الإمام: مسلم بن الحجاج
الاسم والنسب:
هو: مُسْلِمٌ بن الحجَّاج بن مُسْلِم القُشَيري النيسابوري.
كنيته: أبو الحسين.
(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 100)
ميلاد مسلم: وُلِدَ مُسْلِمٌ بن الحجَّاج سنة أربع ومئتين هجرية.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ558)
عصر الإمام مسلم:
عاش مُسْلِمٌ بن الحجَّاج في القرن الهجري الثالث إلى العقد السادس منه . وقد كان هذا القرن حاسماً في تاريخ الفكر الإسلامي , كان عصراً نشيطاُ نيراً , ازدهرت فيه الثقافة العربية ازدهاراً قوياً , ونمت العلوم, ووضعت أشهر الكتب في مختلف المعارف , وفيه لمعت شخصيات فذة , ونبغ مفكرون عظماء وعلماء مشهورون في مختلف البقاع العربية والإسلامية.
فهو عصر يحيى بن مَعِين , وعلي بن المديني , وإسحاق بن راهويه , وأحمد بن حنبل، والبخاري ,وابن ماجه,والترمذي ,وأبي داود وغيرهم في الحديث .
وهو عصر محمد بن سعد , والبلاذري , وابن جرير الطبري في التاريخ .
وهو عصر الدينوري , وابن قُتيبة , والجاحظ , وابن دُريد , وابن السُّكَيت , والمازني في العلم واللغة والأدب والنحو .
وهو عصر كثير غير هؤلاء من الأعلام في كل عِلم وفن .
ولئن لم تكن الأقطار الإسلامية تدين كلها لخليفة واحد , فإن الصلات لم تنقطع بين أهل تلك البلاد , على تباعدهم فيما بينهم , ولم يؤَثِر في صلاتهم اتساع أطراف الأقاليم , التي امتدت إلى حدود الهند والصين شرقاً , وإلى المغرب الأقصى (مراكش) غرباً .
فأما الخلفاء العباسيون الذين عاصرهم الإمام مسلم فهم تسعة خلفاء حكموا بين سنتي (279:198هجرية ) وهم : المأمون , والمعتصم , والواثق , والمتوكل , والمنتصر , والمستعين , والمعتز , والمهتدي , والمعتمد . (الإمام مسلم ,حياته وصحيحه لمحمود فاخوري صـ34:33)
رحلة مسلم في طلب العلم:
أول سماع مُسْلِمٌ بن الحجَّاج للعِلم في سنة ثمان عشرة من عُمره، من يحيى بن يحيى التميمي،
ورحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر في طلب العلم. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 100) (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ558)
شيوخ مسلم :
القعنبي وأحمد بن يونس وإسماعيل بن أبي أويس وداود بن عمرو الضبي ويحيى بن يحيى النيسابوري والهيثم بن خارجة وسعيد بن منصور وشيبان بن فروخ،وآخرون كثير. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ426)
تلاميذ مسلم:
روى عن مسلم الترمذي وأبو الفضل أحمد بن سلمة وإبراهيم بن أبي طالب وأبو عمرو الخفاف وحسين بن محمد القباني وأبو عمرو المستملي وصالح بن محمد الحافظ وعلي بن الحسن الهلالي ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء وهما من شيوخه وعلي بن الحسين بن الجنيد وابن خزيمة وابن صاعد والسراج ومحمد بن عبد بن حميد وأبو حامد وعبد الله ابنا الشرقي وعلي بن إسماعيل الصَّفار وأبو محمد بن أبي حاتم الرازي وإبراهيم بن محمد بن سفيان ومحمد بن مخلد الدوري وإبراهيم بن محمد بن حمزة وأبو عوانة الإسفرائني ومحمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة وأبو حامد الأعمشي وأبو حامد بن حُسْنويه وآخرون. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ426)
أقوال العلماء في مسلم :
(1) قال الحسين بن منصور: سمعت إسحاق بن راهويه، وذكر مسلم بن الحجاج،أي رجل كان هذا. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 102)
(2) قال محمد بن بشَّار : حفَّاظ الدنيا أربعة أبو زُرعة بالرَّي، و مُسْلِمٌ بن الحجَّاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل البخاري ببخارى. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ 16)
(3) قال أبو عبد الله محمد بن يعقوب: أخرجت نيسابور ثلاثة رجال: محمد بن يحيى الذُّهْلي، و مُسْلِمٌ بن الحجَّاج ، وإبراهيم بن أبي طالب. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 565)
(4) قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان مسلم ثقة من الحفاظ، كتبت عنه بالرَّي، وسئل أبي عنه، فقال: صدوق.(تذكرة الحفاظ للذهبي جـ2صـ 589)
(5) قال إسحاق الكوسج لمسلم: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين. (تذكرة الحفاظ للذهبي جـ2صـ 589)
