يمحق الله الربا

2011-11-25

صلاح الدق

التقديم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن الربا نظام متغلغل في أعماق النفس البشرية منذ تسلط الشيطان على بني آدم وغير فطرتهم، فزين لهم الإشراك بالله، وزين لهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ودعاهم إلى أكل الأموال بينهم بالباطل، وقد تخصص اليهود في أكل أموال الناس بالباطل وأخذ الربا وقد نهوا عنه فاستحقوا غضب الله ولعنته وكان من نتيجة ذلك أن قام الاقتصاد العالمي على نظام ربوي دعامته البنوك الربوية التي يقوم نشاطها على الإقراض والاقتراض فتتلقى البنوك أموال المودعين بفوائد محددة ثم تقوم بإقراضها للمستثمرين وغيرهم بفوائد أكبر وتعتمد في أرباحها على الفارق بين الفائدتين وقد انتقد القرآن الكريم طريقة اليهود وبين أن الله تعالى عاقبهم في الدنيا فحرم عليهم طيبات أحلت لهم ونعى على أحبارهم ورهبانهم أنهم ما أنكروا عليهم.

فقال سبحانه: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء: 160: 16)

وقال تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة: 62: 63)

وقد رفضت الشريعة الإسلامية نظام الربا منذ الوهلة الأولى ولكن اقتضت حكمة الله أن تتدرج النصوص الشرعية في تحريم الربا المتغلغل في نفوس البشر والمهيمن على معاملاتهم، ولهذا نجد في القرآن المكي التنفير من الربا والحث على الصدقة دون الحديث عن الحل والحرمة.

قال تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم: 39)

ثم نزل القرآن بالنهي عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة كما كان معهوداً في الجاهلية وحث المسلمين على تقوى الله واجتناب محارمه.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 130)

ثم كان آخر ما نزل من القرآن من تشريع تحريم الربا ودعواهم الفاسدة بأن البيع مثل الربا وذكر هذه الدعوى الباطلة ثم دعوة المؤمنين لترك ما بقي من الربا.

قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 275: 279)

والربا المنهي عنه في الآيات هو ربا الجاهلية المعهود في زمن نزول التشريع وهو الزيادة على أصل الدين عند حلول الأجل، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك فكانت إذا حل دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تربي وقد حرم المولى تبارك وتعالى هذا الربا بالكلية وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: (ألا إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب) هذا النوع من الربا هو الذي كان معروفاً بين العرب في الجاهلية وهو الذي يسمى ربا النسيئة وهو المراد بالربا في القرآن. وقد بينت السنة نوعاً آخر من أنواع الربا وهو ربا الفضل وهو الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: الذهب بالذهب... الحديث. فربا النسيئة هو الربا الجلي الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تماماً ما تفعله البنوك الربوية حيث تقبل أموال المودعين وتعطيهم في مقابل ذلك فائدة محددة سلفاً وربما تجمع الفوائد أو جزءاً منها وتجعلها في صورة جوائز يحصل عليها بعض المودعين دون غيرهم، فتجمع بذلك بين الربا والمقامرة، أما أموال المودعين لدى البنوك فتقوم البنوك بإعادة إقراضها بفائدة أعلى للمستثمرين وغيرهم وتحصل البنوك على الفارق بين سعر الفائدة الأولى وسعر الفائدة الثانية، وتعتبره صافي الربح، والقول بأن البنوك تستثمر أموال المودعين لديها في مشروعات إنتاجية قول فيه حق ربا وباطل لأن البنوك لا تستثمر بنفسها وإنما بإقراض غيرها من المستثمرين فتعتبر هذا الإقراض نوعاً من أنواع الاستثمار وهو في الحقيقة قرض ربوي. فعلى كل مسلم أن يكتفي بما أباح الله له، وأن يكف يده عما حرمه الله عليه، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيب، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ومن أسباب إجابة الدعاء طيب المطعم فإن كانت مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا من حرام بسبب هذا الربا الفاحش فهل يستجاب لنا دعاءً أو يُقبل منا عملاً ؟؟! وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يده إلى السماء يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأني يستجاب له ؟ ". وقد جمع الأخ: صلاح نجيب الدق – بارك الله فيه ــ هذا البحث الجيد.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يعم به النفع وأن يكون في ميزان حسنات كاتبه وقارئه والعامل به يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 والله من وراء القصد.

دكتور / جمال المراكبي

الرئيس العام لجمعية أنصار السنة المحمدية

بجمهورية مصر العربية

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى الربا:

الربا لغة: الزيادة. قال ابن منظور: رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوّاً و رِباءً زاد ونما و أَرْبَيْته نَمَّيته، (لسان العرب لابن منظور جـ3 صـ1572)

وفي التنزيل العزيز: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم: 39)، ومنه أُخذ الربا الحرام.

الربا شرعاً: الزيادة في أشياء مخصوصة. (المغني لابن قدامة جـ1 صـ51)

حُكْمُ الربا:

الربا حرام بدليل القرآن والسنة وإجماع علماء المسلمين.

أما الدليل من القرآن الكريم، فيقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275)

ويقول جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278: 279)

وأما الدليل من السنة فقد روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) (البخاري حديث 2766/ مسلم حديث 89)

روى مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ.(مسلم حديث 1598)

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على أن الربا مُحرَّم. (المغني لابن قدامة بتحقيق الدكتور التركي جـ6 صـ52)

أضرار الربا على المجتمع:

 إن للربا آثارٌ خطيرة على المجتمع الذي ينتشر فيه، وسوف أتحدث عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للربا بإيجاز شديد:

أولاً: الأضرار الاقتصادية: إن للربا آثارٌسيئة على اقتصاد المجتمع الذي ينتشر فيه يمكن أن نجملها فيما يلي:

(1) الربا يمنع الاستثمار في المشروعات المفيدة للمجتمع: إن صاحب المال يجد في النظام الربوي فرصة للحصول على نسبة معينة من الربا على ماله وهذا يصرفه عن استثمار ماله في مشروعات زراعية وصناعية وتجارية تعود على المجتمع بالنفع والخير الكثير، وينصرف عن تلك المشروعات التي قد تكون ضرورية للمجتمع لأنها قد تتطلب منه جهداً واستعداداً لتحمل الخسارة في حين أن صاحب المال يتمكن في النظام الربوي من الحصول على هذا الربح دون مشقة أو خسارة وهكذا يكون الربا مصدراً لتوقف استثمار الأموال في خدمة المجتمع ومن ثم يترتب على ذلك انخفاض الإنتاج (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ81: صـ84)

