أحكام اللحية

2011-09-22

صلاح الدق

أحْكَامُ اللِّحْيَةِ

 الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد : فإن إعفاء اللحية من سنن الفطرة، التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخَلْقِ الله، وهذه اللحية لها أحكام شرعية تتعلق بها، سوف نتحدث عنها بإيجاز، فنقول وبالله تعالى التوفيق :

 

تعريف اللِّحية:

 اللِّحيةُ: هي الشَّعرُ الذي نبت على الخدّين والذقَن، والجمع لِحًى، ولُحًى بالضم. (لسان العرب لابن منظور جـ 5 صـ4016)

 اللحية زينة للرجال :

 قال ابن القيم : شعرُ اللحية فيه منافع : منها : الزينة والوقار والهيبة , ولهذا لا يُرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يُرى على ذوي اللحى , ومنها التميز بين الرجال والنساء . ( التبيان في أقسام القرآن لابن القيم صـ 315 )

فوائد اللحية من الناحية الطبية :

 لقد ذكر الأطباء لإعفاء اللحية فوائد طبية يمكن أن نوجزها فيما يلى :

1- إن إمرار آله الحَلْقِ على الذقن والخدين يضر بالبصر, ولا يزال النظر يضف لمن داوم على حلق لحيته وأما صاحب اللحية فيحفظه الله تبارك وتعالى من ضعف النظر، الذي يحصل بسبب حَلْقِ اللحية، كما هو معلوم عند الأطباء المحققين .

2- اللحية تمنع الجراثيم الضارة وتمنعها من الوصول إلى الحَلْقِ والصدر.

3- اللحية تحمي لثة الأسنان من العوارض الطبيعية.

4- إن شعر اللحية تجرى فيه مفرزات دهنية من الجسد، يُلينُ بها الجلد , فيبقى نضراً , فيه حيوية كالأرض المخضلة المبتلة النابتة بالعشب الأخضر , الذي يعاوده الماء بالسقي , فهي به حيه , وحلق اللحية يضيع هذه الوظائف الإفرازية على الوجه فيبدوا قاحلاً يابساً .

5- إن بين اللحية والمادة المنوية ارتباطاً وثيقاً باطنياً .

قال بعض الأطباء : لو أعتاد الناس على حَلْقِ اللحية نسلاً بعد نسل، فسوف ينتج عن ذلك أن يُولد الرجال في النسل الثامن من غير لحية . ( وجوب إعفاء اللحية للكاندهلوي صـ 43:42)

صفة لحية نبينا -صلى الله عليه وسلم-:

1) روى البخاري عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. (البخاري حديث 761)

2) روى مسلمٌ عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ شَمِطَ(شاب) مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فَقَالَ رَجُلٌ وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ قَالَ لَا بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَانَ مُسْتَدِيرًا وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ. (مسلم حديث 2344)

3) روى النسائي عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجِلًا مَرْبُوعًا عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ كَثَّ اللِّحْيَةِ تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ جُمَّتُهُ إِلَى شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ.(حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني جـ 3 صـ 393)

4) روى أحمد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَصَفَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ كَانَ عَظِيمَ الْهَامَةِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ. (حديث حسن لغيره)(مسند أحمد جـ 2صـ 257)

 تنبيه هام : يجب أن يكون من المعلوم أن الحديث الذي جاء فيه أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من طول لحيته وعرضها , حديث موضوع، ولا تقوم به حجة عند علماء الحديث . ( السلسة الضعيفة للألباني جـ 1 صـ 304 رقم 288 )

حكم إعفاء اللحية:

1) روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَ أَحْفُوا الشَّوَارِب.( وفي رواية مسلم: وَأَوْفُوا اللِّحَى) (البخاري حديث5892/مسلم الطهارة ـ حديث 54)

2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ. (مسلم حديث 260)

3) روى الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى.

 (البخاري حديث5893 / مسلم حديث 259)

4) روى مسلمٌ عَنْ ابْنِ عُمَر َعَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ. (مسلم ـ الطهارة ـ حديث 53)

قال الفقهاء: إن الأمر يدل على الوجوب حقيقة , وإنما يُصرفُ إلى غيره بوجود قرينةٍ , وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين .

وعلى ذلك نقول وبالله تعالي التوفيق: جميع الألفاظ التي وردت في هذه الأحاديث النبوية السابقة تأمر بإعفاء اللحية وتوفيرها وإرخائها ,و هي تدل على الوجوب، لعدم وجود الصارف أو القرينة التي تدل على خلاف ذلك، فيجب إعفاء الحية، وعدم التعرض لها بالحلق، أو التقصير، أو أخذ أي شيء منها , وهذا مذهب جمهور العلماء .

فتاوى العلماء في حكم إعفاء اللحية :

 سوف نذكر بعضاً من فتاوى العلماء في حُكْمِ حَلْقِ اللحية:

1- الإمام: الشافعي : قال الشافعي ـ رحمة الله ـ " اللحيةُ من تمام خِلْقةِ الرَّجُلِ." ( الأم للشافعي جـ 6 صـ 83 )

2-الإمام: أبو محمد بن حزم : قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ : "أما فرض قص الشارب وإعفاء اللحية فلحديث خالفوا المشركين , أحفوا الشارب وأعفوا اللحى ." ( المحلى لابن حزم جـ 2 صـ 220 )

وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ" اتفق الفقهاء على أن حَلْق جميع اللحية مُثْلَة ٌ , لا تجوز. " ( مراتب الإجماع لابن جزم صـ 252 )

 3- الإمام: النووي : قال النووي ـ رحمه الله ـ " جاء في اللحية خَمْسُ رِوَايَات : أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا، وَمَعْنَاهَا كُلّهَا : تَرْكُهَا عَلَى حَالهَا . هَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ الْحَدِيث الَّذِي تَقْتَضِيه أَلْفَاظه". وقال النووي أيضاً :"وَالْمُخْتَار تَرْك اللِّحْيَة عَلَى حَالهَا وَأَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرِ شَيْء أَصْلًا " ( مسلم بشرح النووي جـ 2 صـ 154:153 )

4- شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : قال ابن تيميةـ رحمه الله ـ "يحرمُ حَلْق اللحية." ( الفتاوى الكبرى جـ 5 صـ 302 )

5)الإمام: ابن عابدين :قال ابن عابدين ـ رحمه الله ـ (من علماء المذهب الحنفي) "يحرم على الرجل قطع لحيته." (حاشية ابن عابدين على رد المحتارجـ5 صـ261)

6)الإمام: ابن مفلح الحنبلي:قال ابن مفلح الحنبلي ـ رحمه الله ـ (من علماء المذهب الحنبلي) "يعفي الرجل لحيته، ويحرم عليه حلقها." (الفروع لابن مفلح الحنبلي جـ1 صـ 100)

7- الشيخ:علي محفوظ : قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله ( عضو هيئة كبار العلماء بمصر ) :

 "من أقبح العادات : ما أعتاده الناس اليوم من حلق اللحية وتوفير الشارب وهذه البدعة سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب , واستحسان عوائدهم , حتى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-

 روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَ أَحْفُوا الشَّوَارِب. (البخاري حديث5892)

والأحاديث في ذلك كثيرةٌ. وكلها نصٌ في وجوب توفير اللحية، وحُرمة حلقها، والأخذ منها. " (الإبداع لعلي محفوظ صـ 409:408 )

8- الشيخ: عطية صقر :

 قال الشيخ عطية صقر رحمه الله ( رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ) بعد أن ذكر أدله الفقهاء في حُكم إعفاء اللحية :

"أرى أن أدلة الطلب ( أي بإعفاء اللحية ) قويةٌ , وأن القول بالوجوب ( أي وجوب إعفاء اللحية )هو قول جمهور الفقهاء , فهو أرجح ." ( فتاوى عطية صقر جـ 2 فتوى رقم 575 صـ 245 )

9- الشيخ: جاد الحق على جاد الحق :

السؤال: بالكتاب 60/81 المؤرخ 16/66/1981 المقيد برقم 194 سنة 1981 وبه طلب بيان الرأي عن إطلاق الأفراد المجندين اللحى، حيث إن قسم القضاء العسكري قد طلب الإفتاء بخصوص ذلك الموضوع، لوجود حالات لديه .

