حتى يغيروا ما بأنفسهم

2012-05-20

أحمد عبد السلام

حتى يغيروا ما بأنفسهم

عناصر الخطبة:

1-تحقيق مفهوم العبودية لله رب البرية.

2-الانقياد لأمر الله ورسوله.

3-إفشاء روح المحبة والرحمة وخفض الجناح بين أفراد المجتمع المسلم.

4-النظر في عاقبة التفرق والتشرذم الوخيمة في الدنيا والآخرة.

 

مقدمة: إن هذه الأمة التي تبث الخير، وتحمل الحق إلى العالم كله،ليرجع إلى دين الله الواحد، لم تكن عملية بنائها وتربيتها عملية سهلة، هينة لينة، ولم يكن الطريق إلى ذلك قفزات سريعة، يستعجل فيها الداعون الوصول إلى الهدف المنشود.ولكنها كانت عملية بناء متكامل، يبذل فيها المسلمون الجهد والعناء، ويصبرون على أشواك الطريق الذي يسيرون عليه بخطىً متئدة متدرجة، كل خطوة تسلمهم إلى التي تليها ليكونوا بذلك على الجادة المستقيمة من الطريق بعد تلك المجاهدة والمصابرة قال تعالى [والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ].

 ومن سنة الله تعالى في الحياة الاجتماعية أنه لا يتم تغيير ما بالمجتمع حتى يبذل المرء جهده في عملية التغيير النفسي أولاً:قال الله تعالى [إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ]  فسقوط الحضارات ونهوضها، والأمم في ارتفاعها وهبوطها، مرتبطة بهذا التغيير النفسي في مسارها عبر التاريخ والحاضر والمستقبل، وهي سنة ماضية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

 فهذا عمر - رضي الله عنه - يأتيه خبر فتح خراسان، فيقول للناس في المدينة: «لا تبدلوا، ولا تغيروا، فيستبدل الله بكم غيركم، فإني لا أخاف على هذه الأمة إلا أن تؤتى من قبلكم»

 وها هو يؤتى إليه بغنائم فيرى ياقوته وجوهره، فيبكي، فيقول له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا موطن شكر؟! فيقول عمر: «والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطى الله هذا أقواماً إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله بأسهم بينهم»! وقد كان ما خافه رحمه الله! قال الله تعالى"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ولعلك تتساءل -أيها المسلم الغيور- عن الطريق العملي لهذا الإصلاح الذي ينشده الإسلام للفرد، ليكون خطوة على طريق الإصلاح الشامل للمجتمع الإنساني كله؟ وقبل أن أبدأ في سرد العناصر لابد من تقرير مبدأ مهم ألا وهو:غير نفسك أولا...كن قدوة فعلية ليسترشد بك غيرك على الطريق،ففعل رجل يؤثر في ألف رجل.

1-تحقيق مفهوم العبودية لله رب البرية: كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفهمون العبودية بالمعنى العام الواسع الشامل،العبودية التي تستوعب كل حركة وسكنة في حياة الإنسان ولذلك لما حققوا هذه العبودية لله عز وجل بمفهومها الشامل  أخضع الله لهم العالمين، ولذلك جيء بملوك الروم وملوك الفرس مقيدين بالسلاسل إلى هذه البلاد الجرداء الصحراء، جاءوا عبيداً لمن عبدوا الله عز وجل حق عبادته.

هذه العبودية التي تتمثل في قول الله تعالى:"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)

هذه العبودية التي تعني إخلاص الوجه لله عز وجل في كل عمل ظاهر وباطن..

 قال تعالى"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"  قال تعالى"قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ..."

هذه العبودية التي تستوعب كل شرائع الإسلام صغيرها وكبيرها ما توافق منها  مع هواي أو لم يتوافق قال تعالى"  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" فلا نأخذ البر والصلة من الإسلام ونترك إقامة الحدود أو نأخذ إقامة الصلاة ونترك الجهاد في سبيل الله،ولكن نقول كما جاء في الآية " آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا"  وقال سبحانه  [اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ]وأما لو أخذنا من الدين ما يتناسب مع أهوائنا وتركنا ما يخالفها فهذا نذير شر وشؤم في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"فما بالك بمن يرفض شريعة الله مطلقا!!وكثير ما هم؟!

