وحدة الصف .. ووحدة الفكر

2010-12-02

صفوت نور الدين

وحدة صف المسلمين أمل وأمنية غالية عند كل مسلم لديه من الإخلاص شىء ولا تتحق وحدة الصف إلا بتوحيد فكرهم ومنهجهم . ويتحدث الكثير من الذين يرجون وحدة المسلمين ويكرهون الفرقة بينهم فيقولون : ينبغى على علماء العالم الإسلامى أن يجتمعوا ليتفقوا على الأمر الذى يسير عليه المسلمون ، فإن تفرق هؤلاء العلماء فرق المسلمين وجعلهم شيعاً وأحزاباً ولو أنهم توحدوا لتوحيد العالم الإسلامى . ويسهبون فى الحديث هذا ، ويستدلون بكل النصوص التى تنبذ الفرقة وتمتدح الوحدة - وما أكثرها - بل يتطاول بعضهم فيقول عن علماء الأمة - إنهم سبب تفرقها - وكأن الله لم يكمل دينه فهو فى حاجة إلى مجلس أعلى من العلماء أو مجمع منهم ويتوقف صلاح حال الأمة على اتفاقهم . مع أن الله سبحانه جعل دينه الخاتم كاملاً ، تماماً ، واضحاً ، بيناً ، ليس بحاجة إلى فكر جديد ، ولا إلى نظريات تؤسس ، فدين الله غنى لأن الله أغناه . فحفظه علماً وعملاً وتطبيقاً إلى أن تقوم الساعة " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك " . وأكمله نصاً وتطبيقاً فجعل فيه الحل لكل أمر يظهر " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً : كتاب الله وسنتى " .

بل إن النصوص التى تحدثت عن الفرقة هى التى بينت طريق الوحدة والإصلاح فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صفة الفرقة الناجية : " ما أنا عليه وأصحابى " أى هذا طريقهم . ويقول : " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ " . ويقول رب العزة سبحانه : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " . بهذه النصوص وأمثالها يتضح الطريق ويظهر المنهج الذى يجب أن يرجع إليه المسلمون جميعاً وأنه ليس مبنياً على فكر ونظريات مستحدثة ، إنما يجتهد علماء الأمة فى بيان المسائل المتفق عليها سواء كانت من الأمور الاعتقادية أو من المعلوم من الدين بالضرورة فى المسائل العلمية فلا يسع المسلم جهلها ولا تحتاج إلى أن يعقد لها مجمعٌ من العلماء ليسطروها من جديد أو ليطرحوها على بساط البحث ثم يقبلوها أو يرفضوها . لكن المؤتمرات واللجان والمجامع العلمية التى تعقد إنما لتبحث المستجدات فى كل عصر كأحكام التعاملات المالية التى تولدت من مكتشفات جديدة أو لجديد فى الأحكام المتعلقة بمسائل الطب والعلوم الحديثة وأمثال تلك المسائل من الفروع العملية . أما المسائل الأصولية فقد أحكمها الله سبحانه بوحيه وقدره حيث أظهر أهل الضلال ضلالاتهم بقدره سبحانه فى وجود أهل العلم من الصحابة والتابعين ففندوها وأجابوا عن الخطأ وميزوا الصواب . كل ذلك فى الأجيال الثلاثة من الصحابة والتابعين وتابعيهم . فأبقى الله سبحانه هذا المنهج القويم الذى رضيه سبحانه ، وجعل قول أهل النجاة يردون به على أهل الضلال ويذبون عن الشرع كل دخيل ويثبتون على الحق الواضح الأصيل النابع من القرآن والسنة . أما أن نظن أننا سنأتى لعلماء اليوم يحدثوننا فى قضايا الاعتقاد بأركانها الستة أو قضايا الكفر والإيمان أو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو السنة والبدعة ليجعلوها فى منهج جديد أو يلفقوا بين أقوال الفرق فيستخرجوا لنا أصولاً حديثة فهذا فهم لا يستقيم والصحيح أن نقول للناس جميعاً : هذا منهج أهل السنة والجماعة تعالوا إليه ، ونحذر من الانحراف عنه أو الميل إلى غيره - أى أن نعرف الحق فنلتزمه ونعرف الضلال لنجتنبه .

والحديث عن وحدة المسلمين يعنى ثلاثة أمور :

الأول : وحدة المسلمين اعتقادا . وذلك يعنى لزوم عقيدة أهل السنة والجماعة ومخالفة الفرق الضالة الثنتين والسبعين وأصول هذه الفرق فى الشيعة والخوارج والمرجئة والمعتزلة القدرية.

الثانى : وحدة المسلمين فى تعبدهم . بمعنى لزوم السنة وترك البدعة ولزوم الطاعة وترك المعصية .

الثالث : وحدة المسلمين صفاً . بأن يكونوا " كلٌ على من عاداهم ويسعى بذمتهم أدناهم " .

أما الأمر الأول : فقد اتفق علماء الصدر الأول عليه ، ومن خالفهم فيه كانوا هم فرق الضلال فلا يجوز التسامح فى أقوالهم ، فإذا أردنا أن ندعو المسلمين إلى الوحدة دعوناهم للالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة لأنه لا سبيل للوحدة سواه .

أما الأمر الثانى : فهو دعوة المسلمين لإقامة شرع الله وعبادته كما أمر من غير أهواء ولا بدع . فنأتى المأمور ونجتنب المحظور . وكلاً من هذين الأمرين فى الاعتقاد والتعبد يخاطب فيه أفراد الأمة وجماعاتها حكاماً ومحكومين ، فإذا استقاموا على اعتقاد أهل السنة والجماعة وعلى نبذ الأهواء والبدع عندئذ تصبح الدعوة لوحدة صف المسلمين نافعة .

وعندئذ ينزل الله عليهم نصره ويؤيدهم بجنده ويحيق بأعدائهم بأسه .

لكن إن ظنوا أنهم يمكن أن يتحد صفهم بغير وحدة اعتقادهم وصحة تعبدهم فذاك خيال وخبال، لذلك وجب على العلماء التعرف على العقيدة الصحيحة أى عقيدة أهل السنة والجماعة بغير خلط مع الفرق الضالة ، فيعرفوا الفرق الناجية بعقيدتها وبأئمتها من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم بعد . ذلك ليعرفوا الحق فيعرفوا أهله . فإن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله .

ولا يجوز أن ندعو إلى غير أهل السنة والجماعة أو أن نهون من أمرهم فندعو لموافقة فرق الضلال ولا أن نقول قول الحائرين ( لا ندرى أين الحق ؟ ) لأن الدين كامل بإكمال الله له، لا يعوزه قول مجمع من مجامع العلماء اليوم فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: " تركتكم على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك " .

فالنجاة فى طريق الفرقة الناجية المنصورة فرقة أهل السنة والجماعة وهى واضحة المعالم ، بينة القسمات ، متميزة عما عداها ، فهيا يا دعاة الوحدة وهيا يا من تعالجون الفُرقة . هيا إلى الطريق الواضح الصحيح . والله ناصر من نصر دينه .

والله من وراء القصد .

عدد المشاهدات 10035