صفات الحاكم المسلم

2012-05-01

أحمد عبد السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

صفات الحاكم المسلم

عناصر الخطبة

1-حاجة الناس إلى إمام حتى تستقيم معايشهم

2-أمانة الاختيار

3-صفات الحاكم المسلم

4-واجبنا نحو الحاكم

 

 

1-حاجة الناس إلى إمام

 لابد للناس من إمام حتى تستقيم معايشهم

إن وجود الحاكم الصالح ضرورة إسلامية لتدعيم الدولة الحاكمة بما أنزل الله، ولذلك نجد أن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تنصيبه، بحيث توافر الإجماع على ذلك منذ عهد الصحابة، بلا خلاف معتبر.وقد نقل الإجماع غير واحد من السلف.

قال ابن خلدون: ((إن نصب الإمام واجب، قد عُرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم يُترك الناس فوضى في عصر من الأعصار واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام))

وبقدر ما يأتي الخير ويكثر في وجود الإمام الصالح، بقدر ما يتفاعل الشر وتتفاقم الفتن في حالة خلو الزمان منه،فهناك صنف من الناس لا يكفيه توجيه رفيق ولا وعظ بليغ بل لا يردعه إلا عقوبة زاجرة وقوة صارمة لذا كان لابد من سياط السلطان مع زواجر القرآن

وها هو الإمام الجويني يبين لنا خطورة الأمر إذا ترك الناس فوضى بلا إمام

 قال الجويني: وَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ فَوْضَى لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْحَقِّ جَامِعٌ، وَلَا يَزْعُهُمْ وَازِعٌ، وَلَا يَرْدَعُهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ رَادِعٌ، مَعَ تَفَنُّنِ الْآرَاءِ وَتُفَرِّقِ الْأَهْوَاءِ لَانْتَثَرَ النِّظَامُ، وَهَلَكَ الْعِظَامُ، وَتَوَثَّبَتِ الطَّغَامُ وَالْعَوَامُّ، وَتَحَزَّبَتِ الْآرَاءُ الْمُتَنَاقِضَةُ، وَتَفَرَّقَتِ الْإِرَادَاتُ الْمُتَعَارِضَةُ، وَمَلَكَ الْأَرْذَلُونَ سَرَاةَ النَّاسِ، وَفُضَّتِ الْمَجَامِعُ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ، وَفَشَتِ الْخُصُومَاتُ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى أَهْلِ الدِّينِ ذَوُو الْعَرَامَاتِ، وَتَبَدَّدَتِ الْجَمَاعَاتُ. غياث الأمم في التياث الظلم (ص: 23)

قال عثمان رضي الله عنه: " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن "

وقال علي رضي الله عنه : " لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة قيل له هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة قال يؤمن بها السبيل ويقام به الحدود ويجاهد به العدو ويقسم بها الفيء "

 يقول الإمام أحمد رحمه الله: «الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس» ويقول أيضا: «لابد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟»

وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: إِمَام عَادل خير من مطر وابل وَأسد حطوم خير من سُلْطَان غشوم وسلطان غشوم خير من فتْنَة تدوم

وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار: مثل الْإِسْلَام وَالسُّلْطَان مثل عَمُود وفسطاط فالفسطاط الْإِسْلَام والعمود السُّلْطَان والأوتاد النَّاس وَلَا يصلح بَعضهم إِلَّا بِبَعْض

وَقَالَ ابْن المعتز: فَسَاد الرّعية بِلَا ملك كفساد الْجِسْم بِلَا روح وَقَالَ بعض البلغاء السُّلْطَان زِمَام الْملَّة ونظام الْجُمْلَة وجلاء الْغُمَّة ورباط الْبَيْضَة وعماد الْحَوْزَة وَقَالَ آخر السُّلْطَان يدافع عَن سَواد الْأمة ببياض الدعْوَة. تهذيب الرياسة وترتيب السياسة (ص: 96)

وكما قال الشاعر: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا.