 قال فضيلة شيخ الأزهرـ جاد الحق على جاد الحق ـ رحمه الله تعالى: الجواب:

إن البخاري روى في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَ أَحْفُوا الشَّوَارِب. وفى صحيح مسلم

 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى) وفى صحيح مسلم أيضا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ( الْبَرَاجِمُ : مفاصلُ الأصابع من ظَهْرِ الكف (بتصرف مختار الصحاح) وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ، قال بعض الرواة: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.) .

قال الإمام النووي في شرحه حديث (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى) أنه وردت روايات خمس في تلك اللحية، وكلها على اختلاف في ألفاظها تدل على تركها على حالها، وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفائها من الحلق،ولا خلاف بين فقهاء المسلمين في أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق الذي روته عائشة (عشر من الفطرة) .ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسننه ما أشار إليه فقه ( تحفة المحتاج بشرح المنهاج وحواشيها ج - 9 ص 178 في باب التعزير ) الإمام الشافعي من أنه (يجوز التعزيز بحلق الرأس لا اللحية) وظاهر هذا حرمة حلقه على رأى أكثر المتأخرين .

ونقل ابن قدامة الحنبلي في المغنى ( ص 433 ج - 8 مطبعة الإمام في باب التعزير ) أن الدية تجب في شعر اللحية عند أحمد وأبى حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك فيه حكومة عدل .وهذا يشير أيضا إلى أن الفقهاء قد اعتبروا التعدي بإتلاف شعر اللحية حتى لا ينبت جناية من الجنايات التي تستوجب المساءلة، إما بالدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثوري، أو دية يقدرها الخبراء كما قال الإمامان مالك والشافعي.ولا شك أن هذا الاعتبار من هؤلاء الأئمة يؤكد أن اللحى وإطلاقها أمر مرغوب فيه في الإسلام وأنه من سننه التي ينبغي المحافظة عليها .

لما كان ذلك كان إطلاق الأفراد المجندين اللحى اتباعاً لسُّنة الإسلام فلا يؤاخذون على ذلك في ذاته، ولا ينبغي إجبارهم على إزالتها، أو عقابهم

 بسبب إطلاقها - إذ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهم متبعون لسُّنة عملية جرى بها الإسلام .

ولما كانوا في إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين

وغيرهم في الالتزام بأحكام الدين، فرائضه وسننه، لما في هذا من حفز همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق، والالتزام عن طيب نفس حيث يعملون بإيمان وإخلاص .وتبعا لهذا لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمدا لأوامر عسكرية، لأنه - بافتراض وجود هذه الأوامر - فإنها - فيما يبدوا لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد، أو تقلل من جهدهم، وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال، وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم .ولا يُقالُ إن مخالفة المشركين تقتضى - الآن - حَلْق اللحى، لأن كثيرين من غير المسلمين فى الجيوش وفى خارجها يطلقون اللحى، لأنه شتان بين من يطلقها عبادة اتباعً لسَّنة الإسلام وبين من يُطْلقها لمجرد التجمل، وإضفاء سمات الرجولة على نفسه، فالأول منقاد لعبادة يثاب عليها، إن شاء الله تعالى، والآخر يرتديها كالثوب الذى يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهي مهمته .ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم.{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ( العلق 9 – 14) والله سبحانه وتعالى أعلم. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ10 فتوى رقم 1282صـ3480 : 3478)

10)الشيخ: عبد العزيز بن باز : قال بن باز ـ رحمة الله ـ "أما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات , بل يجب إعفاؤها وتوفيرها ." ( التحقيق والإيضاح لابن باز صـ 11:10 )

11) الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين : قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ "حلق اللحية محرم لأنه معصية لرسول الله ( ص) ولأن النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى. ولأنه خروج عن هدي المسلمين إلى هدي المجوس والمشركين ولا يجوز أخذ شيء منها , والمعاصي تتفاوت فحلق اللحية أعظم من أخذ شيء منها ." ( فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 126:125 )

حكم الاستهزاء بمن أعفى لحيته:

لا يجوز الاستهزاء بمن أعفى لحيته؛ لأنه أعفاها تنفيذًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي نصح المستهزئ، وإرشاده، وبيان أن استهزاءه ممن أعفى لحيته جريمة عظيمة يخشى على صاحبها من الردة عن الإسلام؛ لقوله سبحانه وتعالى: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً).(التوبة: 65 66)

وقال الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (المطففين 34:29) (فتاوى اللجنة الدائمة جـ 2 صـ 55:54)

شبهات و الرد عليها:

الشبهة الأولى :يقول بعض الناس إن سبب إعفاء اللحية مخالفة غير المسلمين،وهذه العلة غير موجودة الآن،لأن غير المسلمين يعفون لحاهم.

