حسن الظّنّ و سوء الظّنّ

2011-12-16

صلاح الدق

حسن الظّنّ و سوء الظّنّ

المقدمة

 الحمد لله الذي هدانا إليه صراطاً مستقيماً، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي بعثه ربه هادياً، ومبشراً، ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد: فإن سوء الظن قد انتشر بين كثير من المسلمين، وهو من أمراض القلوب، التي حذرنا منها الله تعالى في كتابه العزيز، وكذلك نبينا محمد في سُّنته المباركة.من أجل ذلك أحببت أذكر نفسي وإخواني الكرام بضرورة إحسان الظن بالمسلمين، واجتناب إساءة الظن بهم، لعل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا.

أسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

 صلاح نـجيب الدق

بلبيس – مسجد التوحيد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حُسْنُ الظن

معنى حسن الظّنّ:

 ترجيح جانب الخير على جانب الشّرّ.(موسوعة نضرة النعيم جـ5صـ1597)

وجُوب حُسْن الظَّنِّ بِاللهِ وَخَاصَّةً عِنْدَ الْمُوت::

(1) روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً. "(حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 2805)

(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً "(البخاري حديث:7405 /مسلم حديث:2675)

قال الإمام الْقُرْطُبِيُّ(رحمهُ الله) قِيلَ مَعْنَى ظَنِّ عَبْدِي بِي ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ وَظَنُّ الْمُجَازَاةِ عِنْدَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ بِشُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بصادق وعده، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ فَهَذَا هُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ، وَأَمَّا ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةُ وَهُوَ يَجُرُّ إِلَى مَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ (الذين يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية) (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13صـ 397)

(2) روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ» (مسلم حديث:2877)

قال الإمام النووي(رحمه الله) : قال العلماء: هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة.(مسلم بشرح النووي جـ17صـ209)

(3) روى أحمدٌ عَنْ حَيَّانَ أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ: وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ، أَيْ حَسَنٌ قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ. " (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 25صـ398 حديث:16016)

روى ابنُ ماجه عَنْ أَنَسٍ بن مالكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ --صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -، دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» (حديث حسن) (صحيح سنن ابن ماجه للألباني حديث 3436)

حسن الظن بالله يكون مع حسن العمل:

قال الإمام ابن القيم (رحمه الله) :

لَا رَيْبَ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْمُحْسِنَ حَسَنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ وَلَا يُخْلِفَ وَعْدَهُ، وَيَقْبَلَ تَوْبَتَهُ.

