في رمضان يفتح الله تعالى لعباده الكثير من أبواب الرحمة ليدخل منها السالكون إلى الله عز وجل فتوصلهم إلى الجنة. ويعرض عنها المحرمون تصديقًا لحديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى. وأن للصوم بابًا في الجنة. فلقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة. ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الجهاد. ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان. ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة". وجهاد وصدقة تبقى مفتوحة في شهر الصوم بل تزيد. والله عز وجل لم يذكر في القرآن شهرًا باسمه إلا رمضان (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة 185. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:( قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه) متفق عليه. وهذه الأبواب كثيرة ولكن الشيطان جند جندًا من الإنس والجن يصدون عن هذه الأبواب وأكثرهم صدًا عن الخير أكثرهم قربًا من الشيطان. (لحديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يبعث الشيطان سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده منزله أعظمهم فتنة).
وإليك اختصار لبعض هذه الأبواب لأن البسط في ذلك يطول:
أولا باب الدعاء:
فشهر رمضان شهر الدعاء المستجاب. والقرآن الكريم يجعل آية الدعاء في ثنايا الحديث عن الصيام في قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فاستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة 186.
كأنه إذا ما تخفف العبد من حاجات الجسد تطلعت الروح إلى ربها فيجيبها سبحانه (إني قريب) وباب الدعاء يفتح في شهر الصوم على ثلاثة أحوال:
* الحال الأول: حال الصوم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.
* الحال الثانية: عن الفطر لرواية الترمذي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين فطره.... ولحديث ابن عمر مرفوعًا (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد).
* الحال الثالثة: عند السحر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له" متفق عليه.
هذا وأن شهر الصوم شهر طاعة وامتثال لأمر الله عز وجل يطيب به جوف الصائم. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي محمدًا فيقول: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة". فإذا كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فما بالك بدعائه الصالح "والله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبًا".
والصوم عمل صالح. والله عز وجل يقول (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر- 10. وقد جاء في تفسيرها عند ابن كثير (لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام. فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى فصعد به إلى الله عز وجل. والكلام الطيب يعني الذكر والتلاوة والدعاء). ولقائل أن يقول أن الحال الثالثة حال السحر ليس لها برمضان خصوص ولكنها في كل ليلة. والجواب على ذلك أن لرمضان في وقت السحر شأنًا آخر حيث يسن للصائم أن يستيقظ ليتناول طعام السحور. فعن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تسحروا فإن في السحور بركة" متفق عليه. وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" رواه مسلم. وكأنى بالمولى عز وجل يرشد عباده إلى السحور في ذلك الوقت والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسن لنا تأخيره فيقال للمسلم قم إلى الطعام لعله يتذكر دعوة يدعوها فيقبلها الله عز وجل منه في ذلك الوقت. ولو تعلم المسلم السنة في عمله لحصل له الخير الكثير. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استيقظ من الليل قال: (لا إله إلا أنت سبحانك اللهم استغفرك لذنبي وأسألك رحمتك. اللهم زدني علمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) الوابل الصيب. وكذلك من دعائه -صلى الله عليه وسلم- إذا مد يده إلى الطعام يقول (اللهم بارك لنا فما رزقتنا وقنا عذاب النار. بسم الله) الأذكار. فلو تقبل الله منه هذه الدعوات عند قيامه لسحوره وطعامه لكفى بها لسعادة الدارين. ذلك باب الدعاء الذي فتحه الله تعالى للصائم، فإذا ما نظرت إلى يوم الصائم ونزغات الشيطان فيه بشأن الدعاء لوجدت:
الغفلة عن الدعاء أحيانًا. فهذه أيام رمضان تمر فكم من مرة تذكر الصائم الدعاء عند الفطر أو عند السحور؟ وكم من مرة أنساه الشيطان ذلك؟
وبشأن دعوة السحر ترى من يعرض عن السحور كله ويزهد فيه رغبة في النوم مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكل أن فيه البركة. وهذا يظن أن تركه للسحور مزيد من القرب فقد يفاخر الناس به. والأشد من ذلك أن الصائم وقد فتح الله تعالى له باب الدعاء المستجاب يقلب النعمة في حقه نقمة فيشتغل لسانه طول يومه بالدعاء السيء. فإذا أراد النوم فسمع صوتًا من أطفاله أيقظه من نومه قام يمطرهم بوابل من السباب يدعو عليهم. وإذا خرج إلى عمله فأتبعه الزحام في الطريق، أو التكالب على سلعة أطلق لسانه بالدعاء على الناس وأرزاقهم. فيطلب ضيق الرزق وهلاك الولد في وقت أصبح الدعاء مقبولا. وفي الحديث عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه مسلم.