هذه العبودية التي تجعل العبد دوما يراقب ربه فلا يجرؤ على معاصيه كما في الحديث:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.."

 وهذه هي العبودية  التي تحرر صاحبها من الوهم والخرافة ومن العبودية للهوى والشهوة والشيطان، لتجعله عبداً لله تعالى وحده، فيشعر عندئذ بحريته الحقيقية وإنسانيته الكاملة.

2-الانقياد لأمر الله ورسوله: قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" والاستجابة لله ورسوله تكون بفعل أمرهما واجتناب  نهيهما، وتطبيق ما أمرا به على أكمل وجه -بحسب قدرة الإنسان- ولا تكون في الرخاء دون الشدة أو العكس، بل لابد أن تكون في الحالتين معاً؛ لأن هذه هي الاستجابة الحقيقية، وعند المكاره والشدائد يتبين المستجيب الحقيقي من غيره.

قال ابن القيم:   فتضمنت هَذِه الْآيَة أمورا أَحدهَا أَن الْحَيَاة النافعة إِنَّمَا تحصل بالاستجابة لله وَرَسُوله فَمن لم تحصل لَهُ هَذِه الاستجابة فَلَا حَيَاة لَهُ وَإِن كَانَت لَهُ حَيَاة بهيمية مُشْتَركَة بَينه وَبَين أرذل الْحَيَوَانَات فالحياة الْحَقِيقِيَّة الطّيبَة هِيَ حَيَاة من اسْتَجَابَ لله وَالرَّسُول ظَاهرا وَبَاطنا فَهَؤُلَاءِ هم الْأَحْيَاء وَإِن مَاتُوا وَغَيرهم أموات وَإِن كَانُوا أَحيَاء الْأَبدَان وَلِهَذَا كَانَ أكمل النَّاس حَيَاة أكملهم استجابة لدَعْوَة الرَّسُول فَإِن كَانَ مَا دَعَا إِلَيْهِ فَفِيهِ الْحَيَاة فَمن فَاتَهُ جُزْء مِنْهُ فَاتَهُ جُزْء من الْحَيَاة وَفِيه من الْحَيَاة بِحَسب مَا اسْتَجَابَ للرسول.انتهى

وقال أيضا: بِحَسَبِ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ تَكُونُ الْعِزَّةُ وَالْكِفَايَةُ وَالنُّصْرَةُ، كَمَا أَنَّ بِحَسَبِ مُتَابَعَتِهِ تَكُونُ الْهِدَايَةُ وَالْفَلَاحُ وَالنَّجَاةُ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَّقَ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ بِمُتَابَعَتِهِ، وَجَعَلَ شَقَاوَةَ الدَّارَيْنِ فِي مُخَالَفَتِهِ، فَلِأَتْبَاعِهِ الْهُدَى وَالْأَمْنُ وَالْفَلَاحُ وَالْعِزَّةُ وَالْكِفَايَةُ وَالنُّصْرَةُ وَالْوِلَايَةُ وَالتَّأْيِيدُ وَطِيبُ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِمُخَالِفِيهِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ وَالْخَوْفُ وَالضَّلَالُ وَالْخِذْلَانُ وَالشَّقَاءُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ أَقْسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ ( «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ) وَأَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ مَنْ لَا يُحَكِّمَهُ فِي كُلِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ يَرْضَى بِحُكْمِهِ، وَلَا يَجِدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا حَكَمَ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ لَهُ تَسْلِيمًا وَيَنْقَادَ لَهُ انْقِيَادًا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}. فَقَطَعَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّخْيِيرَ بَعْدَ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ، فَلَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا بَعْدَ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إِذَا أَمَرَ فَأَمْرُهُ حَتْمٌ، وَإِنَّمَا الْخِيَرَةُ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ إِذَا خَفِيَ أَمْرُهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَبِسُنَّتِهِ.انتهى

وقال الله تعالى" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" و جاء في الحديث «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"ولنا الأسوة والقدوة الحسنة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،لهم مواقف تكاد لا تحصى تبين سرعة استجابتهم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لو تصادم هذا الأمر مع عقولهم أو مصالحهم في الظاهر، فهم أصحاب اليد الطولى في هذا الباب.

