باب الخطب المنبرية بإشراف فضيلة الشيخ / أحمد سليمان


عناصر الخطبة :[ فضل الذكر وقراءة القرآن ]

1- منزلة الذكر
2- فضائل تلاوة القرآن الكريم
3- تفصيل أوجه الذكر في القرآن
4- درجات الذكر
5-آداب الذكر
6- فضل الذكر
7- أقوال السلف
8- فوائد الذكر

" name="description">

فضل الذكر وقراءة القرآن

2012-07-20

عبدالله حسن الغندور

[ فضل الذكر وقراءة القرآن ]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله علية وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فإن ذكر الله نعمة كبرى، ومنحة عظمى، به تستجلب النعم، وبمثله تستدفع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح. ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغنى عنه المسلم بحال من الأحوال.

1- منزلة الذكر

 2- فضائل تلاوة القرآن الكريم

3- تفصيل أوجه الذكر في القرآن

4- درجات الذكر

5-آداب الذكر

6- فضل الذكر

7- أقوال السلف

8- فوائد الذكر

 

1-  منزلة الذكر : يقول ابن القيم :" هي منزلة القوم الكبرى التي منها يتزودون وفيها يتجرون، وإليها دائما يترددون. والذكر منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب. به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم. فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ورءوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون. يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا، ويوصل الذاكر إلى المذكور، بل يدع الذاكر مذكورا. وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة، والذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، بل هم مأمورون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال: قياما وقعودا وعلى جنوبهم. فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها، فكذلك القلوب بور وخراب وهو عمارتها وأساسها. وهو جلاء القلوب وصقالها ودواؤها إذا غشيها اعتلالها وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته، وهو روح الأعمال الصالحة، فإذا خلا العمل عن الذكر كان كالجسد الذي لا روح فيه. والله أعلم. ".[1]

2- فضائل تلاوة القرآن الكريم:

1- أنه يأتي شفيعًا لصاحبه فعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».[2]

2- أهل القرآن هم أهل الله عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ»[3]

3- صاحب القرآن يرتقى في درجات الجنة بقدر ما معه من القرآن فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْقَ ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ  آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا "[4]

4- مضاعفة ثواب قراءة الحرف الواحد من القرآن أضعافاً كثيرة فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»[5]

3- تفصيل أوجه الذكر في القرآن:" فصل في تفصيل ذلك:

1 - أما الأول: فكقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 41 - 43] وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } [الأعراف: 205] وفيه قولان، أحدهما: في سرك وقلبك، والثاني: بلسانك بحيث تسمع نفسك.

2 - وأما النهي عن ضده: فكقوله: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] وقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19]

3 - وأما تعليق الفلاح بالإكثار منه: فكقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].

4 – وأما الثناء على أهله وحسن جزائهم: فكقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى قوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 35]

5 - وأما خسران من لها عنه فكقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]

6 - وأما جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له فكقوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]

7 - وأما الإخبار عنه بأنه أكبر من كل شيء فكقوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45] وفيها أربعة أقوال:

أحدها: أن ذكر الله أكبر من كل شيء فهو أفضل الطاعات; لأن المقصود بالطاعات كلها: إقامة ذكره فهو سر الطاعات وروحها.

الثاني: أن المعنى: أنكم إذا ذكرتموه ذكركم فكان ذكره لكم أكبر من ذكركم له. فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول: مضاف إلى المذكور.

الثالث: أن المعنى: ولذكر الله أكبر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر، بل إذا تم الذكر: محق كل خطيئة ومعصية. هذا ما ذكره المفسرون.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: معنى الآية: أن في الصلاة فائدتين عظيمتين إحداهما: نهيها عن الفحشاء والمنكر، والثانية: اشتمالها على ذكر الله وتضمنها له ولما تضمنته من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.