ثانيًا باب ترويض الشهوات:
روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فشهر رمضان يروض الشهوات فيعين المسلم عليها. ولكن الشيطان يسلط جنده حتى يثيروا تلك الشهوات فيبعثوها من رقادها بما ينشرون في مسلسلاتهم وهزلياتهم التي تزداد في رمضان بما يفوق الوصف. فإذا كان في طول يومه قد كبح بالجوع شهوته فإن منهج الشيطان أن يدفعه مع أذان المغرب نحو الطعام يلتهمه والماء بشربه حتى يملأ (شر وعاء) فتسترخي أعضاؤه. ثم تعرض عليه مشاهد هزلية يظل منها يضحك ضحكًا يميت القلب فينسى الصلاة أو ينقرها نقرًا. ويستمر استرخاؤه مع مشاهد تظهر له النساء في تبرجهن وتعرض مفاتنهن وخضوعهن بالقول. فتثور الشهرة التي روضت فيعود وقد فقد ما اكتسبه في صومه. وحتى يكمل الشيطان خدعته ويجعل للمدافع حجته يزرع بعض الخير وسط زحام هذه الشرور. فتسمع عن مسابقة يخرج فيها الفائزون لرحلة العمرة مصداقًا للحديث (أن الشيطان ليفتح لابن آدم سبعين بابًا من الخير ليوقعه في باب من الشر). حتى إذا نصح ناصح بضرورة الإعراض عن الاسترخاء أمام هذه البرامج الفاسدة وجدت من يدافع قائلا إن نفسي تتوق إلى العمرة وزيارة بيت الله الحرام وذلك أجر جزيل. ولو علم هذا فإن فضل الله أوسع من وعود المسابقة.
ثالثًا باب الصبر:
الله عز وجل يقول (إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- رمضان (شهر الصبر). وفي رمضان يتعلم المسلم الصبر يتركه للطعام والشراب والشهوة الحلال نهارًا. وقد يزيد لمن أراد أن نعتكف ليالي منه فليلتزم المسجد وقد حبس نفسه عن المعاصي وعن كثير من المباحات. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الصائم وهو في صومه أن يتعلم التجمل بالأخلاق الفاضلة ليصبر يتركه المعاصي فيقول (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق) ثم يدعوه إلى المزيد حتى يترك مجاراة الجهلاء وإن جهلوا عليه (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.
وصلاة القيام في رمضان تعلم الصبر لما فيها من طول القراءة وحبس النفس على طاعة الله تعالى. ولكن للشيطان صدودًا عن ذلك حيث يدعوا الصائم إلى الجزع وعدم الصبر ويلصق ذلك بالصوم. فترى الرجل يضيق خلقه في رمضان فإذا سألته قال لك صائم!! وتراه يضجر من عمله ومن ولده ومن الناس فإن سألته قال لك صائم!! وإن كانت للناس عنده من مصلحة أهملها وتعلل بالصوم حتى يصبح شهر رمضان شهر الجزع وليس شهر الصبر. فبدلا من أن يخرج من رمضان وقد تعلم الصبر والخلق الفاضل فيصبح صابرًا في رمضان وغيره، إذا به يتعلم الجزع وسوء الخلق.
رابعًا باب الصدقات:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جوادًا كريمًا وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. وكان يلقاه كل ليلة. كان كالريح المرسلة، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وفي حديث أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه (فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. فمن أداها قبل الصلاة- أي صلاة العيد- فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).
وصوم المسلم في شهر رمضان تخفف من الطعام وطول للجوع حتى يشعر المسلم بشعور الفقير فيرق قلبه له. والتخفف من الطعام ادخار للمال. فيقع ادخار المال مع الرقة على الفقير عونًا للتصدق عليه والبذل في وجوه الخير فيتعلم في رمضان الجود والبذل، ولكن وساوس الشيطان تجعل الناس يجمعون- إذا جاء الصيام- من صنوف الطعام ما يغيب طول العام حتى تسمى الأطعمة أحيانًا باسم رمضان مثل (ياميش رمضان). وترى صنوفًا من الطعام قد رفع الحظر عنها فهي تباع كل يوم (كاللحم) وترى الحلوى وقد ازدحمت بها الطرقات أصنافًا حتى أنك لو سميته شهر الطعام لما بالغت في القول. فيخرج الصائم يجمع في سلته من الأطعمة ما يكفي الرهط من الناس فإذا غاب قرص الشمس، غاب هو الآخر بين الطعام حتى تراه وقد ضعفت حركته ونامت عيناه ووضع يديه على بطنه يطلب شيئًا لهضم الطعام وقد كان منذ لحظات في غنى عن ذلك- حتى أصبح يشعر بأمراض الأغنياء لا بآلام الفقراء. ويزداد الإنفاق عليه حتى يقترض ويستدين لشراء الطعام في شهر الصيام. فلا يجد في ماله سعة لصدقة ولا معونة لفقير. حتى إذا جاء آخر رمضان وذكره أحد بصدقة الفطر رأيت من شأنه عجبًا!! فهو يساوم في قيمتها: كم يخرج عن الفرد؟ فإن قيل ربع كيلة طلب من يفتيه بأقل. فإن قيل سدس كيلة طلب من يفتيه بعشرها وهكذا. فإذا فرغ من المساومة في القيمة عاد يسال عمتي فقيرة... أختي فقيرة... أبي فقير... هل أخرجها لهم؟. أنا موظف حكومي دخلي محدود ألا استحق منها. والعجيب أنه لم يتذكر صلة اللرحم ولا بر الوالدين إلا عندما أخبر بالصدقة. أما يعلم إن هذه الصدقات تغسل أوساخ الناس فلا يصل رحمة ولا يبر والديه إلا بغسالة أوساخه فضلا عن رغبته إن يأكل منها ويطعم أولاده؟ فيخرج من رمضان وقد تعلم البطنة وتعلم الشح والله تعالى يقول (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم. فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرًا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون أن تقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم) [التغابن 15- 17].