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه نوجزها فيما يلي:

1) إن الأمر بإعفاء اللحية ليس من أجل مخالفة غير المسلمين فحسب، بل هو من خصال الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ زَكَرِيَّاءُ قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. (مسلم حديث261)

2) إن الغالبية العظمى من غير المسلمين يحلقون لحاهم الآن، والقليل جداً منهم يعفون لحاهم.

3) إن الحكم إذا ثبت شرعاً من أجل سبب قد زال، و كان هذا الحكم موافقاً للفطرة ‘ولشعيرة من شعائر الإسلام،فإنه يبقى، و لوزال السبب.

و مثال ذلك: الرَّمَلُ في الطواف (الإسراع بالمشي مع تقارب خطوات الأقدام) كان سببه أن يظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القوة أمام المشركين من أهل مكة، الذين قالوا لبعضهم :يقدم عليكم قوم أضعفتهم حمى يثرب (المدينة)، ومع ذلك فقد زالت هذه العلة وبقى الحكم، حيث رَمَلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في حجة الوداع.

الشبهة الثانية :يقول بعض الناس:أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أعفى لحيته لأن قومه كانوا يعفون لحاهم،و كانت هذه عادة العرب.

الرد على هذه الشبهة :كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يفعل و يَأمر و يَنهى بما ارتضاه الله تعالى له ولأمته من الأعمال و الأخلاق.

الشبهة الثالثة:يقول بعض الناس إن أصحاب اللحى يخدعون الناس بلحاهم،فجعلوا اللحية وسيلة ليحصلوا على متاع الدنيا،ليغتر بهم عامة الناس، ويظنوا بهم خيراً،وأنهم من أهل التقوى و الصلاح.

الرد على هذه الشبهة :اعلم، أخي الكريم أن هذا ليس ذنب اللحية، إنما هو ذنب الذين يستترون خلف اللحية.

إن المكر والخداع موجودٌ في كل مكان وزمان،ولا يختص بأصحاب اللحية فقط .حقاً:هناك بعض الناس الذين يحلقون لحاهم، ولكنهم يحافظون على أداء الفرائض أكثر من بعض الذين يعفون لحاهم، ولكن يجب أن نعترف أيضاً أنهم عاصون لأمر نبينا -صلى الله عليه وسلم- في عدم إعفاء اللحية.

إن وجود بعض الناس الذين يستترون خلف اللحية، ويخدعون الناس بلحاهم،لا يُحلُ لنا أن نحلق اللحية، و نترك ما أمرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بل يجب أن نمتثل لأمر نبينا -صلى الله عليه وسلم- و نصلح أحوالنا، وننصح أهل المكر والخداع بالحكمة والموعظة الحسنة.قال الله تعالى" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".(النحل :125) ( وجوب إعفاء اللحية للكاندهلوي صـ 50:49) ( فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 130:129)

حكم حلق شعر الخدين:

شعر الخدين داخل في حكم اللحية، فلا يجوز أخذه، لا بحلق، و لا بقص، و ذلك لأن اللحية في اللغة:هي الشعر الذي نبت على الخدين و الذقن. (فتاوى اللجنة الدائمة جـ 5 صـ 144)

حلق اللحية عند الضرورة:

 اعلم، أخي المسلم، أن إعفاءَ اللحيةِ واجبٌ، وحلقها أو أخذُ شيءٍ من طولها أو عرضها محرمٌ، ولكن إذا خشي المسلمُ أن يصيبه من الأذى ما لا يستطيع أن يتحمله،في نفسه أو أهله، أو ماله، جاز له أن يحلق لحيته، بشرط أن يكون هذا الإيذاء متحققُ الوقوع فعلاً.قال الله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.(البقرة:173)

 كيفية العناية باللحية:

 اعلم أخي ـ المسلم الكريم ـ أن مِن سُّنَّةِ نبينا -صلى الله عليه وسلم- إكرام اللحية، وذلك بتسريحها ووضع الطيب عليها، وهذا من النظافة التي حثنا عليها الإسلام.قال الله تعالى" يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ."(الأعراف32:31)

روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.

