أصحاب الفيل

2010-12-04

صفوت نور الدين

الحمد الله لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع ينصر من نصر دينه ويسعده ويعليه ويخذل من خذل دينه ويشقيه لما أراد إبليس العزة لنفسه بمعصية ربه وترك السجود لآدم رفعة وكبرا جعله الله من الصاغرين ولما طغى فرعون وقال :هذه الأنهار تجرى من تحتي جعله الله عبرة وجعل الماء المالح تتلاطم أمواجه من فوقه لأن من طلب الأمر بغير حله عوقب بضده ومن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، إنما من ترك لله وأعطى لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل عرى الإيمان .

والله سبحانه هو الملك كل شيئ في الكون من ملكه سبحانه ويجرى بأمره فلا يحدث في الكون من شيء إلا بتقديره وتدبيره وان الشيطان يكيد والله قال : ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )[النساء : 76] .

ويقول سبحانه : ( وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال ) (غافر:25) و: (  وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ )[ غافر :37) ،

ولقد أورد ابن كثير في البداية والنهاية وابن جرير في تاريخه كلاهما في آخر العام الخامس والثلاثين قالا : (في هذه السنة قصد قسطنطين بن هرقل بلاد المسلمين في ألف مركب، فأرسل الله عليه قاصفا من الريح ففرقه الله بحوله وقوته ومن معه ولم ينج منهم أحد إلا الملك في شرذمة قليلة من قومه فلما دخل صقلية عملوا له حماما فدخله فقتلوه فيه وقالوا : أنت قتلت رجالنا ) .

في هذه العبارة من العظات والعبر الشيء الكثير ولبيان ذلك ينبغي أن نعلم أن العام الخامس والثلاثين هو العام الذي اشتعلت فيه فتنة الخوارج - قبحهم الله - على عثمان بن عفان -رضى الله عنه - حيث أخذ عبد الله بن سبأ ومن شايعه يكيدون للإسلام لأنهم وجدوا أنهم لم يفلحوا بقتل عمر في القضاء على الإسلام شيئا فأرادوا في هذه المرة أن يكون القتل بيد أقوام من المسلمين تحت دعوى التمسك بالدين والدفاع عنه فأخذوا يكيدون وجمعوا في المدينة جموعًا كثيرة منعوا عثمان -رضى الله عنه- من الخروج للصلاة بالمسلمين ووافق ذلك موسم الحج وخروج نفر كثيرين من المدينة للحج مع المسلمين  . بل إن الولاة في الأمصار انشغلوا عن حماية الثغور بتسيير جيوش يقصدون بها الدفاع عن دار الخلافة في المدينة عندئذ قصد قسطنطين بن هرقل مغتنمًا فرصة انشغالهم بلاد المسلمين في ألف مركب فأرسل الله عليهم الريح فأغرقتهم .

ألا يدل ذلك على التواطؤ بين أهل الكفر الذين بين المسلمين من يثير الفتن بينهم حتى إذا  اشتعلت الفتنة انقضوا عليهم يريدون له  إهلاكًا .

وإن ما يحدث على الساحة الإسلامية اليوم من هذه الدماء التي تسفك في كل مكان فهو دليل على ذلك فهم ينقضون في كل وقت وحين وبكل سلاح يستطيعون على المسلمين في كل ميدان منهم من يتخذ القلم والبيان بابًا للتشكيك ، ومنهم من يستفز الأغرار من المتحمسين ليفسدوا في الديار ، ومنهم من يغتنم الفرقة بين المسلمين ليسفك دماء الأقليات ، ومنهم من يثير الحروب بينهم لخلاف على الحدود أو بعض المشكلات التي  عفي عليها الزمن ولم يعد لها من سبب لكنهم يحيونها ، كما مر رجل من اليهود على جماعة من المسلمين أوسـًا  وخزرجًا وذكرهم بنعرات الجاهلية ، وأخذ يحرش بينهم حتى تنادوا بالسلاح يحملونه فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم : ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ) ، فهذه دعاوى الحدود والقوميات بين المسلمين اليوم وسائر الخلافات التي يثيرها أحفاد حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف وأقرانهم وأحزابهم من الكافرين في كل موقع ومكان .

و الأمر أيضًا يشير بوضوح وجلاء إلي أن الله ينصر دينه إن عجز أهله عن نصره أو انشغلوا عنه والأمثلة عريضة في التاريخ يصعب سردها واستعراضها لكثرة فصولها وغزارة تفاصيلها .

فنوح عليه السلام لما قال :( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ(10)فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ(13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ(14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا ءَايَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ  )(القمر 10-15 ).

وكذلك قوم عاد لما كذبوا هودا قال الله تعالى :( إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ(19)تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ(20)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(21)) ( القمر: 19- 21) .

وثمود لما كذبوا صالحا قال الله تعالى :( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ(29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(30)إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ) (القمر 29- 31) .

وكذلك قوم لوط لما كذبوا رسولهم .. قال الله سبحانه في شأنهم : ( وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ(36)وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(37)وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) (القمر :36- 38) .

وقال الله تعالى :( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ(82)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) (هود :82- 83) .

