الافتتاحية: دُرَّةٌ سنيّة (الخطب المهمة لدعاة الأمة عدد شهر ذو القعدة 1436هـ)

2015-08-23

اللجنة العلمية

العنوان :دُرَّةٌ سنيّة

بقلم الدكتور / صبري عبد المجيد

عدد ذو القعدة 1436هـ من الخطب المهمة لدعاة الأمة


دُرَّةٌ سنيّة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وبعد،

فهذه درة سنية بين يدي دعاة الأمة من كتاب " الفقيه والمتفقه". (1)

ختم رحمه الله الجزء الثامن بباب في فضل العلم والعلماء، ثم قال في مطلع الجزء التاسع

"ثُمَّ إِنِّي نَظَرْتُ فِي حَالِ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَوَجَدْتُهُ أَحَدَ رَجُلَيْنِ: إِمَّا عَامِّيٌّ جَاهِلٌ، أَوْ خَاصِّيٌّ مُتَحَامِلٌ فَأَمَّا الْجَاهِلُ، فَمَعْذُورٌ فِي اغْتِيَابِهِ وَطَعْنِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَرْبَابِهِ وساق بإسناد حسن عن محمد بن مسلم الزهري (ت: 124هـ ) محدث فقيه أنه قال ((الْعِلْمُ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ قَبِيحٌ، كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبِيحٌ)).

وقَالَ أيضاً ((الْعِلْمُ ذِكْرٌ لَا يُحِبُّهُ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا مَذْكُرُوهُمْ، وَلَا يَبْغَضُهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مُؤْنِثُوهُمْ)). (2)

وساق بإسناد حسن عن الشافعي (ت: 204 هـ ) قال ((الْعِلْمُ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ، كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ)). وَأَنْشَدَ فِيهِ:

وَمَنْزِلَةُ السَّفِيهِ مِنَ الْفَقِيهِ             كَمَنْزِلَةِ الْفَقِيهِ مِنَ السَّفِيهِ

فَهَذَا زَاهِدٌ فِي قُرْبِ هَذَا                وَهَذَا فِيهِ أَزْهَدُ مِنْهُ فِيهِ

وساق بإسناد حسن أيضاً عن عبد الله بن المعتز (أحد الأمراء) قال ((الْعَالِمُ يَعْرِفُ الْجَاهِلُ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَاهِلًا، وَالْجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ الْعَالِمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا)) وَقَدْ قِيلَ: الْمَرْءُ عَدُوُّ مَا جَهِلَ وَجَاءَ هَذَا الْكَلَامُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ: مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ وَنَظَمَ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَبْيَاتٍ تُعْزَى إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ (3)، وَهِيَ:

النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ

فَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا نَسَبٌ

مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ، إِنَّهُمْ

وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ

فَعِشْ بِعِلْمٍ، وَلَا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا

 

أَبُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوهُمْ آدَمٌ، وَالْأُمُّ حَـــــــــوَّاءُ

يُفَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاخِرُونَ بِهِ، فَالطِّينُ وَالْمَاءُ

عَلَى الْهُدَى لِمَــــــــــــــــــــــــــــنْ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ

وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْـــــــــــــــــــــــلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

فَالنَّاسُ مَوْتَى، وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ

 

وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39].

ثم ذكر رحمه الله الصنف الثاني، واستطرد فيه نذكر منه أظهره وأجزله قال : "وَأَمَّا طَعْنُ الْمُتَخَصِّصِينَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، فَأَنَا أُبَيِّنُ السَّبَبَ فِيهِ لِيَعْرِفَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَدْرِيهِ أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ فَجُلُّ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَاهِيَةُ الْأَصْلِ، ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّقْلِ، فَإِذَا سُئِلُوا عَنْهَا بَيَّنُوا حَالَهَا، وَأَظْهَرُوا فَسَادَهَا، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهُمْ، وَمَا قَالُوهُ فِي مَعْنَاهَا، وَهُمْ قَدْ جَعَلُوهَا عُمْدَتَهُمْ، وَاتَّخَذُوهَا عِدَّتَهُمْ، وَكَانَ فِيهَا أَكْثَرُ النُّصْرَةِ لِمَذَاهِبِهِمْ، وَأَعْظَمُ الْعَوْنِ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ وَمَآرِبِهِمْ، فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٌ طَعْنُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِضَافَتُهُمْ أَسْبَابَ النَّقْصِ إِلَيْهِمْ، وَتَرْكُ قَبُولِ نَصِيحَتِهِمْ فِي تَعْلِيلِهِمْ، وَرَفْضِ مَا بَيَّنُوهُ مِنْ جَرْحِهِمْ، وَتَعْدِيلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ قَدْ هَدَمُوا مَا شَيَّدُوهُ وَأَبْطَلُوا مَا أَمُّوهُ مِنْهُ وَقَصَدُوهُ، وَعَلَّلُوا مَا ظَنُّوا صِحَّتَهُ وَاعْتَقَدُوهُ". (4)

وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ (5): فَهُمْ مَعْذُورُونَ فِيمَا يُظْهِرُونَهْ مِنَ الْازْدِرَاءِ بِهِمْ، وَالْعَيْبِ لَهُمْ، لِمَا بَيَّنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ الْبَاعِثِ عَلَى الْبَغْضَاءِ وَالتَّشَاحُنِ، وَاعِتَقَادِهِمْ فِي جُلِّ مَا يَنْقُلُونَهُ، وَعِظَمِ مَا يَرْوُونَهُ وَيَتَدَاوَلُونَهُ، إِبْطَالَهُ، وَإِكْفَارَ الَّذِينَ يُصَحِّحُونَهُ وَإِعْظَامِهِمْ عَلَيْهِمُ الْفِرْيَةَ وَتَسْمِيَتِهِمْ لَهُمُ الْحَشْوِيَّةَ (6)، وَاعْتِقَادُ الْمُحَدِّثِينَ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، فَهُمَا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:

اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّا لَا نُحِبُّكُمُ           وَلَا نَلُومُكُمْ إِذْ لَا تُحِبُّونَا

فَقَدْ ذَكَرْتُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَنَافِي هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ وَرَسَمْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ خَاصَّةً، وَلِغَيْرِهِ عَامَّةً مَا أَقُولُهُ نَصِيحَةً مِنِّي لَهُ، وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ يَتَمَيَّزَ عَمَّنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْجَهْلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنًى يُلْحِقُهُ بِأَهْلِ الْفَضْلِ، وَيَنْظُرَ فِيمَا أَذْهَبَ فِيهِ مُعْظَمَ وَقْتِهِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرَ عُمُرِهِ مِنْ كُتُبِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم وَجَمْعِهِ، وَيَبْحَثُ عَنْ عِلْمِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ، وَفَرْضِهِ وَنَدْبِهِ، وَإِبَاحَتِهِ وَحَظْرِهِ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِهِ قَبْلَ فَوَاتِ إِدْرَاكِ ذَلِكَ فِيهِ وساق بإسناده إلى الشافعي قال ((تَفَقَّهْ قَبْلَ أَنْ تَرْأَسَ، فَإِذَا تَرَأَّسْتَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّفَقُّهِ)).

وبإسناده الصحيح من طرق عن عبد الله بن عون عن محمد بن سرين عن الأحنف بن قيس قال: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: ((تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا )).

وذكره بإسناده الحسن عن أبي عبيد القاسم بن سلام يعلق على قول عمر هذا يقول ((تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مَا دُمْتُمْ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا سَادَةً رُؤَسَاءَ مَنْظُورًا إِلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ اسْتَحْيَيْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا بَعْدَ الْكِبَرِ فَبَقِيتُمْ جُهَّالًا لَا تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْأَصَاغِرِ(7) فَيَزْرِي ذَلِكَ بِكُمْ))  وَهَذَا شَبِيهٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: "لَنْ يَزَالَ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ فَقَدْ هَلَكُوا". (8)

وساق الخطيب بإسناد لا ينزل عن الحسن عن ابن قتيبة الدينوري قال: "سَأَلْتُ عَنْ قَوْلِهِ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ يُرِيدُ: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ عُلَمَاؤُهُمُ الْمَشَايِخَ، وَلَمْ يَكُنْ عُلَمَاؤُهُمُ الْأَحْدَاثَ، لِأَنَّ الشَّيْخَ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ وَحِدَّتُهُ وَعَجَلَتُهُ وَسَفَهُهُ وَاسْتَصْحَبَ التَّجْرِبَةَ وَالْخِبْرَةَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهِ الشُّبْهَةُ، وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَوَى، وَلَا يَمِيلُ بِهِ الطَّمَعُ، وَلَا يَسْتَزِلَّهُ الشَّيْطَانُ اسْتِزْلَالَ الْحَدَثِ وَمَعَ السِّنِّ الْوَقَارُ، وَالْجَلَّالَةُ وَالْهَيْبَةُ، وَالْحَدَثُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُمُورُ، الَّتِي أُمِنَتْ عَلَى الشَّيْخِ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَأَفْتَى، هَلَكَ وَأَهْلَكَ)).

وأخرج بإسناده الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي إمام حافظ ابن إمام حافظ قال فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَذَكَرَ، مَنْ يَحْمِلُ الْعِلْمَ جِزَافًا فَقَالَ: "هَذَا مِثْلُ حَاطِبِ لَيْلٍ يَقْطَعُ حُزْمَةَ حَطَبٍ فَيَحْمِلُهَا، وَلَعَلَّ فِيهَا أَفْعَى تَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي)) قَالَ الرَّبِيعُ: يَعْنِي: الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ عَنِ الْحُجَّةِ مِنْ أَيْنَ". (9)

وروى بإسناده الحسن عن الأعمش سليمان بن مهران - إمام حافظ مشهور قال لَمَّا سَمِعْتُ الْحَدِيثَ، قُلْتُ: ((لَوْ جَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ أُفْتِي النَّاسَ))، قَالَ: ((فَجَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَأَلُونِي عَنْهُ، لَمْ أَدْرِ مَا هُوَ)). فيه إشارة إلى ضرورة فقه الحديث والعلم بأصول الفقه فيه.

قال "وَإِنَّمَا أَسْرَعَتْ أَلْسِنَةُ الْمُخَالِفِينَ إِلَى الطَّعْنِ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ لِحَمْلِهِمْ أُصُولَ الْفِقْهِ، وَأَدِلَّتِهِ فِي ضِمْنِ السُّنَنِ، مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَوَاضِعِهَا، فَإِذَا عُرِفَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ بِالتَّفَقُّهِ خَرِسَتْ عَنْهُ الْأَلْسُنُ، وَعَظُمَ مَحِلُّهُ فِي الصُّدُورِ وَالْأَعْيُنِ، وَخَسِئَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ يَطْعُنُ". (10)

ثم روى بإسناده عن وكيع بن الجراح محدث فقيه يقول "لَقِيَنِي أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ لِي: لَوْ تَرَكْتَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهْتَ، أَلَيْسَ كَانَ خَيْرًا؟ قُلْتُ: أَفَلَيْسَ الْحَدِيثُ يَجْمَعُ الْفِقْهَ كُلَّهُ؟ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ ادَّعَتِ الْحَمْلَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم ((لَاعَنَ بِالْحَمْلِ، فَتَرَكَنِي، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا رَآنِي فِي طَرِيقٍ يَأْخُذُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ)). (11)

وبالإسناد الصحيح عنه أيضاً قال ((يَا فَتَيَانُ تَفَهَّمُوا فِقْهَ الْحَدِيثِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَفَهَّمْتُمْ فِقْهَ الْحَدِيثِ لَمْ يَقْهَرْكُمْ أَهْلُ الرَّأْيِ)).

ومثله عنه قال ((لَوْ أَنَّكُمْ تَفَقَّهْتُمُ الْحَدِيثَ وَتَعَلَّمْتُمُوهُ مَا غَلَبَكُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي)) شَيْءٍ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ بَابًا.

قال الخطيب   "وَلَا بُدَّ لِلْمُتَفَقِّهِ مِنْ أُسْتَاذٍ يَدْرُسُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ مَا أَشْكَلَ إِلَيْهِ، وَيَتَعَرَّفُ مِنْهُ طُرُقَ الِاجْتِهَادِ، وَمَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ".

وروى بإسناد صحيح بطرقه عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرقيّ ثقة فقيه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْأَعْمَشِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وأَبُو حَنِيفَةَ جَالِسٌ، فَقَالَ الْأَعْمَشٌ: يَا نُعْمَانُ قُلْ فِيهَا فَأَجَابَهُ، فَقَالَ الْأَعْمَشُ: ((مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ )) فَقَالَ: مِنْ حَدِيثِكَ الَّذِي حَدَّثْتَنَاهُ، قَالَ: ((نَحْنُ صَيَادِلَةٌ وَأَنْتُمْ أَطِبَّاءُ))، وفي سياق ((يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ أَنْتُمُ الْأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ)). (12)

أكتفي بهذه الدرر، ومن أراد المزيد فليرجع إلى الأصل بالضوابط المذكورة في ثنايا المقال نفعني الله وإياكم بما علّمنا.

وليحرص دعاة الأمة على العلم والفقه فيه، وليكن طالباً حقيقياً، وليحذر التقليد فإنه مذموم.

وليكن دقيقاً في النقل وبلاغه من مصادره الأصلية، وليعلم أنه موقع عن الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم وهنا قف معظماً خائفاً راجياً.

نسأل الله الستر والسلامة، والحمد لله رب العالمين.

 

كتبه

صبري محمد عبد المجيد

 

---

(1) الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت: 462 هـ) رحمه الله ونفعنا بكتابه هذا، وغيره مما صنف، وهذا الكتاب خاطب فيه مصنفه فئتين هما رأس حياة المسلم الذي يرجع إليه عند الحاجة " الفقيه والمتفقه" وفرق بين حامل علم وفقيه فيه.

وقد شرفت بدراسته مع إخواني من طلبة العلم، والحمد لله على فضله ورحمته، وأنصح به إخواني من طلبة العلم الكبار من أهل السنة الجامعين لعلميّ الحديث برجاله وعلله، وأصول الفقه، فسيقفون على الجديد حتمٌ لازم، وحال الشيخ طالب العلم الكبير بين البناء والعطاء ولابد، فليس له أن ينقطع عن البناء وهو في العطاء، ويؤصل هذا في طلابه، وإلا تراجع ووقف حاله عند آخر بناء، فلم يعد من الكبار، ولا على سلم الكبار. وفقني الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه إنه عليم قدير.

(2) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/ 149).

(3) وهذه لطيفة أدبية منه لطالب العلم، فكل من السياقين له دلالة في البناء والعطاء.

(4) وقد نص ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار في غير موضع، أن هذا مما عيب على أهل الرأي.

ولهذا يرفع عنهم الملام لضعف القاعدة الحديثية عندهم وعليه فما بنوه على الرأي المخالف للنقل لا يعتبر، ولا يقبل الرأي أو القول إلا بموافقة نص صحيح أو بتعليل مقبول مخرج على أصل صحيح.

(5) علم الكلام علم مبتدع عن فلا سفة اليونان الملاحدة الوثنيين، وهو تلك الآراء الباطلة والأفكار المرذولة الزائغة من تصورات العقل وتخيلاته تلقفها عنهم الجهمية وغالت حتى أخرجوها من حيز الإسلام، والمعتزلة والأشاعرة كذلك وغيرهم، فعارضوا المنقول بالمعقول.

وعلم الكلام علم مذموم عند أهل السنة والجماعة، وقد رجع جماعة من أكابرهم عنه والحمد لله.

(6) اسم ابتدعه أهل الباطل والضلال من المعتزلة وغيرهم، ورموا به أهل الحديث أهل السنة والجماعة، لقولهم بالأخبار  وتعلقهم بالآثار، ونص ابن تيمية على أن أول من ابتدعه وتكلم به عمرو بن عبيد المعتزلي ورمي به عبد الله بن عمر رضي الله عنه وانظر مجموع الفتاوى (3/185-186 ) وبيان تلبيس الجهمية (1/242 ) وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص 77 ).

(7) صغير السن، صغير العلم، لا شيخ له، وانظر في ذلك باب المتفقه من كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب، والكفاية له، والجامع لابن عبد البر.

(8) أخرجه المصنف بإسناده الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله.

(9) فمن تربى على التأصيل وتثبيت العرش، ربىّ عليه، وهنا الفرق بين طالب العلم الحقيقي وغيره، فهذا في مصاف العلماء إن شاء الله، وغيره عامي مقلد ينساق ويقاد في الصباح والمساء كل يوم هو في حال.

(10) هذه درة من إمام حافظ يدل مصنفه المذكور وغيره على فقه كالبخاري وأبي داود والترمذي وغيرهم، وفيها أن الحديث أصل في الفقه وأصوله، فلا يعارض الخارج من العقل بالخارج من النقل الصحيح الصريح، أو الصحيح الظاهر، وفيها أن المحدث الفقيه جبل شامخ في العلم فلا يستهان به ولا يتجرأ عليه.

(11) فيه أن المحدث الفقيه أقوى من الفقيه فقط، كما هو ظاهر من السياق.

(12) وقد يكون الصيدلاني طبيباً كحال الثوري ووكيع والشافعي وأحمد وغيرهم.

عدد المشاهدات 9429