المسلمون في أمريكا

2011-02-06

صفوت نور الدين

الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق اللَّه أجمعين محمد وآله وصحبه. وبعد :

فإن للدعوة الإسلامية في بلاد المسلمين أهمية عظمى، حيث يعيش المسلم بإسلامه، فلا يرى غربة في دينه وبلده، ويتعلم عقيدته وعبادته وسلوكه وأحكام معاملاته.

والدعوة الإسلامية في بلاد الكفر بين المسلمين المقيمين فيها والوافدين إليها إنما هي للمحافظة على رأس المال أي على المسلمين الذين يعيشون بها، فتعين المسلم ليحيا في بيته وزوجه بالإسلام، فلا تجرفهم تيارات الشهوات والشبهات لعلهم أن يبقوا بإسلامهم الذي اعتنقوه ، واقتنعت به أفئدتهم وقلوبهم.

والدعوة الإسلامية لها رونق وبريق ليس من بريق المسلمين ، ولا الدعاة ، إنما هو من جمال الإسلام نفسه؛ لأن اللَّه رضيه، فقال : { ورضيت لكم الإسلام دينـًا } [ المائدة : 3 ] ، فهو جمال الرضا وبريق الكمال، أما غير الإسلام فإنما يحمل التناقض والتنافر بين الفطرة والسلوك، وبين الاعتقاد والعقل؛ لذا فإن أهله على كثرة ما يسمعون من الدعوة إليه فلا يدخل إلى قلوبهم شيء ولا تصدق عقولهم قول ، ولا تطمئن إليه نفوسهم ، فيشرع كل واحد منهم ليتخذ لنفسه دينـًا ومنهجـًا غير الذي تعلمه وسمعه ، ذلك حتى يوافق بين عقله وفطرته من جانب ، وبين ما يُلقنه ويعلمه من جانب آخر ، ولا يفلح ذلك كله ليحدث التوافق بين القوم وبين دينهم ، لذا ترى الجمهرة الغالبة منهم اليوم تعيش كالحيوانات : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوًى لهم } [ محمد : 12 ] ، ذاك بأن الحيوان غير مكلف، وهؤلاء مكلفون ، فعاشوا كالحيوان ولم يقوموا بتكليف : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] ، فكانوا للنار مستحقين، وضرب اللَّه لهم المثل في قوله : {ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون}.

ويقول سبحانه : { أرأيت من اتخذ إلــه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً } [ الفرقان : 43، 44 ] .

ثم انظر معي بتدبر أيها الأخ الكريم لتلك الآية العظيمة من سورة (( النور )) نظرة تدبر وإمعان ، حيث يقول سبحانه : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيـــًا ووجد اللَّه عنده فوفاه حسابه واللَّه سريع الحساب } [ النور: 39 ].

ففي هذا المثل الكريم تصوير لأعمال الكافرين ، وهي جري وراء الشهوات ، وإفشاء للشبهات، واستباحة للمحرمات ، فأعمال الكافرين كلها إنما يعملونها ليحصلوا على سعادة فقدوها بقوله تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكــًا } [ طه : 124 ]، فيطلب زوال ذلك الضنك بتلك الشهوات .

فينظر إليهم الذين اشتد عليهم الظمأ من حولهم ، وغالبهم من الكافرين الذين ليس لهم دين يردع، ولا خلق يمنع، فيلهثون خلفهم يقلدونهم في أعمالهم شوقـًا إلى سعادة مزعومة فيغرقون في تلك الشهوات، حتى إذا جاءه الموت وجد اللَّه والحساب، فينال جزاء ما عمل .

هذا، والمسلمون الذين يعيشون بين الكافرين ينظرون ذلك من حولهم، فمن كثرة ما يشاهدون يحسبون أن القوم على شيء، فيشرعون في تقليدهم، فيشتد بهم العطش؛ لأن ما حرم اللَّه لا يزيد صاحبه إلا ظمـأً.