2-أمانة الاختيار

إن الحاكم إذا كان صالحا، مستوفيا للصفات الشرعية، فإنه يكون إحدى الدعائم القوية التي تشد من أزر دولة الإسلام وتعينها على القيام بوظائفها السامية خير قيام، استجلابا للخير ودفعا للشر،لذلك ينبغي للمسلمين أن يقدروا خطورة الأمر وأن يتقوا الله في اختيارهم لمن يتولى أمرهم وأن يعلموا أنهم سيسألون أمام الله عز وجل لماذا اخترتم فلانا؟ألأجل دينه وتقواه أم لأجل مصلحة دنيوية؟

وانظر إلى هذا العيد الشديد لمن بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-: " ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ..وذكر منهم : وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ.."خ(2358)م(173)

وقال الله تعالى "وإذا قلتم فاعدلوا " وقال تعالى "والذين لا يشهدون الزور " إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين

وها هم سلفنا يعلموننا كيف تكون البيعة وكيف تكون النية في الاختيار

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، " كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ: وَأُقِرُّ لَكَ بِذَلِكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ "خ(7272)

وقال عبدالرحمن بن عوف عندما بايع عثمان : أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ،خ(7207)

3-صفات الحاكم المسلم

لقد شهدت الحضارة الإسلامية حكامًا عظامًا، أعظمهم رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- : وهو القدوة في كل شيء، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} [الأحزاب: 21].

وقد رأت الدنيا أجيالاً متتالية من الحكام المسلمين ممن اتبعوا آثار رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ، وتربوا على سنته وما كان لهم في الأرض نظير، ولِمَ لا، وقد تعلموا ما قال الرسول -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته) [متفق عليه]. وقد اتضح لهم أن مسئولية الحاكم عظيمة القدر؛ لأنها تتعلق بشئون الدين والدنيا، فلابد أن يكون أهلا لها بما يتوفر فيه من صفات تجعله ينهض بأعباء المسئولية على خير وجه،فإن قيادة الأمة شأنها خطير فقيادة الأمة شطر القضية وشطرها الآخر الأمة بمجموع أفرادها، فالمسلمون على خير وإلى خير ولكن الضعف في القيادة لذلك نعرض بعض صفات الحاكم المسلم الذي ينفع الله به البلاد والعباد 

ومن أهم هذه الصفات:

1-اعتقاده أن السلطة تكليف وليست تشريفًا، فقد اختاره الشعب وبايعه بالرئاسة لكفاءته، وبايعه على السمع والطاعة، وجعلوه وكيلاً عنهم في حماية أمور الدين وتدبير شئون الحياة، ومن حق الشعب أن يراقبه ويحاسبه، أو يعزله إذا انحرف من خلال أهل العقد والحل.

فهذا أبو بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- يأمر بالعدل يقول عندما استلم الحكم: فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم.

 ويقول أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه: من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه.

وقام مرة خطيبا فقال: إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني. فقام رجل من الحاضرين وقال: والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في الرعية من يقوم اعوجاج عمر.

وقال رجل لعمر: اتق الله يا عمر فأجابه أحد الحاضرين بقوله: أتقولون هذا لأمير المؤمنين ولكن عمر نهره بتلك الكلمة وقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها.

وفي مرة كانت جملة من غنائم المسلمين أبراد يمانية فقام عمر رضي الله عنه يقسم هذه الغنائم بالعدل وقد أصابه منها برد كما أصاب ابنه عبد الله مثل ذلك كأي رجل من المسلمين ولما كان عمر بحاجة إلى ثوب طويل لأنه طويل الجسم تبرع له ابنه عبد الله ببرده ليصنع منهما ثوبا يكفيه ثم وقف وعليه هذا الثوب الطويل يخطب في الناس فقال بعد أن حمد الله وأثنى على رسوله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا.

 فوقف له سلمان الفارسي الصحابي المشهور الجليل فقال لعمر: لا سمع لك علينا ولا طاعة.

