باب الخطب المنبرية المكتوبة بعنوان [ الخطب المهمة لدعاة الأمة]

إعداد اللحنة العملية

إشراف ومراجعة

فضيلة الشيخ د/ صبري عبد المجيد

وفضيلة الشيخ / أحمد سليمان

خطبة بعنوان : السخرية والاستهزاء

عناصر الخطبة

مقدمة بين يدي الخطبة .

معنى السخرية والإستهزاء اللغوى والاصطلاحى

الفرق بين السخرية والاستهزاء

الاسباب والبواعث   صور السخرية  و الآيات الواردة في السخرية

الآيات الواردة في الاستهزاء

الأحاديث الواردة في السخرية والاستهزاء 

الآثار السيئة للسخرية والاستهزاء

أقوال السلف

شعر في ذم السخرية والاستهزاء 

" name="description">

السخرية والاستهزاء

2013-07-02

عبد الرحمن الفواخري

السخرية والاستهزاء

عناصر الخطبة :

مقدمة بين يدي الخطبة .

معنى السخرية والإستهزاء اللغوى والاصطلاحى

الفرق بين السخرية والاستهزاء

الاسباب والبواعث صور السخرية و الآيات الواردة في السخرية

الآيات الواردة في الاستهزاء

الأحاديث الواردة في السخرية والاستهزاء

الآثار السيئة للسخرية والاستهزاء

أقوال السلف

شعر في ذم السخرية والاستهزاء

مقدمة بين يدى الخطبة :

السُّخْرِيَةِ والِاسْتِهَانَةُ وَالتَّحْقِيرُ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ. وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى اسْتِحْقَارِ الْغَيْرِ، وَالضَّحِكِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِهِ، وَالِاسْتِصْغَارِ لَهُ، وَعَلَيْهِ نَبَّهَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) [الْحُجُرَاتِ: 11] أَيْ لَا تَسْتَحْقِرْهُ اسْتِصْغَارًا؛ فَلَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْكَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْرُمُ فِي حَقُّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ، فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْخَرَةً، وَرُبَّمَا فَرِحَ مِنْ أَنْ يُسْخَرَ بِهِ كَانَتِ السُّخْرِيَةُ فِي حَقِّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرَحِ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ اسْتِصْغَارٌ يَتَأَذَّى بِهِ الْمُسْتَهْزَأُ بِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحْقِيرِ وَالتَّهَاوُنِ، وَذَلِكَ تَارَةً بِأَنْ يَضْحَكَ عَلَى كَلَامِهِ إِذَا تَخَبَّطَ فِيهِ وَلَمْ يَنْتَظِمْ، أَوْ عَلَى أَفْعَالِهِ إِذَا كَانَتْ مُشَوَّشَةً، كَالضَّحِكِ عَلَى حِفْظِهِ، وَعَلَى صَنْعَتِهِ، أَوْ عَلَى صُورَتِهِ وَخِلْقَتِهِ لِعَيْبٍ فِيهِ، فَالضَّحِكُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السُّخْرِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. فهي أَصْلٌ مُطَّرِدٌ مُسْتَقِيمٌ يَدُلُّ عَلَى احْتِقَارٍ وَاسْتِذْلَالٍ. ([1])

والاستهزاء لغة: مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: اسْتَهْزَأَ يستهزئ، الَّتِي تَدُلُّ عَلَى السُّخْرِيَةِ،أَوْ عَلَى مَزْحٍ فِي خِفْيَةٍ، أَوْ عَلَى السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ

واصطلاحا: ارْتِيَادُ الهُزْءِ والاسْتِهْزَاءَ لاَ يَسْبِقُهُ فِعْلٌ مِنْ أَجْلِهِ يُسْتَهْزَأُ بِصَاحِبِهِ ([2])

الْفرق بَين الِاسْتِهْزَاء والسخرية :

أَن الْإِنْسَان يستهزا بِهِ من غير أَن يسْبق مِنْهُ فعل يستهزا بِهِ من اجله والسخر يدل على فعل يسْبق من المسخور مِنْهُ فَالْفرق بَينهمَا بَين([3]) والهزء: إظهار الجدّ وإخفاء الهزل فيه بخلاف السخرية ([4])