هنا نعلم أن جمهرة كثيرة من أبناء المسلمين ، بل وبعض المسلمين(1) أنفسهم يجرون وراء هذه الحرمات ، فيعيشون كمعيشة الكافرين ، فينسى أبناؤهم أنهم مسلمون ، لذا فإنك لا تجد للمسلم الذي يهاجر من بلاد الإسلام ، ولا للمسلم الذي دخل الإسلام في بلاد الكفر ، لا تجد له حفيدًا مسلمـًا ، يعني أن المسلمين في بلاد الكفر يخلفون من ورائهم عشرات ملايين الكفار ، بغير ضجيج ولا عويل على خروجهم من الإسلام ، مع أن المسلمين في بلاد الكفر وكذلك بلاد الإسلام يطبلون ويفرحون لكافر واحد دخل الإسلام ، مع أنه لا يستطيع الثبات على دينه، طالما هو بين الكفر وصخبه وجلبه وشهواته ، فضلاً عن أن يحتفظ بإسلام ذرية له من بعده.

لذا فإنك ترى المسلمين في بلاد الكفر مثل أمريكا، إما مسلمـًا وفد من بلاد المسلمين، أو كافرًا دخل في الإسلام، أما الأبناء فقلة قليلة، أما الأحفاد فهم كعنقاء المغرب.

هذا ولقد نظرت فرأيت في أمريكا عدد أصحاب البشرة السوداء فيها كثير جدًّا، وكلهم من أصول المسلمين الذين سرقهم الأوروبيون من أفريقيا وجعلوهم عبيدًا ، وبفعل الواقع الذي يعيشونه نسوا أن الآباء كانوا مسلمين، فعاشوا كافرين بين الكافرين ، وقلدوهم في عقيدتهم وعبادتهم ، فضلاً عن حملات التنصير المتعمدة على التجويع في بلاد أفريقيا السوداء .

ثم نظرت فرأيت اللغة الثانية في أمريكا هي الأسبانية بما يوحي أن لهم عددًا كبيرًا ووجودًا وانتشارًا، ورأيت أشكالهم قريبة جدًّا من أشكال العرب، بل وأسماء الكثيرين منهم أسماء عربية، بما يدل على أن الأصول إسلامية.

ويؤيد ذلك أن الملايين من أبناء المسلمين والذين لم يحاولوا التخلص من أسمائهم إذا سألته عن دينه إذ به يقول لك : إنه لا يعرفه ، أو يصرح لك بأنه ليس بمسلم .

هذه المشكلة تعني باختصار أن عدد من يدخل الإسلام من غير المسلمين بالعشرات أو المئات، وأن من يخرجون من الإسلام إلى الكفر بالآلاف والملايين ؛ وأن أصول الغالبية الأمريكية، أي حوالي 70% منهم من أحفاد المسلمين مع أن المسلمين الآن هناك قلة قليلة جدًّا .

ولعلي أطرح في ذلك بعض الحلول الواجبة للمحافظة على رأس المال، وهي أيضـًا وسيلة كسب غير المسلمين للإسلام:

1- تعليم الإسلام الصحيح لكل المسلمين في بلاد الإسلام ، والعناية التامة بذلك ، حتى لا يخرج من بلده إلا المسلم الناضح الواعي.

2- منع اغتراب المسلمين من بلاد الإسلام وذهابهم إلى بلاد الكفر ، إلا في الحدود الضيقة، وبعد التحصن في دينهم .

3- ألا يتقلد وافد من بلاد الكفر أو متعلم فيها موقعـًا إعلاميـًّا، فضلاً عن العناية بهم بعد رجوعهم لإزالة الشبهات التي حملوها فصدقوها.

4- نشر الدعاة والمربين بين الأقليات الإسلامية في بلاد الكفر .

5- إتاحة الفرصة لأبناء المسلمين في الغرب أن يفدوا إلى بلاد الإسلام ليتعلموا الإسلام والقرآن ولغة القرآن.

6- بناء المساجد والمدارس الإسلامية، وإحسان إدارتها، والاهتمام بتعلم القرآن ولغته منها بتلك المدارس، وهذه من أهم الأعمال التي يحتاجها المسلمون هناك .

7- تجمع المسلمين في مدن ومساكن متقاربة، محاولة لمنع الذوبان في الكفر والكافرين.

واللَّه من وراء القصد .

عدد المشاهدات 10091