وقوم مدين لما كذبوا شعيبا قال الله سبحانه تعالى  : (  وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) (هود:94) وهكذا يبين لنا ربنا سبحانه عن الأمم الغابرة فيقول :( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ  ) (هود:100) ويقول سبحانه :( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ )  (هود :102- 103) .

وكذلك فان محارم الله إذا انتهكت ولم تجد لها مدافعا فان الله سبحانه يدافع عن حرماته  فهو القائل سبحانه في سورة كاملة : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل :1- 5) .

فلما انصرف القوم عن الدفاع عن حرم الله ولم يجدوا لهم بأصحاب الفيل طاقة حتى نادى عبد المطلب عند البيت فقال :

اللهُمَّ إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم

و محالهم أبدًا محالك

إن كنت تاركهم

وقبلتنا فأمر ما بدا لك

فأنزل الله بهم بأسه وأحل بهم نقمته وجعلهم كعصف مأكول بأن أرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل .

ويأتي يوم الأحزاب الذي هزم الله الأحزاب فيها وحده فيقول الله سبحانه :( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا )  (الأحزاب:10- 12)  .

فسلط الله الريح عليهم لم تجعل لهم من شيء قائم ولا نار موقدة ولا قدر مستقرة حتى ارتحلوا عن المسلمين فطلعت الشمس وليس لهم من أثر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده  وهزم الأحزاب وحده) .

ثم يأتي هذا الحدث في العام الخامس والثلاثين في مسيرة نصر الله رب العالمين لدينه وجنده فيرسل عليهم الريح تقصف سفنهم وتغرق جندهم والله على كل شيء قدير

والله سبحانه يبين لنا طريق النصر فيقول للمسلمين يوم أحد وقد عادوا في جراحاتهم منكسرةً نفوسهم يشتد الأسى عليهم فقال لهم :( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(138)وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ(141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) ( آل عمران :138-142)

فالله سبحانه يريدنا مؤمنين عندئذ يؤلف القلوب المتنافرة ويوحد الصفوف المبعثرة ويجمع الأشتات المتناثرة ويهزم الجيوش الجرارة الغاوية ويفتك بالأسلحة المدمرة ويرد كيد الكافرين في نحورهم ذلك إن كنتم مؤمنين والإيمان هنا إنما يعنى : الاعتقاد بالجنان والقول باللسان والعمل بالأركان إنما يعنى الإيمان بأركانه الستة وبشعبه البضع والسبعين إنما يعني الإيمان من قول لا إله إلا الله والاعتقاد الصحيح فيها حتى إماطة الأذى عن الطريق .

والحياء شعبة من الإيمان فحجاب المرأة من الإيمان ، وترك الربا من الإيمان ، والصلاة من الإيمان ، وصلاة الجماعة من الإيمان .

أخي المسلم إذا قرأت هذا فاعلم أن الطاعة من الإيمان ، وأن المعصية من الكفر ، وأن الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وأن الكفر بعضه أشد من بعض ، وكفر دون كفر ، فاحذر الكفر كله ، واحرص على الإيمان كله ؛ فان صلاة المسلمين وصيانة أعراضهم أشد على العدو من أفتك الأسلحة لأن الله وعد بها ( وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) وإن المعاصي أشد على المسلمين  وبلادهم من الأسلحة الفتاكة ، والجيوش الجرارة ، والأمراض المعدية ، والغازات السامة ، والحرب الكيماوية والحيوية والنووية ؛ لأن المعاصي تفتك بالمسلمين في الدنيا والآخرة فلا تبقي لهم بالدنيا كيانًا ، ولا تدخلهم في الآخرة جنة ، والطاعة تكسبهم قوة ، وتهون العدو في نظرهم ، وتحبب الموت والشهادة إليهم .

اعتبروا يا أولى الأبصار بأصحاب الفيل وأهل الأحزاب ومن سبقهم ومن جاء بعدهم ، واعلموا أن الله ملك لا يعتزل مملكته ، ولا يكل شيئا فيها لغيره ، إنما يدير الكون بنفسه ، ومقاليد كل شيء بيده ، ينصر من نصر دينه ، ويخذل من خذل دينه ، فاحذروا سبل الشيطان من إثارة الشبهات وإثارة الشهوات مما يؤدى إلى الوقوع في المعاصي وتهوين الطاعات ، فنكون أهون على الله من الحشرات ، فيرفع عنا مظلة الإيمان فلا نجد لنا حماية فكل مسلم مسئول على الطاعة عملاً والمعصية اجتنابًا ، ولو تدبرت سورة النور وسورة الأحزاب لوجدتهما نزلتا في وقت يحارب المسلمون عدوهم فيدعوهم ربهم  أن يطهروا أنفسهم من المعاصي ، وأن يصونوا الحرمات ويحفظوا الجوارح ليستحقوا استمرار النصر، بهم فهيا أخا الإسلام إلى نصر الله ، وان الله على نصر المسلمين لقدير ، فهيا إلى نصر الله بالطاعة ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم ) اللهم انصر المسلمين واهدهم سبيل طاعتك واصرف عنهم أسباب معصيتك وأيدهم بالعلم النافع والعمل الصالح وأحيهم بالإسلام حياة عزيزة كريمة يا رب العالمين آمين آمين

والله من وراء  القصد .

عدد المشاهدات 9898