الشائعات وأثرها السيئ على المجتمع

2012-05-20

عبد الله حسن الغندور

الشائعات وأثرها السيئ على المجتمع

عناصر الخطبة:

1- المعنى اللغوي للشائعات.

2- كيف تنشأ الشائعات.

3- الآيات الواردة حول هذا الموضوع.

4- ما جاء في السنة النبوية من التحذير من موضوع الشائعات.

5- أقوال السلف.

6-كيف نعالج الشائعات.

 

مقدمة: في هذه الأيام وخلال الظروف الراهنة التي تمر بها مصر وبعض الدول العربية تكثر الشائعات المدمرة والمحرضة للفتنة من أفراد وقنوات فضائية تثير الفتنة بين أفراد الشعب نفسه وبين بعض  الشعوب العربية الشقيقة وتحدث البلبلة مثل الأقوال الكاذبة والنكت السخيفة  كل هذا فالإسلام منه بريء.إن الشائعات من أخطر الأمراض المدمرة للمجتمع، فكم من شائعات جنت على أبرياء، وكم من شائعات أشعلت نار الفتنة بين الشعوب ؟ وكم من شائعات نالت من علماء وعظماء؟ وإن الإسلام اتخذ موقفا حاسما حازما قويا من الشائعات ومروجيها لما يترتب عنها من  آثار سلبية تزلزل كيان المجتمع وتؤثر على تماسكه وتلاحم أبنائه.

وبما أننا خطباء ومتصدرون للدعوة إلى الله فلا بد للخطيب أن يتثبت من المعلومات والأحكام التي يلقيها على الناس حتى لا يكون الداعية من حيث لا يدري مصدرا من مصادر الشائعات، وتعميمها على الناس لأن الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص.

● معنى الشائعات لغة :

 شائِعة [مفرد]: ج شائعات وشوائِعُ: 1 - صيغة المؤنَّث لفاعل شاعَ.

2 - إشاعة، خبر مكذوب غير موثوق فيه وغير مؤكَّد، ينتشر بين النَّاس "حرب الشائعات".[1]  و(الإشاعة) الْخَبَر ينتشر غير متثبت مِنْهُ. و (الشائعة) الْخَبَر ينتشر وَلَا تثبت فِيهِ.[2]

ولكن كيف تنشأ الشائعات؟ إن الشائعات تنشأ بأحد الأسباب الآتية :

1- إما خبر لا أساس له من الصحة ولكن تم نشره.  2- أو خبر صحيح تم إضافة معلومات غير صحيحة له.

3- أو خبر صحيح تم التهويل فيه.     4- أو خبر صحيح وتم التعليق عليه أو تفسيره بطريقة مغايرة لحقيقته.

● أولا: الآيات الواردة حول هذا الموضوع :

 أ- يمدح الله  عباده الصادقين في القول والعمل، وأمرنا بأن نكون معهم، فقال جل من قائل عليم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" [التوبة:119]  :

ب-  وصف الله عز وجل في القران الكريم مروجي الشائعات بالفسق ، وحث الناس على التثبت والتبيّن قبل قبول الخبر الكاذب فقال الله سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات: 6]

سبب نزول هذه الآية :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، وَأَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُمُ الْخَبَرُ فَرِحُوا وَخَرَجُوا لِيَتَلَقَّوْا رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ لَمَّا حُدِّثَ الْوَلِيدُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا الصَّدَقَةَ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ إِذْ أَتَاهُ الْوَفْدُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا

حُدِّثْنَا أَنَّ رَسُولَكَ رَجَعَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّا خَشِينَا أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَدَّهُ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْتَبَهُمْ وَهَمَّ بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عُذْرَهُمْ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ".[3]

قال ابن كثير : يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين.[4]

وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبيّن، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به.[5]

ب- قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"[النساء: 94]

ج- أمرنا الله أن نتجنب الظن في إخواننا والظن يأتي غالبا عن طريق الشائعات فيجب على الإنسان أن يحسن الظن، ولا يصدق بكل ما يسمع حتى يتثبت قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12]

قال ابن كثير : يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا.[6] فيا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين، إن بعض ذلك الظن إثم.[7]