(2) الربا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار: يرجع ارتفاع الأسعار في العالم اليوم بحد كبير إلى النظام الربوي السائد اليوم، فلا يرضى صاحب المال إذا استثمر ماله في زراعة أو صناعة أو شراء سلعة أن يبيع سلعته أو الشيء الذي انتجه إلا بربح أكثر من نسبة الربا،وكلما زادت الربا كلما ارتفعت الأسعار كثيراً هذا إذا كان المنتج أو التاجر صاحب المال وأما إذا كان المنتج أو التاجر ممن يقترض بالربا فإن ارتفاع أسعار منتجاته شيء طبيعي حيث سيضيف إلى نفقاته ما يدفعه من الربا. (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ84: صـ85)

(3) الربا يؤدي إلى انتشار البطالة: يتسبب الربا في انتشار البطالة، وذلك لأن أصحاب الأموال يفضلون إقراض أموالهم بالربا على استثمارها في إقامة المشروعات المختلفة وهذا بلا شك يقلل من فرص العمل فتنتشر البطالة نتيجة لذلك وقد بين بعض علماء الغرب أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين البطالة والتعامل الربوي، وذلك واضح من اعتراف أحد علماء الغرب حيث يقول: من مصلحتنا أن نخفض سعر الربا إلى درجة نتمكن من تشغيل الناس جميعاً. (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ85: صـ87)

ثانياً: الأضرار الاجتماعية: إن للربا أضرار اجتماعية خطيرة نجملها فيما يلي:

(1) استغلال حاجة الآخرين: إن التعامل الربوي يقوم على أساس استغلال حاجة الآخرين حيث ينتظر المرابي المحتاجين إلى ماله ليس ليساعدهم، بل ليجد فريسة تحقق رغباته في امتصاص دماء الآخرين، فهو يعطيهم بالربا قروضاً ثم لا يهمه أن يربح المقترض أم لا، بل المهم عند المرابي أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المال رباً على ماله، ولذا فإن الربا يذهب المعروف بين الناس حيث لا يجد المحتاج من يواسيه أو يقرضه قرضاً حسناً، وهذا كله يترك آثاراً سيئة في قلب المحتاج، فينشأ الحقد والغضب في قلبه نحو الأغنياء المرابين الذين يستغلون حاجة الفقراء إلى المال، وهذا يجعل الفقير المحتاج الذي اقترض بالربا يعمل بتهاون وكسل لأنه يعلم أن ما سيكسبه بكده وسعيه سيسلبه المرابون الظالمون، فتقل رغبتهم في العمل ومن يضعف الإنتاج. (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ90)

(2) الربا يؤدي إلى التشاجر والحروب بين الناس: لما كان النظام الربوي يقوم على أساس الاستغلال، فكان من الطبيعي أن تحدث المشاجرات بين أفراد المجتمع الواحد ولأجل هذا الاستغلال فإنه في كثير من الأحيان لا يريد من كان عليه دين أن يدفع ما يجب في ذمته من أصل أو ربا إلا مكرهاً فتكون الخصومات والمشاحنات بين الدائن والمدين، وكان العرب في الجاهلية يتعاملون بالربا، فيحصل بسببه محاربات عظيمة، وفي الوقت الحاضر قد أدى التعامل بالربا إلى احتلال بعض الدول الغنية دولاً فقيرة بحجة ضمان أموالها والمحافظة عليها (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ90)

(3) الربا يؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات: إن النظام الربوي يؤدي إلى خلق الطبقية بين الناس في المجتمع الواحد، ويؤدي إلى اختلال التوازن بينهم، وذلك لأن المقترض غالباً ما يكون من المحتاجين والمقرض يكون من الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال، فيزداد الغني ثراءً والمحتاج فقراً وكل هذا لأن المال محصور بين أيدي طائفة قليلة من الأثرياء ومن ثم تكون مواجهة بين طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء في المجتمع الواحد.

ثالثاً: الأضرار النفسية للربا: إن للربا أضراراً نفسية خطيرة، وذلك لأنه يولد في الإنسان حب الأثرة والأنانية فلا يعرف إلا نفسه ولا يهمه إلا مصلحته، فتنعدم بذلك روح التضحية والإيثار وتنعدم معاني الخير بين الناس، فيصبح المرابي وحشاً مفترساً لا هم له في الحياة إلا جمع المال وامتصاص دماء المحتاجين، وهكذا ينتشر الحقد والجشع في نفس المرابي ويقابلها البغض والكراهية للأغنياء المرابين من جانب الفقراء المحتاجين. (روائع البيان لمحمد على الصابوني جـ1 صـ395)

مراحل تحريم الربا:

 لقد مَرَّ تحريم الربا بأربعة مراحل سوف أتحدث عنها بإيجاز:

المرحلة الأولى: تبدأ بنزول قوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم: 39)

فهذه الآية الكريمة نزلت في مكة وهي كما يظهر ليس فيها ما يثير إلى تحريم الربا وإنما فيها إشارة إلى بغض الله تبارك وتعالى للربا وأن الربا ليس له ثواب عند الله عز وجل. (روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ1 صـ390)

المرحلة الثانية: وفيها نزل قوله تعالى في سورة النساء: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا *وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. (النساء: 160: 161)

وهذه الآية مدنية وهي درس قصه الله سبحانه وتعالى علينا من سيرة اليهود الذين حُرِّمَ عليهم الربا فأكلوه فاستحقوا عليهم اللعنة والغضب من الله تعالى، وهو تحريم بالإشارة لا بالتصريح لأنه حكاية عن جرائم اليهود ليس فيه ما يدل دلالة قطعية على أن الربا محرم على المسلمين. (روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ1 صـ390)

المرحلة الثالثة: وفيها نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 130)

وهذه الآية مدنية وفيها التصريح بتحريم الربا ولكنه تحريم جزئي لا كلي لأنه تحريم لنوع من الربا الذي يسمى الربا الفاحش، وهو الربا الذي بلغ في الشناعة والقبح الذروة العليا وبلغ في الإجرام النهاية العظمى حيث كان الدين فيه متزايداً حتى يصبح أضعافاً مضاعفة، تضعف عن سداده كاهل المستدين، الذي استدان لحاجته وضرورته.