عاقبة أهل الاستجابة: قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}  عاقبة من لا يستجيب:يقول سبحانه وقوله الحق {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

 3-إفشاء روح المحبة والرحمة وخفض الجناح بين أفراد المجتمع المسلم: قال الله عز وجل في وصف الجيل الأول مبيناً لنا سبب عز وتمكين هؤلاء :"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"

 وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" فتأمل هذه الآيات رحمك الله لتعلم كيف وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه ولتعلم من أين تسرب الوهن والضعف في الأمة في واقعنا هذا.

وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"خ-م

وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"

وإليك بعض النصوص التي تحض على التواضع وخفض الجناح:

قال تعالى"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"وقال تعالى"وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"

وعند مسلم من حديث عياض بن حمار قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" «وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ "

 وقال صلى الله عليه وسلمَ: " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ"

وقال تعالى محذرا من الكبر والغرور والترفع على الناس"وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"

وانظر في سير السالفين الذين ضربوا المثل الأعلى في التواضع وخفض الجناح لإخوانهم لذلك أعزهم الله عز وجل وأعلى ذكرهم في الدنيا والآخرة وأنا أضرب لك مثالا واحدا لتأتسي به في هذا الباب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلاَلًا»

 وكان رضي الله عنه يقول: «لَأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَقَدَّمَ قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ»

 فبهذا التواضع وهذا التجرد سادوا وقادوا،وعلى الجانب الآخر لو نظرت لبعض أصحاب المناصب المرموقة الآن وهم من جلدتنا لرأيت العجب العجاب والله ربما تذلل للكافر المشرك وترفع وتكبر على إخوانه المسلمين لأنهم أقل منه منصبا والواقع خير شاهد على ذلك.

فالمقصود_إخواني _ أن سر قوة هذا المجتمع المسلم في ترابطه وتكاتفه وتكامله وتواضع أفراده بعضهم لبعض،وأن التنافر والتدابر والتباغض خطره عظيم على الأمة بأسرها لذلك كان العنصر الرابع هو:

4-النظر في عاقبة التفرق والتشرذم الوخيمة في الدنيا والآخرة:

 لا شك أن الاختلاف والتنازع سبب للفرقة والفشل مما يجعل المختلفين لقمة سائغة لأعدائهم، وواقع الأمة يشهد بذلك فلما كانت الأمة متحدة تحت راية واحدة، ومندرجة تحت قول واحد عمدته الكتاب والسنة،كانت لها السيادة والريادة ثم لما ظهرت الأمراض مثل حب التصدر والانفراد بالرأي وازدراء آراء الآخرين أوهنت الأمة وأضعفت قواها لذلك نهانا الله عز وجل عن التنازع والتخاصم لأن في ذلك ضعف للأمة  قال تعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" وقال تعالى: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".

لذلك حرم الشرع التخاصم بين أفراد الأمة بغير سبب شرعي فقال صلى الله عليه وسلم: "وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ»

وعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا "وفي رواية "اتركوا..."

فدعونا-بارك الله فيكم- من الخصام والشقاق وهيا نتجه جميعا للعمل لدين الله عز وجل فأعداؤنا والله لا يضيعون الأوقات في الكيد للإسلام والمسلمين، يمكرون بنا بالليل قبل النهار،المؤامرات تحاك بالأمة من الداخل ومن الخارج وما زلنا نختلف على أمور لا تستحق الخلاف والجدال،ويضلل بعضنا بعضا بدون بينة ولا تروي،فمتى سنصل إلى ما نريد وحالنا هكذا،ومتى سنعيد للأمة كرامتها ونحن على هذا الحال...فالله الله في التكاتف، والله الله في الاجتماع على كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بفهم سلفنا رحمهم الله..  وما أحسن ما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى لن يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها.

عدد المشاهدات 29744