فقال عمر رضي الله عنه: ولم؟ قال سلمان: من أين لك هذا الثوب، وقد نالك برد واحد وأنت رجل طويل فقال: لا تعجل ونادى ابنه عبد الله فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: ناشدتك الله البرد الذي اتزرت له أهو رداؤك؟ فقال: اللهم نعم. قال سلمان: الآن مر نسمع ونطيع.

 ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان وقال: السلام عليكم أيها الأجير، فقال الناس الأمير يا أبا مسلم، ثم قال: السلام عليك أيها الأجير، فقال الناس: الأمير؟ فقال: معاوية دعوا أبا مسلم هو أعلم بما يقول، قال أبو مسلم: إنما مثلك مثل رجل استأجر أجيراً فولاه ماشيته وجعل له الأجر على أن يحسن الرعية ويوفر جزازها وألبانها، فإن هو أحسن رعيتها ووفر جزازها حتى تلحق الصغيرة وتسمن العجفاء أعطاه أجره وزاد من قبله زيادة، وإن هو لم يحسن رعيتها وأضاعها حتى تهلك العجفاء وتعجف السمينة ولم يوفر جزازها وألبانها غضب عليه صاحب الأجر فعاقبه ولم يعطه الأجر، فقال معاوية: ما شاء الله كان.

2- أن يعلم أنها أمانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة، إذا لم يؤدِّ حقها، فقد قال أبو ذر -رضي الله عنه-: يا رسول الله، ألا تستعملني (تولني إمارة)؟ فقال رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- : (يا أبا ذر، إنك ضعيف إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها) [مسلم].

وقال تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (58) النساء

قال أبو جعفر الطبري بعد أن عرض أقوال العلماء في تفسير الآية: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قولُ من قال: هو خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقَسْم بينهم بالسوية. تفسير الطبري (8/ 492)

وهذا عمر بن عبد العزيز بعد أن تولى الخلافة تقول زَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُ وَاضِعًا خَدَّهُ عَلَى يده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: مالك؟ فقال: ويحك يا فاطمة، قَدْ وُلِّيتُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا وُلِّيتُ، فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالْمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالْعَارِي الْمَجْهُودِ، وَالْيَتِيمِ الْمَكْسُورِ، وَالْأَرْمَلَةِ الْوَحِيدَةِ وَالْمَظْلُومِ الْمَقْهُورِ. وَالْغَرِيبِ وَالْأَسِيرِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَطْرَافِ الْبِلَادِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، فَخَشِيتُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ خُصُومَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيْتُ.البداية والنهاية(9/ 201)

3-أن يكون ناصحا لأمته

في صحيح البخاري من حديث معقل بن يسار أن النَّبِيَّ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ»(7150)

وفي لفظ" رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، فَقَالَ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ»(7151)

4-أن يلازم العدل في كل أحواله وأقواله

قال الله تعالى" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا"

وقال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"

وقال تعالى" وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا"

وقال تعلى لنبيه داود عليه السلام" يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"

وفي الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ..."

 وفي الحديث الضعيف" إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وادناهم منه مجلسا إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا إمام جائر ".

وقال -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-: " مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةٌ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَقُّ أَوْ يُوبِقَهُ الجور"وفي رواية "لايفكه إلا العدل.."وهذا حديث صحيح بطرقه من حديث أبي هريرة وعبادة بن الصامت عند أحمد وغيره

وجاء في رسالة الحسن البصري التي كتبها إلى عمر بن عبد العزيز: أعلم يا أمير المؤمنين: أن الله جعل الإمام العادل قوَّام كل مائل وقصد كل جائر، وصلاح كل مفسد، وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى ويزودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر

والإمام العدل، يا أمير المؤمنين، كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغيراً، ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العدل، يا أمير المؤمنين، كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها: حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وربته طفلاً تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته.

