من البيوع المنهي عنها - بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة

2012-08-07

زكريا حسينى

من البيوع المنهي عنها - بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، من أرسله ربه رحمه للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 فلا يزال حديثنا موصولاً حول البيوع التي نهى عنها الشارع، صلوات الله وسلامه عليه، فنقول مستعينين بالله تعالى وبه التوفيق والعصمة:

9- بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة:

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تبيعوا الذهبَ بالذهب إلا مِثلاً بِمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بَعْضَها على بَعْضٍ، ولا تبيعوا الوَرِقَ بالوَرِقِ، إلاَّ مِثلاً بمثلٍ، ولا تُشِفُّوا بَعْضَها على بعضٍ، ولا تبيعوا منها غائبًا بِنَاجِزٍ”.

 هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب البيوع بالأرقام (2176، 2177، 2178)، كما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب المساقاة باب الربا برقم (1584)، وبرقم (1596)، وأخرجه أيضًا الترمذي في البيوع باب ما جاء في الصرف برقم (1241)، وأخرجه النسائي في السنن في كتاب البيوع باب بيع الذهب بالذهب برقمي (4574- 45759).

شرح الحديث

 في هذا الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، وكذلك الوَرِق- وهو الفضة- حكمها حكم الذهب لاتباع الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، وقوله صلى الله عليه وسلم: “ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض” أي: لا تزيدوا بعضها على بعض، فإن الشِّفَّ هو الزيادة، وقد يطلق على النقصان فهو من ألفاظ الأضداد، والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم واقع الآن في مجتمعات المسلمين، فإن الشخص يذهب إلى تاجر الذهب، فيعطيه الذهب القديم ليزنهُ ثم يأخذ ذهبًا جديدًا مقابل القديم مساويًا لوزنه، ويدفع له فرق السعر، وهذا ربًا ظاهر، وذلك يتناول جميع أنواع الذهب جيده ورديئه، والصحيح منه والمكسور، وما كان حليًا أو تبرًا أو غير ذلك، وكذا يشمل الخالص والمخلوط، وكذا الحكم في الفضة سواءً بسواءٍ.

 وللخروج من هذه الصورة الربوية المحرمة: يمكن أن يبيع الشخص ذهبه القديم للتاجر ويقبض الثمن فينهي هذه الصفقة، ثم إن أراد أن يشتري بثمنه ذهبًا جديدًا فليعقد صفقة جديدة.

 وهذه الصورة هي التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لمن اشترى له صاعًا من التمر الجيد بصاعين من تمر رديء: “بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبًا” (متفق عليه).

 قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا مثلا بمثل”. قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والوَرِق من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، وهذا كله مجمع عليه.

 وقال: قوله صلى الله عليه وسلم: “ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز”، المراد بالناجز الحاضر، وبالغائب المؤجل، وقد أجمع العلماء على تحريم بيع الذهب بالذهب أو بالفضة مؤجلاً، وكذلك الحنطة بالحنطة أو بالشعير، وكذلك كل شيئين اشتركا في علة الربا، أما إذا باع دينارًا بدينار كلاهما في الذمة، ثم أخرج كل واحد الدينار، أو أرسل من أحضر له دينارًا من بيته، وتقابضا في المجلس فيجوز بلا خلاف عند أصحابنا، لأن الشرط ألاَّ يتفرقا قبل أن يتقابضا وقد حصل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية التي بعد هذه: “ولا تبيعوا شيئًا غائبًا منه بناجز إلا يدًا بيد”.

 وقال الحافظ في الفتح: وقوله: “ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز”، والمراد بالغائب أعم من المؤجل، كالغائب عن المجلس مطلقًا مؤجلاً كان أم حالاً، والناجز الحاضر، قال ابن بطال: فيه حجة للشافعي في قوله: من كان له على رجل دراهم ولآخر عليه دنانير لم يجز أن يُقَاصَّ أحدهما الآخر بماله ؛ لأنه يدخل في معنى بيع الذهب بالورق دينًا، لأنه إذا لم يجز غائب بناجز فأحرى أنْ لا يجوز غائب بغائب، وأما الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع ؛ أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: “لا بأس به إذا كان بسعر يومه ولم تفترقا وبينكما شيء”. فلا يدخل في بيع الذهب بالورق دينًا. واستدل بقوله: “مثلاً بمثل” على بطلان البيع بقاعدة (مُدّ عجوة) وهو أن يبيع مُدَّ عجوةٍ ودينارًا بدينارين مثلاً، وأصرح من ذلك في الاستدلال على المنع حديث فضالة بن عبيد عند مسلم في رد البيع في القلادة التي فيها خَرَزٌ وذَهَبٌ حتى تفصل، وفي رواية أبي داود فقلت: إنما أردت الحجارة، فقال: “لا، حتى تميز بينهما”.