(6) قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زُرعة وأبا حاتم يقدِّمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 101)
(7) قال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في عِلم الحديث. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 101)
(8) قال أبو عبد الرحمن السلمي: رأيت شيخاً حَسَن الوجه والثياب، عليه رداء حَسن، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه.فقيل: هذا مسلم.فتقدم أصحاب السلطان، فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين، فقدَّموه في الجامع، فكبَّر، وصلى بالناس. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 566)
(9) قال محمد بن أحمد بن حمدان الحيري:سألت أبا العباس بن سعيد بن عقدة :أيهما أحفظ البخاري أو مسلم؟ فقال: كان محمد عالماً ومسلم عالماً، فأعدت عليه مراراً فقال: يقع لمحمد الغلط في أهل الشام وذلك لأنه أخذ كتبهم ونظر فيها فربما ذكر الرجل بكُنيته ويُذكر في موضع آخر باسمه يظنهما اثنين, وأما مسلم فقلما يُوجد له غلط في العِلل لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع ولا المراسيل.(المقصود بالمقاطيع أقوال الصحابة والتابعين في الفقه والتفسير.) (تذكرة الحفاظ للذهبي جـ2صـ 589)
(10) قال محمد بن عبد الوهاب الفرَّاء: كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 579)
(11) قال أبو بكر الجارودي حدثنا مسلم بن الحجاج وكان من أوعية العلم. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ427)
(12)قال مسلمة بن قاسم:كان مسلم ثقةٌ، جليلُ القَدْر، من الأئمة. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ427)
(13) قال ابنُ حجر العسقلاني: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مُفْرِط لم يحصل لأحدٍ مثله بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل وذلك لما اختص به من جميع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى وقد نسج على منواله جماعةٌ عن النيسابوريين فلم يبلغوا منزلة مسلم. وحفظت منهم أكثر من عشرين إماماً ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ427)
علاقة مسلم بالبخاري:
(1) قال أحمد بن حمدون القصَّار: سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبَّل بين عينيه وقال: دعني حتى أُقَبِّلَ رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في عِلله.(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 102)
(2) كان مسلم يدافع عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين شيخه محمد بن يحيى الذهلي بسبب البخاري. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 103)
(3) قال أبو عبد الله محمد بن يعقوب: لما استوطن محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور أكثر مُسْلِمٌ بن الحجَّاج الذهاب إليه فلما وقع بين محمد بن يحيى الذُّهْلي والبخاري ما وقع،من محنة اللفظ بالقرآن، ومُنع الناس من الذهاب إليه حتى هجر الناس البخاري، وخرج من نيسابور في تلك المحنة وقاطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زيارته فبلغ محمد بن يحيى الذُّهْلي أن مسلم بن الحجاج على مذهب البخاري، قديماً وحديثاً وأنه عُوتِبَ على ذلك بالعراق والحجاز ولم يرجع عنه فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس وخرج من مجلسه وجمع كل ما كان كتب منه وبعث به على ظهر حمَّال إلى باب محمد بن يحيى فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلف عن مجلس الذَُهْلي، وعن زيارته. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 103)
مؤلفات الإمام مسلم:
مؤلفات الإمام مسلم كثيرة منها :كتاب " المسند الكبير " على الرجال، و كتاب " الجامع على الأبواب "، و كتاب " الأسامى والكُنى "، وكتاب " المسند الصحيح "، وكتاب " التمييز "، وكتاب " العلل "، وكتاب " الوحدان "، وكتاب " الأفراد "، وكتاب " الأقران "، وكتاب " سؤالاته أحمد ابن حنبل "، وكتاب " عمرو بن شعيب "، وكتاب " الانتفاع بأُهِب السِّباع "، وكتاب " مشايخ مالك "، وكتاب " مشايخ الثوري "، وكتاب " مشايخ شعبة "، وكتاب " من ليس له إلا راو واحد "، وكتاب " المخضرمين "، وكتاب " أولاد الصحابة "، وكتاب " أوهام المحدثين "، وكتاب " الطبقات "، وكتاب " أفراد الشاميين ".(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 579)
