حكم النقاب

2011-12-16

صلاح الدق

حكْم النقابِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.أما بعد:

فإن الشريعة الإسلامية حريصة على تكريم المرأة، وصيانتها، والمحافظة عليها، ومن وسائل تكريم المرأة النقاب، فهو من محاسن الشريعة الإسلامية.وقد تناولت الحديث في هذه الرسالة عن وجوب ارتداء النساء للنقاب، وذكرت الأدلة على ذلك من القرآن الكريم، وسُّنةِ نبينا محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأقوال سلفنا الصالح، ثم ختمت الرسالة بالرد على بعض شبهات الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة.

أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفع به المسلمين.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين .

وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

صلاح نـجيب الدق

بلبيس – مسجد التوحيد

 

لقد اتفق العلماء علي أنه يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها، وإنما حصل الاختلاف بينهم في جواز كشف الوجه والكفين، والذين يقولون بجواز كشف الوجه والكفين يَرَونَ أن الأفضل للمرأة أن تستر وجهها، ويرون أيضاً أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عند الفتنة . فتوى مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1407هجرية

ونرى أن الرأي الراجح هو وجوب ستر وجه المرأة.

 وسوف نذكر أدلة وجوب النقاب من القرآن الكريم، وسُّنة نبينا محمدٍ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأقوال سلفنا الصالح، فنقول بالله تعالى التوفيق:

 أدلة وجوب النقاب من القرآن

(1)               قال الله تعالى( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب :53)

قال ابنُ جرير الطبري (عند تفسيره لهذه الآية) : وإذا سألتم أزواج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا(فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن(ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) يقول تعالى ذكره: سؤالكم إياهن المتاع إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين فيها التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء، وفي صدور النساء من أمر الرجال، وأحرى من أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيلٌ. (تفسير الطبري جـ 22صـ 190)

وقال القرطبي :(عند تفسيره لهذه الآية) المرأة كلها عورةٌ، بدنها وصوتها (الذي يؤدي إلى فتنة) فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة، كالشهادة عليها، أو داءٌ يكون ببدنها، أو سؤالٌ عما يُعرضُ، وتَعَيَّـنَ عندها .(تفسير القرطبي جـ 14صـ 218)

(2) قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 59)

قال عبدُ الله بن عباس: أمر اللهُ نساءَ المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطينَ وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. (تفسير الطبري جـ 22صـ 207)

روى ابنُ جرير الطبري عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة السليماني عن قوله( قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه.(إسناده صحيح) (تفسير الطبري جـ 22صـ 208)

روى ابن جرير الطبري عن قتادة قوله( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب(ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَينَ) وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.(إسناده حسن) (تفسير الطبري جـ 22صـ 209)

قال السيوطي: هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن.(عون المعبود جـ 4صـ 106)

قال أبو بكر الجصاص: في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن. (أحكام القرآن للجصاص جـ 3صـ 371)

قال ابنُ تيمية : ضُرِبَ الْحِجَابُ عَلَى النِّسَاءِ لِئَلَّا تُرَى وُجُوهُهُنَّ وَأَيْدِيهِنَّ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 15صـ 372)

(2) قال الله تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ.) (النور :31)

روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال: الثياب.(إسناده صحيح) (تفسير الطبري جـ 20صـ 284)

روى ابنُ جرير عن إبراهيم النخعي، في قوله تعالى:( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ): قال: الثياب. (إسناده صحيح) (تفسير الطبري جـ 20صـ 285)

قال ابنُ عثيمين: قــوله سبحانه: ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) (النور :31)

 يعني لا تضرب المرأة برجلها فيُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرجل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه، فكيف بكشف الوجه ؟!

 فأيهما أعظم فتنة: أن يسمع الرجل خُلخَالاً بقدم امرأة لا يدري من هي وما جمالها، ولا يدري أشابة هي أم عجوز، ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء، أم أن ينظر إلى وجه سافر جميل، ممتلئ شباباً ونضارةً وحُسناً وجمالاً وتجميلاً مما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟!

إن كل إنسان له إربة في النساء لَيَعْلَم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء ؟! (الحجاب لابن عثيمين ص14 : 15 )

(4) قال سبحانه:( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (النور :60)

روى ابنُ جرير عن أبي وائل قال: سمعتُ عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية( فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ) قال: الجلباب. (إسناده صحيح) (تفسير الطبري جـ 20صـ 401)

روى البيهقي عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ : كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ وَقَدْ جَعَلَتِ الْجِلْبَابَ هَكَذَا وَتَنَقَّبَتْ بِهِ فَنَقُولُ لَهَا رَحِمَكِ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) هُوَ الْجِلْبَابُ قَالَ فَتَقُولُ لَنَا : أَيُّ شَيءٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَقُولُ ( وَأَنْ يَسْتَعْفِفنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) فَتَقُولُ هُوَ إِثْبَاتُ الْجِلْبَابِ. (سنن البيهقي جـ 7صـ 93)

وقوله تعالى(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ.) (النور :31)

صريحٌ في إدناء المرأة لخمارها، من رأسها إلى صدرها، ومن المعلوم لكل عاقل، أن الوجه من الرأس، فيدخل في التغطية .