أسباب وبواعث السخرية والاستهزاء :

أعلم أن الساخر هو ذلك المتعالي بنفسه عن المجتمع الذي يضحك منه أو من أحد أفراده لأسباب ترجع إلىحقده على المجتمع، لما يشعر به من نقص خلقي أو حرمان.وقد ترجع إلى عداوة بينه وبين الشخص الذي ينقده لسبب من الأسباب التي تنجم عن الاحتكاك الدائم بين الناس،لغرض الانتقام.وقد ترجع إلىتعالي شخص ناقص لا يحس ما فيه من نقص، فيضطر الأديب الساخر إلى أن يرده إلى صوابه أو إلى منطقه، وقد تتولد عنتعالي الشخص الساخر نفسه، ولشعوره بالغرور،فهو لا يفتأ ينقد ما في المجتمع من نقائص أو مفارقات ومنها حب الدرهم والدينار وتحصيل المال بأي صورة كانت ولو أدى ذلك إلى الكفر بالله والتقليد الأعمى لأعداء دين الله([5])

صور السخرية أو أساليبها :

1 - السخرية بالمحاكاة

2 - المناداة بالألقاب

3 - السخرية بالصوت

4 - معالجة الشيء الحقير كأنه عظيم

5 - معالجة الشيء العظيم كأنه حقير

6 - تجاهل العارف أو التباله .

الآيات الواردة في ذم السخرية وخطورتها :

(1) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} الحجرات :11

فالله قد عمّ، بنهيه المؤمنين من أن يسخر بعضهم من بعض، جميع معاني السخرية. فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك. ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض; وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير. ولذلك رُوي الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: "المُؤْمِنُونَ كالجَسَدِ الواحِد إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بالحُمَّى والسَّهَر". ([6])

فمناط الخيرية في الفريقين، ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا. بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب، فلا يجترئ أحد على استحقار أحد، فلعله أجمع منه، لما نيط به من الخيرية عند الله تعالى، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى، والاستهانة بمن عظمه الله تعالى. ومن أهل التأويل من خص السخرية بما يقع من الغنيّ للفقير. وآخرون بما يعثر من أحد على زلة أو هفوة، فيسخر به من أجلها. ([7])

2- قَالَ تَعَالَى {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] وَمَعْنَاهُ الْخِزْيُ وَالْعَذَابُ وَالْهَلَكَةُ. وَقِيلَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ . وَعَنِ ابْنِ عباس أن الهمزة: القتات، وَاللُّمَزَةَ: الْعَيَّابُ. ([8])

3- قال الله تعالى: "زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ " ([9]) أيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِالْفُقَرَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فكَانُوا يَتَنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَيَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَغْلِبُ بِهِمْ، وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، لِأَنَّهُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَهُمْ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ. ([10])

4 - قال الله تعالى: "الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)التوبة فهَذَا مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ قَتَادَةُ:" يَلْمِزُونَ" يَعِيبُونَ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَكَانَ مَالُهُ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ فَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ. فَقَالَ قَوْمٌ: مَا أَعْظَمَ رِيَاءَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:" الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ". وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِنِصْفِ صُبْرَةٍ «1» مِنْ تَمْرِهِ فَقَالُوا: مَا أَغْنَى اللَّهُ عَنْ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ" الْآيَةَ. وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ- قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ فِي رِوَايَةٍ: عَلَى ظُهُورِنَا- قَالَ: فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ. قَالَ: وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً: فَنَزَلَتْ . ([11])

(5) قال الله تعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38)فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) هود . إن تهزءوا منا اليوم، فإنا نهزأ منكم في الآخرة، كما تهزءون منا في الدنيا فسوف تعلمون، إذا عاينتم عذابَ الله، مَن الذي كان إلى نفسه مُسِيئًا منَّا. ([12])

الآيات الواردة في ذم الاستهزاء وخطورته وصوره :

الاستهزاء بالله - سبحانه وتعالى

الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه

الاستهزاء بشعائر الإسلام وسنة سيد الأنام

الاستهزاء بالمؤمنين (( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين أتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب )) سورة البقرة ، آية : 212 .

