إثبات كلام الرب تبارك وتعالى

2012-08-29

زكريا حسينى

وجوب لزوم الجماعة عند حلول الفتن

الحمد لله، الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربه كافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعــد

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: (نعم). قلت: وهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال: (نَعَمْ، وفيه دَخَنٌ). قلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها). قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في موضعين، أحدهما في كتاب المناقب (باب علامات النبوة في الإسلام برقم: 3606)، والآخر في كتاب الفتن (باب كيف الأمر إذا لم يكن جماعة برقم: 7084).

كما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة (باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة برقم 1847)، وكذا الإمام أحمد في المسند برقم (5/386، 399، 403، 404، 406)، وأخرجه الإمام أبو داود في سننه في كتاب الفتن برقم (4244، 4246)، وابن ماجه في الفتن برقم (3979).

راوي الحديث

هو حذيفة بن اليمان – واسم اليمان: حِسْلُ، ويقال: حُسَيْلٌ – ابن جابر العَبْسِي اليماني، أبو عبد الله، حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين. قال الإمام الذهبي في (سير أعلام النبلاء) له في الصحيحين اثنا عشر حديثًا، وفي البخاري ثمانية، وفي مسلم سبعة عشر حديثًا.

قال: وكان والده حِسْلٌ قد أصاب دمًا في قومه، فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه (اليمان)؛ لحلفه لليمانية وهم الأنصار.

شهد حُذيفة وأبوه حِسْل أحدًا، فاسْتشهد يومئذ، قتله بعض الصحابة غَلَطًا ولم يعرفه، لأن الجيش يختفون في لأمة الحرب، ويسترون وجوههم، فإن لم يكن لهم علامة بينة وإلا ربما قتل الأخ أخاه، ولا يشعر، ولما شدوا على اليمان يومئذ بقي حذيفة يصيح: أبي! أبي! يا قوم! فراح خطأ، فتصدق عليهم حذيفة بديته. قال عروة بن الزبير راوي هذا الحديث عن عائشة أم المؤمنين: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله عز وجل. وفي رواية ابن إسحاق – كما في سيرة ابن هشام – من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد: فقال حذيفة: قتلتم أبي ! قالوا: والله ما عرفنا، وصدقوا. فقال حذيفة: يغفر الله لكم، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن يَديَهُ – أي يدفع إليه ديته – فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-خيرًا.

وفي المستدرك 3/381 من طريق الأعمش بسنده إلى قيس قال: سئل عليّ رضي الله عنه عن ابن مسعود، فقال: قرأ القرآن، ثم وقف عند شبهاته، فأحل حلاله وحرم حرامه، وسئل عن عمار، فقال: مؤمن نسي وإذا ذكر ذكر، وسئل عن حذيفة فقال: كان أعلم الناس بالمنافقين. وفي صحيح مسلم: قال حذيفة: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أنني خرجت أنا وأبي، فأخذنا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا! فقلنا: ما نريد إلا المدينة؛ فأخذوا العهد علينا: لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: (نفي بعهدهم، ونستعين بالله عليهم).

قال الحافظ الذهبي: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-قد أسَرَّ إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة. وقد ناشده عمر: أأنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحدًا بعدك.

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي إدريس الخولاني سمع حذيفة يقول: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة.

وأخرج الشيخان عن أبي وائل عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مقامًا فحدثنا بما هو كائن إلى قيام الساعة، فحفظه من حفظه ونسيه من نسيه.

قال الإمام الذهبي: ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة. قال: مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين وقد شاخ.

قال ابن سيرين: بعث عمر حذيفة إلى المدائن، فقرأ عهده عليهم، فقالوا: سَلْ ما شئت، قال: طعامًا آكله، وعلف حماري هذا – ما دمت فيكم – من تبن، فأقام فيهم ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر: اقْدَمْ. فلما بلغ عمرَ قدومه، كمن له على الطريق ؛ فلما رآه على الحال التي خرج عليها، أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك.

شرح الحديث

أورد الإمام البخاري رحمه الله تعالى هذا الحديث في كتاب الفتن باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، قال الحافظ في الفتح: قوله: (باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعةٌ) كان تامة، والمعنى: ما الذي يفعله المسلم في حال الاختلاف من قبل أن يقع الإجماع على خليفة.

