باب الخطب المنبرية المكتوبة بعنوان [ الخطب المهمة لدعاة الأمة]

إعداد اللحنة العملية

إشراف ومراجعة

فضيلة الشيخ د/ صبري عبد المجيد

وفضيلة الشيخ / أحمد سليمان

عنوان الخطبة : وظائف شهر شعبان

عناصر الخطبة

التعريف وسبب التسمية

فضائل شهر شعبان

حكم الصيام بعد منتصف شعبان

حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين

أقوال السلف في شهر شعبان

وصايا عملية وتهيئة ايمانية تعبدية لشهر شعبان

من بدع النصف من شعبان

" name="description">

وظائف شهر شعبان

2013-06-15

عبد الرحمن الفواخري

وظائف شهر شعبان

التعريف وسبب التسمية :

شَعْبَانُ: اسمُ شهرٍ من الشُّهور علم على الشهر المعروف.وشَعْبَانُ: موضع بالشَّام.وشَعبانُ: حيٌّ من الْيمن.

قال الأزدي علي بن الحسن الملقب «كراع النمل» ت 321: وَقد سمي شعْبَان لتشعبهم فِيهِ أَي تفرقهم فِي طلب الْمِيَاه. ([1])وقال المناوي زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف(ت : 1031هـ): إنما سمي شعبان لأنّه يتشعّبأي يتفرّع فيه خير كثير للصائم ". الفيض(2597)

فضائل شهر شعبان

(1) مقدمة لموسم المغفرة :

عنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ».([2])اطْلُبُوا الْخَيْر مدّة حَيَاتكُم جَمِيعهَا وتعرّضوا لنفحات رَحْمَة الله وعطاياه الَّتِي تهب من ريَاح رَحمته فَإِن لله نفحات من خَزَائِن رَحمته يُصِيب بهَا من يَشَاء من عباده الْمُؤمنِينَ فدوموا على الطّلب فَعَسَى أَن تصادفوا نفحة مِنْهَا فتسعدوا سَعَادَة الْأَبَد وسلوا الله تَعَالَى واطْلُبُوا مِنْهُ قيَاما وقعودا وعَلى جنوبكم وَفِي حَال الشّغل بِالتَّصَرُّفِ فِي معاشكم أَن يستر عوراتكم وكل مَا يستحي مِنْهُ إِذا ظهروَأَن يُؤمن فزعاتكم.

وعن أبي هُريرةقال عليه الصلاة والسلام: بادروا بالأعمال سبعا، هلتنتظرون إلا فقرا منسيا؟ أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو موتا مجهزا، أوهرما مفندا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر" ([3])

وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تَعُوقُ عَنِ الْأَعْمَالِ، فَبَعْضُهَا يَشْغَلُ عَنْهُ، إِمَّا فِي خَاصَّةِ الْإِنْسَانَ،كَفَقْرِهِ وَغِنَاهُ وَمَرَضِهِ وَهَرَمِهِ وَمَوْتِهِ، وَبَعْضُهَا عَامٌّ، كَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَكَذَلِكَ الْفِتْنُ الْمُزْعِجَةُ.

اغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ ... فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَةْ

كَمْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ ... ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَةْ

مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا ... وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ

فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً ... فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ

فَيَوْمُكُ إِنْ أَعْقَبْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ عَلَيْكَ ... وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ وَلَا

تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ ... لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ([4])

(2) تخصيصه بعبادة الصوم :

وَإِنَّمَا شَرُفَ شَعْبَانُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ، وَيُبَيِّنُ بِخُصُوصِيَّةِ صِيَامِهِ مَحَلَّهُ. ([5]) فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان زاد البخاري في رواية: كان يصوم شعبان كله ولمسلم في رواية: كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا ([6])وفي رواية النسائي عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة تقول : كان أحب الشهور إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان)) . ([7])

وعن أم سلمة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. ([8])

وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم لميستكمل صيام شعبان وإنما كان يصوم أكثره ويشهد له حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمته تعني النبي صلى الله عليه وسلم صام شهرا كله إلا رمضان([9])وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان . ([10])

وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان يقول : (( خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوام عليه وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة دوام عليها )) ([11])

قال النوويأبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ): "وقولها كانيصوم شعبان كله كان يصومه إلا قليلا الثاني تفسير للأول، وبيان أن قولهاكله أي غالبه، وقيل: كان يصومه كله في وقت ويصوم بعضه في سنة أخرى وقيل كانيصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة بينهما وما يخلى منه شيئا بلا صياملكن في الحديث الآخر إن أفضل الصوم بعدرمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم فالجواب لعله لم يعلمفضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيهأعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما" . ([12])

وقال الترمذي:محمد بن عيسى أبو عيسى (المتوفى: 279هـ) "قال عبد الله بن المبارك: جائز في كلام العرب أن يقال: صام الشهر كله إذا صام أكثره إن شاء الله([13])" .