أدلة وجوب النقاب مِن السُّنةِ

(1)روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :لَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ . ( البخاري حديث 1838 )

قال أبو بكر بن العربي :قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ) لأن ستر وجهها بالبرقع فرضٌ إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها، غير لاصق، وتُعرض عن الرجال، ويُعرضون عنها . (عارضة الأحوذي لابن العربي جـ 4صـ 56)

وقال ابنُ تيمية : هَذَا الحديثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّقَابَ وَالْقُفَّازَيْنِ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَمْ يُحْرِمْنَ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَتْرَ وُجُوهِهِنَّ وَأَيْدِيهِنَّ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 15صـ 372)

(2) روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ ـ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ ـ لِحَاجَتِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ قَالَتْ فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ. (البخاري حديث 4795)

هذا الحديثُ فيه دليلٌ على وجوب تغطية الوجه، وذلك لأن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لم يعرف سَوْدَةَ بنت زمعة، زوج نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا بطولها، فدل ذلك على أن وجهها كان مستوراً.

(3) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت(وهي تتحدث عن حادث الإفك)

كَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ(غطيت) وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَ وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ.(قَوْلُ: إنا لله، وإنا إليه راجعون) (البخاري حديث 4750/مسلم حديث 2770)

هذا الحديثُ دليلٌ على أن المقصود بحجاب النساء الذي ذكره الله تعالى في القرآن هو النقاب .

(4) روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. ( البخاري حديث 4758)

قال ابنُ حجر العسقلاني :فَاخْتَمَرْنَ: أي غطين وجوههن. وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع . ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ8 صـ 347 )

قال البدر العيني :قولها(فَاخْتَمَرْنَ بِهَا) أي غطين وجههن بالمروط التي شققنها . (عمدة القاري للبدر العيني جـ 19 صـ 92)

(5) روى الشيخانِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ . (البخاري حديث 5103/مسلم حديث 1445)

قال ابنُ حجر العسقلاني :هذا الحديث فيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ9 صـ 56 )

(6) روى الشيخانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا. (البخاري حديث2075 /مسلم حديث 2175)

هذا الحديث دليلٌ على أن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، رضي اللهُ عنها، كانت مستورة الوجه، لأن هذين الرجلين لم يعرفاها، ولذا حرص النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَرفها لهما، حتى لا يتسرب إلى قلبيهما شيئاً، وهو يمشي معها ليلاً ليوصلها إلى بيتها .

(7) روى الإمام مالك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا قَالَتْ :كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ . ( إسناده صحيح ) ( موطأ مالك – كتاب الحج ـ حديث 16 )

(8) روى سَعِيدُ بْن مَنْصُور عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : تُسْدِلُ الْمَرْأَة جِلْبَابهَا مِنْ فَوْق رَأْسهَا عَلَى وَجْههَا . ( إسناده صحيح ) ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ3 صـ474 )

(9) روى الحاكمُ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام. ( إسناده صحيح ) ( إرواء الغليل للألباني جـ4 حديث 1023 )

قال ابن حجر العسقلاني :إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات، لئلا يراهن الرجال .( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ9 صـ 248)

قال الغزالي : لم يزل الرجال على مر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات.

(إحياء علوم الدين جـ 2صـ 316)

(10) روى الترمذيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا .فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ .

قال الترمذي: في هذا الحديث رخصة للنساء في جر الإزار، لأنه يكون أستر لهن. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 1415)

قال ابن عثيمين :في هذا الحديث دليلٌ على وجوب ستر قدم المرأة، لأنه أمر معلوم عند نساء الصحابة، رضي الله عنهم، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين، بلا ريب، فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه، وما هو أَوْلى منه بالحكم، وحكمةُ الشرع تأبى أن يوجب ستر ما هو أقل فتنة، ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة، فأن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه. (الحجاب لابن عثيمين ص ـ 18)

 (11) روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ . ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 936 )

استشرفها الشيطان : جَمَّلَها وزَيَّنَها في نظرِ من يراها من الرجال من غير محارمها .

هذا الحديث دليلٌ على أن جميع بدن المرأة عورةٌ، من رأسها إلى أقدامها، وذلك لأن نبينا-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يستثن شيئاً، يجوز للمرأة إظهاره من بدنها.

(12) روى أحمدُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ الساعدي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ. (حديث صحيح ) ( صحيح الجامع للألباني جـ1 حديث 507 )

في هذا الحديث بَيَّنَ نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا إثم على الخاطب إذا نظر إلى المرأة التي يريد أن يخطبها، فدل ذلك على أن غير الخاطب يأثمُ إذا نظر إلى المرأة الأجنبية، وكلنا يعلم أن مقصود الخاطب الذي يريد الجمال، إنما هو جمال الوجه غالباً .

(13) روى ابنُ ماجه عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا . ( حديث صحيح ) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1512 )

هذا الحديث دليلٌ على وجوب ستر وجه المرأة عن الأجانب، وذلك لأن هذه المرأة التي ذكرها المغيرة بن شعبة كانت مستورة الوجه، فلو كان وجهها مكشوفاً، لما قال نبينا-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمغيرة :اذهب فانظر إليها .

