من خصائص الشريعة الإسلامية

2010-11-27

جمال المراكبى

"كفالة الحقوق والحريات" هذا المبدأ فرع هام لأصل عظيم وثابت في الشريعة الإسلامية، فالحقوق والحريات إنما كفلتها شريعة الإسلام، فهي إذن تستمد قيمتها من قيمة المصدر الذي تستقي منه وهو الشريعة الإسلامية، فهي تستند إلى الشرع مباشرة وتستمد قوتها من قوته وخلودها من خلوده، وقدسيتها من قدسيته، فلا يملك أحد المساس بهذه الحقوق أو النيل منها مهما أوتي من قوة إلا إذا نال من شريعة الإسلام نفسها فسلبها قوتها ونحاها عن الواقع العملي، فخرج بذلك عن نطاق المشروعية.

من حقوق الأفراد في الإسلام المساواة: لقد قررت الشريعة الإسلامية المساواة بين بني البشر في أرقى صورها، فلم تعترف الشريعة بفروق مصطنعة تقوم على أساس من جنس أو لون أو لغة، فالناس جميعا سواء في أصل الخلقة (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) {النساء:1}.

فالبشر جميعًا يرجعون إلى أصل واحد، خلقهم الله سبحانه من نفس واحدة آدم عليه السلام وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء، كان بهم إعمار الكون، فكيف يتمايز بعضهم على بعض على أسس واهية ما أنزل الله بها من سلطان.

إن الأساس الوحيد الذي يتفاضل الناس ويتمايزون على أساسه هو اتباع أوامر خالق الكون جل وعلا واجتناب نواهيه، وهو التقوى، وهو ما أمر الله به في صدر هذه الآية "اتقوا ربكم" فالتقوى هي الأساس الوحيد السليم الذي يتمايز به بنو البشر، ولا عبرة بما سواه، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) {الحجرات:13} فالإسلام لا يعرف العصبية ولا العنصرية، بل جعل التقوى هي الأساس الوحيد للتفاضل عند رب العالمين سبحانه وتعالى، قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته المأثورة في حجة الوداع: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي، ولا لعجمي فضل على عربي، ولا لأحمر فضل على أبيض، ولا لأبيض فضل على أحمر إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب" أحمد والترمذي بسند حسن.

ويربي الإسلام في الإنسان هذا المبدأ وينميه ويرعاه حتى يكون أساسًا لحياة المسلمين، ويتجلى هذا النهج واضحا في إقامة الشعائر والعبادات التي فرضها الإسلام وحث عليها.

ففي الصلاة يصطف الناس جميعًا خلف إمامهم بلا تمايز بينهم، فالكل في موقف العبادة والتضرع والتذلل لله سواء، وفي الصوم يمتنع الجميع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات طوال اليوم بلا تفرقة بين غني وفقير أو سوقة وأمير، وكذلك في الحج تتجلى المساواة في أروع صورها وأرقى معانيها فالكل في ملابس الإحرام سواء.

المساواة أمام القانون

لعل من أروع صور المساواة وأبرزها في الإسلام ما جاءت به الشريعة الخالدة من جعل الناس جميعا سواسية أمام قانونها، فتعاليم الإسلام يخضع لها الجميع دون تفرقة.

لقد قرر القرآن الكريم هذه المساواة التامة في كثير من آياته، وقررها النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه، فالناس جميعا متساوون في الحقوق والواجبات دون تفرقة بينهم لأجل اللون أو النسب أو الغنى والفقر، وفي ذلك تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ على ذلك إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلم أسامةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال: "يا أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"، وفي رواية أخرى: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع، ويتركوه على الشريف، والذي نفسي بيده لو فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها" رواهما البخاري (كتاب الحدود).

المساواة أمام القضاء:-

وهذا مظهر آخر من مظاهر المساواة التي لم تعرفها كثير من التشريعات حتى اليوم، فجميع المواطنين أمام القضاء في الدولة الإسلامية سواء. وقد جرى العمل في الشريعة علي محاكمة الخلفاء والملوك والولاة أمام القضاء.

فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يفقد درعا له في مسيره لصفين، ثم يجدها بعد ذلك في يد يهودي، فقال لليهودي: الدرع درعي ولم أَبِعْ ولم أَهَبْ، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال علي: نصير إلى القاضي شريح، فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين، فقال علي: نعم هذا الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبِعْ ولم أهَبْ، فقال شريح: ما قولك يا يهودي؟ فقال: درعي وفي يدي، فقال شريح لعلي: ألك بينة يا أمير المؤمنين؟ قال علي: نعم قُنْبرُ والحسن يشهدان أن الدرع درعي، فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز للأب، فقال علي: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟! فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه، أشهد أن هذا هو الحق؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين. {ذكر هذه القصة السيوطي بسند مجهول، وذكرها ابن كثير في البداية ج8 ص5 وفيها الرجل كان نصرانيا}.

وبلغ حرص الإسلام في المساواة بين الخصوم أمام القضاء حدَّ مساواتِهم في إقبال القاضي عليهم ونظره إليهم، وقد جاء في خطاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري: (واسِ بين الناس في مجلسك وفي وجهك وفي قضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك).

المساواة بين الرجل والمرأة في التكليف والثواب

لم تعرف البشرية نظاما أعطى المرأة حقها وأنصفها مثل الإسلام، فالإسلام يهتم بها كأم وزوجة، وأخت وابنة. فقد حرص عليها وحماها وسما بها إلى إنسابيتها فقد كانت في الجاهلية قبل الإسلام تعد من سقط المتاع.

والذين يطغون في موقف الإسلام من المرأة إنما يطغون في أهم مميزات النظام الإسلامي، وهي الحرص على المرأة وصيانتها، فالإسلام يسوي بين الرجل والمرأة في كل شيء إلا فيما اختلفت فيه طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل.

الرجل والمرأة سواء في أصل الإنسانية: [ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى..] والمرأة مكلفة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، وبأحكام الشرع إلا ما استثناه الشرع وهي مكلفة بكل ما في الإسلام من أخلاق وآداب مثلها في ذلك مثل الرجل.

والنظام الإسلامي يجعل للمرأة وظيفتها وللرجل وظيفته، ووظيفة المرأة الرئيسية داخل بيتها في القيام على شئون زوجها وأولادها، بينما يقوم الرجل بالإنفاق على المرأة، زوجةً كانت أو أما أو بنتا أو أختا، والإسلام يجعل رئاسة الأسرة للرجل [الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم]، فللرجل اختصاصات لا تشاركه فيها المرأة، وللمرأة اختصاصات لا يشاركها فيها الرجل ولا يصلح لها ولا يحسن القيام بها، فمحاولة أحد الطرفين التعرض والتدخل في اختصاصات الطرف الآخر يعرض الأسرة للارتباك والاضطراب ويسلمها للفوضى.

وفي العمل السياسي صان النظام الإسلامي المرأة من الاضطلاع بشئونه وذلك لأن الأصل صيانة المرأة عن التبذل، وتهيئتها لوظيفتها التي جبلت عليها وهي الأمومة ورعاية بيتها والقيام على شئونه.

لذلك حسم النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة بقوله في تولي المرأة العمل السياسي: "لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة" رواه البخاري كتاب المغازي.

لذا أجمع المسلمون على أن المرأة لا تتولى منصب الخلافة أو الإمارة العامة، وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز توليها القضاء.

قال الإمام البغوي رحمه الله: اتفقوا على أن المرأة لاتصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيا؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة؛ والإمامة والقضاء من كمال الولايات؛ فلا يصلح لها أي للولاية والقضاء إلا الكامل من الرجال، ولا يصلح لها الأعمى لأنه لا يمكنه التمييز بين الخصوم. أهـ.{شرح السنة للبغوي ج10 ص77}

وهكذا نرى حكمة التشريع الإسلامي فهو يحقق المصالح ويجنب الناس المفاسد لأنه تشريع الحكيم الحميد، ولن يفلح المسلمون إلا إذا تمسكوا بشرعهم واعتصموا بدينهم.

وفق الله جميع المسلمين لما يحب ويرضى. والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 9852