النفاق وعلامات المنافقين
الحمد لله رب العالمين، نحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره شكرًا يستجلب المزيد من فضله، ونصلي ونسلم على خير خلقه وسيد ولد آدم نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (أربع من كُن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاتم فجر).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان).
الحديث الأول- حديث عبد الله بن عمرو- أخرجه الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه باب (علامات المنافقين) برقم (34)، وفي كتاب المظالم باب (إذا خاصم فجر) برقم (2459)، وفي كتاب الجزية والموادعة باب (إثم من عاهد ثم غدر) برقم (3178)، وكذا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب (بيان خصال المنافق) برقم (58)، وأخرجه الإمام أبو داود في كتاب السنة باب (الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه) برقم (4688)، وأخرجه أيضًا الإمام الترمذي في أبواب الإيمان باب (ما جاء في علامة المنافق) برقم (2632)، وكذا الإمام النسائي في كتاب الإيمان وشرائعه باب (علامة المنافق) برقم (5023)، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) بالأرقام (3/189، 198، 200).
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقد أخرجه الإمام البخاري في كتاب الإيمان باب (علامات المنافقين) برقم (33)، كما في كتاب الشهادات باب (من أمر باتخاذ الوعد) برقم (2682)، وفي كتاب الوصايا باب (قوله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} برقم (6095)، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان برقم (59)، وأخرجه أحمد في المسند بالأرقام (2/357، 397، 536)، وكذلك أخرجه الإمام الترمذي في أبواب الإيمان باب ما جاء في علامة المنافق برقم (2631)، والإمام النسائي في الصغرى في كتاب الإيمان وشرائعه باب (علامة المنافق) برقم (5024).
شرح الحديثين
أولاً: معنى النفاق:
النفاق معناه: إظهار الإيمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب، قال في اللسان: والنفاق: الدخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من وجه آخر، مشتق من نافقاء اليربوع، وقد تكرر في الحديث ذكر النفاق وما تصرف منه اسمًا وفعلاً، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب قبل الإسلام بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يظهر إيمانه ويبطن كفره، وإن كان أصله في اللغة معروفًا، يقال: نافق ينافق منافقة ونفاقًا.
ثانيًا: معنى الآية:
الآية هي العلامة، وإنما أفردت لإرادة الجنس، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الخصال كلها، قال الحافظ في الفتح: والأول أليف بنصيع المصنف- يعني البخاري رحمه الله تعالى- ولهذا ترجم بالجمع وعقّب بالمتن الشاهد لذلك، فترجمة البخاري للباب: (علامات المنافق). قال: وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ: (علامات المنافق).
قال الحافظ في الفتح: (قوله: آية المنافق ثلاث)، فإن قيل ظاهره الحصر في الثلاث، فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ: (أربع من كُن فيه... الحديث)؟ وأقول: ليس بين الحديثين تعارض ؛ لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق، لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق، على أن في رواية مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه ما يدل على إرادة عدم الحصر، فإن لفظه: (من علامة المنافق ثلاث)، وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال، فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت، وببعضها في وقت آخر، وقال القرطبي والنووي: حصل من مجموع الروايتين خَمْسُ خصال ؛ لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة، وزاد الأول الخلف في الوعد، والثاني الغدر في المعاهدة الخلف في الوعد كما في الأول، فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه لأن معناهما قد يتحد، وعلى هذا فالمزيد خصلة واحدة وهي الفجور في الخصومة، والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده، وهذا قد يندرج في الخصلة الأولى وهي الكذب في الحديث، ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أنها منبهة على ما عداها ؛ إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث: القول، والفعل، والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف ؛ لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أما لو كان عازمًا على الوفاء ثم عرض له مانع أو بداله رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق. اهـ. من الفتح باختصار. والله أعلم.
ثالثًا: شرح هذه العلامات:
قال الحافظ ابن رجب: والنفاق شرعًا ينقسم إلى قسمين: أحدهما النفاق الأكبر ؛ وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.
والثاني: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك.
وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث، وهي خمس:
أحدها: (إذا حدث كذب)، وهو أن يحدث بحديث لمن يصدقه به وهو كاذب له، قال الحسن: كان يقال: النفاق اختلاف السر والعلانية، والقول والعمل، والمدخل والمخرج، وكان يُقال: أُسُّ النفاق الذي بُني عليه النفاق الكذب. قلت: والتعبير يشعر أن هذه الخصلة المقصود بها كلما حدَّث كذب، فكان ديدنه الكذب لا يكاد يصدق في حديثه إلا قليلاً، فمن عُرِفَ عنه الكذب دائمًا فيخشى عليه النفاق، والله أعلم.
الثاني: (إذا وعد أخْلف)، وهو على نوعين: أولهما أن يعد ومن نيته أن لا يفي، وهذا أشر الخلف، ولو قال: أفعل كذا إن شاء الله تعالى، ومن نيته أن لا يفعل، كان كذبًا وخلفًا، قاله الأوزاعي: والآخر أن تَعِدَ ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له، فيخلف من غير عذر له في الخلف.
وقد روي عن ابن مسعود قال: لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له، وأخرج الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: جاء النبي -صلى الله عليه وسلم-إلى بيتنا وأنا صبي، فخرجت لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا أردت أن تعطيه؟) قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال: (أما إنك لو لم تعطيه كُتبت عليك كذبة). وذكر الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مَن قال لصبي: تعال هاكَ تمرًا، ثم لا يعطيه شيئًا فهي كذبة.
