طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبب لدخول الجنة!!

2012-09-02

زكريا حسينى

طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبب لدخول الجنة!!

 الحمد لله رب العالمين، أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأمر العباد بطاعتهم ليهتدوا إلى صراط الله المستقيم، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبى). قالوا: يا رسول الله، ومَن يأبى ؟ قال: (مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى).

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في موضع واحد من صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برقم (7280)، كما أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (2/361)، كما أخرج من حديث أبي أمامة برقم (5/258) بلفظ: (ألا أكلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير عن أهله).

وأخرج الطبراني في الأوسط (812) عن أبي سعيد الخدري بلفظ: (والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد شراد البعير). قيل: يا رسول الله، ومن أبى أن يدخل الجنة ؟ فقال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار). وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ: (لتدخلن الجنة إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير). وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي.

شرح الحديث

يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته أمة الدعوة أنهم سيدخلون الجنة، وذلك لمن آمن به وصدقه واتبع النور الذي جاء به، فإنه أرسله ربه تبارك وتعالى لإنقاذ البشرية كلها من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وبين -صلى الله عليه وسلم- ذلك أبلغ بيان، وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليه آيات بينات واضحات تبين هذا، وتحث على تصديقه والإيمان به، وأمر سبحانه أهل الكتاب الذين أرسل فيهم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أن يتبعوه ويؤمنوا بما جاء به، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 157- 158].

كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن من أمته من هو مستثنى من دخول الجنة، وهو الذي يأبى دخول الجنة ويرفض ذلك، حتى عجب أصحابه -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم، فتساءلوا: ومَن يأبى يا رسول الله ؟ فعلق -صلى الله عليه وسلم- دخول الجنة بطاعته، وبين أن من يعصيه فهو الذي يأبى دخول الجنة.

وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

لقد فرض الله تعالى طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وهذا شأن المرسلين جميعًا، فالله عز وجل يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، فرسل الله تعالى أرسلوا إلى أقوامهم ليهدوهم إلى صراط الله المستقيم، ولن يتحقق الفلاح والفوز والنجاح لأمة إلا إذا أطاعت رسولها، فما من رسول أرسله الله تعالى إلى قومه إلا فرض طاعته عليهم حتى تتحقق ثمرة الدعوة، ورسل الله تعالى كلهم دعوا أقوامهم إلى توحيد الله تعالى، فالدين الذي جاءوا به كلهم هو الإسلام ؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وما من رسول أتى قومه إلا قال لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65]، وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73]، وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85]، وكذلك جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- أمته بالتوحيد فقال لهم أول ما قال: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا). وقال -صلى الله عليه وسلم- : (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله).

فالدعوة إلى التوحيد دعوة الرسل جميعًا، وهو أول ما أوجب الله على العباد أن يطيعوا فيه الرسل، وطاعة الله في شرعه لعباده المهمة الثانية بعد توحيد الله تبارك وتعالى، ولكل نبي شرعة ومنهاج أوجب الله على الأمة طاعة رسولها في هذه الشرعة.

فرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس بدعًا في ذلك، إنما هو على درب الرسل السابقين يسير، وعلى منهج الله تعالى الذي رسمه لعباده يهدي أمته إلى هذا المنهج، وهذا المنهج هو صراط الله المستقيم، فقال الله تعالى له: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى: 152، 153]، وقال تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الأحقاف: 9].

طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقرونة بطاعة الله تعالى

لقد قرن الله عز وجل طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بطاعته، وعطفها عليها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وهذا يفهم منه أن من أطاع الله ولم يطع رسوله فلا قيمة لطاعته لربه، كما أن من أطاع الرسول ولم يطع الله تعالى فطاعته أيضًا لا تساوي شيئًا حتى يجمع بين طاعة الله تعالى وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، كما أن الإيمان بالله مقرون بالإيمان بالرسول، فلا يقبل أحدهما بدون الآخر.

قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 32]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: 92]، وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 1]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20]، وقال جل من قائل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46]، وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} [النور: 54]، وقال جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، وقال جل ثناؤه: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 13]، وقال جل جلاله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ} [التغابن: 12]، وقال تبارك وتعالى: {وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: 14]، وقال تعالى مبينًا أن الجنة جزاء من أطاع الله ورسوله: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [النساء: 13، والفتح: 17]، وقال جل شأنه: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69]، وقال عز من قائل: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور: 52]، وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71]، وقال تبارك اسمه: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71]، وقال جل ثناؤه: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33].

طاعة الرسول طاعة لله وتؤدي إلى الجنة

ذكر الله تبارك وتعالى طاعة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- منفردة في كثير من الآيات، ورتب عليها الهداية والرحمة والنجاة من النار، كما جاء ذلك أيضًا في كثير من الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

أولاً: من القرآن الكريم:

قال تعالى: {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقال تبارك وتعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ} [النور: 54]، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال جل ثناؤه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]، إلى غير ذلك من الآيات.

