كيف يستقبل المؤمنون المـوت !!

2010-10-05

جمال المراكبى

 الحمد للَّه رب العالمين ، جعل الدنيا دار بلاء واختبار ، وخلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً ، أينا يُحسن في عبادة ربه على المنهاج الذي شرعه اللَّه عز وجل وبينه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقول والعمل فَعَبَدَ اللَّه عز وجل على الوجه الذي يحبه اللَّه ويرضاه حتى أتاه اليقين ، فقال وهو يعالج سكرات الموات : اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ، { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا } [ النساء : 69 ] . أخرجه البخاري ( ح : 4440- 4435) .

وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، كتب الموت على كل نفس ، وجعل الفوز في النجاة من النار ودخول الجنة مع الأبرار : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } [ آل عمران : 185 ] .

وأشهد أن محمدًا عبد اللَّه ورسوله ، ذكَّرَ أمته هجوم المنايا فقال : (( مُثِّل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منيّة إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت )) . [ الترمذي في كتاب القدر ( ح 2150، وكتاب صفة القيامة ح2456) ، عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير عن أبيه ، وحسنه الترمذي ] .

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تابعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى رسل اللَّه أجمعين أما بعد. . فإن الموت هو الحقيقة المؤكدة في هذه الحياة الدنيا ، والمؤمن يتعامل مع الموت كما يتعامل كل عاقل فطن مع الحقائق لا مع الأوهام ، فيكثر من ذكر الموت يذكره صباح مساء ، فإذا وضع جنبه لينام قال : (( باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )) . [ متفق عليه ].

وإذا استيقظ من نومه حمد اللَّه على نعمة الحياة على الإيمان، فقال: (( الحمد للَّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )). [ متفق عليه ].

وإذا دخل في الصلاة ذكر الموت ، وعلم أنها قد تكون آخر صلواته فأحسن طهورها وخشوعها ، وكذلك في سائر عمله ذاكرًا قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : (( اذكر الموت في صلاتك ، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحرى أن يُحسن صلاته ، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها ، وإياك وكل أمرٍ يُعتذر منه )) . [ الجامع الصغير وحسنه الألباني ، وأصله في مسند الفردوس للديلمي بسند حسن عن أنس ] .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع )) . [ ابن ماجه ( ح 4171) ، وسنده صحيح ]

استعد للموت فحاسب نفسه قبل أن يحاسبه ربه ، استعد للموت فتاب من ذنوبه وأقبل على ربه، يحرص على صالح العمل ، ولا يغتر بصنوف النعم يرد المظالم إلى أهلها قبل أن لا يكون دينار ولا درهم يزهد في الدنيا ويؤمل في نعيم الآخرة . يُحسن الظن بربه وخالقه ومولاه . يحب لقاء اللَّه ، فيحب اللَّه لقاءه .يتشوف للقاء الأحبة ، محمد وحزبه ، ولكنه مع هذا كله يجمع بين الخوف والرجاء ، يرجو رحمة ربه ، ويخاف ذنوبه ، ويخشى سوء الخاتمة، فيلزم نفسه دائمًا سبيل الحق والرشاد ، حتى إذا حانت لحظة الموت ، عاين ملائكة اللَّه تحمل له البشرى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] .{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي } [ الفجر : 27- 30 ] .{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] .

فيرتاح المؤمن من كرب الدنيا، وينعم بسعة العيش في الآخرة، ولهذا لما وجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد ، قالت فاطمةُ : واكرب أبتاه ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( لا كرب على أبيك بعد اليوم ، إنه قد حضر بأبيك ما ليس بتارك منه أحدًا . الموافاة يوم القيامة )) . [ ابن ماجه ] .

لما حضر بلالاً الموتُ ، قالت امرأته : واكرباه ، فقال : وافرحاه ، غدًا ألقى الأحبة ، محمدًا وحزبه .

وفي ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى فَارَقَنَا أخ عزيز علينا ، عرفناه ، وأحببناه للَّه وفي اللَّه عرفناه طالبًا للعلم لايشبع منه فأحببناه .عرفناه داعيًا إلى اللَّه تعالى لا يمل ولا يهدأ فأحببناه.عرفناه داعيًا إلى السنة والجماعة ، قامعًا للبدعة والضلالة ، فأجببناه .

مات صفوت الشوادفي بعد أن طهره ربه ، فتطهر وصلى المغرب في جماعة ، وقبلها كان يصل رحمه ويَبَرُّ أمَّهُ ، فمات رحمه اللَّه على طاعة كما كان عهدنا به دائمًا ، تقبل اللَّه منا ومنه ، وتجاوز عنا وعنه ، وألحقنا به غير خزايا ولا ندامى ولا مفتونين .

والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (( إذا أراد اللَّه بعبدٍ خيرًا طهره قبل موته )). قالوا: وما طهور العبد ؟ قال: (( عمل صالح يلهمه اللَّه إياه حتى يقبضه )). [ الجامع الصغير، وصححه الألباني ، وأصله عند الطبراني عن أبي أمامة ، صحيح الجامع (306) ].

رحم اللَّه صفوت الشوادفي ، وتجاوز عن سيئاته ، وفسح له في قبره ، وأسكنه فسيح جناته ، فقد كان رحمه اللَّه محبًّا للعلم ، مشجعًا عليه .

أذكر أنني اكتتبت مع بعض الشباب بمسجد الشباب ببلبيس لنشتري كتب السنة وبعض كتب الجرح والتعديل ، فعلم الشيخ بذلك ، فقال لي : لا تعجل ، سوف تذخر مكتبتنا بهذه الكتب عن قريب ، وبالفعل امتلأت مكتبة المسجد وغيره من المساجد بهذه الكتب وغيرها كثير نافع وأذكر أنه أول من فكر في إنشاء معاهد إعداد الدعاة والداعيات ، وبدأنا المشروع في صورة بسيطة ، اثنان من الشباب من كل فرع يجلسون بالمسجد من بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء يتدارسون بعض الكتب التي حددناها مثل (( منهاج المسلم )) ، و(( الرحيق المختوم))، ثم يلتقون بنا كل شهر ويتقدمون بأبحاث في موضوعات هذه الكتب ، ثم تطورت الفكرة ، فجهزنا المكان الخاص بالدراسة ، وأعددنا المناهج ، وانتشرت المعاهد في كثير من الفروع ، فجزاه اللَّه خير الجزاء ، وأجزل له المثوبة والعطاء .وكان آخر ما اتفقنا عليه أن أقوم ببيان عقيدة أهل السنة والجماعة ، مع ذكر المسائل التي يختص بها أهل السنة مخالفين فيها أهل البدع من الفرق الضالة ، مع إعداد باب نذكر فيه نماذج لعقائد العلماء ليتعرف قارئ المجلة على العقيدة الصحيحة ويتعرف على علماء السنة .لقد كان رحمه اللَّه بعيد النظر ، يحسن التخطيط لمستقبل الدعوة ، له آمال وطموحات تتعلق بنشر العلم ودعوة المسلمين إلى منهاج السنة والجماعة ، حتى إنه اختار أن يقرأ على الدارسين بمسجد التوحيد ببليس كتاب ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) ، وقطع في دراسته شوطًا طويلاً ، فأفاد واستفاد وأحسن وأجاد ، فرحمة اللَّه تعالى عليه ، ونسأل اللَّه أن يجمعنا به في دار كرامته مع الذين

أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

عدد المشاهدات 9927