شهر رمضان … أحداث وتاريخ

2009-09-03

صفوت الشوادفى

الحمد لله … والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد :

‏فقد حل بنا شهر كريم ، فرض الله علينا صيامه ، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم قيامه .

‏ويتميز هذا الشهر عما سواه بالحرص من الجميع على الإقبال على الله؛ الطائعين ‏والعاصين على سواء !!‏

ويختص هذا الشهر بأحداث عظيمة وقعت فيه تحتاج من كل مسلم إلى تذكر وتدبر ‏وتفكر لينتفع بمواضع العبرة ، ويجني بها الثمرة !‏ ·

فمنها .. بل أهمها على الإطلاق بداية نزول الوحي الكريم على رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم في غار حراء؛ وقد جلس في خلوته يتعبد، فنزل عليه ‏جبريل عليه السلام بأول كلمة قرآنية، فكانت : ( اقرأ ) ، وهي دعوة إلى ‏العلم الذي يصل العبد بربه وخالقه، ويدرك به الخشية : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ‏مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فاطر : 28 ] ، ويرفع منزلة صاحبه ودرجته : ( هَلْ ‏يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الزمر : 9 ] ؟ والجواب قطعًا لا ‏يستوون !

‏وفي بدء نزول القرآن في رمضان على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في الغار ‏يتعبد - تنبيه لطيف على أن رمضان هو شهر القرآن ، وأنه شهر العبادة الخاصة ‏‏، وأنه شهر الانقطاع إلى الله متمثلاً في الاعتكاف ، وقد اختاره الله لذلك من بين ‏سائر الشهور مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقطع إلى العبادة في غار ‏حراء في غيره من الشهور، فاختيار هذا الشهر علامة على فضله وارتفاع درجته ‏دون غيره .‏ ·

ومن الأحداث التي وقعت في رمضان ( غزوة بدر الكبرى ) وذلك في السابع ‏عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكان في هذه الغزوة المباركة أول ‏انتصار حاسم للإسلام على الكفر ، وقد ظهر فيها بوضوح مدد الله وتوفيقه ‏لأوليائه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، كما قال الله عز وجل : ( فَلَمْ ‏تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) [ الأنفال : 17 ] ‏‏.‏

ولما أخذ المؤمنون بأسباب النصر من صدق الإيمان وحسن التوكل على الله واليقين في ‏وعده : ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) [ محمد : 7 ] ، والإخلاص وسلامة القلب ‏وإعداد العدة والصبر عند اللقاء ، أقوال : لما أخذ المجاهدون بهذا كله أنزل الله ‏ملائكته إلى ميدان القتال ، ومن يقوى على مواجهة الملائكة !!

‏وفي ذلك يقول الله عز وجل : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ‏ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ ‏بَنَانٍ ) [ الأنفال : 12 ] .‏

ولن ينتصر المسلمون على أعدائهم إلا إذا انتصروا على أنفسهم وكبحوا جماحها، ‏وشهر رمضان هو خير معين بعد الله للانتصار على النفس الذي هو طريق النصر ‏على الأعداء !!‏

ولذلك سمى بعض العلماء جهاد النفس ( الجهاد الأكبر ) ! تنبيهًا على هذا المعنى ‏الجليل ؛ ولم يصح فيه حديث .‏ ·

وفي شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة فرضت زكاة الفطر التي هي ‏طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، ومن لطائف أحكامها أنها تجب على من يملك ‏قوت يوم وليلة ؛ وهذا نصابها !‏وهو ميسور لكل فقير ، وهذا يعني أنها تجب على الفقراء ، فلمن يعطيها الفقير ؟ ‏يعطيها لفقير آخر !

وهو لا يخرج إلا هذه الزكاة فيعتاد على العطاء والجود، وإن ‏كان فقيرًا، ويخرج بها الفقير من بيته ليلة العيد قاصدًا بيت فقير آخر، فيليقاه ‏أخوه الفقير، وقد حمل كل منهما زكاته لصاحبه !! فيتبادلان الزكاة ! إنها ‏درس عملي في العطاء والجود والكرم والسخاء .‏ ·

وفي السنة الخامسة من الهجرة في رمضان كان الاستعداد لغزوة الخندق أو ( ‏الأحزاب ) التي انتصر فيها المسلمون بفضل الله ورحمته بغير قتال ولا معركة ‏سوى مبارزات ومناوشات محدودة : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا ‏خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) [ الأحزاب : 25 ] .

وفي شهر رمضان كان الفتح الأكبر ( فتح مكة ) ، وكان ذلك في الحادي ‏والعشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، وكان هذا الفتح ثمرة جهاد ‏طويل بالسيف واللسان لسنوات طويلة قد تحلى فيها المؤمنون الصادقون بالصبر ‏واليقين .‏

ولا يتسع المقام هنا لتفصيل هذا الحدث العظيم ، لكن ينبغي على كل صائم وصائمة ‏أن يرجع إلى كتب السنة والسير ليقرأ تاريخ فتح مكة وما وقع فيه من مواقف ‏لينتفع بذلك انتفاعًا عظميًا يعجز القلم عن وصفه ، واللسان عن بيانه .‏ ·

وفي شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة تحطمت بعد فتح مكة رموز ‏الشرك ، وتهاوت الأصنام التي عبدها الناس من دون الله دهورًا طويلة ، فقد ‏بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ليهدم إله المشركين الأكبر ( ‏العزى ) !! فهدمها ، وبعث عمرو بن العاص فهدم ( اللات ) ، وبعث سعد ‏بن زيد الاشهلي فهدم ( مناة ) .‏

وكان ذلك إعلانًا صريحًا بأن القلوب يجب عليها أن تتعلق بالله، ولا تلتفت إلى ‏أحد سواه من الأحياء أو الأموات أو الأصنام أو الأضرحة؛ وهذا هو التوحيد الذي ‏جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.‏ ·

وفي شهر رمضان أقبلت وفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن ‏إسلامها من قبائل شتى وبلاد متفرقة بعد أن أيقنت أن هذا الدين هو الحق من ‏عند الله العزيز الحكيم، وهكذا دخل الناس في دين الله أفواجًا.‏ ·

وفي شهر رمضان المبارك حدثت انتصارات عظمية غير ما ذكرناه لا يتسع ‏المقام لبسطها ، ولعل من أبرزها هذه الانتصارات الرائعة التي أحرزها المجاهد ‏صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين ، وأدركه شهر رمضان منتصرًا وهو صائم في ‏سنة 584 هـ ؛ فأشار عليه رجاله أن يرتاح في شهر الصوم ، فخاف على نفسه ‏من انقضاء الأجل قبل إكمال النصر !!

فواصل زحفه حتى استولى على قلعة ( ‏صفد ) الحصينة في منتصف رمضان من نفس العام .‏ ·

ونحن العرب قد حاربنا إسرائيل في العاشر من رمضان سنة 1393 هـ فكان ‏انتصارنا بقدر إقبالنا على الله ، وكانت هزيمتنا بقدر إعراضنا عن الله !! ولأننا ‏خلطنا أعمالنا السيئة بأعمالنا الصالحة ، وجمعنا في حياتنا بين الطاعة ‏والمعصية ، فقد جمع الله لنا بين حلاوة النصر ، ومرارة الهزيمة : ( وَأَنَّ اللَّهَ ‏لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [ آل عمران : 182 ] .‏

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .‏

عدد المشاهدات 11305