ثانيًا: من السنة النبوية الشريفة:

قال -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: (من أطاعني دخل الجنة)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جاءت ملائكة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد، فمن أطاع محمدًا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدًا فقد عصى الله، ومحمد مرق الناس. [أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم (7281) من صحيحه].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني). أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. وقال ابن حجر في فتح الباري في أول كتاب الأحكام: ووقع عند أحمد وأبي يعلى والطبراني من حديث ابن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه، فقال: (ألستم تعلمون أن من أطاعني فقد أطاع الله، وإن من طاعة الله طاعتي؟) قالوا: بلى نشهد، قال: (فإن من طاعتي أن تطيعوا أمراءكم). وفي لفظ: (أئمتكم).

معصية الرسول مقرونة بمعصية الله تعالى

وكما أن طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرنت بطاعة الله تبارك وتعالى وعطفت عليها، فكذلك عطفت معصية الرسول على معصية الله سبحانه وقرنت بها، وهذا واضح في كثير من نصوص الكتاب والسنة ؛ فمن ذلك قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14].

وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [الجن: 23].

وقد تقدم من الأحاديث في هذا المعنى وهي كثيرة، فمعصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقرونة بمعصية الله تعالى.

معصية الرسول منفردة عن معصية الله تعالى مما يدخل النار

وقد وردت أيضًا معصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- منفردة عن معصية الله تعالى منهيًا عنها ومحذرًا منها، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216]، وعاتب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما عصوا أمره يوم أحد، فقال تعالى: {وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152]، وفي أخذ البيعة على النساء قال: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12]. وقال في وصف المنافقين: {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} [المجادلة: 8]، ونهى المؤمنين عن ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} [المجادلة: 9].

وقد تقدم من الأحاديث في هذا المعنى الكثير، ومن ذلك أيضًا حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا فقال: رأيت الجيش بعينَي، وإني أنا النذير العريان، فالنجاءَ النجاءَ، فأطاعه طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم). متفق عليه.

وكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حلوه جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل يَزَعُهُنَّ ويغلبنه، قَتَقْتَحِمْنَ فيها، فأنا آخذ بِجُزَكِم عن النار وأنتم تَقَحَّمُون فيها). متفق عليه.

وهكذا أيها المسلم يصور لك النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يدعوك إلى دخول الجنة والهرب من النار، يدعوك إلى الفوز بالجنة ويغيمها المقيم، ويبعدك عن النار وعذابها الأليم العظيم، وأنت تأبى وتمتنع عن طاعة رسولك -صلى الله عليه وسلم- ، فهو -صلى الله عليه وسلم- يدعوك إلى توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، ويدعوك إلى أداء فرائض الله تبارك وتعالى ؛ من الصلاة والمحافظة عليها وأدائها في جماعة، وإيتاء الزكاة لمستحقيها من الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، وعدم البخل بها، وصوم رمضان وحفظه من اللغو والرفث والغيبة والنميمة، وأداء الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، وتعجيله وعدم الإمهال والتراخي عنه، وكذا بر الوالدين والإحسان واجتناب عقوقهما، وصلة الأرحام واجتناب قطيعتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران وكف الأذى عنهم، وكف الأذى عن المسلمين، وعن الناس جميعًا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما دعانا إلا إلى خير لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، ولم يأمرنا إلا بما فيه فوزنا بالجنة والنجاة من النار، ولكن بعض الناس يأبى هذه الدعوة ويرفضها، ويرضى لنفسه أن يوردها النار.

فبالله كيف يسوغ لعاقل أن يرفض هذه الدعوة وينفر منها ويعرض عنها ؟ ويأباها ولا يقبلها، ويرضى لنفسه النار وهو يعلم أنها بئس القرار.

ولقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الجنة حفت بالمكاره، والمقصود التكاليف الشرعية ؛ وفيها كف النفس عن شهواتها وكبح جماحها عن ما تريده من الآثام، ومتاع الدنيا الزائل القليل إرضاءً للرب الجليل، والشهوات منها ما أباحه الله تعالى لكنه ذكره في مقام النقص والعيب مفضلاً غيره عليه، كما في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ} [آل عمران: 14]، ثم عقَّب ذلك بقوله جل ذكره: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15]، فذكرت الشهوات المباحة ثم ذكر بعدها ما هو خير منها وأفضل لينوه أنها ليس الخير فيها وإنما في غيرها.

ومن الشهوات ما هو محرم مقطوع بحرمته فيجب على العاقل أن يبتعد عنه كالزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من الشهوات التي حفت بها النار، فهذه من شهوات النفس الأمارة بالسوء، ومنها الغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل والاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، فذلك مما حرمه الله تعالى، فإذا ركن العبد إلى هذه الشهوات فقد عصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأعرض عن دعوته وأبى الاستجابة له وحينئذ يحرم نفسه الجنة ويردها النار، كما شبهه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالبعير الذي يشرد عن أهله.

