التبرك

2013-04-14

صلاح الدق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

معنى التبرك:

التبرك في اللغة:

 التَّبَرُِّكُ:مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَرَكَةُ، وهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ.وَالتَّبْرِيكُ: الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ. يُقَالُ:تَبَرَّكَ بِهِ:أَي تَيَمَّنَ بِهِ.(مختار الصحاح للرازي صـ33)

التبرك في الشرع:

البَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشيء.والمُبَارَك: ما فيه ذلك الخير. (المفردات للراغب الأصفهاني صـ119)

أنواع التبرك:

التبركُ نوعان:تبركٌ مشروعٌ وتبركٌ ممنوعٌ.

وسوف نتحدثُ عن كُلٍ منهما.

أولاً:التبرك المشروع:

المقصود بالتبرك المشروع:هو التبركُ الذي ثبتت مشروعيته بالقرآن والسُّنة.

أنواع التبرك المشروع:

أولا: العبادة في أماكن معينة:

هنالك أماكن معينة اختصها اللهُ تعالى بمزيدٍ من الفضل والثواب، وجعلَ فيها البركةَ لمن قصدها للعبادة بشرط إخلاص العمل لله، ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومن هذه الأماكن المباركة:المساجد، وخاصة المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، والمسجد الأقصى بفلسطين، ومسجد قُباء، وكذلك مكة والمدينة، فمن سكنهما، التماساً للبركة، نالها بإذن الله تعالى، وكذلك المشاعر المقدسة، مثل:عَرفة والمزدلفة ومِنى، لمن يقوم بأداء مناسك الحج.

(1) روى أحمدُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ . ( حديث صحيح ) ( مسند أحمد جـ23 صـ46حديث: 14694)

(2) روى الحاكمُ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى. ( حديث صحيح ) ( صحيح الترغيب للألباني جـ 2 حديث1179 )

(3) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- : مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ.(مسلم حديث: 2699)

(4) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ. (البخاري حديث: 659/ مسلم حديث: 649)

(5) روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا(أنواعٌ من المكاييل) بِمِثْلَيْ(ضِعف) مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ» (مسلم حديث:1360)

ثانياً:العبادة في أوقات معينة:

هناك أوقات معينة، اختصها الله تعالى بمزيد من الفضل والثواب، وجعل فيها البركة لمن تحرى العبادة فيها، ومن هذه الأوقات:شهر رمضان، وليلة القدر، والعشر الأوَائل من شهر ذي الحجة، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل.

(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:َمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ . ( البخاري حديث 2014 / مسلم حديث 760 )

(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ . ( البخاري حديث 2009 / مسلم حديث 759 )

(3) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ . ( البخاري حديث 2014 / مسلم حديث 760 )

(4) روى البخاريُّ وأبو داودَ (وهذه رواية أبي داود) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- : مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ . (البخاري حديث 969 / صحيح أبى داود للألباني حديث 2130)

(5) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- : سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ . وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ . ( مسلم حديث 197 )

(6) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. (البخاري حديث 881/مسلم حديث 85)

(7) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ . ( البخاري حديث 1145 / مسلم حديث 758 )

ثانياً:التبرك الممنوع:

 المقصود بالتبرك الممنوع: هو التبركُ بما لم يَثْبُتْ بدليلٍ ، من القرآن والسُّنة، جواز التبرك به، لأنه قد يكون وسيلةٌ إلى الشرك بالله تعالى.

أنواع التبرك الممنوع:

(1) التبرك بالأحجار والأشجار وغيرها:

مِن أصول عقيدة أهل السُّنة والجماعة أن التبرك عبادةٌ، أساسها اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز التبرك بالتمسح بالكعبة أو أخْذُ شيءٍ من كسوتها، التماساً للبركة، ولا يجوز التمسح بمقام إبراهيم، أو بقبر نبينا -صلى الله عليه وسلم-أو بمكان مولده -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز دعاء الله تعالى عند قبر أحدٍ من الصالحين، التماساً للبركة، فضلاً عن التماس البركة عند أماكن معينة، كغار حراء، الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعبد فيه قبل البعثة، أو غار ثور،