شبهات والرد عليها

سوف نذكر الرد على بعض شبهات الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة، فنقول وبالله تعالى التوفيق:

(1) قال الله تعالى( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (النور: 30)

قال الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة :هذه الآية دليلٌ على أن في المرأة شيئاً، يجوز لها إظهاره، ألا وهو الوجه والكفين .

الرد على هذه الشبهة:

أولاً: كان في المدينة، وقت نزول القرآن، نساءٌ مِن غير المسلمين، يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ، وَرُءُوسَهُنَّ، و وجوههن، فأمر اللهُ تعالى المسلمين أن يغضوا أبصارهم عنهن .

قال البخاريُّ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ: إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ. قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ.

 يَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )قَالَ قَتَادَةُ: عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي النَّظَرِ إِلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنْ النِّسَاءِ: لَا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً.

 وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الْجَوَارِي اللاتي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ . (البخاري ـ الاستئذان ـ باب 2)

ثانياً: قد يظهر من المرأة شيئاً، بدون قصد، ولا تنتبه له، فأمر اللهُ الرجالَ أن يغضوا أبصارهم عنها .

ثالثاً: قد تضطر المرأة للكشف عن وجهها، للشهادة أمام القاضي، أو للتأكد من شخصيتها، فأمر الله تعالى الرجال الموجودين في المكان أن يغضوا أبصارهم عنها .

(2) روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ(وسط) النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ(سوادٌ وتغيرٌ في الخدين) فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ: لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ. قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ . (مسلم حديث :885)

قال الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة :هذا الحديث دليلٌ على جواز كشف المرأة لوجهها.

الرد على هذه الشبهة:

ليس في هذا الحديث ما يدلُ على أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآها كاشفة عن وجهها، وأقرّها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدًا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال.(أضواء البيان للشنقيطي جـ 6 صـ 252)

لم يثبت عن نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه رأى هذه المرأة كاشفة عن وجهها، وأقرها على هذا الأمر.

وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث ـ عند النسائي ـ (فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سَفِلَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ) (حديث صحيح)(صحيح النسائي للألباني جـ 1صـ 511) أي من الإماء اللاتي يجوز لهن كشف وجوههن .ويؤيد ذلك رواية ابن أبي شيبة(فقالت امرأة ليست من علية النساء) (مصنف ابن أبي شيبة جـ 1صـ 194)

قال ابنُ عثيمين :إما أن تكون هذه المرأة من القواعد(العجائز) اللاتي لا يرجون نكاحاً، فكشف وجهها مباحٌ، أو يكون ذلك قبل نزول آية الحجاب، فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمسٍ أو ستٍ من الهجرة، وصلاة العيد شُرِعَتْ في السنة الثانية من الهجرة . (الحجاب لابن عثيمين صـ 32)

(3) روى البخاريُّ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ وَكَانَ الْفَضْلُ رَجُلًا وَضِيئًا فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ. (البخاري حديث:6228)

قال الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة :هذا الحديث دليلٌ على جواز كشف المرأة لوجهها.

الرد على هذه الشبهة:

 ليس في شيء من روايات الحديث التصريح بأنها كانت كاشفة عن وجهها، وأن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآها كاشفة عنه، وأقرّها على ذلك بل غاية ما في الحديث أنها كانت وضيئة، وفي بعض روايات الحديث: أنها حسناء، ومعرفة كونها وضيئة أو حسناء لا يستلزم أنها كانت كاشفة عن وجهها، وأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرّها على ذلك، بل قد ينكشف عنها خمارها من غير قصد، فيراها بعض الرجال من غير قصد كشفها عن وجهها. (أضواء البيان للشنقيطي جـ 6 صـ 254)

(4) روى الشيخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي. فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا؟ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. (البخاري حديث 5126/مسلم حديث 1425)

قال الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة :هذا الحديث دليلٌ على جواز كشف المرأة لوجهها.

الرد على هذه الشبهة :

أولاً:هذه المرأة جاءت لتعرض نفسها على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليتزوجها، فكانت كاشفة عن وجهها ليراها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .

وهذا أمر ٌ مباحٌ لمن يريد الزواج .

ثانياً: قد تكون هذه الحادثة قبل فرض الحجاب.

(5) روى الشيخانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، قَالَتْ سُبَيْعَةُ:فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي. (البخاري حديث 3991/مسلم حديث 1484)

قال الذين يقولون بجواز كشف وجه المرأة :هذا الحديث دليلٌ على جواز كشف المرأة لوجهها.

الرد على هذه الشبهة :

أولاً: ليس في هذا الحديث دليلٌ على أن هذه المرأة كانت كاشفة عن وجهها، فكحل العينين قد يُرى من النقاب .

ثانياً:هذه المرأة إنما تجملت للخُطَّابِ، فلعل أبو السنابل قد رأى وجهها أثناء ذهابه لخطبتها، وهذا أمرٌ مشروع .

 أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

عدد المشاهدات 11229