 (البخاري حديث 5923)

روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ. (البخاري حديث 5926)

قَالَ اِبْن بَطَّال : التَّرْجِيلُ: تَسْرِيحُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَدَهْنه، وَهُوَ مِنْ النَّظَافَة، وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْع إِلَيْهَا.(فتح الباري لابن حجر جـ10 صـ381)

روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ. (حديث حسن)(صحيح أبي داود للألباني حديث 350)

روى ابن الأعرابي عن سَهْلٍ بن سعدٍ قال" كان رسولُ اللهِ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يكثر دهن رأسه و يسرح لحيته بالماء. " (حديث حسن) (السلسلة الصحيحة للألباني جـ 2 صـ 351حديث720)

حكم صبغ اللحية :

 من السُّنة صبغ اللحية بغير اللون الأسود،إذا ظهر فيها الشيب،ولا يجوز صبغها باللون الأسود لأن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن ذلك.

روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ(نبات أبيض) بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ. (مسلم حديث 2102 )

روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود؛ للألباني حديث 3548) (المجموع للنووي جـ1 صـ294)

حكم غسل اللحية عند الوضوء:

 إن اللحية إذا كانت خفيفة تصف البشرة، وجب غسلها، وأما إذا كانت كثيفة، فلا يجب غسل ما تحتها، و يسن تخليلها.روى أبو داود عَنْ أَنَسٍ بْن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 320) (الأم للشافعي جـ 1صـ 25) (المغني لابن قدامة جـ1 صـ149:148)

حكم غسل اللحية عند غسل الجنابة:

يجب غسل بشرة الرأس، سواء كان الشعر كثيفاً أو خفيفاً،و كذلك كل ما تحت الشعر كجلد اللحية و غيرها.روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ أَسْمَاءُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ سِدْرَهَا وَمَاءَهَا فَتَوَضَّأُ ثُمَّ تَغْسِلُ رَأْسَهَا وَتَدْلُكُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى جَسَدِهَا. (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 306) (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 301)

حكم غسل العَنْفَقة:

 العَنْفَقُ: خِفةُ الشيء وقِلَّته.والعَنْفَقةُ ما بين الذَّقَنِ وطرف الشفة السفلى، كان عليها شعر أَو لم يكن. وقيل العَنْفَقَةُ ما نبت على الشفة السفلى مِن الشَّعر. (لسان العرب لابن منظور جـ 4 صـ3133)

يجب عند الوضوء غسل العَنْفَقة والبشرة تحتها. (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 163)

حكم مسح اللحية عند التيمم:

 يجب عند التيمم مسح ظاهر اللحية مع الوجه،سواء كان شعر اللحية كثيفاً أو خفيفا. (الأم للشافعي جـ 1صـ 49)

حكم الصلاة خلف حالق اللحية:

 الصلاة خلف حالق اللحية صحيحةٌ، و لكن يجب نصحه بإعفاء لحيته، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.

 (فتاوى اللجنة الدائمة جـ 7 صـ 371:368)

حكم حلق اللحية أثناء الإحرام:

 لا يجوز للمسلم أن يحلق لحيته أو يأخذ شيئاً منها أثناء إحرامه بمناسك الحج أو العمرة،إلا لعذر،و ذلك بإجماع العلماء.

وتجب الفدية على من أخذ شيئاً من لحيته، و الفدية هي :ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام .وهذه الفدية على التخيير، بمعنى أنه يجوز للمُحْرِم أن يختار واحدة منها.قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. (البقرة :196)

 (المغني لابن قدامة جـ 5 صـ 146:145)

حكم حلق اللحية بعد التحلل من الإحرام:

ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حَلَقَ رأسه عند التحلل من الإحرام،ولم يثبت أنه أخذ شيئاً من لحيته في الحج أو العمرة،أو غيرهما.