د- أنكر الله سبحانه وتعالى على من نشر كل خبر جاءه دون التثبت ومراجعة أهل الاستنباط بذلك الخبر فقال جل ذكره: " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " [النساء: 83] فهذا إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.[8] ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله – كلام رائق حول تفسير هذه الآية :

 هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟.[9]

ر_ أخطر شائعة مرت بالأمة الإسلامية وكادت أن تفتك بها لولا فضل الله ورحمته وهي حادثة الإفك والسبب شائعة صدرت من منافق: قال تعالى :"إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [النور: 11]

فهذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله تعالى  لها ولنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، فأنزل الله عز وجل براءتها صيانة لعرض الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة} أي: جماعة منكم، يعني: ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين، فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريبا من شهر، حتى نزل القرآن، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة[10]. ثم قال الله تعالى في كل من خاض ولاك لسنه هذه الشائعة ووقع فيها {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} أي: لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بشيء من الفاحشة، نصيب عظيم من العذاب. ثم يبين الله رحمته فقال:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أيها الخائضون في شأن عائشة، بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا، وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} من قضية الإفك، {عذاب عظيم} . ثم يبيّن الله لنا كيف طارت هذه الشائعة في الناس وهذا هو أسلوب نشر أي شائعة فقال تعالى : {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } [النور: 15] أي: يرويه بعضكم عن بعض، يقول هذا: سمعته من فلان، وقال فلان كذا، وذكر بعضهم كذا. {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}أي: تقولون ما لا تعلمون. {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا، فكيف وهي زوجة النبي الأمي، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.[11]

وهذه بعض الأمثلة المشابهة التي كادت أن تفتك بالأمة ففي معركة أحد عندما أشاع الكفار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قتل، فتّ ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال؟ .وأدت الشائعات الكاذبة ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم وأصبحت لهم شوكة، وقتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته وقطع الماء عنه.

ز- وصف الله الذين يحبون و يسرهم إشاعة الفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، فقال الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } [النور: 19]

هذا تأديب لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه منه شيء، وتكلم به، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه، فقد قال تعالى : {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا} أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، {لهم عذاب أليم في الدنيا} أي: بالحد، وفي الآخرة بالعذاب.[12]

● ثانيا ما جاء في السنة النبوية من التحذير من موضوع الشائعات:

أ- ذم النبي صلى الله عليه وسلم من لم يتثبت في نقل الأخبار: فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قِيلَ لَهُ: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ فِي زَعَمُوا؟ قَالَ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ» .[13]

والأصل في زعم أنها تقال في الأمر الذي لا يوقف على حقيقته.[14] و يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه وإنما هو شيء يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ فذم صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك فلا يرويه حتى يكون معزياً إلى ثبت ومروياً عن ثقة.[15] و أسوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبا إلى مقاصده فيخبر عن أمر تقليدا من غير تثبت فيخطئ.[16]

وقال الألباني: وفي الحديث ذم استعمال هذه الكلمة " زعموا " وإن كانت في اللغة قد تأتي بمعنى قال كما هو معلوم ولذلك لم تأت في القرآن إلا في الإخبار عن المذمومين بأشياء مذمومة كانت منهم مثل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] ثم أتبع  ذلك بقوله {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ }.[17]

ب- نهانا النبي صلى عليه وسلم أن نتحدث بكل ما نسمع حتى لا نكون سببا في الشائعات ونشرها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [18]

وكذبا أي تكذيبا. وذلك لأن من حدث بكل ما سمع من غير أن يميز بين ما تقبله العقول مما لا تقبله، أو من يصلح أن يسمع ما يحدث به ممن لا، نسب إلى الكذب.[19]

ج- النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن الله  يكره لنا القيل والقال: فعن المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ".[20]

"قيل وقال" أي: حكاية أقاويل الناس وأحاديثهم، والبحث عنها، فيقول: قال فلان كذا، وقيل لفلان كذا.[21]وهو حكاية ما لا يعلم صحته؛ فإن الحاكي يقول: قيل وقال.[22] والمراد في الأحاديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام لأنها تئول إلى الخطأ قال وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه.[23]والحاصل أنه: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبيّن.[24]

 ثالثا : أقوال السلف:

أ- عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».[25] لأنه يجب على كل إنسان عاقل ألا يتحدث بكل ما يسمعه ولا ينشره حتى نستطيع نقضى على الشائعة ووأدها في مهدها.