(روائع البيان لمحمد على الصابوني جـ1 صـ390: صـ391)

المرحلة الرابعة: وفيها نزل قوله تعالى بتحريم الربا تحريماً كلياً وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278: 279)

وظهر في هذه الآية المباركة الجامعة تحريم الربا تحريماً قطعياً لا فرق بين قليله أو كثيره. (روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ1 صـ390)

عاقبة التعامل بالربا في الدنيا والآخرة:

 لقد حذرنا الله تعالى من عاقبة التعامل بالربا فأكد ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة، وسوف أتحدث عن عاقبة الربا في القرآن الكريم والسُّنة المطهرة بإيجاز:

أولاً: عاقبة التعامل بالربا في القرآن:

 يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275)

قال ابن جرير الطبري: قال: جل ثناؤه عن الذين يأكلون الربا أنهم لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. (أي: الجنون في الدنيا). (تفسير ابن جرير الطبري جـ3 صـ101)

قال سعيد بن جبير: آكِلُ الربا يُبعثُ يوم القيامة مجنوناً يُخنقُ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ3صـ102)

ويقول سبحانه: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة: 276)

قال ابن كثير: يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا، أي: يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يَحْرمَه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة. كما قال تعالى) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ([المائدة: 100] ، وقال تعالى:) وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّم ([الأنفال: 37] ، وقال: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّه) [الآية] (1) [الروم: 39].

وقال جل شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. (البقرة:279:278)

قال ابن كثير:

هذا تهديد شديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج: قال ابن عباس: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ) أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله. وقال ابن عباس: يُقالُ يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب. ثم قرأ: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).

(تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ2 صـ496)

قال ابن عباس في قوله:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) إلى قوله:(فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ): فمن كان مقيمًا على الرّبا لا ينزعُ عنه، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضَرب عنقه. (تفسير الطبري جـ3 صـ108)

ثانياً: عاقبة التعامل بالربا في السُّنَّة:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ. (البخاري حديث 2766 / مسلم حديث 89)

روى البخاريُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا. (البخاري حديث 2085)

روى مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ. (مسلم حديث 1598)

روى الطبرانيُّ(في معجمه الكبير) عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله. (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 679)

روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ.(حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1844)

سبعون حوباً: الحوب: الإثم، أي سبعون نوعاً من الإثم.

أيسرها: أي أخف تلك الأثام. أن يجامع الرجل أمه.

روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ. (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1848)

أكثر من الربا: أي أكثر ماله وجمَعَه من الربا.

الفرق بين الربا والربح والأجر:

أولاً:الفرق بين الربا والربح:

الربح:هو الزيادة الحاصلة في المبايعة (نتيجة البيع).

(المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني صـ270)

ويختلف الربح عن الربا في أن الزيادة في التعامل الربوي ثابتة ومعلومة مسبقاً،وأما الربح في التجارة يكون غير ثابت وغير معلوم مسبقاً, بل هناك احتمال الخسارة,وهذه الخسارة يتحملها صاحب المال,وأما في المعاملات الربوية لا صلة لصاحب المال بالخسارة.يبذل صاحب المال الجهد في البيع والشراء, في حين لا يبذل صاحب المال في المعاملات الربوية أي جهد ، بل يتقاضى زيادة مقابل الأجل الذي يبقى فيه ماله عند المقترض.

ثانياً: الفرق بين الربا و الأجر:

الأجر:هو ثمن المنفعة في العقد المتفق عليه بين طرفين.والأجر يكون مقابل خدمة يقوم بها شخصٌ.فلا يستحق هذا الأجر أحدٌ إلا بعد قيامه بالخدمة المطلوبة منه.وأما الربا فلا عبرة فيه بوجود هذه الخدمة ،و إنما هو زيادة يأخذها صاحب المال مقابل الأجل. (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ 32:30)

القروض الاستهلاكية و الإنتاجية:

 ومن ربا النسيئة ما يُطلق عليه في هذا العصر بالقروض الاستهلاكية والقروض الإنتاجية، وسوف نتحدث عنها بشيء من الإيجاز، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

القرض الاستهلاكي:

هو ما يقترضه الشخص المعسر (الفقير) لحاجته الضرورية ويدفع مقابل ذلك زيادة محددة على المبلغ الذي اقترضه، ويُسمى قرضا ًاستهلاكيا لأن القرض يؤخذ للاستهلاك.

القرض الإنتاجي:

هو ما يقترضه الشخص الموسر (الغني) لاستخدامه في مشروعات استثمارية تعود عليه بالربح الوفير، ويدفع مقابل ذلك زيادة محددة على المبلغ الذي اقترضه.

وكلاً من القروض الاستهلاكية، والإنتاجية ذات الفائدة المحددة من الربا الحرام.

وقد صدرت فتوى أجمع عليها كبار علماء المسلمين المشتركين في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1384 هجرية (1965 ميلادية) جاء فيها: الفائدة على أنواع القروض كلها حرام، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يًسمى بالقرض الإنتاجي. (فقه البيع والاستيثاق للدكتور السالوس صـ278: صـ280)

شبهة حول القروض الإنتاجية:

يزعم بعض المعاصرين أن الفائدة على القروض الإنتاجية لا يطلق عليها ربا، وبالتالي فهي ليست بحرام واستدلوا على ما ذهبوا إليه (وهو القول بعدم حرمة القروض الإنتاجية) أن الله حرم الربا الذي كان موجوداً وقت نزول القرآن، ألا وهو القروض الاستهلاكية. و أما القروض الإنتاجية

 ذات الفائدة لم تكن معروفة عند العرب.

والرد على هذه الشبهة:

أولاً: لو نظرنا إلى قروض الجاهلية التي حرمها الإسلام وجدنا ندرة القرض الاستهلاكي، وذلك لأن العربي في ذلك الوقت كان نادراً ما يحتاج إلى قرض استهلاكي لأن العرب كانوا يعيشون في الصحراء والقليل من الطعام والشراب والكساء كان يكفيهم، أما مكة في الجاهلية فكانت مدينة تجارية عظيمة وأهلها اعتادوا القيام برحلتين تجاريتين إحداهما إلى اليمن شتاءً، والأخرى إلى الشام صيفاً، وبلغ أهلها من المهارة في التجارة أن أصبحوا لا يدانيهم أحد من أهل عصرهم وكانت القوافل تأتي إلى مكة من كل مكان، وكانت الأسواق تنصب حول مكة لتصريف هذه التجارة، ولذلك مهر أهلها في النسيئة والربا وفي كل ما يتصل بالتجارة من أسباب المعاملات. ومن هنا نرى أن مثل هذه المجتمع العربي تندر فيه القروض الاستهلاكية وتكثر فيه القروض الإنتاجية للتجارة. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس صـ101)

ثانياً: لو افترضا جدلاً أن القروض الإنتاجية ذات الفائدة، لم تكن معروفة عند العرب في الجاهلية وعند نزول القرآن، فأقول: إن الإسلام هو دين الله الخاتم، ولذا فقد وضع الله تعالى قاعدة عامة صالحة لجميع الناس في كل مكان وزمان إلى قيام الساعة، تساير تطور الإنسان المادي وتقدمه، وهذه القاعدة هي قول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275)

فكل ما يصدق عليه أنه ربا مستوفياً لشروطه، سواء كان موجوداً في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو وُجد بعد وفاته فهو يصدق عليه أنه ربا ويأخذ حكمه، لا يُقال إن هذا لم يكن موجوداً وقت نزول القرآن الكريم أو غير موجود. لنتذكر جميعا هذه القاعدة الفقهية الهامة: (كل قرض جَرَّ نفعاً فهو رباً.