الذي اختبأ فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-وأبو بكر الصديق، ولا يجوز التمسح بأحجار معينة، كالحجر الأسود، وهو الجائز هو تقبيله فقط، وهذا التقبيل ليس طلباً للبركة، وإنما استناناً بسُّنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز التبرك بالتمسح بجدران المسجد الأقصى، ولا يجوز التماس البركة عند أشجار معينة، كشجرة بيعة الرضوان، أو أماكن معينة، مثل مكان غزوة بدر، أو عند جبل أُحُدٍ، أو عند جبل الطور بسيناء، وهو الذي كلَّمَ عليه الله تعالى نبيه موس -صلى الله عليه وسلم- أو غير ذلك من الأماكن التي لم يشرع نبينا -صلى الله عليه وسلم- التبرك عندها، ولا يجوز التبرك بأحجار أو بتراب مكة أو المدينة، أو جبل الرحمة أو مزدلفة أو غيرها من المشاعر المقدسة، ولا يجوز التمسح بأعمدة المسجد الحرم أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى أو غيرها من المساجد، ، لأن ذلك لم يثبت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحدٍ من الصحابة أو التابعين.وسوف نذكر الأدلة على ذلك.

(1) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ.» (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث:1796)

(2) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف: 138) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. (حَدِيثٌ صَحِيحٌ) (صحيح الترمذي للألباني حديث:1771)

(3) روى الشيخانِ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ:«إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» (البخاري حديث: 1597/مسلم حديث: 1270)

قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني(رحمه الله): فِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا التَّسْلِيمُ لِلشَّارِعِ -صلى الله عليه وسلم-فِي أُمُورِ الدِّينِ وَحُسْنُ الِاتِّبَاعِ فِيمَا لَمْ يَكْشِفْ عَنْ مَعَانِيهَا وَهُوَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَفْعَلُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمِ الْحِكْمَةَ فِيهِ وَفِيهِ دَفْعُ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْجُهَّالِ مِنْ أَنَّ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ خَاصَّةً تَرْجِعُ إِلَى ذَاتِهِ وَفِيهِ بَيَانُ السُّنَنِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا خَشِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ فِعْلِهِ فَسَادَ اعْتِقَادٍ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى بَيَانِ الْأَمْرِ وَيُوَضِّحَ ذَلِكَ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ3صـ541)

(4) روى ابنُ سَعدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا شَجَرَةُ الرِّضْوَانِ فَيُصَلُّونَ عِنْدَهَا.قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَوْعَدَهُمْ فِيهَا(أي حذرهم من الذهاب إليها التماساً للبركة) وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ.

 (إسناده صحيح)(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ2صـ100)

(5) روى أحمدٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، أَبَا هُرَيْرَةَ، وَهُوَ جَاءٍ مِنَ الطُّورِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنَ الطُّورِ(جبل الطور بسيناء)، صَلَّيْتُ فِيهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَرْحَلَ إِلَيْهِ مَا رَحَلْتَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.(حديث صحيح)(مسند أحمد جـ23صـ270حديث: 23850)

(6) روى ابنُ وَضَّاحٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا صَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ(الصبح) ، ثُمَّ رَأَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ مَذْهَبًا فَقَالَ: أَيْنَ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُمْ يَأْتُونَ يُصَلُّونَ فِيهِ ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِمِثْلِ هَذَا ، يَتَّبِعُونَ آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ فَيَتَّخِذُونَهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا ، مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ فَلْيُصَلِّ ، وَمَنْ لَا فَلْيَمْضِ، وَلَا يَعْتَمِدْهَا» (إسناده صحيح)(البدع لابن وضاح صـ87حديث:100)

(2) التبرك بآثار الأولياء والصالين:

 لا يجوز التبرك بآثار أحدٍ مِن الأولياء والصالحين، لأن ذلك لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة أو التابعين، وهم أعلمُ الأمة، وأحرص الناس على الخير، ولو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه، ولا يجوز التبرك بالطواف حول قبور الصالين والدعاء عندهم.