وقوله: (مخافة أن يدركني) في رواية نصر بن عاصم عن حذيفة عند ابن أبي شيبة: (وعرفت أن الخير لن يسبقني). وقوله: (في جاهلية وشر). يشير إلى ما كان قبل الإسلام من الكفر والشرك وقتل بعضهم بعضًا ونهب بعضهم بعضًا وإتيان الفواحش.

قوله: (فجاءنا الله بهذا الخير) يعني الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش. زاد مسلم في رواية أبي الأسود عن حذيفة (فنحن فيه).

قوله: (فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم)، المراد بالشر ما وقع من الفتن بمقتل خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ذي النورين، وما بعده وهلم جرا، وقيل: ما يترتب على ذلك من عقوبات الآخرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وفيه دَخَنٌ). بدال مهملة وخاء معجمة مفتوحتين بعدهما نون: وهو الحقد والغل، وقيل: الدغل، وقيل: فساد في القلب، ومعنى الثلاثة متقارب، يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرًا خالصًا، بل فيه كدر، وقيل: المراد بالدَّخَن الدخان، ويشير بذلك إلى كدر الحال، وقيل: الدخن كل أمر مكروه، وقال أبو عبيد: يفسر المراد بالحديث الحديث الآخر: (لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه)، فكأن المعنى أن قلوبهم لا يصفو بعضها لبعض.

قوله: (قوم يَهْدُن بغير هديي) وفي رواية أبي الأسود: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي).

قوله: (تعرف منهم وتنكر) يعني: من أعمالهم، فالأعمال هي التي توصف بالمعرفة والإنكار، وليس المقصود بالذوات والأشخاص، وفي حديث أم سلمة عند مسلم: (فمن أنكر بريء ومن كره سلم).

قوله صلى الله عليه وسلم: (دعاة على أبواب جهنم) الدعاة: جمع داعٍ، والمراد: دعاة إلى غير الحق، وعلى أبواب جهنم: إطلاق ذلك عليهم باعتبار ما يؤول حالهم إليه، كما يقال لمن أمر بفعل محرٍم: وقف على شفير جهنم.

قوله: (هم من جلدتنا) أي: من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا، وفيه إشارة إلى أنهم من العرب، وقال الداوودي: أي من بني آدم، وقال القابسي: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون، ووقع في رواية أبي الأسود: (فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس). والجُثْمَان هو الجسد، ويطلق على الشخص. وقد نقل الإمام النووي والحافظ ابن حجر قول القاضي عياض: المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز، والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر: الأمراء بعده؛ فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل، وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور، قال ابن حجر: قلت: والذي يظهر أن المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى، وبالخير ما وقع من الاجتماع على علي ومعاوية، وبالدخن ما كان في زمنهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق وخلاف من خالف عليه من الخوارج، وبالدعاة على أبواب جهنم: من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم) يعني: ولو جار. ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: (ولو ضرب جارَ ظهرك وأخذ مالك). كان مثل ذلك كثيرًا في إمارة الحجاج وغيره.

قوله: (ولو أن تعض) أي: ولو كان الاعتزال بالعضِّ فلا تعدل عنه، وفي رواية عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة عند ابن ماجه: (فلأن تموت وأنت عاضّ على جِذْلٍ خير لك من أن تتبع أحدًا منهم). والجِذْلُ: عود يُنْصَبُ لتحتكَّ به الإبل.

وقوله: (وأنت على ذلك) أي: العض، وهو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطنيهم ولو عَصَوْا، قال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشاق، كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدة الألم. أو المراد: اللزوم كما في الحديث الآخر: (عضوا عليها بالنواجذ). قال ابن حجر: ويؤيد الأول قوله في رواية عبد الرحمن بن قرط عند ابن ماجه: (فلأن تموت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدًا منهم).