 والإمام العادل، يا أمير المؤمنين وصي اليتامة، وخازن المساكين: يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح: تصلح الجوانح بصلاحه وتفسد بفساده، والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين، فيما ملكك الله كعبد إئتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدل المال وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله. وأعلم يا أمير المؤمنين إن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟...ثم ذكره بالموت وما بعده. الحسن البصري لابن الجوزي صـ56

5-أن يلتزم مبدأ الشورى في تدبير أمور الأمة في الأشياء التي ليس فيها نص من القرآن أو السنة، فيستشير أهل الرأي والخبرة ليستفيد من عقولهم، وليستنير بحسن تدبيرهم.

فجاء القرآن ليجعل من صفات الحاكم المسلم عدم الاستبداد بالرأي واعتماد الشورى أساساً للحكم "وشاورهم في الأمر" (آل عمران:159)

ووصف لنا المؤمنين بقوله"وأمرهم شورى بينهم"

 بل حرم فرض الرأي على الآخرين، وإجبارهم عليه ولو كان في أمر الدين والهداية فكيف بغيرها، قال تعالى مخاطباً رسوله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-:" لست عليهم بمسيطر "" (الغاشية)

 "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس99 -).

وشاور النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- أصحابه في أغلب غزواته

قَالَ الْحسن: كَانَ وَالله غَنِيا عَن مشاورتهم،(أي النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-) وَلَكِن أَرَادَ أَن يسن للْأمة، وَعنهُ: مَا تشَاور قوم إِلَّا هُدُوا لأَرْشَد أُمُورهم. وَقيل: من كثرت مشاورته، حمدت إمارته.  

وَقَالَ الْحسن وَالله مَا تشَاور قوم قطّ إِلَّا هدَاهُم الله لأَفْضَل مَا يحضرهم

وَقَالَ مَالك بن أنس رَحمَه الله مَا تشَاور قوم إِلَّا هدَاهُم الله

وَقَالَ بعض الْعَرَب: الْعَاقِل من الرِّجَال لَا يَسْتَغْنِي عَن مشورة ذَوي الْأَلْبَاب وَلَا يستفزه الْغَضَب عِنْد الْأَصْحَاب وَقَالَ آخر: إِذا أنْكرت عقلك فامزجه بآخر لعاقل.  

وَقَالَ الْحسن: وَالله مَا تشَاور قوم قطّ إِلَّا هدَاهُم الله لأَفْضَل مَا يحضرهم

قال قتادة: ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلاهدوا لأرشد أمرهم.

قَالَ بعض البلغاء: من اسْتَشَارَ استبصر وَمن استخار استظهر وَقيل: من استبد بِرَأْيهِ خفت وطأته على أعدائه وَقَالَ بَعضهم: لَا يَسْتَغْنِي حَلِيم عَن مشورة وَلَا ذُو تجربة عَن تبصر.

وقال عمر رضي الله عنه: لا أمين إلا من يخشى الله فشاور في أمرك الذين يخشون الله.

وقال لقمان لابنه: يا بني شاور من جرب فإنه يعطيك من رأيه ما أقام عليه بالغلاء وأنت تأخذه بالمجان.

وقال الحسن: الناس ثلاثة فرجل ورجل نصف رجل ورجل لا رجل، فأما الرجل فذو الرأي والمشورة وأما نصف الرجل فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي لا رأي له ولا يشاور.

وقال لقمان لابنه يا بني إذا أردت أن تقطع أمرا فلا تقطعه حتى تستشير مرشدا.

6-أن يكون ذكيًّا فطنًا عالمًا بأحكام الدين وقواعده العامة

قال تعالى" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"

 وبذلك يستطيع تمييز الحلال من الحرام، فهو الأمين على مصالح الأمة والراعي لها، كما ينبغى له أن يكون على أعظم معرفة بأمور الدنيا، مثل الحرب والبيع والشراء، وعقد المعاهدات وغير ذلك.

7-أن يتصف بالصفات الحسنة، كالقوة والعفة والكرم، وأن يبتعد عن كبائر الذنوب وصغائرها.