الأشياء التي يحرم فيها الربا:

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ. (مسلم جـ3 حديث 1584)

ويتضح من هذا الحديث الشريف أن أصول الأشياء الربوية ستة وهي: الذهب والفضة، والقمح والشعير، والتمر والملح.

علة تحريم الربا:

يقول السيد سابق (رحمه الله): هذه الأعيان الستة التي خصها الحديث بالذكر تنتظم الأشياء الأساسية التي يحتاج الناس إليها والتي لا غنى لهم عنها.فالذهب والفضة هما العنصران الأساسيان للنقود تنضبط بهما المعاملة والمبادلة، فهما معيار الأثمان الذي يرجع إليه في تقويم السلع. وأما بقية الأعيان الأربعة فهي عناصر الأغذية وأصول القوت الذي به قوام الحياة.فإذا جرى الربا في هذه الأشياء كان ضارا بالناس ومفضيا إلى الفساد في المعاملة، فمنع الشارع منه رحمة بالناس ورعاية لمصالحهم. (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ79)

قال ابن قدامة:

 مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالطَّعْمُ ، مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، فَفِيهِ الرِّبَا رِوَايَةً وَاحِدَةً ، كَالْأُرْزِ ، وَالدُّخْنِ ، وَالذُّرَةِ ، وَالْقُطْنِيَّاتِ ، وَالدُّهْنِ ، وَالْخَلِّ ، وَاللَّبَنِ ، وَاللَّحْمِ ، وَنَحْوِهِ.وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ، سِوَى قَتَادَةَ ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ شَذَّ عَنْ جَمَاعَةِ النَّاسِ ، فَقَصَرَ التَّفَاضُلِ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْيَاءِ. وَمَا انْعَدَمَ فِيهِ الْكَيْلُ ، وَالْوَزْنُ ، وَالطَّعْمُ ، وَاخْتَلَفَ جِنْسُهُ ، فَلَا رِبَا فِيهِ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (المغني لابن قدامة جـ6 صـ58)

خلاصة القول: إن عِلة تحريم الربا هي الثمنية، أو الكيل والوزن مع المطعومية، والادخار.

الثمنية:ما يصلح أن يكون ثمناً لشراء الأشياء

المطعومية: ما يقتات منه الإنسان غالباًَ ويعيش عليه.

فإذا وجدت عِلة الثمنية في غير الذهب والفضة كالأوراق النقدية الموجودة في وقتنا الحاضر، أخذ حكمهما فلا يباع إلا مِثْلاً بمثل ويداً بيد في نفس المجلس.

فإذا وجدت عِلة المطعومية مع الادخار في طعام آخر غير القمح والشعير والتمر والملح، أخذ حكمها، فلا يباع إلا مِثْلاً بمثل ويداً بيد في نفس المجلس. (المغني لابن قدامة جـ6 صـ58) (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ79)

قواعد هامة لتجنب الربا المحرم:

هناك قواعد هامة يجب على المسلم أن يكون على عِلْمٍ بها لكي يتجنب الوقوع في الربا المحرم وبيانها كما يلي:

القاعدة الأولى:

إذا اتفق البدلان في الجنس والعلة (الثمنية والمطعومية مع الادخار) حرم التفاضل (أي الزيادة) وحرم النسيئة (أي تأجيل التقابض). (المغني لابن قدامة جـ6 صـ53) (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ79)

فائدة هامة:

المقصود بالجنس: هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص، فهما جنس واحد، كأنواع التمر، وأنواع الحنطة، فالتمور كلها جنس واحد، لأن الاسم الخاص يجمعها، وهو التمر ،وإن كثرت أنواعه. (المغني لابن قدامة جـ6 صـ76)

ولتوضيح هذه القاعدة أقول: إذا بيع ذهب بذهب أو فضة بفضة، أو قمح بقمح، فإنه يُشترط لصحة هذا البيع شرطان:

الشرط الأول: التساوي في الوزن أو الكمية بصرف النظر عن الجودة والرداءة.

الشرط الثاني: التقابض في نفس المجلس، بمعنى آخر أنه يحرم تأجيل أحد البدلين، وذلك بدليل ما يلي:

روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا, أي: لا تزيدوا, بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ أي:الفضة، بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ. (أي: حاضر) (البخاري حديث 2177 / مسلم حديث 1584)

روى الشيخانِ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ،أي: خذ وهات, وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ. (البخاري حديث 2174 / مسلم حديث 1586)

روى الشيخانِ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَيْنَ هَذَا قَالَ بِلَالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ. (البخاري حديث 2312 / مسلم حديث 1594)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا. (مسلم جـ3 حديث 84)

القاعدة الثانية:

إذا اختلف البدلان في الجنس واتحدا في العلة (الثمنية أو المطعومية مع الادخار) جاز التفاضل، أي: الزيادة، وحَرُمَ النَّساء (أي: تأجيل التقابض) (المغني لابن قدامة جـ6 صـ61)(فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ80)

فإذا بيع ذهب بفضة أو قمح بشعير جازت الزيادة بشرط أن يتم التقبض في نفس المجلس وذلك بدليل ما يلي:

روى مسلمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. (مسلم جـ3 حديث 81)

القاعدة الثالثة:

إذا اختلف البدلان في الجنس والعلة (الثمنية أو المطعومية مع الادخار) جاز التفاضل، أي: الزيادة، والنسيئة، أي: تأجيل التقابض. (مسلم بشرح النووى جـ6 صـ14)(فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ81)

فإذا بيع قمح أو شعير أو تمر أو طعام بفضة جاز التفاضل، أي: الزيادة، وجازت النسيئة (أي: تأجيل التقابض) وذلك لما يلي:

روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. (البخاري حديث 2200)

قال النووي:

أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز بَيْع الرِّبَوِيّ بِرِبَوِيٍّ لَا يُشَارِكهُ فِي الْعِلَّة مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا ، وَذَلِكَ كَبَيْعِ الذَّهَب بِالْحِنْطَةِ ، وَبَيْع الْفِضَّة بِالشَّعِيرِ وَغَيْره مِنْ الْمَكِيل. (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14)

بيع العينة:

المقصود ببيع العينة هو أن يبيع المسلم شيئاً ما بثمن محدد إلى أجل مسمى إلى شخص ما ويسلمها إليه ثم يشتريه البائع من نفس المشتري قبل الثمن المؤجل بثمن نقداً أقل من الثمن المؤجل. وسميت بالعينة لأن البائع يشتري نفس العين التي باعها. (نيل الأوطار للشوكاني جـ5 صـ294)

وهذا البيع حرام لأنه ذريعة إلى الربا وإن كان في صورته بيع وشراء.

روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ.(حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2956)

البيع بالتقسيط:

 يجوز بيع سلعة بالتقسيط مع الزيادة في ثمن السلعة عن ثمنها الحالي مقابل الزيادة في الأجل. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ 7 رقم 1013 صـ 2344:2341) (فتوى مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 53/2/6 لعام 1410هـ /1990 مـ)

بيع وشراء الذهب والفضة:

إن الكثيرين من المسلمين قد يقعون في الربا المحرم عند بيع وشراء الذهب والفضة، وذلك لعدم معرفتهم بأحكام الربا، ولذا سوف أوضح بعض الأمور الهامة التي يجب على المسلم أن يكون على معرفة بها عند بيع وشراء الذهب والفضة فأقول و بالله التوفيق:

 لا يجوز استبدال الحلي القديم من الذهب أو الفضة بحلي مثله جديد مع دفع فرق الصنعة.

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا, أي: لا تزيدوا, بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ أي:الفضة، بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ. أي: حاضر. (البخاري حديث 2177 / مسلم حديث 1584)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. (مسلم حديث 77)

أقوال العلماء:

سوف أذكر أقوال العلماء في تحريم استبدال حُلي الذهب أو الفضة بحُلي مثله جديد مع إعطاء الصائغ فرق الصنعة.

(1) قال النووي (رحمه الله) قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِق بِالْوَرِقِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاءٍ)

قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع أَنْوَاع الذَّهَب وَالْوَرِق مِنْ جَيِّد وَرَدِيء ، وَصَحِيح وَمَكْسُور ، وَحُلِيّ وَتِبْر ، وَغَيْر ذَلِكَ ، وَسَوَاء الْخَالِص وَالْمَخْلُوط بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا كُلّه مُجْمَع عَلَيْهِ. (صحيح مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14)

(2) قال البغوي (رحمه الله): بعد أن ذكر هذا الحديث: لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَبِ): وفي الحديث دليل على أنه لو باع حُلياً من ذهب بذهب لا يجوز إلا متساويين في الوزن، ولا يجوز طلب الفضل (أي: طلب زيادة) للصنعة لأنه يكون بيع ذهب بذهب مع الفضل. (شرح السنة للبغوي جـ8 صـ65)

(3): قال ابن حجر (رحمه الله): قوله -صلى الله عليه وسلم- الذَّهَب بِالذَّهَبِ)دْخُلُ فِي الذَّهَبِ جَمِيع أَصْنَافِهِ مِنْ مَضْرُوبٍ وَمَنْقُوشٍ وَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمُكَسَّرٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْر وَخَالِص وَمَغْشُوش. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ4 صـ445)

(4) قال القرطبي (رحمه الله): والفضة البيضاء والسوداء والذهب الأحمر والأصفر كل ذلك لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل سواء بسواء على كل حال. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ3 صـ351)

(5) قال ابن قدامة (رحمه الله):وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ ، وَالتِّبْرُ وَالْمَضْرُوبُ ، وَالصَّحِيحُ وَالْمَكْسُورُ ، سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ ، وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ.وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ ؛ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ. (المغني لابن قدامة جـ6 صـ60)

روى أبو داودَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2864)

فائدة هامة: قال الخطابي: التبر: قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم ودنانير، واحدتها تبرة. والعين: المضروب من الدراهم والدنانير. (معالم السنن للخطابي جـ3 صـ59)

(6): قال أبو عمر ابن عبد البر(رحمه الله): أجمع العلماء على أن الذهب وعينه سواء لا يجوز التفاضل في شيء منه، وكذلك الفضة، تبرها وعينها ومصنوع ذلك كله و مضروبه، لا يحل التفاضل في شيء منه. (الاستذكار لابن عبد البر جـ19 صـ192 رقم 28702 / 28703)

روى مالكُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ أي: أخذ زيادة - مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ. (إسناده صحيح) (موطأ مالك – كتاب البيوع حديث 31)

(7) قال الشنقيطي (رحمه الله):لا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه بأكثر من وزنه، وذكر الأدلة على ذلك القول، ثم قال بعد ذلك: وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن الصناعة الواقعة في الذهب أو الفضة لا أثر لها ، ولا تبيح المفاضلة بقدر قيمة الصناعة كما ذكرنا. وهذا هو مذهب الحق الذي لا شك فيه. (أضواء البيان للشنقيطي جـ1 صـ223: صـ224)

الطريقة الشرعية لبيع الحلي القديم وشراء الجديد:

من أردا أن يبيع حُلياً قديماً ويشتري بدلاً منه حُلياً جديداً. يجب عليه أولاً أن يبيع الحُلي القديم ويقبض ثمنه، ثم يشتري ما يريد من الذهب الجديد، سواء من هذا الصائغ الذي باع إليه أو من غيره، ولا يجوز أن يكون بين البائع والمشتري مشارطة، بمعنى أنه يحرم على الصائغ أن يشترط شراء الذهب القديم على أن يشتري منه البائع ذهباً جديداً لأن ذلك في حُكم البيعتين في بيعة وهذا النوع نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

تنبيهات هامة:

(1) بيع الذهب أو الفضة بالأجل محرم بإجماع علماء المسلمين لأنه ربا نسيئة. (بيع وشراء الذهب لابن عثيمين صـ10: صـ11)

(2) لا يجوز للصائغ الاشتراط على من يبيع له الذهب المستعمل أن يشتري منه ذهباً جديداً لأن ذلك حيلة على بيع الذهب مع الزيادة وهذا ربا محرم. (بيع وشراء الذهب لابن عثيمين صـ10: صـ11)

(3) كل قرض نقدي جَرَّ نفعاً مشروطاً فهو ربا محرم. (السنن الكبرى للبيهقي جـ5 صـ350)

(4) يجوز استبدال عُمْلة نقدية بعُملْة أخرى بدون اشتراط التساوي في الكمية، ولكن يُشترط أن يتم التقابض في نفس المجلس قبل الافتراق.

 (5) يجب أن نطبق كل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في كيفية بيع الذهب والفضة وغيرهما تعبداً لله تعالى.