التبرك بآثار نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاصةٌ به فقط :

 كان الصحابة، رضي الله عنهم، يتبركون بوَضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- وشَعره، وعَرَقه، وجسمه، وملابسه وأدواته ، وهذا أمرٌ خاصٌ به -صلى الله عليه وسلم- وحده، فلا يُقاسُ على ذلك أحدٌ غيره من الأولياء والصالحين.وسوف نذكر بعض أقوال أهل العِلْم في هذه المسألة:

(1) قال الإمامُ الشاطبي(رحمه الله):"ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِأَشْيَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".ثم ذَكَرَ(رحمه الله)بعض الأدلة من السُّنة على ذلك.(الاعتصام للشاطبي جـ1صـ481)

وقال الإمامُ الشاطبي(رحمه الله) أيضاً ـ وهو يتحدث عن عدم جواز التبرك بأحدٍ من الصالحين ـ :إنَّ الصَّحَابَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ لَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ خَلَّفَهُ، إِذْ لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ فِي الْأُمَّةِ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، فَهُوَ كَانَ خَلِيفَتَهُ، وَلَمْ يُفْعَلْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، وَهُوَ كَانَ فِي الْأُمَّةِ بَعْدَهُ، ثُمَّ كَذَلِكَ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ سَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَا أَحَدَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ فِي الْأُمَّةِ، ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ مَعْرُوفٍ أَنَّ مُتَبَرِّكًا تَبَرَّكَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ تِلْكَ الْوُجُوهِ أَوْ نَحْوِهَا، بَلِ اقْتَصَرُوا فِيهِمْ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالسِّيَرِ الَّتِي اتَّبَعُوا فِيهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ إِذًا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. (الاعتصام للشاطبي جـ1صـ482)

(2) قال الإمامُ الألباني(رحمه الله): إننا نؤمنُ بجواز التبرك بآثاره -صلى الله عليه وسلم-، ولا ننكره ، ولكن لهذا التبرك شروطاً منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا، كما يُشترطُ للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره -صلى الله عليه وسلم- ويستعمله، ونحن نعلم أن آثاره -صلى الله عليه وسلم- من ثياب أو شعر أو فضلات قد فُقدت، وليس بإمكان أحدٍ إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا، ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه. (التوسل للألباني صـ144)

(3) قال عبد الرحمن بن حسن بن عبد الوهاب(رحمه الله): وأما ما ادَّعَاهُ بعضُ المتأخرين من أنه يجوز التبرك بآثار الصالحين فممنوع من وجوه:

(1) منها:أن السابقين الأولين من الصحابة ومن بعدهم لم يكونوا يفعلون ذلك مع غير النبي صلى الله عليه وسلم، لا في حياته ولا بعد موته، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

(2) ومنها :أنه لا يجوز أن يقاسَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ من الأمة، وللنبي صلى الله عليه وسلم في حال الحياة خصائص كثيرة لا يصلح أن يشاركه فيها غيره.

(3) ومنها: أن المنع عن ذلك سداً لذريعة الشرك كما لا يخفى. (فتح المجيد صـ163:162)

(4) قال الإمامُ عبد العزيز بن باز(رحمه الله) وهو يتحدث عن عدم جواز التبرك بأحدٍ من الصالحين ـ:

لا يجوز التبرك بأحد من الصالحين لوجهين :

أحدهما :أن الصحابة لم يفعلوا ذلك مع غير النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان خيراً لسبقونا إليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُقاسُ عليه غيره لما بينه وبين غيره من الفروق الكثيرة.

الوجه الثاني: سد ذريعة الشرك، لان جواز التبرك بآثار الصالين يفضي إلى الغُلو فيهم وعبادتهم من دون الله، فوجب المنع من ذلك.تعليق ابن باز على فتح الباري للعسقلاني جـ3 صـ173)

(5) قال الدكتور/عبد الله بن جبرين:وردت أدلةٌ كثيرةٌ تدلُ على مشروعية التبرك بجسدِ وآثار النبي -صلى الله عليه وسلم-، كشَعره وعَرَقِه وثيابه وغير ذلك.أما غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأولياء والصالحين فلم يَرِد دليلٌ يدلُ على مشروعية التبرك بآثارهم، ولذلك لم يَرِد عن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولا عن أحدٍ من التابعين أنهم تبركوا بآثار أحدٍ من الصالحين، فلم يتبركوا بأفضل هذه الأمة بعد نبيها، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولا بغيره من العشرة المبشَّرين بالجنة، ولا بأحد من أهل البيت ولا غيرهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، لحرصهم الشديد على فعل جميع أنواع البر والخير، فإجماعهم على ترك التبرك بآثار غيره -صلى الله عليه وسلم- من الصالحين دليلٌ صريحٌ على عدم مشروعيته. وعليه فإن من تبرك بذات أو آثار أحدٍ من الصالحين غير النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عصى الله تعالى، وعصى نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم-. (تسهيل العقيد لعبد الله بن جبرين صـ120:119)

(6) قالت اللجنة الدائمة بالسعودية:

التبرك بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وعرقه وماء وضوئه إنما كان جائزاً في حال حياته -صلى الله عليه وسلم- ، وإمكان الحصول على هذه الأشياء منه، أما بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- فلا يمكن ذلك؛ لانقطاع هذه الآثار بموته -صلى الله عليه وسلم- وانتقاله من هذه الدنيا. (فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية جـ1صـ161)

الأدلة على أن تبرك الصحابة كان بآثار نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقط :

(1) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-كَانَ إِذَا اشْتَكَى(أصابه المرض) يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا» (البخاري حديث: 5016/مسلم حديث: 2192)

النفث : النفخ مع ريق لطيف يُجعل في اليدين عقب قراءة المعوذات .

(2) روى البخاريُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الجُلْجُلِ(وعاء)، فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا. (البخاري حديث: 5896)

(3) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «أَبْشِرْ» فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فَقَالَ: «رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا» قَالاَ: قَبِلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا» . فَأَخَذَا القَدَحَ فَفَعَلاَ، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلاَ لِأُمِّكُمَا، فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً(بقية من الماء).(البخاري حديث: 4328/مسلم حديث: 2497)

(4) روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- نَامَ فِي بَيْتِكِ، عَلَى فِرَاشِكِ، قَالَ فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ(اجتمع) عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ(جلد)، عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا(صندوق صغير) فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ(استيقظ) النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: «أَصَبْتِ.» (مسلم حديث:2331)

(5) روى الشيخانِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ «فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ(مثل بيض الحمامة )» (البخاري حديث:190 /مسلم حديث: 2345)

(6) روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا» (مسلم حديث:2324)

(7) روى مسلمٌ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالكٍ، قَالَ: لَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ» (مسلم حديث: 2325)

قال الإمامُ النوويُ(رحمه الله) هذان الحديثان فيهما بَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَبَرُّكِهِمْ بِإِدْخَالِ يَدِهِ الْكَرِيمَةِ فِي الْآنِيَةِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِشَعْرِهِ الْكَرِيمِ وَإِكْرَامِهِمْ إِيَّاهُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ سَبَقَ إِلَيْهِ. (مسلم بشرح النووي جـ8صـ91)

(8) روى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نِطَعًا، فَيَقِيلُ(ينام وقت الظهيرة) عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ(بساط من الجلد)» قَالَ: «فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ(زجاجة)، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ(نوعٌ مِن الطِّيب)» قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الوَفَاةُ، أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ(الطيب المخلوط الذي يُوضعُ للميت خاصة). (البخاري حديث: 6281)

(9) روى الشيخانِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَنَا: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» ، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَنَزَعَ مِنْ حِقْوِهِ إِزَارَهُ، وَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ(الإشعار:هو الثوب الذي يلي بشرة الإنسان»

(البخاري حديث:1257/ مسلم حديث: 939)

قال الإمامُ النوويُ(رحمه الله) :مَعْنَى أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ اجْعَلْنَهُ شِعَارًا لَهَا وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ سُمِّيَ شِعَارًا لِأَنَّهُ يَلِي شَعْرَ الْجَسَدِ. وَالْحِكْمَةُ فِي إِشْعَارِهَا بِهِ تَبْرِيكُهَا بِهِ فَفِيهِ. (مسلم بشرح النووي جـ4صـ8)

(10) روى البخاريُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْسُوكَ هَذِهِ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَ هَذِهِ، فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: «نَعَمْ» فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لاَمَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا. (البخاري حديث: 6036)

أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين .

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عدد المشاهدات 10426