سبيل المؤمنين

2011-02-06

صفوت نور الدين

 قال الله تعالى فى سورة النساء ( النساء : 115) : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .

 قال القرطبى : والآية عامة فى كل من خالف طريق المسلمين .

وللآية قصة مع الإمام الشافعى، قال المزني : كنت عند الشافعى يوما فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا فلما رآه مهابه استوى جالساً وكان مستندا لاسطوانة فاستوى ثيابه فقال له: ما الحجة فى دين الله ؟ قال : كتابه ، قال : وماذا ؟ قال سنة نبيه . قال : وماذا ؟ قال اتفاق الأمة ، قال : من أين هذا الأخير ؟ أهو من كتاب الله ؟ فتدبر ساعة ساكتاً فقال له الشيخ : أجلتك ثلاثة أيام بلياليهن فإن جئت بآية وإلا فاعتزل الناس ، فمكث الشافعى ثلاثة أيام لا يخرج ، وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر وقد تغير لونه فجاءه الشيخ وسلم وجلس وقال حاجتى . قال نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل : { ومن يشاقق الرسول } ( إلى آخر الآية ) . لم يصله جهنم على خلاف المؤمنين إلا واتباعهم فرض . قال صدقت وقام وذهب .

  هذا والإجماع هو اتفاق المجتهدين من الأمة الإسلامية فى عصر من العصور على حكم شرعى بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- .

  وهذا يدل على حرمة مخالفة الإجماع الذي وقع في عصر من العصور . ويدل على أن كل خلاف وقع بعد الإجماع فهو خلاف غير معتبر وأن خلاف غير المجتهدين – وإن كانوا من أهل التخصيص فى غير علوم الشرع – خلاف غير معتبر وأن الإجماع السكوتي أو مما يقال عنه لا يعلم له مخالف فإنه لا يجوز مخالفته إلا أن يكون الدليل صريحاً لا أن تكون خواطر أو ظنون .

  نقل الشاطبى فى الموافقات قول الخطابى : وقد أمر الله تعالى المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول . قال : ولو جاز غير ذلك لجاز أكل الربا ونكاح المتعة لأن الأمة قد اختلفت . وقال : وليس الاختلاف حجة، إنما بيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين .

 ثم قال الشاطبى والقائل بخلاف ذلك يتبع ما يشتهيه ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ بها عن نفسه فهو قد أخذ القول وسيلة إلى اتباع هواه لا وسيلة إلى تقواه وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلاً لأمر الشارع وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه .

  ويقول صاحب الفضيلة الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر فى كتاب الفقه الإسلامى ص 142 أى الأحكام التى لم ينص عليها فهى نوعان أيضاً :

 الأول : نوع لم يدل نص من القرآن ولا من السنة على حكمه الشرعى لكن اتفق المجتهدين وأجمعوا على حكم فى عصر من العصور . وهذا أيضاً لا محل للاجتهاد فيه لأن حجة الإجماع مقررة بالنصوص الثابتة.

 ويقول الخطيب البغدادى فى كتاب الفقيه والمتفقه . عن عمر ابن عبد العزيز قال : سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولاة الأمر بعده سنناً ، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر فى رأى من خالفها فمن اقتدى بما سنوا اهتدى ومن استبصر بها أبصر ومن خالفها وابتع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا .

 وبعد : ...

 نقلت هذه النقول القصيرة من بين المطولات والمختصرات من كتب الأصول أقصد بذلك :

 أولاً : أن يطمئن إخواني الدعاة على دين الله وشرعه فلا يضره إحداث أقوال مخالفة من صحفيين أو كتاب أو عوام متعالمين بل ولا من أصحاب الجهاد الطويل السابق فكل من خالف بقوله سبيل المؤمنين فقوله مردود عليه لا يجوز اتباعه .

  ثانياً : أن نكتفى بالمختصرات من الردود دون المطولات بأن نقول هذا على غير سبيل المؤمنين لكل قول محدث ولو تعلق أصحابه بخلاف قديم غير معتبر .

 ثالثاً : أن نعلم أن من أخذ قولا انفرد به رجل مهما كان علمه كمن أخذ حكم الموسيقى من قول ابن حزم أو البنوك أو النقاب من معاصرين فليس أخذا بقول علماء إنما هو متبع لهواه مخالف لسبيل المؤمنين .

رابعاً : صنف صاحب موسوعة الإجماع قرابة عشرة آلاف مسألة فى موسوعته ثم قال ولئن ظننت أيها القارىء الحبيب أن هذا العدد كبير فاعلم أننا لم نبلغ نصف مسائل الإجماع .

 خامساً : أن مسائل الاعتقاد التى نص عليها أهل السنة والجماعة من مسائل الإجماع فلا يعتد بقول الشيعة ولا الخوارج ولا المعتزلة ولا الأشاعرة ولا غيرهم من الفرق بل ولا الصوفية والمبتدعة فيما خالفوا فيه قول أهل السنة والجماعة .

 سادساً : المسائل التى تلقتها الأمة بالقبول كوقوع النسخ فى القرآن – والإسراء والمعراج – وأحاديث الصحيحين – وعدالة الصحابة – وعدم التكفير بالمعصية وغيرها وهى كثيرة لا ينظر إلى قول المخالف فيها .

 سابعاً : الكثرة المخالفة لأهل السنة وإن كانوا أصحاب موالد يقيمونها أو أقلام يكتبون بها لا وزن لخلافهم .

 ثامناً : الحق لا يعرف بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف أهله والحق فى القرآن والسنة بفهم سلف الأمة من أصحاب القرون الثلاثة الأولى .

والله من وراء القصد

عدد المشاهدات 9895