قال تعالى " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"

8-أن يعيش هموم أمته ورعيته بقلبه وقالبه

ولنا في النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- أسوة حسنة...راجع حفر الخندق وغيره من المواقف

4-واجبنا نحو الحاكم

 إذا بايعت الأمة رجلا وتمت بيعته ترتب على ذلك عدة حقوق 

فَالْحق الأول: بذل الطَّاعَة لَهُ ظَاهرا وَبَاطنا، فِي كل مَا يَأْمر بِهِ أَو ينْهَى عَنهُ، إِلَّا أَن يكون مَعْصِيّة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم}

وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " السّمع وَالطَّاعَة على الْمُسلم فِيمَا أحب أَو كره مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة ". فقد أوجب الله تَعَالَى وَرَسُوله: طَاعَة ولي الْأَمر، وَلم يستثنِ مِنْهُ سوى الْمعْصِيَة، فَبَقيَ مَا عداهُ على الِامْتِثَال.

الْحق الثَّانِي: بذل النَّصِيحَة لَهُ سرا وَعَلَانِيَة بالضوابط الشرعية. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الدّين النَّصِيحَة " قَالُوا: لمن؟ " قَالَ لله، وَلِرَسُولِهِ، ولأئمة الْمُسلمين، وعامتهم "

الْحق الثَّالِث: الْقيام بنصرته بَاطِنا وظاهراً ببذل المجهود فِي ذَلِك لما فِيهِ نصر الْمُسلمين وَإِقَامَة حُرْمَة الدّين، وكف أَيدي الْمُعْتَدِينَ.

الْحق الرَّابِع: أَن يعرف لَهُ عَظِيم حَقه، وَمَا يجب من تَعْظِيم قدره، فيعامل بِمَا يجب لَهُ من الاحترام وَالْإِكْرَام، وَمَا جعل الله تَعَالَى لَهُ من الإعظام، وَلذَلِك كَانَ الْعلمَاء الْأَعْلَام من أَئِمَّة الْإِسْلَام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مَعَ زهدهم وورعهم وَعدم الطمع فِيمَا لديهم، وَمَا يَفْعَله بعض المنتسبين إِلَى الزّهْد من قلَّة الْأَدَب مَعَهم، فَلَيْسَ من السّنة.

الْحق الْخَامِس: إيقاظه عِنْد غفلته، وإرشاده عِنْد هفوته، شَفَقَة عَلَيْهِ، وحفظاً لدينِهِ وَعرضه، وصيانةً لما جعله الله إِلَيْهِ من الْخَطَأ فِيهِ.

الْحق السَّادِس: تحذيره من عَدو يَقْصِدهُ بِسوء، وحاسد يرومه بأذى، أَو خارجي يخَاف عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمن كل شَيْء يخَاف عَلَيْهِ مِنْهُ على اخْتِلَاف أَنْوَاع ذَلِك وأجناسه، فَإِن ذَلِك من آكِد حُقُوقه وأوجبها.

 الْحق السَّابِع: إعانته على مَا تحمله من أعباء الْأمة ومساعدته على ذَلِك بِقدر المكنة، قَالَ الله تَعَالَى {وتعانوا على الْبر وَالتَّقوى} وأحق من أعين على ذَلِك وُلَاة الْأُمُور.

الْحق الثَّامِن: رد الْقُلُوب النافرة عَنهُ إِلَيْهِ، وَجمع محبَّة النَّاس عَلَيْهِ؛ لما فِي ذَلِك من مصَالح الْأمة وانتظام أُمُور الْملَّة.

الْحق التَّاسِع: الذب عَنهُ بالْقَوْل وَالْفِعْل، وبالمال وَالنَّفس والأهل فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن، والسر وَالْعَلَانِيَة. تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام (ص: 61) بتصرف.

 

 

يسمح بنقل الموضوع بشرط ذكر المصدر

عدد المشاهدات 43258