْ بِنِعَمِهِ، وَبِالْحَمْدِ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَلَيْهَا"(2).

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يُعدِدُ تعالى نعمَه على خلقِه، بأن خلق لهم السماوات سقفًا محفوظًا  والأرض فراشًا، وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجًا من نبات شتى، ما بين ثمار وزروع، مختلفة الألوان والأشكال، والطعوم والروائح والمنافع، وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر، تجري عليه بأمر الله تعالى، وسخر البحر يحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر، لجلب ما هنا إلى هناك، وما هناك إلى هاهنا، وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر، رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع"(3).

ومعنى ((إن تعدوا)): أي: وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالا فضلا عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال وذلك مثل النعم المعتاد بها التي ينسى الناس أنها من النعم، كنعمة التنفس، ونعمة الحواس، ونعمة هضم الطعام(4).

هلاك الأمم

لقد قص الله عز وجل علينا في كتابه من أخبار الأمم السابقة، وكيف أنعم عليهم بالكثير فلما لم يوفوا حق الله في شكر تلك النعم كان الجزاء تبديل هذه النعم إلى نقم، والجزاء من جنس العمل.

فصنف منهم من أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان وكثرة الآيات والبينات من الله عز وجل، وكثرة إرسال الرسل ولكنهم مع ذلك لم يستجيبوا ولم يمتثلوا فأعرضوا وكفروا فكان العقاب من الله جل جلاله، كما هو الحال مع بني إسرائيل، فقد أخبر ربنا تبارك وتعالى عن بني إسرائيل لما جاءتهم رسل ربهم بالهدى والبينات أعرضوا عنها وكفروا بها فكان جزاؤهم أن غضب الله عليهم وأهلكهم، { وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 211]

قال ابن كثير: "يقول تعالى مُخْبرًا عن بني إسرائيل: كم قد شاهدوا مع موسى | {مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } أي: حجة قاطعة على صدقه فيما جاءهم به، كَيَدهِ وعصاه وفَلْقه البحر وضَرْبه الحجر، وما كان من تظليل الغمام عليهم في شدة الحر، ومن إنزال المَنّ والسلوى وغير ذلك من الآيات الدالات على وجود الفاعل المختار، وصدق من جرت هذه الخوارق على يَدَيه، ومع هذا أعرض كثير منهم عنها، وبَدلوا نعمة الله كفرًا أي: استبدلوا بالإيمان بها الكفر بها، والإعراض عنها، كما قال إخبارًا عن كفار قريش: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ } [إبراهيم: 28، 29](5).

وصنف آخر من الأمم وهم قوم سبأ: آتاهم الله من كل النعم في مسكنهم ومأكلهم ومشربهم، وكفاهم مؤونة الطعام والشراب، و قارب بينهم وبين القرى المجاورة لهم حتى يتيسر لهم الوصول إلى مطالبهم دون خوف(6).

وأعطاهم من الآيات والعلامات التي تدل على أن للكون ربٌ هو خالقه وهو الذي يملك التصرف التام فيه، ومع هذا كفروا بنعمة الله عليهم ولما أرسل الله عز وجل لهم الرسل كذبوهم، وأعرضوا عن المنعم، وعن عبادته، وبطروا النعمة، وملوها حتى إنهم طلبوا وتمنوا أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى التي كان السير فيها متيسرًا(7).

 فكان ما قص الله علينا في كتابه فأنزل سورة تحكي لنا قصتهم حتى نعتبر بها، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 15 - 21]

ونوعٌ آخر وهو صاحب الجنتين: اغتر بماله ودنياه التي أعطاها الله إياها، وتكبر على خلق الله ثم قاده غروره أن يسيء الظن بخالقه ويكفر بوعد الله، فكان من خبره ما ذكر الله عنه بقوله: { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 35، 36]

وقد بلغ من طغيانه أنه لما عاين جنته، ورآها وما فيها من الأشجار والثمار والزروع والأنهار المطردة شكَّ في المعاد إلى الله: ما أظنّ أن تبيد هذه الجنة أبدا، ولا تفنى ولا تَخْرب، وما أظنّ الساعة التي وعد الله خلقه الحشر فيها تقوم فتحدث، ثم تمنى أمنية أخرى على شكّ منه، فقال: ( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ) فرجعت إليه، وهو غير موقن أنه راجع إليه{لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} يقول: لأجدنّ خيرًا من جنتي هذه عند الله إن رددت إليه مرجعا ومردًا، يقول: لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ولي عنده أفضل منها في المعاد إن رددت إليه(8).

 فقاده غروره وكفره إلى غضب الله عز وجل عليه واستحق العقاب من الله العظيم، وتبدل حاله فما كان منه إلا أن أظهر ندمه وليته نفعه فإن الله إذا قضى أمرًا فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فكان آخر أمره ما ذكره الله عز وجل بقوله: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 42 - 44]

وصنف آخر من الناس بخيلٌ شحيحٌ: علموا أن في مالهم وثمارهم حق لله عليهم ولكنهم بخلوا ومنعوا غيرهم من المساكين، بل إنهم تحايلوا في  جمعهم للثمار بطريقة لا يراهم فيها أحد من المساكين كي لا يعطوه شيئا منها وهذا من أغرب أنواع الشح، { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي: حلفوا فيما بينهم لَيجُذَّنَ ثَمرها ليلا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء، { وَلا يَسْتَثْنُونَ } أي: فيما حلفوا به، ولهذا حنَّثهم الله في أيمانهم، فقال سبحانه: { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ } أي: أصابتها آفة سماوية، {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } قال ابن عباس: أي كالليل الأسود. وقال الثوري، والسدي: مثل الزرع إذا حُصِد، أي هشيمًا يبسًا(9).