قال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور؛ لأن وصف الطائفة الأخيرة بأنهم (دعاة على أبواب جهنم)، ولم يقل فيهم: (تعرف وتنكر)، كما قال في الأولين، وهم لا يكونون دعاة على أبواب جهنم إلا وهم على غير حق، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة. قال الطبري: اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، [أي الأمر بلزوم الجماعة]، فقال قوم: هو للوجوب، والجماعة السواد الأعظم [أي عموم المسلمين] ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه أوصى من سأله لما قتل عثمان رضي الله عنه: (عليك بالجماعة، فإن الله تعالى لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة). وقال قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم، وقال قوم: المراد بهم أهل العلم؛ لأن الله جعلهم حجة على الخلق، والناس تبع لهم في أمر الدين، قال الطبري: والصواب أن المراد من الخير لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابًا فلا يتبع أحدًا منهم في الفرقة ويعتزل الجميع خشية من الوقوع في الشر.

قال ابن أبي جمرة: في الحديث حكمة الله تعالى في عباده كيف أقام كلا منهم فيما شاء؛ فحبب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعملوا بها ويبلغوها غيرهم، وحبب لحذيفة السؤال عن الشر ليجتنبه ويكون سببًا في دفعه عمن أراد الله له النجاة، وفي الحديث أيضًا سعة صدر النبي -صلى الله عليه وسلم-ومعرفته بوجوه الحكم كلها حتى كان يجيب كل من سأله بما يناسبه، ويؤخذ من الحديث أن كل من حبب إليه شيء يفوق غيره فيه، ومن ثَمَّ كان حذيفة صاحب السر الذي لا يعلمه غيره حتى خُصَّ بمعرفة أسماء المنافقين، وبكثير من الأمور التي تأتي في المستقبل.

ويؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلَّمَ التلميذُ من أنواع العلوم ما يراه مائلاً إليه مما هو مباح فإنه أجدر أن يسرع إلى فهمه والقيام به، وأن كل شيء يهدي إلى طريق الخير يسمى خيرًا، وكذا بالعكس.

ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلاً خلاف الكتاب والسنة وجعلهما فرعًا لذلك الأصل الذي ابتدعوه، وفيه رد الباطل وكل ما خالف الهدي النبوي ولو قاله من قاله من رفيع أو وضيع. اهـ.

قال السيد محمود شكري الآلوسي في (مختصر التحفة الإثني عشرية) عقب سياقه لهذا الحديث: فيا له من حديث اشتمل على علوم أخبر بها الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، عن فوائد جليلة تفيد العلم اليقين ؛ منها حرص الصحابة رضي الله تعالى عنهم على علم ما يستقيم به دينهم المتين، ومنها أن أول خير يقع في أمته فيه كدورة تذهب بصفائه، وفيه تغيير يغاير ما أمروا باقتفائه، ومنها أن يكون بعد ذلك دعاة من الأشرار، من أجابهم قذفوه – والعياذ بالله تعالى – في النار، فهم كذابون دجالون، ضالون مضلون.

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم). أخرجه الإمام مسلم وغيره.

ولقد صدق عليهم قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]، ومنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم-أمر من أدرك ذلك الزمان أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وهم الذين اتبعوا سنته ولزموا طريقته، فإن لم يكن لهم جماعة وكانوا غرباء فالواجب عليهم العزلة عن تلك الفرق كلها، ثم حرض النبي -صلى الله عليه وسلم-على هذا الاعتزال الذي فيه سلامة الدين بقوله على سبيل المبالغة: (ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك) العمل ؛ معرض عن كل ما يفسد عليك دينك الذي هو رأس مالك، صابر على تلك المعاطب والمهالك.

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، ومن يَعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).

فقد أوصانا -صلى الله عليه وسلم-بلزوم سنته وسنة الخلفاء الراشدين الذين هم على طريقته، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة والأخبار الرجيحة التي تحث على اتباع الكتاب وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-فإنهما الداعيان إلى سبيل العليم العلام. اهـ.

وبعـدُ، أخي المسلم رأيت كيف يخرج أناس عن جماعة المسلمين بمناهج لا تمت إلى كتاب الله تعالى، ولا إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بصلة ولا تصل إليهما بسبب، منهم من انتكست فطرهم كالروافض الاثنى عشرية الذين اخترعوا دينًا غير الإسلام يدينون لله به، يقوم على تكذيب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، متخذين أهواءهم آلهة؛ فَضَلُّوا على علم، زعموا أن القرآن محرف مبدل مغير فيه، ونسوا قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أو تناسوا ذلك وكفروا بهذا القول ونسجوا لأنفسهم خرافة سموها بالمهدي (قائم آل البيت) زعموا أنه أول ما يظهر سيحيي أبا بكر الصديق وعمر الفاروق – وزيري رسول الله -صلى الله عليه وسلم-– ويصلبهما ويحرقهما، وسيحيي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين وزوج رسوله الأمين وأحب أزواجه إليه، ويقيم عليها الحد – حد الزنى – وقد كفروا بما أنزل الله تعالى في براءتها قرآنًا يتلى في مساجد المسلمين إلى يوم القيامة، كما قال لها غير واحد من الصحابة منهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عندما زارها وهي في سياقة الموت.