صحيح الإمام مسلم
(1) قال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 566)
(2) قال محمد الماسرجسي : سمعت مسلم بن الحجاج يقول: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 101)
(3) قال مَكي بن عبدان: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زُرعة، فكل ما أشار عليَّ في هذا الكتاب أن له عِلة وسبباً تركته، وكل ما قال: إنه صحيح ليس له عِلة، فهو الذي أخرجت،ولو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مئتي سنة فمدارهم على هذا المسند. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 568)
(4) عَدَدُ أحاديث صحيح مسلم:أربعة آلاف حديث دون المكرر،وبالمكرر: اثنا عشر ألف حديث.(مسلم بشرح النووي جـ1صـ40)
مميزات صحيح مسلم:
(1) انفرد مسلمٌ بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولاً من حيث أنه جعل لكل حديث موضعاً واحداً يليق به جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه، فيصعب على الطالب جمع طُرق الحديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ31)
(2) قال أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله): شرط مسلم (رحمه الله تعالى) في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالماً من الشذوذ والعِلة ، وهذا حد الصحيح، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيحٌ بلا خِلاف بين أهل الحديث، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط.(مسلم بشرح النووي جـ1صـ32)
(3) قال أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله) جميع ما حَكَمَ مسلمٌ (رحمه الله) بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوعٌ بصحته، والعِلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر وهكذا ما حَكَمَ البخاريُّ بصحته في كتابه وذلك لان الأمة تلقت ذلك بالقبول.(مسلم بشرح النووي جـ1صـ38)
دقة الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه:
سلك مُسْلِمٌ بن الحجَّاج (رحمه الله) في صحيحه طرقاً بالغة في الاحتياط والإتقان والوَرَع والمعرفة وذلك مصرح بكمال ورعة وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه بحفظه ،وتمكنه من أنواع معارفه وتميزه في صناعته، وعُلو محله في التمييز بين دقائق علومه،التي لا يهتدي إليها إلا أفراد .ولا يعرف حقيقة حال مسلم إلا مَن أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كالفقه واللغة العربية وأسماء الرجال ودقائق علم الأسانيد والتاريخ ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم،ومع حُسْنِ الفِكْر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به وغير ذلك من الأدوات.
(1) من تحري مُسْلِم بن الحجَّاج اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه وفي روايته وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة ، وأخبرنا لما قُرِئ على الشيخ. وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق.
قال محمد بن الحسن الجوهري المصري وهو مذهب أكثر أصحاب الحديث، الذين لا يحصيهم أحدٌ. ورُوِى هذا المذهب أيضاً عن ابن جُريج والأوزاعي وابن وهب والنسائي، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ41)
(2) اعتنى الإمام مُسْلِمٌ بن الحجَّاج بضبط اختلاف لفظ الرواة كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان ،قال أو قالا حدثنا فلان، وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث أو صِفة الراوي أو نَسَبه أو نحو ذلك فإنه يبينه، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى ولكن كان خفياً لا يتفطن له إلا ماهرٌ في علوم الحديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ:42:41)
(3)يظهر تحري مسلم في صحيحه في مثل قوله: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان( يعنى بن بلال) عن يحيى وهو (ابن سعيد) فلم يستجز الإمام أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكون لم يقع في روايته منسوباً، فلو قاله منسوباً لكان مخبراً عن شيخه أنه أخبره بنَسَبه ولم يخبره.(مسلم بشرح النووي جـ1صـ:43:42)
(4) احتاط مسلمٌ في تلخيص الطرق وتحول الأسانيد مع إيجاز العبارة وكمال حُسنها.
