وهذا نص الخطبة
قال رحمه الله : إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند، ولا شبيه، ولا مثيل، ولا قرين له، فتعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولدًا؛ فهو الواحد الأحد، وهو الفرد الصمد، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي يجير ولا يجار عليه. وأشهد أن خيرة خلق الله، والمصطفى رحمةً وهداية للناس جميعًا. سيدَ الأولين والآخرين وإمام الأنبياء وخاتم المرسلين، سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وسار على طريقته وانتهج نهجه إلى يوم الدين. أما بعد.. إخوة الإسلام: فإن العبد عندما يعتريه الألم تنصرف كل أحاسيسه ومشاعره إلى ذلك الألم الذي أصابه، وتتحرك سائر الأعضاء لإزالة الألم أو تخفيفه. فإذا انقضى ذلك الألم؛ صار بالنسبة للعبد تاريخًا وذكرى، لكنه ينبغي أن يستفيد من دروس الألم التي تمر به، وأن يتعلم منها، فيعلم العبد أن الألم الذي يمر به ينبغي أن يذكره بطول السلامة التي سبقت؛ فيعلم أن مُسدي النعم السابقة هو الله، رب العالمين؛ فيحمده على السلامة التي طالت. ثم يتذكر العبد أنه عندما يتكلم حال الألم ينبغي أن يتكلم بما ينجيه، لا بما يهلكه ويرديه؛ فإن الكثير من الناس إذا أصابه الألم تسخط؛ فإذا أفاق نَدِم على تسَخُّطِهِ. لا أُريدُ أن أُقَدِّمَ بهذه المقدمة فحسب للألم الذي يصيب العبد في بدنه، إنما أتحدثُ عن آلام تُصيب أمّة؛ فتستشعر المهانة والمذلة التي تُصيبُ المسلمين في بلادهم، والتي تجعل عدوهم يتسلط عليهم فيأخذون في البحث، كيف نتخلص من هذه المهانة؟ وترى الأصوات الحماسية تعلو، تدعو الناس إلى أن يجابهوا قوة أعدائهم بقوةٍ مماثلة، وكيدَهم بكيدٍ مماثِل، ومكرَهم بمكرٍ يشبهه؛ حتى يستردوا للأُمَّةِ عزتَها، ومجدَها، وقوتَها. وذلك قد يكون مأمورًا به كما في قول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}. لكن، اعلم أن أنجع السلاح الذي يتسلحُ به المؤمن فيتفوق، أو يفقده فيتدنى، إنما هو سلاح الإيمان. ولذلك أقول: ü يجب علينا أن ننظر إلى حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين في القرون الفاضلة، والتي أمرنا ربُّ العزة أن نتعلم منها وأنزل فيها قرآنًا يُتلى، والتي أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أن فيها العظة والعبرةَ والتعلم كما قال صلى الله عليه وسلم : "خير الناس: قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" فننظر إلى الآلام، إلى البلايا، إلى النكبات، إلى المصائب التي نزلت بالمسلمين في أول عهدهم، وهم كانوا أجدر بأن يُجري الله عزَّ وجلَّ على أيديهِمِ الكرامات؛ فتنقلبُ لهم معايير الأمور؛ وتسير لهم الأرض سيرًا؛ وينقلبُ لَهُمُ الترابُ ذهبًا؛ وتستحيلُ لهُمُ الصحراء جنات وبساتين؛ فتفيض معهم الأموال، وتقوى الأبدان، لأنهم تبعوا خير خلق الله، وناصروا نبيَّ الله ورسولَهُ، وجاءوا بهذه الدعوة التي يدعونَ بها إلى الله عزَّ وجلَّ، لكنْ ينبغي للمسلم أن يعرفَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بُعثَ أولَ ما بُعَث فكان الكفرُ في بيته، والتكذيبُ من أهله. فبقي أبو طالب أكثرُ المدافعينَ عنه على كفره حتى مات. وكان أشدَّ الناسِ إيلامًا له وتعذيبًا: عمُهُ أبو لهب. ولم يُسلمْ من أعمامه إلا الحمزة والعباس. كان هذا من البلاء؛ والبلاءُ أنَّ قومهُ وهم أهلُ العصبية الجاهلية يتعصبون لكلِ رجلٍ يظهرُ فيهم. وقد تعصبَ بنو حنيفة إلى مسيلمةَ الكذاب، ونافحوا عنه، ودافعوا، ولكنَّ أهلَ مكةَ لم يدفعوا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، صناديدُهم، وكِبارُهم قاموا يُكذبونه، وذلك بلاءٌ عظيم. إذ انتقلنا إلى ما كان من شأن أصحابه بلال بن رباح، وما حدث له من البلاء، وعمّار، وأبيه، وأُمه. وقد قتلت