ويتخذون النفاق دينًا باسم (التقية)، وهم يعملون الآن جاهدين لتفريق كلمة أهل السنة وزرع باطلهم داخل بلاد السنة، ينفقون الأموال الطائلة في ذلك، ويغرون شباب المسلمين بالسفر إلى بلادهم، وإغداق الأموال عليهم، بل جاءت أُسَرٌ منهم لتعيش في مصر لبث بذور الفساد في أهلها، ولا عجب في ذلك، فالله عز وجل يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أُوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].

ولكن العجب ممن يفرحون بهم ويدافعون عنهم ويشجعونهم على ذلك ممن عميت بصائرهم وانطمس الحق في قلوبهم فلم يفرقوا بين حق وباطل، وراحوا يروجون لضلالاتهم، بزعم الاستفادة من ثورتهم، أو من تصدى بعضهم لليهود – كما يزعمون – والحق أن الباطل كله باطل والضلال ضلال، ولكن يظن المغفلون أنهم سيركبون الشيعة لتحقيق أغراضهم السياسية، كما زعموا أنهم ركبوا قبل ذلك بعض الأحزاب في مصر، ليس اقتناعًا بما عليه الأحزاب، ولكن لاستغلالهم كأحزاب قائمة في الوصول إلى السلطة السياسية!!

وهؤلاء سوف يحاسبهم الله تعالى على ترويج الباطل والضلال والدفاع عنه، ولو كان بنية استغلال هذا الضلال لصالحهم، ولو زعموا أنهم أهل سنة إذ أنهم من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بعيدون كل البعد، فحديثنا هذا وغيره من الأحاديث ناطقة وشاهدة عليهم بشذوذهم وضلال مسلكهم، فبعضهم ينكر أن يكون للمسلمين جماعة ولا إمام، فنقول لهم: إن كان الأمر كذلك وهو بالنسبة لكم ذلك، فهل تعملون بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-باعتزال تلك الفرق ولزوم البيوت، أم أنكم تجاهدون بزعمكم لإيجاد الأمير؟

وبعضهم يقرأ الحديث ويفهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) هو لزوم الجماعة التي ينتمي إليها ويسمع ويطيع لأميرها، وهذا من أعجب العجب، ولقد نقلنا أقوال علماء الأمة أن المقصود بالجماعة السواد الأعظم، وليست الفرق التي تخرج على جماعة المسلمين، ولقد سمعت شريطًا لواحد من هؤلاء يناقش الشيخ الألباني رحمه الله تعالى – وكانت المناقشة في عمان الأردن وهو يدعو الشباب إلى الجهاد -، فقال له الشيخ: أي جهاد؟ قال: الجهاد!! فكرر عليه الشيخ السؤال، وهو يجب بنفس الجواب، وفي آخر الأمر قال له الشيخ: تحت أي راية نجاهد؟ وأين الأمير الذي يأمرك بالجهاد تحت رايته؟ فقال: لا يوجد أمير، فقال له الشيخ: أنت الآن تعتقد أن المسلمين ليس لهم جماعة ولا أمير؟ قال: نعم، قال: وتجاهد؟ قال: نعم نجاهد لإيجاد الأمير. قال الشيخ: تجاهد لإيجاد الأمير؟ أم أن الأمير هو الذي يأمرك بالجهاد؟ فأساء الأدب مع الشيخ، فقال له الشيخ بعدما عاتبه على سوء أدبه: إن كان المسلمون لا جماعة لهم ولا أمير، فبماذا أمرك نبينك؟ وساق له حديث حذيفة هذا.

نسأل الله أن يحفظ على المسلمين دينهم وعقيدتهم، وأن يحفظ علينا عقولنا، وأن يبصر الشباب بالحق، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 9735