وأخيرًا ففي هذا الحديث، بل في هذه النصوص من الكتاب والسنة ما يوجب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- والعمل بسنته، وفيه رَدٌّ على من يقولون: نكتفي بالقرآن عن السنة، ونحن نؤمن ونوقن أن من لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن، وها أنت قد رأيت نصوص القرآن المتضافرة المتوافرة على وجوب طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهل طاعته إلا الامتثال لسنته والعمل بها، فمن آمن بالقرآن وصدقه أداه ذلك ولا بد للإيمان بالسنة وتصديقها والعمل بها، وأما من يطعنون في السنة لأن نقلتها من البشر وأن البشر غير معصوم، فدعواهم هذه من أبطل الباطل ؛ لأن بها يُرَدُّ كل علم، فإن القرآن، وهو وحي الله تعالى المتلو – نَقَلَتُهُ من البشر، وكذا السنة، وهي وحي الله غير المتلو – لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كما قال رب العزة تبارك وتعالى، كذلك نقلتها من البشر وهم أيضًا نقلة القرآن، بل إن العلوم التجريبية سترد بهذه الدعوى لأنها من علوم البشر وتوصل إليها البشر واكتشفها البشر ونقلها البشر، والبشر غير معصوم، إذن لا نصدق – بناءً على هذه الدعوى الفاسدة – أي علم تجريبي ولو أجمع عليه البشر!!

وأما قول من قال: إن السنة دخل فيها ما ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- – بل هو مكذوب عليه، فنقول: إنَّ اكتشاف الكذب في بعض الأحاديث دليل على حفظ الله تعالى لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ؛ إذ أن الله تعالى قيض لسنة نبيه جهابذة صيارفة يميزون صحيحها من ضعيفها بدقة بالغة، فوجود المكذوب في الحديث واكشافه دليل على حماية الله تعالى لهذه السنة وحفظه لها، وإلا كان اختلط على الناس الصحيح بالمكذوب فلم يجيزوا بين هذا وذاك، ولكن الله تعالى حافظ دينه وحافظ وحيه كتابًا وسنة، وكذلك من يتوهمون وجود أحاديث تتعارض مع آيات من القرآن، فيقولون: نطرح هذه الأحاديث ونأخذ بالقرآن، نقول لهم: إن هذا مجرد توهم منكم، فقد جمع العلماء – قديمًا وحديثًا – بين النصوص التي ظاهرها التعارض بما يكفي ويشفي، سواء كانت هذه النصوص من القرآن – آيات يعارض ظاهرها آيات أخر – أم من السنة – أحاديث يعارض ظاهرها أحاديث أخر – أم من القرآن والسنة – آيات يعارض ظاهرها أحاديث. فنقول لمن يردون الأحاديث لتعارضها مع بعضها، أو لتعارضها مع آيات القرآن، نقول لهم: إذا تعارضت آية مع آية أخرى في نظركم فبأي الآيتين تأخذون ؟ وأيها تتركون ؟ والله إن هذا لبهتان عظيم، ونقول لهم: إنكم فتحتم الباب لأعداء الإسلام بفلسفتكم الفارغة هذه، ولو أنكم صدقتم الوحيين وآمنتم بهما ؛ ما تفوهتم بمثل هذا الهراء، ولكن الهدى هدى الله، يهدي من يشاء من عباده برحمته، ويضل من يشاء منهم بعدله.

وأما أعداء الإسلام الذين يشككون في السنة فهم لا يكتفون بالتشكيك في السنة، بل يشككون في القرآن، ويشككون في ذات الله تعالى وصفاته، ويشككون في رسله، ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر، فهؤلاء نقول لهم: إن الذي يعيش في تيه وضلال وحيرة يحتاج إلى من يرشده ويهديه ويسدده فهو يعيش حيران في الأرض لا يهتدي إلى شيء ولا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، حياته بهيمية يعيش كالأنعام بل هو أضل سبيلاً، فيكف ينتقد من كان على الصراط المستقيم، ولو قارن بين حياته وحياة المسلمين واستخدم عقله الذي كرمه الله به لتغير حاله، وطلب الهداية من ربه وسعى إلى مسلم يعرفه كيف يلجأ إلى ربه وكيف يعبده ويؤمن به، وهذا ما يحدث لكثير منهم، لكن من كان له قلب واستجاب لنداء فطرته التي فطره الله عليها، أما من انتكست فطرته وعميت بصيرته فيظل حيران يتيه في الأرض حتى يموت كالحيوان، لا يدري لم خُلق ولا مم خلق.

نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمته الهداية إلى الإسلام فإنها أعظم نعمة، كما نسأله سبحانه أن يديم علينا نعمة السنة والجماعة، وأن يديم علينا الطاعة – طاعة الله ورسوله – وأن يجنبنا المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

عدد المشاهدات 24652