وَأَمَّا الْمُسِيءُ الْمُصِرُّ عَلَى الْكَبَائِرِ وَالظُّلْمِ وَالْمُخَالَفَاتِ فَإِنَّ وَحْشَةَ الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ وَالْحَرَامِ تَمْنَعُهُ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّاهِدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ الْخَارِجَ عَنْ طَاعَةِ سَيِّدِهِ لَا يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، وَلَا يُجَامِعُ وَحْشَةَ الْإِسَاءَةِ إِحْسَانُ الظَّنِّ أَبَدًا، فَإِنَّ الْمُسِيءَ مُسْتَوْحِشٌ بِقَدْرِ إِسَاءَتِهِ، وَأَحْسَنُ النَّاسِ ظَنًّا بِرَبِّهِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ.كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ وَإِنَّ الْفَاجِرَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَسَاءَ الْعَمَلَ.وَكَيْفَ يَكُونُ مُحْسِنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ مَنْ هُوَ شَارِدٌ عَنْهُ، حَالٌّ مُرْتَحِلٌ فِي مَسَاخِطِهِ وَمَا يُغْضِبُهُ، مُتَعَرِّضٌ لِلَعْنَتِهِ قَدْ هَانَ حَقُّهُ وَأَمْرُهُ عَلَيْهِ فَأَضَاعَهُ، وَهَانَ نَهْيُهُ عَلَيْهِ فَارْتَكَبَهُ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ؟ وَكَيْفَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ مَنْ بَارَزَهُ بِالْمُحَارَبَةِ، وَعَادَى أَوْلِيَاءَهُ، وَوَالَى أَعْدَاءَهُ، وَجَحَدَ صِفَاتَ كَمَالِهِ، وَأَسَاءَ الظَّنَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وَظَنَّ بِجَهْلِهِ أَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ ضَلَالٌ وَكُفْرٌ؟ وَكَيْفَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَأْمُرُ وَلَا يَنْهَى وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ؟ .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّ مَنْ شَكَّ فِي تَعَلُّقِ سَمْعِهِ بِبَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ السِّرُّ مِنَ الْقَوْلِ: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سُورَةُ فُصِّلَتْ: 23) .فَهَؤُلَاءِ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَعْمَلُونَ، كَانَ هَذَا إِسَاءَةً لِظَنِّهِمْ بِرَبِّهِمْ، فَأَرْدَاهُمْ ذَلِكَ الظَّنُّ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتَ جَلَالِهِ، وَوَصَفَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ، فَإِذَا ظَنَّ هَذَا أَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ كَانَ هَذَا غُرُورًا وَخِدَاعًا مِنْ نَفْسِهِ، وَتَسْوِيلًا مِنَ الشَّيْطَانِ، لَا إِحْسَانَ ظَنٍّ بِرَبِّهِ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ، وَتَأَمَّلْ شِدَّةَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَيَقُّنُهُ بِأَنَّهُ مُلَاقٍ اللَّهَ، وَأَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ وَيَرَى مَكَانَهُ، وَيَعْلَمُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَمْرِهِ، وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَسْئُولٌ عَنْ كُلِّ مَا عَمِلَ، وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَسَاخِطِهِ مُضَيِّعٌ لِأَوَامِرِهِ، مُعَطِّلٌ لِحُقُوقِهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ خِدَعِ النُّفُوسِ، وَغُرُورِ الْأَمَانِيِّ؟ (الجواب الكافي لابن القيم صـ26:25)

أقوال سلفنا الصالح في حسن الظن:

(1) قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ سِمَعَ مِنْ أَخِيهِ كَلِمَةً أَنْ يَظُنَّ بِهَا سُوءًا، وَهُوَ يَجِدُ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مَخْرَجًا.(بهجة المجالس لابن عبد البر جـ1صـ93)

(2) قال عليّ بن أبي طالب(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) : خذوا عني هذه الكلمات، فلو رحَّلتم فيها المطيَّ حتى أنضيتموها لم تبلغوها: لا يرجو عبد إلاّ ربّه، ولا يخاف إلاّ ذنبه.(بهجة المجالس لابن عبد البر جـ1صـ82)

(3) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) : «وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الظَّنَّ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ظَنُّهُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِهِ» (حسن الظن لابن أبي الدنيا صـ59)

(4) قَالَ عبد الله بن عَبَّاس(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ) إِذا رَأَيْتُمْ الرجل قد نزل بِهِ الْمَوْت فبشروه حَتَّى يلقى ربه وَهُوَ حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى وَإِذا كَانَ حَيا فخوفوه بربه واذْكُرُوا لَهُ شدَّة عِقَابه. (العاقبة في ذكر الموت لابن الخراط صـ145)

(5) حسن ظن الزبير بن العوام:

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: " يَا بُنَيِّ، إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ اليَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ اليَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ - يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ "، وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ، قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ، خُبَيْبٌ، وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ، وَتِسْعُ بَنَاتٍ -، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ: «يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ، فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ، إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ. (البخاري حديث:3129)

(6) قَالَ الشَّعْبِيُّ: " لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كَلَامًا عَلَى أَعْوَادِهِ هَذِهِ حَسَدْتُهُ عَلَيْهِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِي عَظُمَتْ فَجَلَّتْ عَنِ الصِّفَّةِ، وَإِنَّهَا صَغِيرَةٌ فِي جَنْبِ عَفْوِكَ فَاعْفُ عَنِّي. "(حسن الظن لابن أبي الدنيا صـ73)