الاستهزاء عقبة من عقبات الدعوة إلى الله تعالى (( وكم أرسلنا من نبي في الأولين * وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون )) . سورة الزخرف ، آية 6 ((يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)) . سورة يس ، آية 30 .

(1)- قال تعالى:"وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ"الأنعام10فيقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، مسليًّا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبةَ ما يلقى منهم من أذىَ الاستهزاء به، والاستخفاف في ذات الله: هَوِّنْ عليك، يا محمد، ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك، المستخفِّين بحقك فيّ وفي طاعتي، وامضِ لما أمرتك به من الدُّعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيِّهم، وأصَرُّوا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيلَ أسلافهم من سائر الأمم من غيرهم، من تعجيل النقمة لهم، وحلول المَثُلاثِ بهم. فقد استهزأت أمم من قبلك برسلٍ أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك، وفعلوا مثل ما فعل قومُك بك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون"، يعني فحاق فنزل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم ما كانوا به يستهزئون"، فالعذابُ الذي كانوا يهزؤون به، وينكرون أن يكون واقعًا بهم على ما أنذرتهم رسلهم. ([13])

(2) قال الله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) البقرة فاستهزاءِ الله جلّ جلاله، الذي ذَكر أنه فاعله بالمنافقين يوم القيامة في قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى) [سورة الحديد: 13، 14]. واستهزاؤه بهم، توبيخُه إياهم ولومه لهم على ما ركِبوا من معاصي الله والكفر به، كما يقال:"إن فلانًا ليُهْزَأ منه منذ اليوم، ويُسخر منه"، يُراد به توبيخُ الناس إياه ولومهم له، أو إهلاكه إياهم وتدميرُه بهم ([14])

(3) قال الله تعالى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) المومنون اي فاتخذتم أهل الإيمان بي في الدنيا هُزُؤًا ولعبا، تهزءون بهم، حتى أنسوكم ذكري ([15])

4 -قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) المائدة

5- قال الله تعالى: َيحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة .

قال عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد( ت 620 ) : من سب الله تعالى كفر سواء مازحاً أو جاداً ، وكذلك من أستهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبهالمغني (12/298 )

وقال أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ( ت 676 ) : والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين صريح.الروضة /64

6- قال الله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) الرعد

7- قال الله تعالى: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) يس

8- قال الله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106)

9 - قُلْ أَباللهوآياته وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمالتوبة 65 ، 66 .فالاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده ، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك ) ([16])

10 - فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ(94)إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(95 ) الحجر : 94

الاحاديث الواردة في ذم السخرية والاستهزاء :

(1) عن أبي شريح الخزاعي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)). ([17])

يعنى من كان يؤمن بالله واليوم الآخر الإيمان التام فإنه ستبعثه قوة إيمانه على محاسبة نفسه فى الدنيا والصمت عما يعود عليه ندامةً يوم القيامة

(2) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: " لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهَا؟ " , قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ: " عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطُولِ الصَّمْتِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا تَجَمَّلَ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِمَا "([18]) أَي السُّكُوت حَيْثُ لم يتَعَيَّن الْكَلَام فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ بتصريفه مَا تجمل الْخَلَائق بمثلهما إذ هما جماع الْخِصَال الحميدة

(3) عن ابي هريرة قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة"([19]) ما أحق من علم أن عليه حفظةً موكلين به، يحصون عليه سقط كلامه وعثرات لسانه، أن يحزنه ويقل كلامه فيما لا يعنيه .

(4) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يدْخُلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر، فقال رجل: إنَّ الرجلَ يحب أن يكون ثوبُه حَسَناً، ونعلُه حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبِرْ: بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس» .([20])

(5) قالت عائشة رضي الله عنها حاكيت إنساناً فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم والله ما أحب أني حاكيت إنساناً ولي كذا وكذا([21])ولا بأس أن يحكي إذا لم يقصد التنقيص.إذاً: هذا هو الضابط ما بين الغيبة المحرمة وما بين القول، سواء كان تظلماً، أو كان إنسان يعرف

(6)عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده رفعه: ((ويل للذي يحدث بالحديث يضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له)) ([22])

(7) قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) ([23])

والمشاهد أن الناس يطلقون العنان لأخيلتهم في تلفيق الأضاحيك، ولا يحسون حرجًا في إدارة أحاديث مفتراة على ألسنة خصومهم أو أصدقائهم؛ ليتندروا بها أو يسخروا منهم، وقد حرم الدين هذا المسلك تحريمًا تام ًّ؛ إذ الحق أن اللهو بالكذب كثيرًا ما ينتهي إلى أحزان وعد اوات، وتمد الناس مدرجة إلى كذب، والمسلم يجب أن يحاذر .

