كيف يُطلق المسلم ؟

2010-09-28

جمال المراكبى

تكلمنا من قبل عن الطلاق كمشكلة اجتماعية خطيرة تهدد الأسر وتهدم البيوت العامرة، وبينا أن أسباب ذلك تعدي حدود الله والإعراض عن سبيل التقوى: ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا {الطلاق: 2، 3}.

وليس معنى هذا أننا نحرم الطلاق، أو أننا نردد ما يروج له المغرضون من سلب الرجل سلطة إيقاع الطلاق وجعلها في يد القاضي، فالطلاق مشروع شرعه الله تعالى وبيّن لنا الحدود التي لا يجوز لأحد أن يتجاوزها أو يتعداها: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون {البقرة: 229}.

وجعل الله سلطة إيقاع الطلاق للرجل باعتباره القيم على الأسرة، وهو الذي يتحمل تبعات الطلاق، ولكنه مع ذلك حد له الحدود ونهاه عن تجاوزها وتعديها، فما هي هذه الحدود؟ وكيف يتعامل الرجل معها إذا أراد الطلاق؟ واستشعر أن الحياة الزوجية لا تستقيم واستنفد كل وسائل الإصلاح، ونستطيع أن نجمل هذه الحدود في عبارة واحدة فنقول لمن أراد الطلاق وعزم عليه: "طلق امرأتك طلاقًا واحدًا في طهر لم تمسها فيه أو وهي حامل قد تبين حملها، ولا تخرجها من البيت إلا بعد انقضاء عدتها، واجتنب أيمان الطلاق وتعليق الطلاق".

أولاً: طلق طلاقًا واحدًا، أي مرة واحدة ولا تجمع الثلاث في لفظ واحد، أو في مجلس واحد، أو حتى في طهر واحد، وجمع الطلاق في لفظ واحد أن يقول الرجل: أنتِ طالق ثلاثًا أو بالثلاثة، وربما يتجاوز بعض الجهال عدد الثلاث أو يقول لا يحلها شيخ ولا يحرمها شيخ، وكأن الشيخ هو الذي يحلل ويحرم، وجمع الثلاث في مجلس واحد أن يطلق في المجلس مرة، ثم يعود فيطلق مرة ثانية وثالثة في نفس المجلس سواءً لتأكيد الطلاق أو لاستنفاد مرات وقوعه.

وجمع الثلاث في طهر واحد أن يطلقها مرة ثم يطلقها الثانية بعد يوم أو أيام ثم يطلقها الثالثة كذلك في نفس الطهر أي قبل أن تحيض، وهذا كله من تعدي حدود الله في الطلاق.

قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ومعنى ذلك أن الطلاق الرجعي الذي يجوز للزوج أن يراجع زوجته بعده مرتان، أي مرة بعد مرة، ثم قال بعد هذه الآية: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وهذه هي الطلقة الثالثة التي تبين الزوجة بينونة كبرى، ولا يستطيع الزوج مراجعتها إلا إذا تزوجت بآخر ثم طلقت منه أو مات عنها.

ومن هنا كان من شر البدع التي حدثت في المجتمع المسلم أن يجمع الزوج الطلاق الثلاث في لفظ واحد أو مجلس واحد، وقد عاقب عمر بن الخطاب مثل هذا الزوج بعقوبة تعزيرية بليغة، فأمضى عليه الطلاق الثلاث ولم يسمح له بمراجعة زوجته كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.

فجمع الطلاق ثلاثًا من البدع المقيتة ومن تعدي الحدود الشرعية، تضع الأسرة في حرج بالغ، وتحتار لجان الفتوى مع مثل هذه الحالات، وقد كان الفقهاء قديمًا يميل أكثرهم إلى اجتهاد عمر في اعتبار الثلاث من باب التعزير، ويقولون بقول ابن عباس لمن تجاوز حده فأوقع الثلاث "يركب أحدكم الحماقة، ثم يأتي ويقول يابن عباس، بانت منك امرأتك وعصيت ربك".

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عد ذلك من اللعب بكتاب الله فقال وهو غضبان: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم".

ولجان الفتوى الآن تميل إلى اعتبار الثلاث واحدة من باب التيسير على الأسر خاصة وقد فشت هذه الحماقة بين الأزواج ولم يُجدْ التعزير معهم شيئًا، خاصة وأن التعزير يصيبُ من لا ذنب له من أفراد الأسرة من الزوجة والأبناء.

والزوج العاقل هو الذي لا يركب مثل هذه الحماقات إذا أراد الطلاق وعزم عليه طلق طلقة واحدة رجعية، فأعطى نفسه الفرصة ليراجع، واتقى ربه ولم يتعد حدود الله.

ثانيًا: طلق امرأتك في طهر لم تمسها فيه أو في حال حملها، فلا تطلقها في حال الحيض، ولا تطلقها في طهر قد مسستها فيه، قال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم {الطلاق: 1}.

وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة بمنع الرجل من طلاق امرأته وهي حائض كما جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.

فطلاق المرأة وهي حائض حرام، وطلاقها في طهر قد جامعها فيه حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"، فمن خالف وفعل غير ذلك فقد تعدى حدود الله وظلم نفسه وارتكب محرمًا.

والعجيب أن أكثر الناس يتجاوز هذه المسألة وهي حرمة طلاق الحائض ويسأل عن أمر آخر وهو أيقع هذا الطلاق أم لا؟ وأكثر أهل العلم على وقوع هذا الطلاق لقول ابن عمر في حديث البخاري "وحسبت عليَّ تطليقة"، وقوله: "أرأيت إن عجز واستحمق".

وفي مسند الطيالسي بسند صحيح عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فجعلها واحدة.

قال ابن حجر: وهو نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه.

ويرى فريق آخر من العلماء عدم الاعتداد بهذا الطلاق لأنه وقع على خلاف ما أمر به الله ورسوله فيكون من المحدثات المردودة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". ولقول ابن عمر في رواية أبي داود: فردها عليَّ ولم يرها شيئًا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واختيار مشايخنا في أنصار السنة.

فعلى كل عاقل أن يتقي الله تعالى ويتجنب إيقاع الطلاق حال الحيض أو في الطهر الذي جامع زوجته فيه؛ لأنه حرام يستوجب المقت والغضب، ولا يتخذ من خلاف العلماء ذريعة للإقبال على المحرم، ومخالفة أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

ثالثًا: لا تخرج امرأتك من البيت بعد إيقاع الطلاق، ولا يجوز للمرأة أن تخرج كذلك، فإن في بقاء المرأة في بيتها بعد الطلاق طيلة فترة العدة ما يسمح للزوج بأن يراجع نفسه فربما يكون قد تسرع في إيقاع الطلاق، ويسمح للزوجة كذلك بأن تراجع نفسها وسلوكها تجاه زوجها وبيتها، وعادة ما يؤدي هذا الأدب القرآني إلى مراجعة الزوج زوجته، وتَعَلُّم الدرس جيدًا دون تدخل خارجي ربما يزيد معه الشقاق، قال تعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا {الطلاق: 1}.

فسبحان مقلب القلوب ومصرفها شرع لنا ما فيه الخير والسعادة حتى عند التدابر والشقاق وعند إيقاع الطلاق، وهيأ لنا أسباب الرجعة عند التسرع والخطأ.

رابعًا: اجتنب أيمان الطلاق:

والحلف بالطلاق من البدع المنكرة التي استشرت في كثير من المجتمعات، وفيها لعب بكتاب الله، وكفر به، قال تعالى: واحفظوا أيمانكم، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت". وقال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك".

وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليَّ من أن أحلف بغير الله صادقًا.

فانظر كيف جعل ابن مسعود اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم وفي النار أفضل من الحلف بغير الله الذي عده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كفرًا وشركًا.

خامسًا: إياك وتعليق الطلاق:

كثير من الأزواج يعجز عن قيادة الأسرة بالعقل والحكمة فيلجأ إلى تهديد الزوجة بالطلاق إذا حدث أمر من الأمور التي لا يريدها، وقد يكون هذا الأمر مقدورًا للزوجة، وقد يخرج عن إطار قدرتها واختيارها، وليت الزوج يكتفي بالتهديد بأنه سيطلق إذا حدث هذا الأمر، ولكنه يلفظ بالطلاق معلقًا إياه على وقوع هذا الأمر، فيقول: إن فعلت كذا فأنتِ طالقٍ، وعادة ما تفعل المرأة هذا الأمر ثم يأتي الزوج نادمًا، ساخطًا على هذه المرأة التي لم تحفظ يمينه، طالبا المخرج من العلماء ولجان الإفتاء، بينما هو في الحقيقة عاجز عن حفظ يمينه وإحكام السيطرة على لسانه فكيف يحكم السيطرة على أهل بيته.

إن أيمان الطلاق، وتعليق الطلاق تدل دلالة واضحة على ضعف الأزواج وعجزهم عن قيادة الأسرة بالشكل المرضي.

إن أيمان الطلاق لا تحل المشاكل الزوجية، وتعليق الطلاق لا يمنع المرأة من عمل تريده، وإن أكثر ما يعرض على لجان الفتوى يتعلق بأيمان الطلاق وبالطلاق المعلق والطلاق البدعي، ولو علم الأزواج كيف تكون القوامة في البيت ولو علموا كيف يكون الالتزام بالحدود الشرعية والاحترام لدين الله، ولو علم الأزواج كيف تكون العشرة الطيبة وبم تعود على الأسرة من سعادة وهناء. لو علم الأزواج كيف يقع الطلاق على الوجه الذي شرعه الله، لندرت المشاكل ولقلت حالات الطلاق بشكل واضح.

فيا أخي المسلم تعلم كيف تطلق، ومتى تطلق، وبأي لفظ تطلق، ولا تتعد حدود الله.

جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 10501