الثالث: (إذا خاصم فجر): ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدًا حتى يُصَيِّرَ الحق باطلاً والباطل حقًا، وهذا يدعو إليه الكذب. كما قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار). (متفق عليه).
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (إن أبغض الرجال إلى الله الأَلدُّ الْخَصِمُ). وفيهما من حديث أم سلمة رضي الله عنها: (إنكم لتختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي على نحو مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار). وفي البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا).
فإذا كان الرجل إذا قدره عند الخصومة- سواء كانت خصومته في الدين أو الدنيا- على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، يوهن الحق ويضعفه ويخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات، ومن أخبث خصال النفاق، وفي سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع).
الرابع: (إذا عاهد غدر)، أي: لم يَفِ بالعهد، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34]، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ...} [النحل: 91]، إلى غير ذلك من الآيات، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (لكل غادر لواءٌ يوم القيامة يعرف به). وفي رواية: (إن الغادر ينصب له لواءٌ يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان).
والغدر حرام بين المسلم وغيره، ولو كان المعاهد كافرًا، ولهذا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسًا معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا). [البخاري 6914]. وقد أمر الله تعالى بالوفاء بعهو المشركين ونقضها أعظم إثمًا، ومن أعظمها نقض عهد الإمام على من بايعه، ورضي به، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم). فذكر منهم: (ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه،إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلاَّ لم يفِ له). متفق عليه، ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها، ويحرم الغدر فيها جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر فيما فيه طاعة لله تعالى ونحو ذلك.
الخامس: (وإذا ائتمن خان):
فإذا ائتمن الرجل أمانة وجب عليه أن يؤديها، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أدِّ الأمانة إلى من ائمنك). (أبو داود والنسائي والحاكم، وصححه الألباني برقم (240) في صحيح الجامع). وقال -صلى الله عليه وسلم-في خطبته في حجة الوداع: (من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها). فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]، فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق.
وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه استنبط ما في هذا الحديث- حديث آية المنافق ثلاث- من القرآن، وقال: مصداق ذلك في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]، وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} إلى قوله تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} [الأحزاب: 72-73]، وروي عن ابن مسعود نحو هذا الكلام، ثم تلا قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 77].
وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية، كما قال الحسن رحمه الله: وقال الحسن أيضًا: من النفاق أيضًا اختلاف القلب واللسان، واختلف السر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج، وقال طائفة من السلف: خشوع النفاق أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع، وقد روي معنى ذلك عن عمر رضي الله عنه، وسئل حذيفة عن المنافق فقال: الذي يصف الإيمان ولا يعمل به. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قيل له: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال: كنا نعدها نفاقًا. (7178).
الصحابة كانوا يخشون النفاق على أنفسهم
عن حنظلة الأسيدي- وكان من كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قال: قلت: نافق حنظلة ؛ قال: سبحان الله ! ما تقول ؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك ؟) قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين. فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، إن لو تدمون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة). ثلاث مرات (مسلم 2750).
وقال البخاري في صحيحه- تعليقًا في كتاب الإيمان بصيغة الجزم في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-كلهم يخاف النفاق على نفسه، ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق- يعني النفاق. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخاف النفاق على نفسه حتى سأل حذيفة رضي الله عنه عن نفسه. وسمع رجلٌ أبا الدرداء رضي الله عنه يتعوذ من النفاق في صلاته، فلما سلم قال له: ما شأنك وشأن النفاق ؟ فقال: اللهم غُفْرًا- ثلاثًا- لا تأمن البلاد، والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه.
قال الحافظ ابن رجب بعد أن ساق ذلك: والآثار في ذلك عن السلف كثيرة جدًا.
حكم التعامل مع المنافقين
أما النفاق الأكبر- وهو الاعتقادي- الذي أصحابه في الدرك الأسفل من النار، فإن هذا الصنف من الناس ينبغي الإعراض عنهم كما ورد عن العز بن عبد السلام مستدلاً بقوله تعالى: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة: 95]، وهذا الإعراض يستلزم عدم التعامل أو التعاون معهم ؛ وذلك لنجاسة معتقداتهم وسوء مقاصدهم، وذكر العز بن عبد السلام أن علينا معشر المسلمين مجاهدة هؤلاء والغلظة عليهم وعلى الكافرين مستدلاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73].
وأما النفاق العملي الذي نحن بصدد الحديث عنه فإن أهله يحتاجون إلى مجاهدة ومصابرة للتخلص من هذه الخصال، ولا سيما إن كان في الشخص خصلة أو أكثر، فإنه يجب أن يحذر منها، وأن هجر إن كان الهجر يؤدي إلى زجره، أما إن كان الهجر لا يؤتي ثماره من زجره عما هو فيه فلينظر في وسيلة للأخذ بيد المسلم للتخلص من هذه الأخلاق الذميمة، وليعلم أن هذه الخصال إن تمادي فيها ودرج عليها فقد تؤدي به إلى النفاق الأكبر والعياذ بالله. وليعلم أيضًا أن هذه الخصال من كبائر الذنوب كل واحدة منها منفردة، فإذا اجتمعن في شخص كان منافقًا خالصًا كما جاء في بعض روايات البخاري لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
نسأل الله أن يجنبنا النفاق ويعيذنا منه، وأن يحسن أخلاقنا وأن يباعد بيننا وبين الأخلاق السيئة والسجايا الرذيلة، وأن يصلح أحوال المسلمين ويوحد صفوفهم تحت راية التوحيد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.