حقيقة عمل البنوك الربوية:

أخي القارئ الكريم: لكي تتضح لك حقيقة عمل البنوك الربوية، سوف أذكر بعض أقوال أهل اللغة والاقتصاد في تعريف البنك:

تعريف البنك في اللغة:

جاء في المعجم الوسيط: البنك: مؤسسة تقوم بعمليات الائتمان بالاقتراض والإقراض. (المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية جـ1 صـ74)

وجاء في الموسوعة الميسرة: مصرف أو بنك: تطلق هذه الكلمة بصفة عامة على المؤسسات التي تتخصص في إقراض واقتراض النقود. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ132)

تعريف البنك عند علماء الاقتصاد:

يقول الدكتور: إسماعيل محمد هاشم: يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسلُّف. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ132)

ويقول الدكتور: محمد يحي عويس: تتلخص الوظيفة الرئيسية للبنوك في المجتمعات في الجملة التقليدية إن البنوك تقترض لكي تقرض. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ133)

خلاصة القول:

يقول الدكتور: محمد عبد العزيز عجمية: يعرف البنك التجاري أو بنك الودائع عموماً بأنه المنشأة التي تتعامل في الائتمان أو الدين. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ133)

يقول الدكتور: علي السالوس: بعد أن ذكر تعريفات عديدة للبنك عند علماء الاقتصاد:

إن البنك يقوم بوظيفتين في إطار كونه تاجراً للديون أو الائتمان: وهما: الاقتراض من المودعين، والإقراض للمقترضين، ويدفع للمودعين ثمناً محدداً، وهو الفائدة على الودائع ويتقاضى من المقترضين ثمناً أعلى، هو فائدة الإقراض،والفرق بين الفائدتين، هو المصدر الأساسي لإيرادات البنك. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ134)

أخي المسلم الكريم: هكذا حكم الاقتصاديون على طبيعة عمل البنوك: أنها تقوم على الاقتراض من المودعين والإقراض للمستثمرين وغيرهم.

ربا الجاهلية وربا البنوك:

 سوف أتناول الحديث بإيجاز عن كل من ربا الجاهلية وربا البنوك:

أولاً: ربا الجاهلية:

قال ابن كثير: كانوا يقولون في الجاهلية -إذا حَلّ أجل الدين: إما أن يَقْضِي وإمّا أن يُرْبِي، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخَر في القَدْر، وهكذا كلّ عام، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرًا مضاعفا. (تفسير ابن كثير جـ3 صـ183)

ثانياً: ربا البنوك: يجب أن يعلم كل مسلم أن ربا البنوك والمصارف الموجود الآن هو ربا الجاهلية، ربا النسيئة، الذي حرمه الله تعالى في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 130) (الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزُحيلي جـ4 صـ682)

إن معظم البنوك تأخذ من المقترض فائدة (ربا) بنسبة مئوية محددة مقابل تأخير المال المقترض، وتزداد هذه النسبة كلما تأخر الشخص المقترض في رد المال حتى تصبح الزيادة أضعافاً كثيرة وقد تكون أكثر من رأس المال الذي تم اقتراضه. وتقوم هذه البنوك أيضاً بدفع فائدة (ربا) بنسبة مئوية محددة ومسبقة كل عام للذين يضعون أموالهم في هذه البنوك.

وقفه هامة للتأمل: إذا لم تكن فوائد البنوك هي الربا الذي حرمه الله تعالى في كتابه العزيز، وحرمه رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة، وأجمع على تحريمه علماء المسلمين قاطبة، قديماً وحديثاً، فأين هو الربا الحرام ؟!

فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية: يقول الدكتور: علي السالوس (وهو يعقد مقارنة بين ربا الجاهلية وربا البنوك في وقتنا المعاصر):

إن أهل الجاهلية كانوا يقرضون نقوداً فعلية، سلعية وهي الدنانير الذهبية والدراهم الفضّية، أما البنوك فإنها إلى جانب إقراض ما لديها من ودائع، تأخذ فوائد ربوية على ما خلقته من ائتمان أو نقود. الفوائد في الجاهلية: كانت تُحدد بالتراضي، كما يقول الجصاص (على ما يتراضون به) أما المقترض من البنوك فتُفرض عليه الشروط ولا يملك تغييرها.كان أهل الجاهلية يأخذون الفوائد في نهاية المدة أو مقسطة على أقساط شهرية، أما البنوك فإنها تحسب الفائدة وتخصمها مسبقاً قبل أن يأخذ المقترض القرض وينتفع به. القروض في الجاهلية كانت تُستخدم في الاستثمار الفعلي، والتصدر والاستيراد، فالتجار كانوا يأخذون القروض لرحلة الشتاء والصيف، إلى جانب المضاربة، أما البنوك الربوية فإنها تقترض لتقرض المستثمرين كما هو طبيعة عملها، فهي لا تستثمر، ولا تقوم بأي لون من ألوان التنمية، أو المشاركة في عمارة الكون، وجلب الخيرات للبلاد والعباد، وهي في الإقراض تنظر للضمانات فقط، ولا يعنيها النفع أو الضرر. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس صـ164: صـ165)

المضاربة في الشريعة الإسلامية:

أولاً: تعريف المضاربة: هي شركة بين صاحب رأس المال وعامل المضاربة، فصاحب رأس المال يشترك بماله، وعامل المضاربة يشترك بعمله، والربح يُقسم بين الاثنين بالنسبة المتفق عليها، والعامل يتصرف في المال باعتباره وكيلاً أميناً، وليس مالكاً كالمقترض، وفي حال الخسارة، يخسر كل منهما جنس كما اشترك به، فصاحب المال يخسر مالاً، والعامل لا يأخذ شيئاً مقابل عمله، فهو يخسر العمل. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس صـ962)

ثانياً: من هذا التعريف السابق للمضاربة نرى أن إطلاق لفظ المضارب على البنوك التي تأخذ أموال المودعين وتعطيهم على ذلك فائدة محددة مسبقاً، لا يجوز وذلك لأن البنك يعتبر ضامناً لأموال المودعين، ومن المعلوم أن المضارب ليس بضامن للمال إلا إذا ثبت إهماله أو خالف شروط العقد.