 قال الحافظ في الفتح: وقد وقع لأبي سعيد مع ابن عمر رضي الله عنهم في هذا الحديث قصة، ووقعت له فيه مع ابن عباسٍ قصة أخرى، فأما قصته مع ابن عمر فانفرد بها البخاري من طريق سالم، وأخرجها مسلم من طريق الليث عن نافع، ولفظه: “إن ابن عمر قال له رجل من بني ليث: إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال نافع: فذهب عبد الله وأنا معه والليثي حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال: إن هذا أخبرني أنك تخبر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الوَرِق بالوَرِق إلا مثلاً بمثل”. الحديث. فأشار أبو سعيد بإصبعيه إلى عينيه وأذنيه، فقال: أَبْصَرتْ عيناي وسَمِعَتْ أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلاً بمثل”. الحديث. ولمسلم من طريق أبي نضرة في هذه القصة لابن عمر مع أبي سعيد أن ابن عمر نهى عن ذلك بعد أن كان أفتى به لما حدثه أبو سعيد بنهي النبي صلى الله عليه وسلم.

 وأما قصة أبي سعيد مع ابن عباس رضي الله عنهم فتستبين من الرواية الآتية لحديث أبي سعيد:

 عن عمرو بن دينار أن أبا صالح الزيات أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم مثلاً بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى. فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سَمِعْتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله عز وجل ؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجده في كتاب الله. ولكن حدثني أُسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الربا في النسيئة” هذا لفظ مسلم، وفي رواية البخاري فقال: كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولكن أخبرني أسامة... الحديث.

 قال الحافظ في شرح هذا الحديث وفي الجمع بينه وبين حديث أسامة:

 قوله: “كلَّ ذلك لا أقول” هو في المعنى نظير قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ذي اليدين: “كل ذلك لم يكن”، فالمنفي هو المجموع، وفي رواية لمسلم من طريق عطاء، وفيها: أما رسول الله فأنتم أعلم به مني، وأما كتاب الله فلا أعلمه” أي: لا أعلم هذا الحكم فيه، وإنما قال لأبي سعيد: أنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني. لكون أبي سعيد وأنظاره كانوا أَسَنَّ منه وأكثر ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 قال: وفي السياق دليل على أن أبا سعيد وابن عباس متفقان على أن الأحكام الشرعية لا تطلب إلا من الكتاب والسنة.

 وقوله: “لا ربا إلا في النسيئة”. هذه رواية البخاري، ولمسلم: “الربا في النسيئة”. وفي رواية له: “إنما الربا في النسيئة”. وفي رواية أخرى لمسلم: “ألا إنما الربا في النسيئة”. قال الحافظ: وزاد في رواية طاووس عن ابن عباس: “لا ربا فيما كان يدًا بيدٍ”. وروى مسلم من طريق أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن الصرف فقال: أيدًا بيدٍ ؟ قلت: نعم، قال: فلا بأس، فأخبرت أبا سعيد، فقال: أَوَ قال ذلك ؟ إنا سنكتب إليه فلا يُفْتِكُمُوهُ، وله من وجه آخر عن أبي نضرة: سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسًا، فإني لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما. فذكر الحديث. قال فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه.

 قال الحافظ: والصَّرْف: دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه، وله شرطان ؛ منع النسيئة (التأجيل) مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه، ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور، وخالف فيه ابن عمر ثم رجع، وابن عباس واختلف في رجوعه.

 قال: وقد روى الحاكم من طريق حيَّان العدوي: سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره ما كان منه عينًا بعين يدًا بيد، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد، فذكر القصة والحديث، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أستغفر الله وأتوب إليه، فكان ينهى عنه أشد النهي.

 قال الحافظ: واتفق العلماء على صحة حديث أسامة، واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: منسوخ، لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وقيل: المعنى في قوله: “لا ربا”. الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضًا نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم، فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم، والله أعلم.

 10- بيع الذهب بالفضة نسيئة (دَينًا)

 1- عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أَقْبَلْتُ أقولُ: من يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ ؟ فقال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه- وهو عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه-: أَرِنَا ذهبك ثم ائتنا إذا جاء خادمنًا نعطكِ وَرِقَكَ. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كلاً، والله لتعطينه وَرِقَه أو لتردَنَّ إليه ذهبه. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الوَرِق بالذهب ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء”.

 هذا الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم، فقد أخرجه البخاري في البيوع بالأرقام (2134، 2170، 2174)، كما أخرجه مسلم في المساقاة برقم (1586)، وأبو داود في البيوع برقم (3348)، والترمذي في البيوع (1243)، والنسائي في البيوع برقم (4562)، وابن ماجه في التجارات برقم (2253).