(7) قَالَ الفضيل بن عِيَاض مَا دمت حَيا فَلَا يكن شَيْء عنْدك أخوف من الله عز وَجل وَإِذا نزل بك الْمَوْت فَلَا يكن عنْدك شَيْء أَرْجَى من الله عز وَجل. (العاقبة في ذكر الموت لابن الخراط صـ146)

(8) قال خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ بَكَّارٍ: " مَا حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ؟ قَالَ: لَا يَجْمَعُكَ وَالْفُجَّارَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ " (حسن الظن لابن أبي الدنيا صـ19)

(9) قال لقمان لابنه: يا بنيّ ارج الله رجاءٍ لا تأمن فيه مكره، وخف الله مخافة لا تأيسنّ فيها من رحمته، فقال: كيف أستطيع ذلك، وإنما لي قلب؟ فقال يا بني! إن المؤمن كذي قلبين قلب يخاف به، وقلب يرجو به. (بهجة المجالس لابن عبد البر جـ1صـ82)

(10) قال سفيان الثّوريّ في قوله تعالى:( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة: 195) : «أحسنوا الظّنّ بالله».(حسن الظن لابن أبي الدنيا صـ85)

(11) قال أحمد بن حنبل لابنه عند الموت اذكر لي الأخبار التي فيها الرجاء وحسن الظن.(إحياء علوم الدين للغزالي جـ4ص:167)

(12) لما حضرت سليمان التيمي الوفاة قال لابنه يا بني حدثني بالرخص واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله على حسن الظن به.

(13) قال أَبُو حاتم البستي : التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان والعاقل يحسن الظن بإخوانه وينفرد بغمومه وأحزانه كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه ولا يفكر في جناياته وأشجانه. (روضة العقلاء لمحمد بن حبان البُستي صـ126) (إحياء علوم الدين للغزالي جـ4ص:167)

شبهة والرد عليها:

ظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى سَعَةِ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ مَعَ تَعْطِيلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي كَافٍ، وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ وَجَهْلٌ فَضِيحٌ، فَإِنَّ رَجَاءَك لِمَرْحَمَةِ مَنْ لَا تُطِيعُهُ مِنْ الْخِذْلَانِ وَالْحُمْقِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْك فِي الدُّنْيَا بِسَرِقَةِ رُبْعِ دِينَارٍ لَا تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ هَذَا. وَلَمْ يُفَرِّقْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالتَّمَنِّي. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجَاءَ يَكُونُ مَعَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ فِي الْإِتْيَانِ بِأَسْبَابِ الظَّفَرِ وَالْفَوْزِ. وَالتَّمَنِّي حَدِيثُ النَّفْسِ بِحُصُولِ ذَلِكَ مَعَ تَعْطِيلِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ) (البقرة: 218) فَطَوَى سُبْحَانَهُ بِسَاطَ الرَّجَاءِ إلَّا عَنْ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ.(غذاء الألباب لمحمد بن أحمد السفاريني جـ1صـ468)

حسن الظن بالله في واحة الشعراء :

(1) قال أبو نواس:

يَا رَبِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً * فَلَقَدْ عَلِمْت بِأَنَّ عَفْوَك أَعْظَمُ.

إنْ كَانَ لَا يَرْجُوك إلَّا مُحْسِنٌ * فَمَنْ الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ الْمُجْرِمُ.

أَدْعُوك رَبِّ كَمَا أَمَرْت تَضَرُّعًا * فَإِذَا رَدَدْت يَدِي فَمَنْ ذَا يَرْحَمُ

مَا لِي إلَيْك وَسِيلَةٌ إلَّا الرَّجَا *وَجَمِيلُ ظَنِّي ثُمَّ أَنِّي مُسْلِمُ. (الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ2ص:243)

(2) قَالَ عبد الله بن محمد بن يوسف:

أَسِيرُ الْخَطَايَا عِنْدَ بَابِك وَاقِفُ * عَلَى وَجَلٍ مِمَّا بِهِ أَنْتَ عَارِفُ

يَخَافُ ذُنُوبًا لَمْ يَغِبْ عَنْك غَيْبُهَا * وَيَرْجُوكَ فِيهَا فَهْوَ رَاجٍ وَخَائِفُ