سُمَّية، وقُتل ياسر والد عمّار من تعذيب أهل مكة، ولم يحول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لهم الأرض ذهبًا، ولم يجمع عليهم قلوبَ الأعداءِ حُبًّا، إنما اشتد بِهُمُ التعذيب. فلما شكوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال لهم: "والله ليتمَّن اللهُ هذا الأمر حتى يسيرَ الراكب من مكة إلى صنعاء، لا يخشى إلا الله، والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون". ثم إذا نظرنا إلى ما وراء ذلك بعد الهجرة مما حدث من الغزوات في بدرٍ، وقد خرجوا يستنقذون بعض الأموال التي غصبتها قريش منهم فأحالها اللهُ إلى غزوةٍ ومعركة، ونصرهم الله. ثم اجتمعت جحافل قريش عليهم تغزوهم يوم أحد فأصابوا منهم حتي بلغت إصابتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كُسرتْ رباعيةُ أسنانه وشُج وجهُهُ، وشاعَ في الناسِ أن محمدًا قد قُتل. ثم لمَّا كانت غزوة الأحزاب، كانت فيها الشِّدة التي لم يعانوها من قبل حتى رُفعت حناجر المنافقين، تقول. محمدٌ يَعِدُكم أرض فارسَ والروم. وإن أحدنا لا يأمن أن يخرج إلى بولته، يعني: إذا تنحى عن العسكر وعن مجتمعهم يخاف إن تنحى وحده أن يأتي من يقتُلُه. ووصفهم ربُّ العزةِ بقوله: {يحسبون كلَّ صيحةٍ عليهم}. هذا من البلاء العظيم. وقد جَعَلَ ربُّ العزةِ سبحانه وتعالى بحكمته وقدرته البلاء فى داخل المسلمين؛ فقال سبحانه: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق}. ثم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يربي النفر القليلين، ومنهم الفقراء شديدي الفقر؛ الذين لا يجدون الثوب يسترون به العورة. فيأتيه جماعةٌ يطلبونَ منه من يعلمهم، فيُرسلُ معهم سبعة من القُرَّاء؛ من الذين يقومون الليل؛ ويعلمونَ دينَ الله؛ يذهبونَ يقرئون الناس؛ فيُقتلون عن آخرهم. ثم يأتي بعد ذلك من يسأله أن يرسل إليهم من يدعوهم إلى دينِ الله وأنه سيجيرهم؛ فيُرسلُ السبعين فيُقْتَلونَ جميعًا: مصائب، وبلايا، ونكبات. ثم تأتي غزوة الحديبية التي خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قاصدًا عُمرة، وخرج أصحابه ملبين. حناجرهم ترتفع بأصوات التلبية، مطمئنين أن ربَّ العالمين وعد نبيه أن يطوف بالبيت آمنًا وادعًا، ويطوف أصحابه، ويتسلم مفاتيح الكعبة؛ فإذا بهم على مشارف مكة يُصدون، وتتحول العمرة إلى غزوة. ثم تنقلب الغزوة إلي صُلْح والمسلمون بايعوا على القتال. يقول عمرُ بنُ الخطاب: اتهموا الرأي؛ فوالله لقد رأيتُنا يوم الحديبية لو أستطيعُ أنْ أردَّ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لرددته، يعني: إذا كان هذا قول عمر، فما بالك بمن سواه من المسلمين ويُلقي اللهُ عزَّ وجلَّ على لسانِ أبي جَنْدل بن سُهَيْل بن عمرو أن يقول: أتردونني إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟!!.. لو تدبرتَ هذا وتصورتَ أنك تعيشُ يومها لرأيتَ الفتنَ العظيمة تحيطُ بالمسلمينَ وتُحيط بالإسلام وفيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وهم خيرُ القرون، خير الأجيال. هذه المصائب وتلك البلايا تُصيبهم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدعوهُم إلى الإيمان. ولذلك تتعجب أنهم في الحديبية عندما تُمطر السماء بالليل ويصبح يُصلي الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة الصبح يستقبلُ الناسَ ويقول: "أتدرونَ ماذا قال ربكم الليلة" الألم الذي هو فيهم يدفعهم إلى أن يسمعوا شيئًا بشأن الألم المحيط بهم، كأن يقول لهم: نعاهد، أو: نحارب، أو: نعتمر، أو: نُصد، قال أمرًا من أمر الواقع الذي يعيشه المسلمون، لكنَّه صلى الله عليه وسلم ، يقولُ لهم: "قال ربكم الليلة: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر أما من قال مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب، وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب". انظروا لو أن واحدًا منا وقع في مأزق ثم جاء أحد يُذكّره بأمر توحيد الله وإحسان الكلمات: فسيقول لك يا أخي نحن لسنا في حاجة إلى ذلك وهذه المصيبة التي قد أحاطت بنا. ذلك لنعلم أن مصيبة العبد في دينه: أضعاف أضعاف مصيبته في دنياه، وأن المصيبة في الدنيا تزول وقد يعقبها خير كما كان صلح الحديبية فسماه رب العزة فتحا: فقال: {إنا فتحنا لك فتحًا مبيننا}. المسلمون ينظرون اليوم إلى البلايا التي تحيط بهم، ويريدون أن يجمعوا السلاح، ويريدون أن يوحدوا الصفوف وذلك أمر مطلوب ولا شك، لكن أنجمع السلاح بغير إيمان؟!! أم نقول ننتظر نُعلم الناس الإيمان بعد أن ننتهي؟!! إذًا فلم لم يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك. عُرض عليه المُلك فأباه، عرض عليه الجاه فرفضه، عرض عليه المال فلم يأبه إلى قولهم، وقال للناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. دعنا يا أخي نكون جيشا قويا، دعنا نكون دولة فتية، دعنا فأنت ستكون رئيسها وتختار أعوانك الذين يحيطون بك لكنه يأبى ذلك لأن طريق الصلاح، هو طريق رب العالمين وليس الطريق الذي يستريح إليه آحاد الناس بالأهواء والآراء. الرسول عليه الصلاة والسلام: يرجع من غزوة حنين وإذا قلنا حنين: أي أنها مسبوقة بفتح مكة، متلوة بحصار الطائف، بعد هذه الغزوات وتلك الحروب، قتل منهم من قتل في حصار الطائف، وقتل منهم من قتل يوم الحديبية، ومات منهم من مات ثم يأتي فيسير بهم ليلا طويلا. وفي سيرهم، قالوا يا رسول الله (لو عرست بنا) أي: لو نزلت لننام. فقال صلى الله عليه وسلم "أخشى أن تفوتكم الصلاة". الصلاة! كل هذه الأعمال لا تكفي بأن نتأخر!، ننام معذورين!، الأجسام متعبة، منهكون من هول ما فعلنا! ويقول بعد ذلك "أخشى أن تفوتكم الصلاة"! تدبروا إخوة الإسلام: الإيمان تقويه عناصره! رب العزة ينزل النصر على أقوام يعلمون أن الربا حرام ولا يتركونه؟!! على أقوام يعلمون أن التبرج كبيرة ولا يفارقونه؟!! على أقوام لا يجتهدون في إقامة الفرائض! زكاة المال: الغني يود لو أبقاها في جيبه، ولم يخرجها من بيته، فيقول: أقسطها وأعطيها على أقساط للفقراء، ذلك حتى يستفيد لتبقى في تجارته! تجور على حق الفقير ثم تظن أنك بذلك تستحق نصر رب العالمين! إن الذي ينقصنا إخوة الإسلام هو الإيمان. ولذلك فإنه لما وقع للمسلمين يوم أحد ما وقع واشتد بهم الأمر، ورب العزة سبحانه وتعالى خاطبهم فقال: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران]. وعندما يأتي رمضان، ويدخل الصيام: نقوم الليل على المشاهد السيئة وفي المجالس التي تعمرها الغيبة والنميمة. ونقضي النهار في النوم! المسلمون خرجوا في رمضان لغزوة بدر، وخرجوا في رمضان لغزوة الفتح، وقضوا رمضان في غزوة تبوك. إذن فالمسلمون كانوا يرون أن رمضان شهر القوة، وأن رمضان شهر النصر، وأن رمضان شهر الجهاد، ولكنهم يعلمون أن الإيمان هو سبب نصر رب العالمين. فيطلبون النصر من الله عز وجل ورب العزة سبحانه وتعالى يقول {إن تنصروا الله ينصركم}. ورب العزة لا يحتاج إلى أحد ليعزه فهو العزيز، ولا لأحد ليُعليه فهو العلي العظيم. وإنما يحتاج العبد أن يكون ملتزما بدينه لينال نصر الله رب العالمين انظروا كم خرجت جيوش جرارة كجيش فرعون الذي أراد أن يتبع موسى ومع ذلك فإن الله أهلكه وأغرقه ونجّى المؤمنين. لذلك ينبغي إخوة الإسلام أن نعيد النظر إلى قضايانا: فلا ننظر إلى أن الوحدة وحدة الغثاء، هي التي يكون بها النصر أو أن السلاح هو الذي يكون به النصر، لأن السلاح بأيدي من لا يعرفون دين الله ولا يعملون به. ووحدة الصف ليست هي الخير إلا مع الإيمان ولا نصر إلا أن ننصر الله رب العالمين. وتلك مهمة يستطيعها كل