وقال ابن حجرا العسقلاني (773هـ: كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان.وقيل لم يصمه كلّه لئلا يظنّ وجوبه. ([14])

وقال الزرقانيمحمد بن عبد الباقي المصري الأزهري1122هـ : وجمع أيضا بأنّ قولها: كان يصوم شعبان كلّه" محمول على حذف أداة الاستثناء والمستثنى، أي إلا قليلا منه وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا قَلِيلًا»([15])

وعن زيد بن أبي أسلم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم رجب فقال: "أين أنتم عن شعبان([16])

وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله - أو سأل رجلاً وعمران يسمع -فقال : (( يا فلان أما صمت من سرر هذا الشهر ؟)) . قال : أظنه يعني رمضان ، قال الرجال: لا يا رسول الله . قال : ((فإذا أفطرت فصم يومين )) ([17]) «مِنْ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ» وَسَطَهُ.وقيل أوله أو آخره.

فَحَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَصُمْ مِنْهُ أَنْ يَصُومَ بَعْدَ فِطْرِ رَمَضَانَ يَوْمَيْنِ، وَذَلِكَ لِبَرَكَةِ شَعْبَانَ.وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ إِذَا فَاتَتْ فَإِنَّهَا تُقْضَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» يَعْنِي: لِمَنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِصِيَامِ شَعْبَانَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ». ([18])

قال ابن رجب: وعلىهذا فيرجح حديث أبي هريرة، على حديث عمران؛ فإنّ حديث أبي هريرة فيه نهيعام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به. وأما حديث عمران فهي قضيةعين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدّم به جمعابين الحديثين. ([19])" .

(3) شهر فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى:

فعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )) .([20]) ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة العظيمة؛ منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، فهو الموسم الختامي لصحيفتكوحصاد أعمالك عن هذا العام، فانظر بم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراكالله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله.

(4) التدرب على صفة الحياء من الله:

وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". ففي الحديث قمةالحياءمن الله عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بألا يراه الله إلا صائمًا

فعن أُسَامَةَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»([21])

(5) يغفل عنه كثير من الناس تعمير أوقات غفلة الناس بالطاعة والعمل الصالح:

قال الحبيب: صلى الله عليه وسلم فيما رواه أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ.فيه استحباب عمارة أوقات الغفلة بالطاعة وأنّ ذلك محبوب إلى الله" .فهو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني فإن لله في أيام دهره لنفحات يتفضَّل بها على عباده بالطاعات والقربات،ويتكرَّم بها عليهم بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، ومن تلك الأشهرشهر شعبان. ([22])

(6) دعوة كريمة للتسابق والمسارعة إلى الخيرات :

يقول الحق سبحانه وتعالى: وسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران الآية 133) أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها من الاستغفار والتوبة والأعمال الصالحة.، ثم وصف المتقين وأعمالهم

ويقول تعالى: سَابِقُواإِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِوَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَفَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . (الحديد الآية 21). ويقول تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ . (البقرة: من الآية 148).

(7) فيه ليلة النصف من شعبان :

[ينزل الله تبارك وتعالى الى السماء الدنيا [يطلع الله عزوجل الى خلقه] [اذا كان] _ ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده _ [فيغفر لجميع خلقه] _ [فيغفر لاهل الارض] _ [ فيغفر لكل البشر ] الا لاثنين مشاحن او قاتل نفس _ [الا لمشرك او مشاحن] _ [ ما خلا كافر او رجلا في قلبه شحناء ]. ([23])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : قد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف منكان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة. ومن العلماء: من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف، من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: «إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب». وقال: لا فرق بينها وبين غيرها. لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن . وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر.فأما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزينة، هو من المواسم المحدثة المبتدعة، التي لا أصل لها.وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف، من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدروب والأسواق. فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد، وقدر من القراءة لم يشرع، مكروه. فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه.الاقتضاء 2 / 137

حكم الصيام بعد منتصف شعبان

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان. ([24])

قَالَ ابن رجب : واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به:

فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم وقالوا: هو حديث منكر منهم الرحمن بن المهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه ورده بحديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين" فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين وقال الأثرم الأحاديث كلها تخالفه يشير كلها تخالفه يشير إلى أحاديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله ووصله برمضان ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين فصار الحديث حينئذ شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة

وقال الطحاوي هو منسوخ وحكى الإجماع على ترك العمل به وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به وقد أخذ آخرون منهم الشافعي وأصحابه ونهو عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة

ثم اختلفوا في علة النهي فمنهم من قال: خشية أن يزاد في شهر رمضان ما ليس منه وهذا بعيد جدا فيما بعد النصف وإنما يحتمل هذا في التقديم بيوم أو يومين ومنهم من قال: النهي للتقوى على صيام رمضان شفقة أن يضعفه ذلك عن صيام رمضان ويرد هذا صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله أو أكثره ووصله برمضان هذا كله بالصيام بعد نصف شعبان. وأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر([25]) .

فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال

أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطا لرمضان فهذا منهي عنه .

والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور .

والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل وإن وافق صوما كان يصومه ورخص فيه مالك ومن وافقه وفرق الشافعي والأوزاعى وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا وكذلك يفرق بين صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضا إلا عند من كره الإبتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدىء الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان. ([26])

حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) ([27])

يَعْنِي: لِمَنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِصِيَامِ شَعْبَانَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» .ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان (ص: 26)

وعن أنس-رضي الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال : (( شعبان لتعظيم رمضان ، قال فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الصدقة في رمضان )) ([28])

وفي الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء وانه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره. ([29])

ولكراهة التقدم ثلاثة معان:

أحدها: أنه على وجه الإحتياط لرمضان فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم . ولهذا نهي عن صيام يوم الشك قال عمار: من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.

والمعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع ولهذا حرم صيام يوم العيد ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام وخصوصا سنة الفجر قبلها فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة ولهذا يشرع صلاتها في البيت والإضطجاع بعدها.

والمعنى الثالث: إنه أمر بذلك للتقوي على صيام رمضان فإن مواصلة الصيام قد تضعف عن صيام الفرض فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوي على صيام رمضان وفي هذا التعليل نظر فإنه لا يكره التقدم بأكثر من ذلك ولا لمن صام الشهر كله وهو أبلغ في معنى الضعف لكن الفطر بنية التقوي لصيام رمضان حسن لمن أضعفه مواصلة الصيام كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص يسرد الفطر أحيانا ثم يسرد الصوم ليتقوى بفطره على صومه ومنه قول بعض الصحابة إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي وفي الحديث المرفوععَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "الطاعم الشاكر كالصائم الصابر"([30])([31])

ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ولهذا يقولون هي أيام توديع للأكل وتسمى تنحيسا وهذا كله خطأ وجهل ممن ظنه وربما لم يقتصر كثير منهم على.ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه وله نصيب من قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [لأعراف: 179]

أقوال السلف في شهر شعبان

ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن

عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان([32])

وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء

وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء

وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن

قال الحسن بن سهل: قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن يا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها.

مضى رجب وما أحسنت فيه ... وهذا شهر شعبان المبارك

فيا من ضيع الأوقات جهلا ... بحرمتها أفق واحذر بوارك

فسوف تفارق اللذات قسرا ... ويخلي الموت كرها منك دارك

تدارك ما استطعت من الخطايا ... بتوبة مخلص واجعل مدارك

على طلب السلامة من جحيم ... فخير ذوي الجرائم من تدارك([33])

وصايا عملية وتهيئة ايمانية تعبدية لشهر شعبان

(1) الإكثار من التوبة والاستغفار والذكر. (2) الإكثار من الصيام (3) التخلص من المشاحنات والعمل على سلامة الصدر. (4) الهمة والنشاط في العبادات وتعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقرب. (5) قضاء أيام رمضان الماضي إذا لم يكن تم قضائها.(6) الإقبال على تلاوة كتاب الله والعيش في رحابه (7) الإكثار من الدعاء وتحصيل مغفرة الرَّبِّ في ليلة النصف من شعبان. (8) تذوَّق حلاوة قيام الليل (9) تعلم أحكام وفقه الصيام(10) فتح صفحة جديدة مع الله(11)جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.(12)عمارة بيوت الله (12) تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك وتجهيز أحسن الأعمال لرفعها إلى رب العالمين.

من بدع النصف من شعبان:

1 - الاحتفال بليلة النصف من شعبان بأيشكل من ألأشكال 2 - صلاة الألفية، وتسمى أيضًا صلاة البراءة.3 - صلاة أربع عشرة ركعة أو اثنتي عشرة ركعة أو ست ركعات.4 - تخصيص صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان بقراءة سورة يس، أو بقراءة بعض السور.



([1]) المنجد في اللغة (ص: 236)الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 356)

([2]) أخرجه الطبراني في الكبير (720). وحسّنه الالباني في الصحيحة (1890).

([3]) الترمذي (2306) ، وقال: ((هذا حديث حسن غريب)) من أبي هُريرة

([4])جامع العلوم والحكم 2 / 391

([5]) ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان (ص: 48)

([6]) أخرجه : البخاريرقم(1969)ومسلم (2/810)

([7]) أخرجه :أحمد ( 6/ 188) . وأبو داود (2/ 812) والنسائي (4/199) وابن خزيمة (3/ 282) والحاكم (1/434) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي في تلخيصه .

([8])الترمذي (736) وقال: حديث حسن. والنسائي 4/ 150 وصححه الألباني في صحيح الترمذي (588).

([9])أخرجه : صحيح مسلم (746)

([10])أخرجه :البخاري (1971) ، ومسلم (1157)

([11]) أخرجه : البخاريرقم(1983) ومسلم (2/810)

([12]) شرح صحيح مسلم 8 / 37

([13]) أخرجه :الجامع الكبير737

([14]) أخرجه :فتح الباري 4 / 214

([15]) أخرجه : شرح الموطأ 4 / 542

([16])ابن أبي شيبة في مصنفه 4181

([17]) متفق عليه البخاري رقم(1983) ومسلم (2/820)

([18]) ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان (ص: 48)

([19]) لطائف المعارف : 142 .

([20])أخرجه :أحمد (5/201) . والنسائي (4/102) وقال الألباني : هذا إسناد حسن الصحيحة رقم (1898) .

([21])أخرجه :أحمد (5/201) وأبو داود (2/325). والنسائي (4/201) لفظ النَّسَائِيّ تعرض فيهمَا الْأَعْمَال عَلَى رب الْعَالمين، فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم "لفظ أبو داود شهر ترفع فِيهِ الْأَعْمَال إِلَى رب الْعَالمين فَأحب أَن يرفع عَمَلي وَأَنا صَائِم ".وصححه الحافظ في الفتح 4/ 215 وحسنه الألباني في صحيح النسائي (2221).

([22]) لطائف المعارف : 142 .

([23])أخرجه :حسن لغيره – روي عن ثمانية من الصحابة بأسانيد صعيفة عن عبد الله بن عمرو ومعاذ وابي موسى الاشعري وابي بكر الصديق وابي هريرة وعوف بن مالك وعائشة وابي ثعلبة الخشني ومن طريقه عن ابن ابي العاص واسناده ضعيف وسياقه غريب ليس له ما يعضده فلا يدخل في جملة الشواهد .

([24]) أخرجه : أحمد 2 / 442 ، وأبو داود ( 2337 )وابن ماجه( 1651 )والترمذي( 738 )والنسائي( 2911 )وَقَالَ الترمذي : (( لا نعرفه إلا من هَذَا الوجه عَلَى هَذَا اللفظ ))

([25]) لطائف المعارف : 142 .

([26]) لطائف المعارف : 142 .

([27]) البخاري رقم(1914)ومسلم (2/762)

([28]) أخرجه :الترمذي (2/ 86)وقال : هذا حديث غريب. والطحاوي رقم (1778) وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/65،66)وقال: وهذا حديث لا يصح

([29]) لطائف المعارف : 143 .

([30]) أخرجه :الترمذي (2486) وابنُ ماجه (1764) ، وأَبو يعلى (6582) ابنُ خزيمة (1898) ، والحاكم 4/136 وذكره البخاري معلقا عن أبي هريرة 9/582وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.وَله شَاهد من حَدِيث سِنَان بن سنة الْأَسْلَمِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) 2/ 83: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1428).

([31]) لطائف المعارف : 143 .

([32]) الأمالي الخميسية للشجري 1 / 346 إسناده ضعيف

([33]) لطائف المعارف : 143 .

عدد المشاهدات 18930