فَمَنْ ذَا الَّذِي يُرْجَى سِوَاكَ وَيُتَّقَى * وَمَا لَكَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ مُخَالِفُ

فَيَا سَيِّدِي لَا تُخْزِنِي فِي صَحِيفَتِي * إذَا نُشِرَتْ يَوْمَ الْحِسَابِ الصَّحَائِفُ

 (بهجة المجالس لابن عبد البر جـ1صـ82)

(3) قال محمود الورّاق:

حُسنُ ظنّي بحسن عفوك يا * ربّ جميل وأنت مالك أمري

صنت سرّي عن القرابة والأهل * جميعاً وكنت موضع سرّي

ثقة بالّذي لديك من السّتر * فلا تخزني يوم نشري

يوم هتك السّتور عن حجب الغيب * فلا تهتكنّ للنّاس ستري (حسن الظن لابن أبي الدنيا صـ84)

(4) قال أحمد بن العبّاس النّمريّ:

وإنّي لأرجو الله حتّى كأنّني * أرى بجميل الظّنّ ما الله صانع. (حسن الظن لابن أبي الدنيا صـ66)

(5) قال عبد العزيز السلمان:

بِذِكْرِِكَ يَا مَوْلى الوَرَى نَتَنَعَّمُ * وَقَدْ خَابَ قَوْمٌ عن سَبِيْلِكَ قَدْْ عَمُوا

شَهِدْنَا يَقِيْنًا أَنَّ عِلْمَكُ واسِعٌ * فَأَنْتَ تَرَى ما في القُلُوبِ وَتَعْلَمُ

إِلَهي تَحَمَّلْنَا ذُنُوبًا عَظِيْمَةً * أَسَأْنَا وَقَصَّرْنَا وُجُودُكَ أَعْظَمُ

سَتَرْنَا مَعَاصِيْنَا عَن الخلقِ غَفْلَةٌ * وَأَنْتَ تَرَانَا ثُمَّ تَعْفُو وَتَرْحَمُ (مفتاح الأفكار لعبد العزيز السلمان جـ3صـ69)

فوائد حُسْن الظن

(1) طريق موصل إلى الجنّة.

(2) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.

(3) يولّد الألفة والمحبّة بين المسلمين.

(4) يهييء المجتمع الصّالح المتماسك ويحقّق التّعاون بين أفراده.

(5) برهان على سلامة القلب وطهارة النّفس.

(6) علامة على حسن الخاتمة.

(7) لا يأتي إلّا عن معرفة قدر الله ومدى مغفرته ورحمته.

(8) يحافظ على أعراض المسلمين. (موسوعة نضرة النعيم جـ5صـ1608)

سوء الظّنّ

معنى سوء الظن:

اعتقاد جانب الشَّر وترجيحه على جانب الخير، فيما يحتمل الأمرين معاً. (موسوعة نضرة النعيم جـ10صـ2652)

الله تعالى يحذرنا من سوء الظن:

قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12)

قال عبد الرحمن السعدي(رحمه الله) : نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فـي قوله تعالى (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه.(تفسير السعدي صـ:1130)

نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحذرنا من سوء الظن:

إنَّ من أكذب الكذب سوء الظن بأخيك المسلم؛ فسوء الظن ينافي حسن الظن، وحسن الظن من الإيمان..ولذا حذرنا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إساءة الظن بالمسلمين.

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» (البخاري حديث:6066/مسلم حديث:2563)

قال الإمام النووي(رحمه الله) : قوله صلى الله عيه وَسَلَّمَ(إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ ظَنِّ السُّوءِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ(رحمه الله) : هُوَ تَحْقِيقُ الظَّنِّ وَتَصْدِيقُهُ دُونَ مَا يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ. وَمُرَادُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنَ الظَّنِّ مَا يَسْتَمِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقِرُّ فِي قَلْبِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا تَحَدَّثَتْ به الأمة مالم تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمِدْ وَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ عَلَى الْخَوَاطِرِ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ .وَنَقَلَ الْقَاضِي عياض عَنْ سُفْيَانَ الثوري أَنَّهُ قَالَ: الظَّنُّ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ هُوَ مَا ظَنَّهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَأْثَمْ. (مسلم بشرح النووي جـ16صـ119:118)