من الضعيف والقوي والمرأة والرجل الكل يستطيعها ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم". رب العزة ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل فينادي ونحن نيام نغط في نوم عميق ثم نقول يؤذينا أن يحدث كذا وكذا في بلاد المسلمين. وهل يتمنى الشيطان للمسلمين إلا الكفر. وأمم الكفر أعوان الشيطان فكيف نستنصر ببعضهم على بعض وندع أن نستنصر الله رب العالمين!!!. يا من طال بك المرض في فراشك أنت لا تعجز عن الدعاء، يا من صرت غير قادر على حمل السلاح أنت لا تعجز عن الدعاء. وينبغي أن نعلم أن رب العزة يسمع دعاءنا حال السجود ونحن ساجدون ويقدر سبحانه وتعالى أن ينصر من يشاء فهو سبحانه أرسل مرة على أقوام ريحا، ومرة أرسل عليهم صيحة ومرة خسف بهم الأرض، ومرة أرسل عليهم الطوفان ومرة شق لهم البحر، ومرة جعل النار بردًا وسلامًا على أوليائه وعباده الصالحين. فلماذا لا نطرق بابه ولا نتعرف عليه وحمل السلاح واجب لكن الإيمان أوجب وأسبق. ورب العزة سبحانه وتعالى يَعِدُ بالخير (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة) هذه أول واحدة أقاموا الصلاة فكيف يقيمون الصلاة بعد أن يمكنوا إلا أن يكونوا مقيمين لها قبل أن يجاهدوا، لذلك لم يأذن رب العزة سبحانه وتعالى أن يضع الصلاة عن المجاهد إنما جعل صلاة الخوف. لذلك إخوة الإسلام إن كنا دعونا مرة فالله عز وجل يسمع دعاءنا ويحققه ولا يقع دعاؤنا هباءً عبثًا أبدًا، إنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وللداعي أحد ثلاث: إما أن يستجيب الله عز وجل له دعاءه في الدنيا، وإما أن يرفع عنه من البلاء مثله، وإما أن يدخر له ثوابها في الآخرة. الصحابة لما سمعوا ذلك قالوا: يا رسول الله إذن نكثر؟ فقال صلى الله عليه وسلم فالله أكثر. أي أكثر جودا وإنعامًا وفضلا وإعطاءًا. الفتن كانت إبان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأيامها وبعدها فتن عظيمة قوية والبنية ضعيفة لا تستطيع أن تحتمل الرياح. احذر أن تظن أن الفتن اليوم قد كثرت عن أيام بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . وانتبه إلى أن أكبر الفتوحات حدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم : فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي ثلاث عشرة سنة في مكة ثم خرج منها مطرودًا ثم ذهب إلى المدينة فبقي فيها عشر سنين يجاهد هو وأصحابه في سبيل الله حتى كاد الإسلام يعمر أرجاء جزيرة العرب وما أن مات حتى ارتدت العرب. وعادت مساجد مكة والمدينة هي التي تقام فيها الصلاة فقام فيها رجل ليس من أقوى المسلمين في بدنه ولا من أكثرهم معرفة بشجاعته ولم يكن أكثر الناس حملا للسيف إنما قام فيهم أعلى الرجال إيمانًا وهو أبو بكر الصديق فقام فيهم وهو الضعيف وهو النحيف قام فيهم كالأسد الهصور يرد عليهم جميعا ويصحح لهم أقوالهم جميعًا فأفاقهم الله به فحملوا السلاح وذهبوا إلى أرض فلسطين بقيادة أسامة بن زيد ثم رجعوا فحملوا السلاح يحاربون المرتدين ثم استتب الأمر ثم أخذوا يقاتلون فارس والروم ولم يقم الصديق في خلافته إلا سنتين وثلاثة أشهر. النصر من عند الله إنها السلعة الغالية التي تنقصنا سلعة الإيمان واحذر أن تقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شخصه مؤثرا في القوم فقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر وحارب هذه الحروب وقام عمر وحارب هذه الحروب وقام عثمان فنقل المسلمين نقلة عظيمة إلى ما وراء البحار. إذن ليست الوحدة التي تنقصنا وليس السلاح الذي يعوزنا إنما هو الإيمان. إخوة الإسلام يجب علينا أن نتعرف على الإيمان لنعمل به أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا ودعاءً متقبلا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه