فضائل عشر ذي الحجة

2013-09-22

اللجنة العلمية

فضائل عشر ذي الحجة

1 - فمن فضائله أن الله تعالى أقسم به جملة وببعضه خصوصا:

قال الله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4)هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)} الفجر

وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.([1])

أيهما أفضل العشر من ذي الحجة أم أواخر رمضان؟

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.([2])

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله معلقاً على كلام شيخه: "وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافياً كافياً، فانه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية، وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر ، فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلى بحجة صحيحة"([3]).

وقال: الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة، وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان، لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر، وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض .اهــ.

2 - أنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره:

ومن فضائلها أنها الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام قال الله تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 27, 28] .

وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة منهم ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والنخعي وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه.

فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أَيْامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ العملُ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيْامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِمْ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ".([4])

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره.

وقال الإمام البخاري - رحمه الله - " كان ابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ". وقال أيضاً: " وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً([5]) ".

ومراده : أن التكبير يشرع في أيام العشر وأيام التشريق جميعاً([6]).

3 - من أيام العمل الصالح فيها أعظم ولا احب إلى الله من هذه الأيام

أخرج البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر - قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ) ([7])

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب .([8])

وكان سعيد بن جبير - رحمه الله - " وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق " إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه .([9])

ففي هذا دليل على فضيلة العمل الصالح في أيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة من صيام وغيره

وقوله العمل الصالح يشمل الصلاة والصدقة والصيام والذكر والتكبير وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الخلق وحسن الجوار وغير ذلك ...([10])

وأبو داود رحمه الله أورده تحت صيام العشر، مستدلاً به على أن الصيام من جملة الأعمال الصالحة، وأنه من بين الأعمال الصالحة التي تدخل تحت هذا الفضل العظيم: (ما من أيام العمل الصالح فيها) والصوم منها،.([11])

4 – فيها يوم عرفة

وقد خص النبي صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية:

أ - صيامه كفارة سنتين قال صلى الله عليه وسلم: صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده مسلم برقم (1162) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. ومَعْنَاهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ صَائِمِهِ فِي السَّنَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّغَائِرُ مِثْلِ هَذَا فِي تَكْفِيرِ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيفُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُفِعْتَ دَرَجَاتٍ [12]

ب–في يوم عرفة نزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا فقال: أي آية: قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم الجمعة وخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه وقال فيه: نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة.

ج - يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟

ه–في يوم عرفة الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق فإنها أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في ذلك اليوم وأساسه وفي المسند عن عبد الله بن عمر قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير" وخرجه الترمذي ولفظه: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قلبي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".([13])

وعَنْ طَلْحَهَ بْنِ عُبَيْدِ الله بْنِ كَرِيْزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَة، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ».([14])

5 – فيها يوم النحر

وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَيَقَعُ فِيهِ الْقُرْبَانُ وَأَكْثَرُ أُمُورِ الْحَجِّ مِنَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ، وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ

أحكام عيد الأضحى المبارك:

ولما كان عيد النحر أكبر العيدين وأفضلهما ويجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الموسم كانت لهم فيه معه أعياد قبله وبعده فقبله يوم عرفة وبعده أيام التشريق وكل هذه الأعياد أعياد لأهل الموسم كما في حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب" خرجه أهل السنن وصححه الترمذي

ويُسَنُّ التبكيُر في الخروج لصلاة العيدِ ليتمكَّنَ من الدُّنُوِّ من الإمام، وتحصُلَ له فضيلةُ انتظارِ الصلاةِ فيكثرَ ثوابهُ ويُكرَهُ التنفُّل قبلهَا وبعدَها في موضعها، حتى يفارِقَ المصلى؛ لقول ابن عباس «صلى النبي صلى الله عليه وسلم يومَ عيدِ ركعتين لم يُصَلِّ قبلهما ولا بعدهما» متفق عليه

ومن سننه وأدآبه

1 - من أراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره :أخرج مسلم رحمه الله وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفي رواية ( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي)

2 - الاغتسال والتطيب للرجال:قال ابن قُدامة: يُستحب أن يتطهّر بالغسل للعيد، وكان ابنُ عمر يغتسل"([15]) .ويُسَنُّ أن يتجمَّلَ المسلمُ لصلاةِ العيد بلُبْس أَحَسنِ الثياب لحديث جابر «كانت للنبي صلى الله عليه وسلم جُّبةٌ يلبسُها في العيدين ويومَ الجمعة» .([16])

وعن ابن عمر أنه كان يلبسُ في العيدينِ أَحسنَ ثيابهِ.([17])

3 - التكبير:يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق فالذي عليه جمهورُ السّلَف والفُقَهاء من الصحابة والأئمة: أن يُكَبِّر من فجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق، عَقِبَ كل صلاة، وُيشْرَعُ لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاقِ الأئمةِ الأربعةِ([18])

4 - مخالفة الطريق:عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيدٍ خالَفَ الطريقَ" .([19])

6 - الأضحية:قال ابن قدامة: أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة ..([20])

ويكون ذلك بعد صلاة العيد لقولهصلى الله عليه وسلم: من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها

أخرى، ومن لم يذبح فليذبح . رواه البخاري ومسلم. ووقت الذبح أربعة أيام العيد، ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كل أيام التشريق ذبح([21])وكان رسول اللهصلى الله عليه وسلملا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.

ويشترط للأضحية :

أ- أن تكون من بهيمة الأنعام قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما. ويقول باسم الله والله أكبر).متفق عليه

ب – أن تبلغ السن المعتبر شرعًا وهي من المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنوات ) لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يَعْسر عليكم ، فتذبحوا جذعه من الضأن" ([22]).

ب- أن تكون سليمة من العيوب فعن البراء بن عازب قالصلى الله عليه وسلم: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراءُ البيِّن عورُها ، والمريضة البيِّن مرُضها ، والعرجاء البيِّن ظلعُها ، والكسيرة التي لا تنقى .([23])



([1]) تفسير الرازي 31 / 149

([2]) مجموع الفتاوى (25/287)

([3]) بدائع الفوائد (3/683)

([4]) المسند (2/75)

([5])البخاري (2/457) فتح.

([6]) فتح الباري لابن رجب (9/ 10)

([7])البخاري في العيدين(969)، وأبو داود (2438).

([8])رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني

([9])رواه الدارمي بإسناد حسن.

([10])شرح رياض الصالحين (5/ 303)

([11])شرح سنن أبي داود للعباد (286/ 5)

([12])شرح النووي على مسلم (8/ 5)

([13]) الصحيحة (1503)

([14]) حسنه الألباني (2837)

([15]) المغني" (2/ 370)

([16]) أخرجه ابن خزيمة (1766)

([17]) أخرجه ابن خزيمة (1766) بإسنادِ جيدٍ.

([18]) مجموع الفتاوي" (24/ 220)

([19]) البخاري (986)

([20]) المغني 13/ 360

([21]) انظر السلسلة الصحيحة ( 2467).

([22]) صحيح مسلم (5123).

([23]) أحمد 4/284و289، والدارمي 2/76 - 77، وأبو داود "2802"والترمذي "1497"قال الحافظ فى " البلوغ " 1 / 281: صححه الترمذي، وابن حبان.

عدد المشاهدات 14107