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ(رحمهُ الله) :الْمُرَادُ بِالظَّنِّ هُنَا التُّهْمَةُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا كَمَنْ يَتَّهِمُ رَجُلًا بِالْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهَا وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَا تَجَسَّسُوا وَذَلِكَ أَنَّ الشَّخْصَ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فَيَتَجَسَّسُ وَيَبْحَثُ وَيَسْتَمِعُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى اجْتَنِبُوا كَثِيرًا من الظَّن إِن بعض الظَّن إِثْم وَلَا تجسسوا وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا فَدَلَّ سِيَاقُ الْآيَةِ عَلَى الْأَمْرِ بِصَوْنِ عِرْضِ الْمُسْلِمِ غَايَةَ الصِّيَانَةِ لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ بِالظَّنِّ فَإِنْ قَالَ الظَّانُّ أَبْحَثُ لِأَتَحَقَّقَ قيل لَهُ وَلَا تجسسوا فَإِنْ قَالَ تَحَقَّقْتُ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ قِيلَ لَهُ وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10صـ 496)

أقسام سوء الظن:

 ينقسم سوء الظّنّ إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما:

(1) سوء الظّنّ بالله: وهو أبلغ في الذّنب من اليأس والقنوط (وكلاهما كبيرة) وذلك لأنّه يأس وقنوط وزيادة، لتجويزه على الله تعالى أشياء لاتليق بكرمه وجوده .

(2) سوء الظن بالمسلمين: هو أيضاً من الكبائر وذلك أن من حَكَمَ بشرٍّ على غيره بمجرَّد الظَّن حمله الشّيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه والتّواني في إكرامه وإطالة اللّسان في عرضه، وكلّ هذه مهلكات.. وكلّ من رأيته سيّىء الظن بالنّاس طالبا لإظهار معايبهم فاعلم أنّ ذلك لخبث باطنه وسوء طويّته؛ فإنّ المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه.(الزواجر لابن حجر الهيتمي جـ1صـ 169:168)

أنواع الظن:

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الظَّنُّ ظَنَّانُ: ظَنٌّ فِيهِ إِثْمٌ وَظَنٌّ لَيْسَ فِيهِ إِثٌّم.فَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي فِيهِ إِثْمٌ فَالَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ.

وَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِثْمٌ، فَمَا يُضْمِرُهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِهِ. (موسوعة نضرة النعيم جـ10صـ4653)

أَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ:

قال الإمام ابنُ القيم(رحمه الله) :أَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ السَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ، وَلَا يَسْلَمُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَرَفَ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَعَرَفَ مُوجِبَ حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَمَنْ قَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَأَيِسَ مِنْ رَوْحِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.وَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَ أَوْلِيَاءَهُ مَعَ إحْسَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ وَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ خَلْقَهُ سُدًى مُعَطَّلِينَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَلَا يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَلَا يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ، بَلْ يَتْرُكُهُمْ هَمَلًا كَالْأَنْعَامِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَجْمَعَ عَبِيدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي دَارٍ يُجَازِي الْمُحْسِنَ فِيهَا بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، وَيُبَيِّنَ لِخَلْقِهِ حَقِيقَةَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَيُظْهِرَ لِلْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ صِدْقَهُ وَصِدْقَ رُسُلِهِ، وَأَنَّ أَعْدَاءَهُ كَانُوا هُمُ الْكَاذِبِينَ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُضَيِّعُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ الصَّالِحَ الَّذِي عَمِلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَيُبْطِلُهُ عَلَيْهِ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ، أَوْ أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ بِمَا لَا صُنْعَ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا إرَادَةَ فِي حُصُولِهِ، بَلْ يُعَاقِبُهُ عَلَى فِعْلِهِ هُوَ سُبْحَانَهُ بِهِ، أَوْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَيِّدَ أَعْدَاءَهُ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَيُجْرِيَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ يُضِلُّونَ بِهَا عِبَادَهُ، وَأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى تَعْذِيبُ مَنْ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي طَاعَتِهِ فَيُخَلِّدُهُ فِي الْجَحِيمِ أَسْفَلَ السَّافِلِينَ، وَيُنَعِّمُ مَنِ اسْتَنْفَدَ عُمُرَهُ فِي عَدَاوَتِهِ وَعَدَاوَةِ رُسُلِهِ وَدِينِهِ، فَيَرْفَعُهُ إِلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ فِي الْحُسْنِ سَوَاءٌ، وَلَا يُعْرَفُ امْتِنَاعُ أَحَدِهِمَا وَوُقُوعُ الْآخَرِ إلَّا بِخَبَرٍ صَادِقٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ لَا يَقْضِي بِقُبْحِ أَحَدِهِمَا وَحُسْنِ الْآخَرِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ. (زاد المعاد لابن القيم جـ3صـ230:229)