وكونوا من الشاكرين

لقد رضي الله عز وجل لعباده الشكر ورغبهم فيه وكرِه وكَرَّه لهم الكفر والفسوق والعصيان، فقال سبحانه: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]

وإنما رَضِيَ لهم سبحانه الشكر لأنه سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، فَالشُّكْرُ مَعَهُ الْمَزِيدُ أَبَدًا، فَمَتَى لَمْ تَرَ حَالَكَ فِي مَزِيدٍ. فَاسْتَقْبِلِ الشُّكْرَ(10).

  والشُّكْرَ حَقِيقَتُهُ الِاعْتِرَافُ بِالنِّعْمَةِ لِلْمُنْعِمِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي طَاعَتِهِ، وَالْكُفْرَانُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَعْصِيَةِ. وَقَلِيلٌ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخَيْرَ أَقَلُّ مِنَ الشَّرِّ، وَالطَّاعَةُ أَقَلُّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ(11).

لذا كَانَ النَّبِيُّ  -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ، أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَقُولُ: ((أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا))(12).

وإن فضيلة الشكر من أعظم النعم، ولا يمكن أن يحافظ على هذه النعمة إلا مُعانٌ من قِبَلِ الرحمن، ولذا كانت وصيةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لمعاذٍ -رضي الله عنه- بقوله: "أُوصيكَ يا معاذ لا تَدَعنَّ في دُبُر كُل صلاةٍ أن تقول: اللهُمَّ أعني على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتك"(13).

 وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا. . . الحديث))(14).

  ومن فوائد وثمرات الشكر التي تعود على العبد:

أن الشكر أمان من عذاب الله: -

قال سبحانه:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا } [النساء: 147]

قَالَ قَتَادَةُ: "إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لاَ يُعَذَّبُ شَاكِرًا وَلاَ مُؤْمِنًا"(15).

-سبب لزيادة النعم وحِفظِها:

فلقد وعد الله عز وجل عباده بموالاة نعمه عليهم إن هم شكروا، قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم: 7 ]

وعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ: " إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ، وَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ "(16).

 -الشكر موصلٌ لمرضاة الله جل جلاله:

لقد أخبر ربنا تبارك وتعالى أنه يرضى لعباده شكر نعمه ويكره كفرها، فقال سبحانه: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا"(17).

وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر حيث رتب هذا الجزء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال سبحانه وتعالى {ورضوان من الله أكبر} في مقابلة شكره بالحمد وعبر بالمرة إشعارا بأن الأكل والشرب يستحق الحمد عليه وإن قل جدًا أو أنه يتعين علينا أن لا نحتقر من الله شيئًا وإن قل وفيه ندب الدعاء عقبها(18).

فكونوا من الشاكرين لنعم الله عليكم واحذروا كُفرانها، وخذوا العِظة والعبرة مما قص الله عليكم من أخبار السابقين، وليحذر الغافلون عن شكر نعم الله من استدراج الله لهم بتلك النعم، كما أخبر ربنا عن أمثال هؤلاء بقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]

وقال جل شأنه: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182، 183]

وَأَصْلُ الاِسْتِدْرَاجِ اغْتِرَارُ الْمُسْتَدْرَجِ بِلُطْفٍ مِنْ حَيْثُ يَرَى الْمُسْتَدْرَجُ أَنَّ الْمُسْتَدْرِجَ إِلَيْهِ مُحْسِنٌ حَتَّى يُوَرِّطَهُ مَكْرُوهًا(19).

===

(1) أدب الدنيا والدين للماوردي(ص: 253).

(2) جامع العلوم والحكم (2/ 79)، لابن رجب.

(3) تفسير ابن كثير (4/ 511).

(4) انظر فتح القدير للشوكاني (3/ 132)، التحرير والتنوير لابن عاشور (13/236).

(5) تفسير ابن كثير(1/ 568).

(6) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي(12/ 190).

(7) انظر تفسير السعدي (ص: 677).

(8) تفسير الطبري(18/ 22).

(9) تفسير ابن كثير(8/ 196).

(10) وانظر فتح القدير للشوكاني (4/ 518)، مدارج السالكين (2/ 236) لابن القيم.

(11) تفسير القرطبي (14/ 276).

(12) أخرجه البخاري(6471)، من حديث المُغِيرَةِ  بْنِ شُعْبَةَ-رضي الله عنه-.

(13) أخرجه أبو داوود(1522)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1362).

(14) أخرجه الترمذي(3551)، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنه-، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (8/ 51).

(15) تفسير الطبري (7/ 624).

(16) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4214).

(17) أخرجه مسلم(2734).

(18) فيض القدير للمناوي(2/ 262).

(19) تفسير الطبري(10/ 600).

عدد المشاهدات 9227