 (فتاوى اللجنة الدائمة جـ 5 صـ 153)

تنبيه هام: بالنسبة لما ثبت عن عبد الله بن عمر أنه كان يأخذ من لحيته، ما زاد عن القبضة في حجه و عمرته، إنما هو اجتهاد منه، في تأويل قول الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا.(الفتح:27)

وقد خالف ابن عمر الصحابة في ذلك فلم يثبت أنهم كانوا يأخذون شيئاً من لحاهم مع كثرة ذهابهم لأداء مناسك الحج و العمرة. ( فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 128 )

 حكم اتلاف شعر اللحية:

 إذا أزال شخص لحية رجلٍ عمداً أو خطأً،بحلق، أو نتف، أو أي وسيلة أخرى،ثم نبت شعر اللحية مرة أخرى، وجب على ولي الأمر (الحاكم)أو من ينوب عنه (القاضي)أن يؤدب الجاني بما يراه مناسباً.وأما إذا لم ينبت شعر اللحية مرة أخرى،وجب دفع الدية كاملة للمجني عليه،سوء كانت هذه اللحية كثيفة أو خفيفة.و مقدار الدية الآن تعادل 4250جرام من الذهب عيار21.

وأما إذا نبت نصف اللحية، ففيه نصف الدية.ويجب أن يكون من المعلوم أنه لا يوجد قصاص في شعر الرأس أو اللحية، أو الحاجبين، لأن اتلافها يكون بالجناية على مثلها، و هو غير معلوم المقدار،فلا يمكن المساواة فيه،ولذلك لا يجب القصاص فيه. (المغني لابن قدامة جـ 12 صـ 119:117)

حكم التعزير بحلق اللحية:

 لا يجوز التعزير بحلق اللحية، لكون حلق اللحية أمراً محرماً في ذاته.التعزير:هو التأديبُ على ذنْبٍ، لا حد فيه، ولا كفارة. (حاشيتا قليوبي وعميرة جـ4 صـ205)

 هل يجوز حلق اللحية طاعة للوالدين ؟

 حَلق اللحية حرامٌ , فلا يجوز للمسلم حلق لحيته من أجل الوالدين أو غيرهما وليعلم المسلم أن نبيه -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمره بإعفاء اللحية فلا يجوز له أن يخالف أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- لإرضاء الوالدين أو غيرهما . قال الله تعالي ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور : 63)

ويجب على المسلم أن يحسن معاملة والديه ويتودد إليهما بالحكمة والموعظة الحسنه ويجب أن يكون على ثقة بأن الله تعالى سوف يجعل له مخرجاً . قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ( الطلاق 3:2) (فتاوى اللجنة الدائمة جـ 5 صـ 157:156 )

حُكم حلق اللحية من أجل العمل :

 لا يجوز للمسلم أن يحلق لحيته من أجل الحصول على العمل , إذا أشترط صاحب العمل حلق اللحية , لقول نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " , ويجب على المسلم أن يبحث عن عمل في مكان آخر , وأن يكون على ثقة بأن الله تعالي قد ضمن له رزقه , قال الله تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) (الذاريات22 :23)

وليتذكر كل مسلم أنه من ترك شيئاً لله أبدله الله تعالى خيراً منه. ( فتاوى اللجنة الدائمة جـ 14 صـ 465 :464)

حكم الحلاق الذي يحلق اللحية :

 يجوز العمل بمهنه الحلاقة ولا حرج في ذلك ولكن بشرط عدم حلق اللحية أو تقصيرها, ويجب على كل مسلم يعمل بمهنة الحِلاقة أن يتقي الله تعالى في نفسه، وفي عمله وأن يكون على ثقة بأن الله تعالى قد ضمن له رزقه كاملاً , فلا يستجيب لمن يطلبون منه أن يحلق لحاهم لأن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بإعفائها . ولا يجوز للمسلم أن يؤجر محلة لمن يحلق اللحية لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان وقد نهي الله تبارك وتعالى عن ذلك حيث قال سبحانه ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2) ( فتاوى اللجنة الدائمة جـ 14 صـ 462 :466)

أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين في كل مكان .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عدد المشاهدات 12828