(5) يمتاز مسلم بحُسْنِ ترتيبه للأحاديث على نسق يقتضيه تحقيقه وكمال معرفته بمواقع الخطاب ودقائق العِلم وأصول القواعد وخفيات عِلم الأسانيد ومراتب الرواة وغير ذلك. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ43)
شبة ورد عليها:
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى)
عَابَ عائبون مسلماً بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح ولا عيب عليه في ذلك بل جوابه من أوجه ذكرها الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله:
(1) أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يُقالُ الجرح مقدمٌ على التعديل، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسر السبب، وإلا فلا يُقبل الجرح إذا لم يكن كذا. وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي وغيره ما احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة عُلم الطعن فيهم من غيرهم محمولٌ على أنه لم يثبت الطَّعن المؤثر.
(2) أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسناد نظيف، رجاله ثقات ويجعله أصلاً ثم يتبعه بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدَّمه .
(3) أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخْذه عنه باختلاط حَدَثَ عليه ، فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب، فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي عَرُوبة وعبد الرازق وغيرهما ممن اختلط آخرا ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.
(4) أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك وهذا العذر قد رُويناه عنه تنصيصاً، وهو خِلاف حاله فيما رواه عن الثقات أولاً ثم أتبعه بمن دونهم متابعة وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ47:45)
الكتب المخَرَّجة على صحيح مسلم:
صنف جماعة من الحفَّاظ على صحيح مسلم كتباً، وكان هؤلاء تأخروا عن مسلم وأدركوا الأسانيد العالية وفيهم من أدرك بعض شيوخ مسلم فخرَّجوا أحاديث مسلم في مصنفاتهم المذكورة بأسانيدهم تلك. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله) :هذه الكتب المخرَّجة تلتحق بصحيح مسلم في أن لها سمة الصحيح وإن لم تلتحق به في خصائصه كلها، ويستفاد من مخرَّجاتهم ثلاث فوائد علو الإسناد وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة ثم أنهم لم يلتزموا موافقته فى اللفظ لكونهم يروونها بأسانيد أخر فيقع فى بعضها تفاوت فمن هذه الكتب المخرجة على صحيح مسلم كتاب أبى جعفر أحمد بن أحمد بن حمدان النيسابورى الزاهد العابد ، ومنها المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن محمد بن رجا النيسابورى الحافظ، وهو متقدم يشارك مسلماً في أكثر شيوخه ، ومنها مختصر المسند الصحيح المؤلف على كتاب مسلم للحافظ أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراينى، روى فيه عن يونس بن عبد الأعلى وغيره من شيوخ مسلم ومنها كتاب أبي حامد الشازكى الفقيه الشافعى الهروى ، يروى عن أبي يعلى الموصلي، ومنها المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي النيسابوري الشافعي، ومنها المسند المستخرج على كتاب مسلم للحافظ المصنف أبى نُعَيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ومنها المخرَّج على صحيح مسلم للإمام أبي الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه الشافعي وغير ذلك والله أعلم. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ48)
وفاة الإمام مسلم:
قال أحمد بن سلمة: عُقِدَ لمسلم بن الحجاج مجلسٌ للمذاكرة، فذُكِرَ له حديث لم يعرفه فانصرف إلى منزله وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخلن أحدٌ منكم هذه الغرفة، فقِيل له أُهديت لنا سَلة فيها تمر، فقال: قدموها إليَّ، فقدموها إليه، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة يمضغها فأصبح وقد فني التمر، ووجد الحديث. فقِيل أن الإمام مسلم مات بسبب ذلك.
تُوفي مُسلم بن الحجاج بنيسابور عشية يوم الأحد ودُفِنَ يوم الاثنين الخامس والعشرون من شهر رجب سنة إحدى وستين ومائتين من الهجرة.(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 103)
رحم اللهُ تعالى مُسلمَ بن الحجاج ،رحمة واسعة،وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة ،مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ,
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ، وصحبهِ، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .