من أحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية

2010-09-28

جمال المراكبى

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد..

كثرت في هذه الآونة التساؤلات حول قضية التبني في الإسلام، وكيف نعالج مشكلة اللقطاء في المجتمع الإسلامي.

الإسلام يحرم التبنى :

والذى لا شك فيه أن الله تعالى قد حرم التبني تحريماً قاطعاً ، لأننا لا يمكن بحال من الأحوال أن نغير حقيقة الواقع بدعوى ندعيها .

قال تعالى : " وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ *ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ " ( الأحزاب 4- 5) .

إن من أكبر الكبائر أن ينتسب الرجل إلى غير أبيه ، فيزاحم أبناءه ، ويطلع على عوراته ، ويجحد حق أبيه وأمه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر " (1) أخرجه مسلم .

" من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " (2).

زيد بن حارثة وسالم مولى أبى حذيفة

إن تحريم التبنى لا يعنى ترك اللقيط دون رعاية وحماية أو الإساءة إليه بحال من الأحوال ، أو الطعن في شرفه أو الإزراء به ، فاللقيط مسلم حر له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، ومن حقوقه على جماعة المسلمين أن تحفظ له نسبه إن كان معروفاً ، ولا يدعى إلى غير أبيه ، وأن تحفظ له قدره إن كان مجهول النسب ، فهو مولى للمسلمين يتمتع بمحبتهم ورعايتهم ونصرتهم ، ويبادلهم كل ذلك .

فهذا زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة ينتسب إلى أبيه بعد أن كان ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينقص ذلك من قدره ولا يؤثر على سابقته وفضله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له " أنت أخونا ومولانا " (3) .

وهذا سالم مولى أبى حذيفة بن عتبة ، لا يعرف من أبوه ولا ينقص هذا من قدره ، فهو سالم الذى شهد بدراً وهو الذى يعلم المسلمين القرآن ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خذوا القرآن من أربعة أحدهم سالم مولى أبى حذيفة " (4) ويقول عمر بن الخطاب عند موته " لو كان سالم حياً لوليته " (5) .

تربية اللقيط فرض على المسلمين

فمن وجد طفلاً في مكان يغلب على الظن هلاكه لو ترك فيه كان التقاطه فرض عين عليه لأنه نفس بشرية ضعيفة، ولا ذنب له جناه، وعلى كل الأحوال فالتقاط اللقيط فرض كفاية على جميع المسلمين في البلد الذي يوجد فيه.

والإنفاق على اللقيط يكون من بيت مال المسلمين، إن لم يكن معه مال، فإن كان مع اللقيط مالٌ أنفق عليه منه إلا إذا أراد ملتقطه أن يربيه لوجه الله تعالى.

ماذا يصنع من وجد لقيطاً ؟

من وجد لقيطاً ولم يرغب في تربيته فعليه أن يقدمه لولاة الأمور، وهم يعنون بتربيته في الدور المعدة لذلك.

ومن وجد لقيطاً وكانت عنده الرغبة في تربيته، فإنه يرفع الأمر إلى ولاة الأمور، ويعلن استعداده لتحمل مسئولية تربيته ويحرر بذلك محضراً في قسم الشرطة.

لا يجوز للملتقط أن ينسب الطفل اللقيط إليه ، ولما كانت المصلحة تقتضى أن يستخرج له شهادة ميلاد ، فليستخرج له الشهادة ويسميه ، وينسبه إلى اسم عام كأن يقول فلان بن عبد الله، أو يسميه باسم قريب من اسمه.

ليعلم الملتقط أن نشأة اللقيط في بيته محكومة بضوابط شرعية فلا يجوز له أن يخلو ببناته ولا بزوجته ، ولا يجوز له أن يطلع على الزينة الظاهرة التي أمرت المرأة بإخفائها عن الأجانب.

ويمكن التغلب على ذلك عن طريق الرضاع ، فإذا رضع اللقيط من زوجة الملتقط صار ابناً لهما بالرضاع ، ويصبح أمر الخلوة والاطلاع على الزينة جائزاً .

يجب على الملتقط العناية بأمر اللقيط، وتربيته وتعليمه فيعلمه الصلاة إذا بلغ سبع سنوات، ويضربه عليها إذا بلغ عشر سنوات لأن له الولاية عليه، فيعامله معاملة ولده في الرعاية.

ينبغى أن يعلم اللقيط حين يدرك أنه أخ في الدين ومولى للمسلمين ، ويكون ذلك بأسلوب يحفظ له كرامته .

إذا ادعى أحد من المسلمين نسبة اللقيط إليه، فإن نسبه يثبت ممن ادعاه من غير توقف على بينه استحساناً متى توافرت الشروط المعتبرة لصحة هذه الدعوى شرعاً سواء كان المدعى هو الملتقط أم غيره ، وذلك على التفصيل المعروف في كتب الفقه . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

---------------------------

(1)    مسلم كتاب الإيمان باب بيان حال من رغب عن أبيه وهو يعلم ح رقم 62 .

(2)    مسلم حديث رقم 63 .

(3)    متفق عليه .

(4)    رواه البخارى ك فضائل القرآن حديث رقم 4999 .

(5)    أخرجه أحمد في مسنده وصححه الشيخ أحمد شاكر.

عدد المشاهدات 10480