خامسًا باب القرآن:
بين القرآن ورمضان صحبة طويلة: أولها: أن القرآن بدأ نزوله في رمضان (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن). وثانيها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض القرآن على جبريل مرة في كل عام في شهر رمضان. روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة). وثالثها: رمضان شهر القيام أي الصلاة الطويلة لطول قراءة القرآن فيها. ورابعها: شهر رمضان شهر التخفف من حظ الأجساد لتحظى الأرواح والله سمى القرآن روحًا (وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا) الشورى 52 وفي القرآن حياة الأرواح (يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [الأنفال 24]. خامسها: بين الصيام والقرآن تلازم يوم القيامة فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان) (رواه أحمد). ففي رمضان تعمر المساجد بالمصلين التالين للقرآن ليلا ونهارا والصائم في نهاره يسبح ربه، يذكره ويستغفره، فإذا جاء وقت الغروب أفطر على رطب أو تمر أو ماء ثم أسرع إلى المسجد يصلي مع الإمام المغرب فتكثر الخطا إلى المساجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: اسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط - فذلكم الرباط - فذلكم الرباط) رواه مسلم.
وفي الجانب الآخر تجد مجالس الشيطان في الملاهي والمقاهي تعمر بروادها حيث يجلسون على قارعة الطريق لا يغضون بصرًا، ولا يحفظون لسانًا، ولا يردون سلامًا. فيستبدلون الملاهي بدل المساجد والغناء ومزمار الشيطان بدل القرآن. وفي الملاهي يرون المشاهد المثيرة ويسمعون الكلمات الفاحشة التي تخرج الصائم عن وقاره، حيث صوروا له الفتاة في عريها والزوجة في حجرة نومها. حتى لا يبقى عنده من أثر الصوم إلا التخمة بعد الجوع. فحصل له من المعاصي أضعاف أضعاف ما كان قبل رمضان. فتعمدوا هجر القرآن بل مخالفته ومحاربته في شهر القرآن.
أبواب أخرى:
والحديث يطول ويطول ولذا فإني أشير إلى أبواب أخرى قلب الشيطان لأوليائه الخير فيها شرًا. منها صحة الأبدان التي يكتسبها الصائم من شهرة أبدلوها أمراضًا. ومنها راحة الأعضاء أبدلوها تعبًا وشقاء أضرب لها المثل بكثرة شرب الماء في السحور زعمًا أن ذلك يدفع العطش نهارًا لكنه سرعان ما يخرج مع البول ويبقى أشد عطشًا. ومنها الألفة والمحبة بين المسلمين جميعًا وبين الغني والفقير خاصة، فوقوفهم صفًا في صلاة القيام وتعاونهم على حضور مجالس العلم، وشعور الغنى بجوع الفقير وعطفه عليه كل ذلك يفتح باب الألفة والمحبة. لكن التزاحم في صفوف الطعام كل يريد أن يأخذ حق أخيه والجلوس في مجالس الغيبة والنميمة، وخروج رائحة الطعام التي يحرم منها الفقير فيشمها، كل ذلك وغيره وفتح باب الشقاق والبغضاء. ومنها يوم العيد يوم الفرح والسرور يوم الجائزة يدخل المسلم على نفسه وآل بيته والفقراء والمساكين السعادة والسرور. والشيطان يدعوهم إلى الخروج إلى المقابر فيبدلون الفرح ترحًا والسعادة حزنًا والعيد مأتمًا مع ما يرافق ذلك من سفور النساء وانتشار البدع مثل قراءة القرآن على المقابر وبيعه بثمن بخس. وجعله بضاعة توزع على الأموات في القبور وقد جعله الله لينذر من كان حيًا. وجعله هدى وشفاء لما في الصدور. وبعد أخي الصائم بقى من الحديث أكثر مما مضى فمع من نسير. هذه أبواب رحمة الله واسعة. وتلك حيل الشيطان. ومن صبر قليلا فاز طويلا. والله أعد الجنة وزينها. فاللهم اجعلنا من أهلها وأقبل صومنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك... آمين.