 2- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الذهب بالذهب، والفِضة بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ”.

 هذا الحديث أخرجه مسلم في المساقاة برقم (1587)، وأبو داود في البيوع برقم (3349)، والترمذي في البيوع برقم (1240)، والنسائي في البيوع برقم (4564)، وابن ماجه في التجارات برقم (2254).

  شرح الحديثين

 أما الحديث الأول ففيه بيان بيع الذهب بالوَرِق وهو الفضة مع تأجيل دفع أحدهما وهو منهي عنه كما روى ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. فيجب المقابضة في كل نوعين ربويين.

 وأما حديث عبادة فبين فيه الستة الأصناف الربوية التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وقد أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة، وإن اختلفوا في ضابطه وتفاريعه. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، والأحاديث فيه كثيرة مشهورة، ونص النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث على تحريم الربا في ستة أشياء: “الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح”. فقال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة بناءً على أصلهم في نفي القياس، وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها، وهو يشاركها في العلة، واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة، فقال الشافعي: العلة في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان (أصل النقود فتقاس عليهما جميع النقود سواء كانت ورقية أم معدينة)، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات وغيرها لعدم المشاركة، قال: والعلة في الأربعة الباقية كونها مطعومة، فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم، وأما مالك فقال في الذهب والفضة كقول الشافعي رحمة الله عليهما، وقال في الأربعة الباقية كونها تدخر للقوت وتصلح له، فعداه إلى الزبيب ؛ لأنه كالتمر، وإلى القُطْنِيَّةِ (الحبوب التي تطبخ في البيت كالعدس وغيره) لأنها في معنى البر والشعير، وأما أبو حنيفة فقال: العلة في الذهب والفضة الوزن، وفي الأربعة الكيل، فيتعدى إلى كل موزون من نحاس وحديد وغيرهما، وإلى كل مكيل كالجص والأشنان (الجص من مواد البناء وهو الجبس، والأشنان نبات يستعمل في الغسيل كالصابون) وغيرهما. وقال سعيد بن المسيب والشافعي في القديم وأحمد رحمهم الله: العلة في الأربعة كونها مطعومة موزونة أو مكيلة بشرط الأمرين، فعلى هذا لا ربا في البطيخ والسفرجل ونحوهما مما لا يكال ولا يوزن. اهـ. كلام النووي.

 أقول: ولكن البطيخ والسفرجل يوزن في زماننا.

 ثم قال النووي رحمه الله: وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً ومؤجلاً، وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل، وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه مما شاركه في العلة كالذهب بالفضة، والحنطة بالشعير، وأنه لا يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يدًا بيد ؛ كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا إلا ما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في تخصيص الربا بالنسيئة. قُلْتُ: وقد مر أنه تراجع عنه، ولله الحمد والمنة.

 قال النووي: قال العلماء: إذا بيع الذهبُ بذهبٍ، أو الفضةُ بفضةٍ سميت مراطلة، وإذا بيعت الفضة بذهب (أو العكس) سمي صرفًا. قيل: سمي صرفًا لصرفه عن مقتضى البياعات من جواز التفاضل والتفرق قبل القبض والتأجيل، وقيل: من صريفهما، وهو تصويتهما في الميزان. والله أعلم.

 قال الحافظ في الفتح عقب حديث عمر: قال ابن عبد البر: في هذا الحديث أن الكبير يلي البيع والشراء لنفسه وإن كان له وكلاء وأعوان يكفونه، وفيه المماكسة في البيع والمراوضة وتقليب السلعة، وفائدته الأمن من الغبن، وأن من العلم ما يخفى على الرجل الكبير القدر حتى يذكره غيره، وأن الإمام إذا سمع أو رأى شيئًا لا يجوز فإنه ينهى عنه ويرشد إلى الحق، وأن من أفتى بحكم حَسُنَ أن يذكر دليله، وأن يتفقد أحوال رعيته ويهتم بمصالحهم، وفيه اليمين لتأكيد الخبر، وفيه الحجة بخبر الواحد، وأن الحجة على من خالف في حكم من الأحكام إنما هي في كتاب الله أو حديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

 وفيه أن النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالوَرِق، وإذا لم يَجُزْ فيهما مع تفاضلهما بالنسيئة فأحرى ألا يجوز في الذهب وهو جنس واحد، (ولينتبه لهذا تجار الذهب، فإن كثيرًا منهم يقعون في هذا في زماننا هذا)، وكذا الوَرِق بالوَرِق، وقد نقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على هذا الحكم، أي التسوية في المنع بين الذهب بالذهب وبين الذهب بالوَرِق، والله أعلم.

 نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردًا جميلاً، وأن يوفقهم للعمل بأحكام الشريعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 27869