قال ابن قدامة: مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ(الشخص الذي يستثمر المال) ضَمَانَ الْمَالِ ، أَوْ سَهْمًا مِنْ الْوَضِيعَةِ ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (المغني لابن قدامة جـ7 صـ176)

هل يجوز تحديد مقدار معين من الربح مُسبقاً لصاحب المال أو المضارب ؟

 يجب أن يكون من المعلوم أنه لا يجوز تحديد مقدار معين من الربح مسبقاً لصاحب المال أو المضارب (العامل الذي يشارك بجهده وعمله فقط في المضاربة)

روى الشيخانِ عَنْ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي(يؤجر) أَرْضَهُ فَيَقُولُ هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ(هذه) وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ(هذه) فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 (البخاري حديث 2332 / مسلم – كتاب البيوع حديث 117)

روى الشيخانِ عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا قُلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَقٌّ قَالَ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ قُلْتُ نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ قَالَ لَا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا أَوْ أَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا قَالَ رَافِعٌ قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً. (البخاري حديث 2339 / مسلم حديث 114)

استدلالاً بهذين الحديثين، ذهب أهل العلم إلى عدم جواز تحديد قطعة من الأرض يأخذ صاحب الأرض ريعها، وكذلك عدم تحديد مقدار معين من الزرع يأخذه صاحب الأرض، بل يأخذ نسبة معينة من عموم ما تخرجه الأرض، وإذا كان هذا الكلام شرط لصحة المزارعة فهو شرط أيضاً لصحة المضاربة وسائر أنواع الشركات.

أقوال أهل العلم:

يقول الإمام ابن القيم:المزارعة من جنس الشركة، يستويان في الغُنْم و الغُرْم ، فهي كالمضاربة. (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ9 صـ2002)

يقول الإمام أحمد ابن تيمية (وهو يتحدث عن المضاربة الشرعية) وَمَا قَسَّمَ اللَّهُ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ بَيْنَهُمَا(أي بين صاحب المال والمضارب الذي يستثمر المال) عَلَى الْإِشَاعَةِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِرِبْحِ مُقَدَّرٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَشْرُطُونَ لِرَبِّ الْمَالِ زَرْعَ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَى الماذيانات(جوانب الأنهار) وَإِقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: إنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أَمْرٌ إذَا نَظَرَ فِيهِ ذُو الْبَصَرِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ أَوْ كَانَ قَالَ. فَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مُوجِبُ الْقِيَاسِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْ شُرِطَ فِي الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لَأَنَّ مَبْنَى الْمُشَارَكَاتِ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِذَا خُصَّ أَحَدُهُمَا بِرِبْحِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَدْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِكُلِّ مِنْهُمَا جُزْءٌ شَائِعٌ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَغْنَمِ وَفِي الْمَغْرَمِ فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ اشْتَرَكَا فِي الْمَغْنَمِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ اشْتَرَكَا فِي الْحِرْمَانِ وَذَهَبَ نَفْعُ بَدَنِ هَذَا كَمَا ذَهَبَ نَفْعُ مَالِ هَذَا وَلِهَذَا كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ ذَهَابِ نَفْعِ الْعَامِلِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ20 صـ508)

الفرق بين القرض الإنتاجي و المضاربة الشرعية:

القرض الإنتاجي يُحدد له فائدة ربوية للمبلغ المقترض، والزمن الذي يستغرقه القرض، كأن يكون 10 % من رأس المال سنوياً، بغض النظر عما ينتج عن هذا القرض من كسب كثير أو قليل أو خسارة. والعلاقة بين صاحب القرض وآخذه ليست من باب الشركة، فصاحب القرض له مبلغ معين محدد، ولا شأن له بعمل من آخذ القرض، ومن أخذ القرض يستثمره لنفسه فقط، حيث يملك المال ويضمن رد مثله مع الزيادة الربوية، فإن كسب كثيراً فلنفسه، وإن خسر، تحمل وحده الخسارة.

وأما في المضاربة، فالربح الفعلي يقسم بين صاحب رأس المال والمضارب بنسبة متفق عليها، والمضاربة شركة فيها المغنم والمغرم للإثنين معاً، فالمضارب – العامل – لا يملك المال الذي بيده وإنما يتصرف فيه كوكيل عن صاحب رأس المال مهما قل أو كثر – يقسم بينهما بالنسبة المتفق عليها، وعند الخسارة، يتحمل رأس المال الخسارة المالية، ويتحمل العامل – المضاربة – ضياع جهده وعمله ولا ضمان عليه. (فقه البيع والاستيثاق للدكتور السالوس صـ281: صـ282)

البنوك الإسلامية ومجالاتها الاستثمارية:

 إن البديل عن البنوك الربوية هو إنشاء الكثير من البنوك الإسلامية التي يمكن أن تستثمر أموال المسلمين بالطرق الشرعية التي أباحها الله تعالى وأباحها لنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهنا يأتي سؤال هام: كيف تستطيع هذه البنوك الإسلامية أن تستثمر الأموال بالطرق الشرعية ؟

فنقول وبالله تعالى التوفيق: يجب أولاً: أن يكون لكل بنك لجنة من علماء الشريعة المتخصصين، يقومون بالإشراف على مشروعات البنك،و يراقبون تصرفاته ويوضحون كل ما هو حلال وحرام من المعاملات. وبالنسبة لكيفية استثمار الأموال، فهناك مجالات استثمارية كثيرة، تستطيع البنوك الإسلامية أن تستثمر فيها هذه الأموال، ومن هذه المجالات، على سبيل المثال ما يلي:

شركة المضاربة الإسلامية:

وذلك بأن يأخذ البنك الإسلامي الأموال كمضارب (أي: عامل) ثم يتاجر أو يصنع أو يزرع أو يعمل أي عمل، يُقره الإسلام، وناتج الربح يُقسم بين البنك وبين أصحاب الأموال بنسب متفق عليها، وفي حالة الخسارة، يتحملها أصحاب المال وحدهم، ما لم يتبين أن الإهمال كان من جانب البنك، ويخسر البنك عمله ومجهوده.

ويمكن أن يدخل البنك في شركة المضاربة كصاحب رأس المال والعميل كمضارب ويقسم الربح بينهما حسب الاتفاق، وفي حالة الخسارة، يتحملها البنك وحده، ما لم يثبت إهمال المضارب، وأما المضارب نفسه فيخسر عمله ومجهوده. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس صـ531: صـ543)

فتاوى خاصة بفوائد البنوك والعمل فيها

(1) سُئل فضيلة مفتي مصر الشيخ: بكري الصدفي (رحمه الله) في 27 من المحرم عام 1325 هجرية السؤال التالي:

 من السلطان محمد عماد الدين: في دراهم البنك: هل هي حرام أم لا ؟ وفيما يؤخذ منها على سبيل التجارة هل يُعد رباً أم لا ؟

فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي:

الأخذ من دراهم البنك على سبيل التجارة بالفائض كما هو، معتاد الآن، لا شك أنه من باب الربا المحرم إجماعاً. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ3 رقم 413 صـ825: صـ826)

(2) سُئل مفتي مصر فضيلة الشيخ: عبد المجيد سليم (رحمه الله) في 16 جمادي الأولى عام 1362 هجرية 20 مايو عام 1943 ميلادية – السؤال التالي:

لي مبلغ من النقود أودعته في بنك بدون فائدة لأني أعتقد أن الفائدة حرام مهما كانت قليلة، وأعلم أن الله تعالى يمحق الربا، وقد مَنَّ الله عليَّ بحب التصدق على الفقراء والمساكين، وقد أشار عليَّ بعض الناس بأن آخذ الفائدة من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء ولا حرمة في ذلك. فأرجو التكرم بإفتائي عما إذا كان أخذ الفائدة من البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم لا ؟

فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي:

اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أن أخذ فوائد على الأموال المودَعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعاً، ولا يبيح أخذه، قصد التصدق به لإطلاق الآيات والأحاديث الدالة على تحريم الربا، ولا نعلم خلافاً بين علماء المسلمين في أن الربا محرم شرعاً على أي وجه كان. هذا ولا يقبل الله تعالى هذه الصدقة، بل يأثم صاحبها. ثم ذكر فضيلته الأدلة على هذه الفتوى. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ4 رقم 618 صـ1289: صـ1290)

(3) سُئل فضيلة مفتي مصر الشيخ: عبد المجيد سليم (رحمه الله) في 28 رمضان عام 1363 هجرية 16 سبتمبر عام 1944 ميلادية – السؤال التالي:

شخص يعمل كاتباً ببنك التسليف الزراعي، فهل عليه حرمة في هذا العمل علماً بأنه محتاج إليه في معيشته، وأن جميع أعمال البنك تقوم على الفوائد والربا وذلك مما حرمه الشرع ؟

فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي:

اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أن الربا محرم شرعاً بنص الكتاب والسنة وبإجماع المسلمين، ومباشرة الأعمال التي تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم فكل ما كان كذلك فهو محرم شرعاً. وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ. واللعن دليل على إثم من ذُكر في الحديث الشريف، وبهذا عُلم الجواب عن السؤال،والله تعالى أعلم. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ4 رقم 620 صـ1293: صـ1294)

(4) سُئل مفتي مصر فضيلة الشيخ: جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله) في 30 ربيع الأول عام 1400 هجرية / 17 مارس عام 1980 ميلادية – السؤال التالي: ما حُكم اشتراط هيئة الأوقاف المصرية في عقد التمليك وملحقاته أن يدفع المشتري للوحدة السكنية نسبة 5 % من جملة الثمن المؤجل كربح نظير باقي الوحدة التي لم يُدفع ثمنها ؟

فأجاب فضيلة المفتي(رحمه الله) بما يلي:

إن أخذ نسبة 5 % على المؤجل من الثمن نظير التأجيل هو ربا النسيئة الذي حرمه الله تعالى في القرآن الكريم وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن هذا قول الله سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275). ثم استفاض فضيلته في ذكر أدلة هذه الفتوى. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ9 رقم 1249 صـ3314: صـ3318)

(5) سُئل فضيلة مفتي مصر الشيخ: جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله) في 10 صفر عام 1400 هجرية 9 ديسمبر عام 1979 ميلادية.

بالطلب المقيد برقم 199 سنة 1979، المطلوب به الإفادة عما إذا كان عائد شهادات الاستثمار حلالاً أو حراماً ؟ وهل يعتبر هذا العائد من قبيل الربا المحرم، أو هو مكافأة من ولي الأمر في مقابل تقديم الأموال للدولة لاستغلالها في إقامة المشروعات التي تعود على الأمة بالنفع ؟

فأجاب فضيلة المفتي(رحمه الله) بما يلي:

إن الإسلام حَرَّم الربا بنوعيه – ربا الزيادة وربا النسيئة، وهذا التحريم ثابت قطعاً بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع المسلمين منذ صدر الإسلام حتى الآن، ولما كان الوصف القانوني الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة، وكانت نصوص الشريعة في القرآن والسنة تقضي بأن الشهادات وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل في نطاق ربا الزيادة لا يحل لمسلم الانتفاع به، وأما القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولي الأمر، فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدماً، لا سيما وقد وصف بأنه فائدة بواقع كذا في المائة. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ9 رقم 1252 صـ3335: صـ3336)

(6) فتوى مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد بجدة بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 10: 16 ربيع الثاني عام 1406 هجرية الموافق 22: 28 ديسمبر عام 1958 ميلادية بشأن حُكم التعامل المصرفي بالفوائد.

كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حَلَّ أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بدء العقد: هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس صـ220: صـ221)

(7) فتوى مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة يوم السبت 20شعبان عام 1415 هـ الموافق 21 يناير عام 1995 بشأن الموضوع التالي: هل يجوز تحديد ربح رب المال في شركة المضاربة بمقدار معين من المال ؟

لا يجوز في المضاربة أن يحدد المضارب لرب المال مقداراً معيناً من المال، لأن هذا يتنافى مع حقيقة المضاربة ويجعلها قرضاً بفائدة، ولأن الربح قد لا يزيد على ما جُعل لرب المال فيستأثر به كله، وقد تخسر المضاربة، أو يكون الربح أقل مما جُعل لرب المال فيغرم المضارب، وقد أجمع الأئمة الأعلام على أن من شروط صحة المضاربة أن يكون الربح مشاعاً بين رب المال والمضارب دون تحديد مقدار معين لأحد منهما. (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ815)

كيف يمكن التخلص من فوائد البنوك الربوية ؟

التخلص من فوائد البنوك الربوية يكون عن طريق إعطائها للفقراء والمساكين أو إنفاقها في المنافع العامة التي تخدم المسلمين كإنشاء الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وما شابه ذلك.

ولا يجوز إنفاق فوائد البنوك الربوية على إنشاء المساجد أو أي شيء يتعلق بالمساجد، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ 10 رقم 1303 صـ 3566:3565) (فتاوى اللجنة الدائمة جـ13 رقم 16576، صـ354)

خاتمة الرسالة:

أخي طالب العلم: لقد اجتهدت في إعداد هذه الرسالة وكتابتها بأسلوب بسيط مع كتابه مصادرها لكي تطمئن وتستزيد من المعلومات إذا أردت المزيد، وقد ختمت الرسالة بذكر فتاوى أهل العلم في مصر، وكذلك المجامع الفقهية المختلفة، وما تحتويه هذه الرسالة، هو ما أدين لله تعالى به يوم يقوم الناس لرب العالمين.

أخي الكريم: هذا عمل بشري لا بد أن يكون فيه نقص، فجزى اللهُ خيراً من أهدى إليَّ عيوبي في ستر بيني وبينه.

أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم في كل مكان من أرض الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.

صلاح الدين نجيب الدق

عدد المشاهدات 13215