(8) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: كان قوم يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استهزاء، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتّى فرغ من الآية كلّها) البخاري 3 / 456

9 - عن أَبِي سَلَمَةَ الْكِنْدِيِّ عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ» إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. ([24])

(10) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله) ([25]). قال محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ): يكفي المؤمن من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شر عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا، لكان كافيا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته ولا في ثيابه ولا في كلامه ولا في خلقه ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره، ([26])

(11) عن عبد الله بن زمعة أنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يخطب فوعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال علام يضحك أحدكم مما يفعل . ([27])

(12) عن أم هانئ، رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: 29] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق ويخذفونهم)) ([28])

(13) عَنْ لُؤْلُؤَةَ عَنْ أَبِي صِرْمَةَ «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» ([29]) أَيْ: مَبْعُودٌ عَنِ الْخَيْرِ مِنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا ضَرَرًا ظَاهِرًا أَوْ مَكَرَ بِهِ بِإِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ خُفْيَةًوهذا الحديث دلّ على أصلين من أصول الشريعة:

أحدهما: أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر.الأصل الثاني: منع الضرر والمضارةوالضرر يرجع إلى أحد أمرين: إما تفويت مصلحة، أو حصول مضرة بوجه من الوجوه.

(14) عن عائشة قالت قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ((حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة. فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. قالت وحكيت له إنسانا فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا)) ([30])

الاثار السيئة للسخرية والاستهزاء:

1 - كبيرة من الكبائر

2 -دَلِيلُ كِبْرِ النَّفْسِ وَاحْتِقَارِ الآخَرِينَ.

3 - طَرِيقٌ مُوصِلٌ إِلَى النَّارِ وَغَضَبِ الجَبَّارِ.

4 - بُعْدُ النَّاسِ عَنِ المستهزئ لِخَوْفِهِمْ مِنْهُ وَعَدَمِ سَلاَمَتِهِمْ مِنْهُ.

5 - يَصْرِفُ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ وَاسْتِمَاعِ النُّصْحِ. 6 –

يَسُودُ بَيْنَ الطُّغَاةِ وَسِفْلَةِ الأَقْوَامِ.

7 - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ عَمِيُّ القَلْبِ لاَ يَرَى مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ غَيْرَهُ عَلَيْهِ.

8 - آيَةٌ عَلَى جَهَالَةِ صَاحِبِهِ لأَنَّ مَنْ عَلِمَ قَدْرَ اللهِ لَمْ يَحْتَقِرْ عِبَادَهُ.

9 - يُشِيعُ فِي الأُمَّةِ الكَرَاهِيَةَ الْمَقِيتَةَ وتغرس البغضاء والشحناء بين المسلمين

10- تعمل تفكك بين المسلمين وتؤدى إلى الخصومة والمعاداة

أقوال السلف :

(1) قال ابن عباس رضي الله عنهما : في قوله تعالى يا ويلتنا ما لهذا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أحصاها إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن والكبيرة القهقهة بذلك وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة الذنوب والكبائر 0([31])

(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ، لَوْ سَخِرْتُ من كلب لخشيت أن أحول كلبا. ([32])

(3) عن أبي إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد (ت 188 ) قال كان إبراهيم بن أدهمأبو إسحاق البلخى ( ت 162 ) يطيل السكوت فإذا تكلم انبسط فقلت له ذات يوم لو تكلمت فقال الكلام على أربعة وجوه فمنه كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته فالفضل فيه السلامة ومنه كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته فأقل ما لك في تركه خفة المؤنة على بدنك ولسانك ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته وهذا هو الداء العضال ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته فهذا الذي يجب عليك نشره فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام([33])