ب- وعن مالك قال:"اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع".[26]

ج- و عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ».[27]

ولا بد أن نعلم أن من ضمن بروتوكولات حكماء صهيون أنهم  يقولون: إن الصحافة جميعها بأيدينا إلا صحفاً قليلة غير محتفل بها، وسنستعملها لبث الشائعات حتى تصبح حقائق وسنشغل بها الأميين  عما ينفعهم ونجعلهم يجرون وراء الشهوة والمتعة.[28]

رابعا : كيف نعالج الشائعات؟

1- يجب على الإنسان المسلم إذا سمع النقيصة في المؤمن ألاَّ يعجل في تصديقها، وقد قرر العلماء رحمهم الله أن الإنسان لو نقل المقالة التي تشتمل على الطعن في الإنسان؛ ولو كان على سبيل الحكاية، فإنه آثم والعياذ بالله. وكذلك لو سمع خبرا من الأخبار فلا ينقل حتى يتثبت أولا، عملا بقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]، ولنا في شائعة طلاق النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه عبرة ويذكر هاهنا حديث عمر بن الخطاب المتفق عليه، حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فجاءه من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك، فلم يصبر حتى استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمه: أطلقت نساءك؟ قال: "لا". فقلت الله أكبر. وذكر الحديث  بطوله.

وعند مسلم: فقلت: أطلقتهن؟ فقال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. ونزلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر.[29]

2- الكف عن نقل الشائعات وحسن الظن بالآخرين وخاصة إذا كانوا مؤمنين بقوله: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:12] ،يقول ابن كثير: هلا {إذ سمعتموه} أي: ذلك الكلام، أي: الذي رميت به أم المؤمنين {ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} أي: قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى.[30]فهذا يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يكف عن الشائعة وألاَّ يعتني بنقلها. وأن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم، وهو طلب الدليل الباطني الوجداني،وأن ينزل أخيه المسلم بمنزلته، وهذه هي وحدة الصف الداخلي.

3- أن يطلب الدليل الخارجي البرهاني الذي علمنا الله إياه وأمرنا به فقال :"لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ".

4- أن لا يتحدث المسلم بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحيها إلا من المنافقين: "ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا" .

5- أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي، كما قال تعالى: [وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً] [النساء: 83] .

6- عدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون،وأصحاب القلوب المريضة، وعدم الرضا بذلك، كما هو منهج السلف .

والخلاصة أن الإسلام عالج الشائعات في ثلاث نقاط مهمة وهي :

أ‌- النقطة الأولى: التثبت

ب‌- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.

ج‌- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة.



[1] معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1257)

[2] المعجم الوسيط (1/ 503)

[3] تفسير الطبري _ جامع البيان ط هجر (21/ 350)، والبيهقي في سننه (9/93) واللفظ له ، وحسنه الشيخ الألباني بشواهده في الصحيحة (3088)

[4] تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 370)

[5] تفسير السعدي_ تيسير الكريم الرحمن (ص: 800)

[6] تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 377)

[7] التفسير الميسر (1/ 517)

[8] تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 365)

[9] تفسير السعدي _ تيسير الكريم الرحمن (ص: 190)

[10] فضلا انظر إن شئت القصة بأكملها في الصحيحين وغيرهما.

[11] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/19-28)بتصرف يسير.

[12] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 29)

[13] أخرجه ابن المبارك في الزهد (377) و أحمد ط الرسالة (28/ 307) , والبخاري في الأدب المفرد (762) وغيرهم ، وصححه الألباني في الصحيحة (866)

[14] فتح الباري لابن حجر (10/ 551)

[15] معالم السنن (4/ 130)

[16] عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 214)

[17] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 523)

[18] صحيح مسلم (1/ 10).

[19] كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 550)

[20] البخاري (1477)ومسلم (593).

[21] شرح السنة للبغوي (1/ 203)

[22] كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 102)

[23] فتح الباري لابن حجر (10/ 407)

[24] تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 366)

[25] صحيح مسلم (1/ 11)

[26] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (8/ 66)

[27] صحيح مسلم (1/ 11)

[28] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/ 523)

[29] تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 366)

[30] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 27)

عدد المشاهدات 38653