8 - وأما ختم الأعمال الصالحة به: فكما ختم به عمل الصيام بقوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185]

وختم به الحج في قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]

وختم به الصلاة كقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } [النساء: 103] وختم به الجمعة كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] ولهذا كان خاتمة الحياة الدنيا، وإذا كان آخر كلام العبد أدخله الله الجنة

9 - وأما اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته وهم أولو الألباب والعقول فكقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [آل عمران: 190، 191]

10 - وأما مصاحبته لجميع الأعمال واقترانه بها وأنه روحها: فإنه سبحانه قرنه بالصلاة كقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وقرنه بالصيام وبالحج ومناسكه، بل هو روح الحج ولبه ومقصوده. كما قال النبي: «إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»[6] .[7]

4- درجات الذكر وهو على ثلاث درجات:

1-الدرجة الأولى: الذكر الظاهر من: ثناء أو دعاء أو رعاية.

يريد بالظاهر: الجاري على اللسان المطابق للقلب، لا مجرد الذكر اللساني، فإن القوم لا يعتدون به.

فأما ذكر الثناء: فنحو: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وأما ذكر الدعاء فنحو: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف: 23] و: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث. ونحو ذلك.

وأما ذكر الرعاية: فمثل قول الذاكر: الله معي والله ناظر إلي، الله شاهدي. ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة والاعتصام من الشيطان والنفس.

والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة، فإنها متضمنة للثناء على الله والتعرض للدعاء والسؤال والتصريح به، كما في الحديث: «أفضل الدعاء الحمد لله» قيل لسفيان بن عيينة: كيف جعلها دعاء قال: أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان يرجو نائله:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء

فهذا مخلوق واكتفى من مخلوق بالثناء عليه من سؤاله، فكيف برب العالمين؟ .

2- الدّرجة الثّانية: الذّكر الخفيّ وهو الخلاص من القيود، والبقاء مع الشّهود، ولزوم المسامرة.

3- الدّرجة الثّالثة: الذّكر الحقيقيّ، وهو شهود ذكر الحقّ إيّاك، والتّخلّص من شهود ذكرك» .

وقد سمّي هذا الذّكر حقيقيّا؛ لأنّه منسوب إلى الرّبّ تعالى فذكر الله لعبده هو الذّكر الحقيقيّ، وهو شهود ذكر الحقّ عبده.[8]

 5-آداب الذكر:

قال الإمام النووي : " وينبغي أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خالياً  نظيفاً، فإنه أعظمُ في احترام الذكر المذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة. وجاء عن الإِمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: (لا يُذكر اللَّهَ تعالى إلاَّ في مكان طيّب) وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تغيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فلو ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ ولا يَحرمُ، ولو قرأ القرآن وفمُه نجسٌ كُره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا: أصحُّهما لا يَحرم. واعلم أن الذكر محبوبٌ في جميع الأحوال إلا في أحوال وردَ الشرعُ باستثنائها نذكرُ منها هننا طرفاً، إشارة إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى، فمن ذلك: أنه يُكره الذكرُ حالة ض الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجِماع، وفي حالة الخُطبة لمن يسمعُ صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة، وفي حالة النعاس. ولا يُكره في الطريق ولا في الحمَّام، والله أعلم".[9]

" والمرادُ من الذكر حضورُ القلب، فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبُر في الذكر مطلوبٌ كما هو مطلوبٌ في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود".[10]

6- فضل الذكر:

أ- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى».[11]

" قوله ذكر الله تعالى يحتمل معاني لأن ذكر الله على ضربين:

أحدهما: ذكر باللسان.            

والثاني: ذكر عند الأوامر بامتثالها وعند المعاصي باجتنابها وهو ذكر."[12] " فإنه ظاهر في أن الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الإنفاق مع ما في الجهاد والنفقة من النفع المتعدي"[13]

ب- وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»[14]

" وذلك لأن الذي يذكر الله تعالى قد أحيا الله قلبه بذكره وشرح له صدره فكان كالحي وأما الذي لا يذكر الله فإنه لا يطمئن قلبه والعياذ بالله ولا ينشرح صدره للإسلام فهو كمثل الميت وهذا مثل ينبغي للإنسان أن يعتبر به وأن يعلم أنه كلما غفل عن ذكر الله عز وجل فإنه يقسو قلبه وربما يموت قلبه والعياذ بالله".[15]

وفي رواية لمسلم «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ».[16]

" فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت وأنه لا يخلى من الذكر"[17]

ج- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ " قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» قَالَ: " فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ " قَالَ: " فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ " قَالَ: " فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا " قَالَ: " يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ " قَالَ: «يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ» قَالَ: " يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا " قَالَ: " يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ " قَالَ: " يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا " قَالَ: " يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ " قَالَ: " يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً " قَالَ: " فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ " قَالَ: " يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ "[18]