(4) وقال إبراهيم النخعيأبو عمران (ت 95 ) : (إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله) ([34])

(5) وقال أبو موسى الأشعري: (لو رأيت رجلاً يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها) ([35])

(6) قال أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ): لسانك منه، في الجد والهزل؛ فإنه يريق ماء الوجه ويسقط المهابة، ويستجر الوحشية، ويؤذي القلوب، وهو مبدأ اللجاج والغضب والتصارم، ويغرس الحقد في القلوب؛ فلا تمازح أحدا؛ فإن مازحك أحد فلا تجبه، وأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وكن من الذين إذا مروا باللغو مروا كراما. فهذه مجامع آفات اللسان، ولا يعينك عليه إلا العزلة، أو ملازمة الصمت غلا بقدر الضرورة؛ فقر كان أبوبكر الصديق رضي الله تعالى عنه يضع حجرا في فيه ليمنعه ذلك من الكلام بغير ضرورة، ويشير إلى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد. فاحترز منه بجهدك؛ فإنه أقوى أسباب هلاكك في الدنيا والآخرة. ([36])

عقوبة وجزاء المستهزئين :

اعلم أيها الحبيب أن عقوبة المستهزئين وعقاب الله الأليم المحيط بهم ، أمراً عظيماً تتفطر منه الأكباد ، وتنخلع لهوله الأفئدة .

خزي في الدنيا ، وعذاب في الآخرة . هلاك ودمار في العاجلة . فهؤلاء قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد قتلوا في الدنيا وعند ربك عذاب ونار شررها كالقصر

موقف المسلم من الساخرين والمستهزئين :

1 - الصبر على الأذى (( فاصبر إن العاقبة للمتقين ))

2 - أخذ العبرة ممن هم خير منا فقد مر بك خبر أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام الذين سخر منهم أقوامهم (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )) سورة آل عمران ، آية : 139 – 142 .

3 - عدم موالاة الهازلين الساخرين المستهزئين (( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء وأتقوا الله إن كنتم مؤمنين )) . سورة المائدة ، آية : 57 .

4 - الإعراض عنهم وعدم مجالستهم ، قال تعالى : (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ ولكن ذكرى لعلهم يتقون * وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تُبسلَ نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع )) سورة الأنعام ، آية 68 - 60 .

5 - الصدع بالحق اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم فإنه لما كثر عليه الاستهزاء والسخرية، قال الله له : (( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين)) سورة الحجر ، الآيتان : 94 ، 95

شعر في ذم السخرية والاستهزاء :

أسْنَى كَلامِكَ مَا أَردْتَ بِفِعْلِهِ ... رُشْدًا وَخَيْر كَلامِكَ التَّسْبِيحُ

أَقْلِلْ كَلامَكَ وَاسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهِ ... إِنَّ البَلاءَ بِبَعْضِهِ مَقْرُونُ

وَاحْفَظْ لِسَانَكَ وَاحْتَفِظْ مِنْ غَيِّه ... حَتَّى يَكُونَ كَأنَّهُ مَسْجُونُ

وَكِّلْ فُؤادَكَ باللِّسَانِ وَقُلْ لَهُ ... إِنَّ الكَلامَ عَلَيْكُمَا مَوْزُونُ

إِنْ صُمْتَ عَنْ مَأْكَلِ العادي وَمَشْرَبِهِ ... فَلا تُحَاوِلْ عَلَى الأعْرضَ إِفْطَارَا

أَرَى كُلَّ إنْسَانٍ يَرَى عَيْبَ غَيْره ... وَيَعْمَى عَنْ العَيب الذي هو فيه

وما خَيْرُ مَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ عُيُوبُهُ ... وَيَبْدُو لَهُ العَيْبُ الذي بَأَخِيهِ

وَكَيْفَ أَرَى عَيْبًا وَعَيْبِي ظَاهِرٌ ... وَمَا يَعْرِفُ السَّوْءاتِ غَيْرُ سَفِيهِ