سوء الظن من الكبائر الباطنة:

عَدّ الإمامُ ابن حجر سوء الظّنّ بالمسلم من الكبائر الباطنة. فقال بعد أن ذكر عدة كبائر: هذه الكبائر ممّا يجب على المكلّف معرفتها ليعالج زوالها لأنّ من كان في قلبه مرض منها لم يلْق الله- والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه الكبائر يذمّ العبد عليها أعظم ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه إذ إنّ آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالاً وهيئة راسخة في القلب، بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنّها سريعة الزّوال، تزول بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية. قال ابن النّجّار: «من أساء بأخيه الظّنّ فقد أساء بربّه»، إنّ الله تعالى يقول:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) (الحجرات/ 12) (الزواجر لابن حجر الهيتمي جـ1صـ 153)

سوء الظن من مداخل الشيطان:

قال ابنُ قدامة(رحمه الله) من أبواب الشيطان :سوء الظن بالمسلمين، فإن مَن حَكَمَ على مسلمٍ بسوء ظنه، احتقره وأطلق فيه لسانه، ورأى نفسه خيراً منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان، لأن المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن، والمنافق يبحث عن عيوبه . وينبغي للإنسان أن يحترز عن مواقف التهم، لئلا يُساء به الظن.(مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي صـ195)

الغبية من ثـمرات سوء الظن :

قد تحصل الغيبة بالقلب، وذلك سوء الظن بالمسلمين . والظن ما تركن إليه النفس ويميل القلب، فليس لك أن تظن بالمسلم شراً، إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل فإن أخبرك بذلك عدل، فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذوراً، لأنك لو كذبته كنت قد أسأت الظن بالمخبر، فلا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيئه بآخر، بل ينبغي أن تبحث، هل بينهما عداوة وحسد ؟ فتتطرق التهمة حينئذ بسبب ذلك، ومتى خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك، فلا يلقى إليك خاطر السوء خيفة من اشتغالك بالدعاء والمراعاة . وإذا تحققت هفوة مسلم، فانصحه في السر . (مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي صـ224:223)

 التجسس من ثمرات سوء الظن:

من ثمرات سوء الظن التجسس، فإن القلب لا يقنع بالظن، بل يطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس، وذلك منهي عنه، لأنه يوصل إلى هتك ستر المسلم، ولو لم ينكشف لك، كان قلبك أسلم للمسلم .(مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي صـ224)

مجمل أضرار سوء الظن:

(1) يؤدّي إلى غضب الله وسخطه.

(2) دليل على فساد النّيّة، وسوء الطّويّة.

(3) خلق من أخلاق المنافقين.

(4) يولّد الشّحناء والبغضاء بين النّاس.

(5) مفتاح للعواقب الوخيمة، والأعمال السّيّئة.

(6) يورث الذّلّ والهوان على الله ثمّ على النّاس.

(7) دليل ضعف الإيمان.

(8) دليل على عدم الثّقة بالنّفس.

(موسوعة نضرة النعيم جـ10صـ4672)

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم في كل مكان .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

عدد المشاهدات 14037