التربية بين الأصالة والتجديد‏-7-

2010-12-04

صفوت نور الدين

للنبي - صلى الله عليه وسلم - أساليب تربوية جليلة ذكرنا منها في مقالاتنا السابقة القدوة ثم الإرشاد والتوجيه ثم استخدام المواقف التربوية كأسلوب السؤال والجواب. وفي هذا المقال ننتقل إلى بعض الأساليب الأخرى من أساليب التربية.

دوام التذكرة

* من أهم مميزات الأسلوب التربوي للنبي - صلى الله عليه وسلم - دوام التذكرة في كل المواقف ومع كل الناس. فإن كان في سفر أو حضر راكباً أو ماشياً مع صبي أو رجل فهو دائم التذكرة والتعليم ومن أمثلة ذلك:

* حديث معاذ رضى الله عنه قال كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال لي يا معاذ: أتدرى ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً. قلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكلوا (متفق عليه).

* وحديث ابن عباس رضى الله عنه قال كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال يا غلام إني أعلمك كلمات (احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس منا (رواه مسلم).

* وحديث أبى هريرة رضى الله عنه الذي يروى خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى بكر وعمر من بيوتهم وقد أخرجهم ما أصابهم من شدة الجوع فذهب بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت رجل من الأنصار فلما رآهم الأنصاري رحب بهم ونحر لهم شاة أكلوا منها حتى شبعوا ثم قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم (رواه مسلم).

* وحديث عمر بن أبى سلمة رضى الله قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما (رواه مسلم).

التشويق وإثارة الاهتمام

* ومن مميزات تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعليمه التشويق للعلم وإثارة الاهتمام به ومن أمثلة ذلك:

* حديث أبى سعيد بن المعلى قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد. ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته (رواه البخاري).

* ومنها حديث أنس رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله متى قيام الساعة؟ فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فلما قضى صلاته قال أين السائل عن قيام الساعة؟ فقال الرجل أنا يا رسول الله. فقال ما  أعددت لها؟ قال يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرء مع من أحب وأنت مع من أحببت. قال أنس: فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بها (رواه الترمذي).

* بل ويتكرر السؤال نفسه فتتكرر طريقة الإجابة عنه بأن يترك النبي - صلى الله عليه وسلم- السائل ثم يسأل من السائل عن الساعة حتى يلفت أنظار الناس لأن السؤال عظيم القدر جليل الشأن ولكن تختلف الإجابة عنه. وذلك ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة. فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث. فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين أراه السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله. قال فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها. قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة (رواه البخاري).

* بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الساعة مرات عدة وتعددت إجابته عنها بحسب حال السامع وما يلزم من العلم.

تهيئة السامع لتلقى العلم

* ومن الأساليب الني ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها أصحابه الكرام أنه كان يهيئ أذهانهم للسماع والعلم حتى أنه كان أحياناً يجعلهم هم الذين يطلبون العلم. وفي ذلك نذكر من بين الأمثلة الكثيرة:

* حديث حنظلة بن الربيع قال:  ‍لقيني أبو بكر رضى الله عنه فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قلت نافق حنظلة! قال:  سبحان الله ما تقول؟ قلت نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. قال أبو بكر رضى الله عنه فو الله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذاك؟‍ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأى العين. فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة. ساعة وساعة. ساعة وساعة. (رواه مسلم).

* فأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرون ما يحذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم- ماثلاً أمام أعينهم وكذلك ما يعدهم به. لحديث النواس بن سمعان رضى الله عنه قال:ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة. فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل (رواه مسلم). وقد تدعوهم بلاغة الموعظة إلى طلب الوصية كما روى العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة… رواه أبو داود والترمذي.

التلقي للعمل والتنفيذ

* ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه طلباً لسعة الثقافة بل أنه يعلمهم العلم ليقوموا    عليه بالعمل والتنفيذ. وتلك ولا شك آفة الكثير من المجتمعات اليوم حيث تراهم يتعلمون العلم ولا يعملون به. فالطالب في مدرسته يتلقى في دروسه أن بالفم سائل اللعاب الذي يعمل على هضم المواد النشوية وتبسيطها ويتعلم من ذلك قيمة المضغ الجيد. ثم تراه يذاكر هذا الدرس بل ويجيب عن السؤال الذي يرد عنه في الامتحان ثم تراه لا يعمل به في مضغه لطعامه. ومن أمثلة ذلك مالا يحصى. بل إن الناس ليمرنون على مخالفة العلم تمريناً حيث ترى المدخنين يعلمون مع كل سيجارة يدخنونها أن ( التدخين ضار جداً بالصحة) فيخرجون من تدخينهم بأن يعودوا على مخالفة العلم وسهولة السلوك غير الصحيح.

* وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يصفون حالهم في تعلم القرآن فيقولون كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.

* بل إن النساء كذلك من المهاجرات والأنصاريات في ذلك لهن شأن واضح. فلقد روت عائشة رضى الله عنها قالت: ( يرحم الله النساء المهاجرات الأول لما أنزل الله ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ النور- 31) شققن أكثف مروطهن فاختمرن بها  البخاري وأبو داود واللفظ له.

* وعنها قالت: إن لنساء قريش لفضلاً. وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل. لقد أنزلت سورة النور: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ) انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل(1) فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه فأصبحن(2) وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتجرات كأن رءوسهن الغربان (رواه أحمد).

 

(1)الثوب الذي لا تلبسه.

(2) أي في صلاة الصبح.

عدد المشاهدات 9899