إن تسخروا بالدين أو تستهزئوا ... فالصرح عال ثابت البنيان

بدر الدجى ماضره نبح علا ... الكلب كلب والدجى نوراني

يا وارث الكفار في سخرية ... بالدين أنت مظاهر الشيطان

ما إن ترى متديناً متمسكاً ... إلا نظرت بنظرة العدوان

والقلب يبقى مشمئزاً مفعماً ... بكراهة للدين والإيمان

وإذا رأيت فويسقاً مستخبثاً ... أبديت بِشراً ظاهراً بعيان

لتشابه في ظاهر مع باطن ... والجعل يألف سائر الجعلان

سخرية بالدين كفر جاء في ... كَلِم المليك مُنزّل القرآن

اقرأ بسورة توبة متمعناً ... فترى عواقب طاعة الشيطان

قول تفوّه فيه من قد ظنه ... سهل وليس بموجب الكفران

يا ساخراً بالدين ويحك إنما ... بارزت ذي الجبروت بالعدوان

فانظر لنفسك ما عساك مؤمل ... يوم الجزاء تنال بالعصيان ([37])

المرء إن كان عاقلا ورعا ... أشغله عن عيوبه ورعه

كما السّقيم المريض يشغله ... عن وجع النّاس كلّهم وجعه

لا تكشفنّ مساوي النّاس ما ستروا ... فيهتك الله سترا عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا([38])



([1])مقاييس اللغة لابن فارس (3/144)

([2])مفردات الراغب ص 2‍4‍5‍ والتوقيف على مهمات التعاريف ص ‍50

([3])الفروق اللغوية للعسكري (1/245)

([4])التوقيف على مهمات التعاريف ص 343

([5])السخرية في الأدب العربي 17

([6]) تفسير الطبرى (22/297)

([7])محاسن التأويل (8/ 530)

([8]) تفسير الطبرى (22/297)

([9]) تفسير البغوى (1/268)

([10]) تفسير الطبرى (22/297)

([11]) تفسيرالقرطبى(8/214)

([12])تفسير الطبري (15/ 310)

([13])تفسير الطبرى (11/ 272)

([14])تفسير الطبرى (1/ 301)

([15])تفسير الطبرى(19/80)

([16]) الصارم ص 370

([17]) أخرجه:البخاري، 5/2240 وصحيح مسلم، 1/69

([18]) أخرجه: الصمت وآداب اللسان 554 صَحِيح الْجَامِع: 4048 , الصَّحِيحَة: 1938

([19]) أخرجه: البخاري 11 / 266 ومسلم رقم (2988)

([20]) أخرجه:صحيح مسلم برقم (91)

([21]) أخرجه:أَبُو دَاوُد (4875) وَالتِّرْمِذِيّ (2502، 2503) وَصَححهُ.

([22]) أخرجه:أبو داود (4990)، الترمذي (2315)، قال: حسن صحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1885).

([23]) أخرجه: مسلم 8/10 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.

([24]) أخرجه:التِّرْمِذِيِّ 3 / 396 وَقَالَ غَرِيبٌ . انظر حديث رقم: 5275 في ضعيف الجامع

([25]) أخرجه:مسلم (8/10)

([26]) شرح رياض الصالحين (6/ 260).

([27]) أخرجه:البخاري (3377) ومسلم (2855)

([28]) أخرجه:الترمذي (3190) وحسنه ، وأحمد (6/ 341)

([29])أخرجه:أبو داود (3635) ، وابن ماجه (2342) ، والترمذي (1940) وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحٌ إسْنَادٌ جَيِّدٌ . انظر حديث رقم: 6372 في صحيح الجامع

([30]) أخرجه:أبو داود (4875)، والترمذي (2502) وصححه

([31]) أخرجه:ابن أبي الدنيا الصمت 121

([32]) أخرجه:ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (8/ 390)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (33/ 170)، واللفظ له.

([33])أخرجه:المجالسة وجواهر العلم (ص: 511)

([34])أخرجه:البيهقي في الشعب (9/ 118).

([35])أخرجه:ابن أبي شيبة 8/ 389

([36])بداية الهداية (ص: 56)

([37])موارد الظمآن 1 / 375 جالب السرور 1 / 57

([38])تفسير القرطبي 16/ 327.

عدد المشاهدات 35667