د- ويكفي في شرف الذكر: أن الله يباهي ملائكته بأهله فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ، إِلَى المَسْجِدِ فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ. قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ لِمَا هَدَانَا لِلإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَقَالَ: «آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟» قَالُوا: آللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ. قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ لِتُهْمَةٍ لَكُمْ، إِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ»[19]

ر- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ".[20]

" فيه دليل على فضيلة الذكر وهو أن الإنسان إذا ذكر الله عز وجل في نفسه ذكره الله في نفسه وإن ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منهم يعني إذا ذكرت ربك في نفسك إما أن تنطق بلسانك سرا ولا يسمعك أحد أو تذكر الله في قلبك فإن الله تعالى يذكرك في نفسه وإذا ذكرته في ملأ أي عند جماعة فإن الله تعالى يذكرك في ملأ خير منهم أي في ملأ من الملائكة يذكرك عندهم ويعلي ذكرك ويثني عليك جل وعلا ففي هذا دليل على فضيلة الذكر وأن الإنسان إذا ذكر الله عند ملأ كان هذا أفضل مما إذا ذكره في نفسه إلا أن يخاف الإنسان على نفسه الرياء فإن خاف الرياء فلا يجهر ولكن لا يكون في قلبه وساوس بأن يقول إذا ذكرت الله جهرا فهذا رياء فلا أذكر الله فليدع هذه الوساوس ويذكر الله تعالى عند الناس وفي نفسه حتى يذكره الله عز وجل كما ذكر ربه".[21]

ز- الذاكرون: هم أهل السبق فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ».[22]

س- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».[23]

7- أقوال السلف:

أ- قَالَ: أَبُو الدَّرْدَاءِ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ جِلَاءً، وَإِنَّ جِلَاءَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "[24]

ب- قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»[25]

ج- قال الحسن البصري رحمه الله: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.[26]

8- فوائد الذكر : قال ابن القيم : في الذّكر أكثر من مائة فائدة منها:

1- أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.

2- أنه يرضي الرحمن عز وجل.

3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.

4- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.

5- أنه يقوى القلب والبدن.

6- أنه ينور الوجه والقلب.

7- أنه يجلب الرزق.

8- أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.

9- أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة. وقد جعل الله لكل شيء سبباً وجعل سبب المحبة دوام الذكر.فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره فإنه الدرس والمذاكرة كما أنه باب العلم، فالذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم.

10- أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الاحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.....إلخ.[27]



[1] مدارج السالكين (2/ 395)

[2] صحيح مسلم (804)

[3] أخرجه ابن ماجه (215) وانظر صحيح الجامع (2165)

[4] أخرجه أحمد (11/ 404) وغيره ،وانظر الصحيحة(2240)

[5] أخرجه الترمذي(2910)وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع (6469)

[6] أخرجه أحمد (40/48) وغيره , وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2056)

[7] مدارج السالكين (2/ 397)

[8] مدارج السالكين (2/407)

[9] الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 12)

[10] الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 13)

[11] سنن الترمذي ت شاكر (5/ 459) ، وأحمد (36/33) , صحيح الجامع(2629)

[12] المنتقى شرح الموطأ (1/ 355)

[13] فتح الباري لابن حجر (6/ 5)

[14] صحيح البخاري (6407)

[15] شرح رياض الصالحين _ لابن عثيمين  (5/ 517)

[16] صحيح مسلم (779)

[17] شرح النووي على مسلم (6/ 68)

[18] صحيح البخاري (6408)

[19] أخرجه الترمذي ( 3379) وغيره ، وصححه الألباني في التعليقات الحسان (810)

[20] صحيح البخاري (7405)

[21] شرح رياض الصالحين _ لابن عثيمين (5/ 518)

[22] صحيح مسلم (2676)

[23] أخرجه ابن ماجه (3793) وغيره , وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.

[24] شعب الإيمان (2/ 63)

[25] سنن الترمذي ت شاكر (5/ 459)

[26] مدارج السالكين (2/ 396)

[27] الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 41)

عدد المشاهدات 36390