اتباع نهج السلف الصالح -الجزء الثاني-

2010-11-27

جمال المراكبى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون {آل عمران}

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا {النساء:1}.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما {الأحزاب: 70، 71}.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

تكلمنا عن وجوب اتباع منهج السلف الصالح، فهو منهج الأمة المجمع عليه قبل وقوع الفرقة والخلاف، فالله سبحانه جعل لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم - أسوةً يقتدي به المؤمنون من هذه الأمة فاقتدى به وبسنته وهديه خير قرون هذه الأمة والواجب على من جاء بعدهم أن ينتهج نهجهم ويسير على طريقتهم، ومن ترك ذلك فقد خرج عن منهاج الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا {النساء: 115}.

لقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم - من الاختلاف وأمرنا أن نعتصم بسنته وسنة الراشدين من بعده، فقال: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم - قد أسر إلى فاطمة رضي الله عنها- وهي بضعة منه- في مرضه الذي توفي فيه بأنه قد حضر أجله وأنها أول أهله لحوقًا به -صلى الله عليه وسلم - ، ثم أوصاها بقوله: "فاتقى الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك". {متفق عليه}.

فنحن واللهِ أحوج إلى هذه الوصية، بتحقيق تقوى الله عز وجل في السر والعلن والقول والعمل، والصبر على طاعة الله عز وجل وطاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم - واتباع سنته وهديه، فإنه -صلى الله عليه وسلم - خير سلف لكل مؤمن مهتدٍ وهو سلفُ رحمةٍ لأمته كما جاء في صحيح مسلم: "إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه". {صحيح الجامع}.

وبقدر طاعتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - واتباعنا لهديه يكون نصيبنا من هذه الرحمة، ويتجلى هذا حين يقوم الناس لرب العالمين حفاةً عراةً غرلاً بهمًا وتدنو الشمس من الرؤوس وتشتد الكرب بالناس ويشتد بهم العطش فيجدون رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - في مواطن الشفاعة، ويجدونه -صلى الله عليه وسلم - على حوضه يسقيهم بيده شربة لا يظمأون بعدها أبدًا، أما من ترك هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - وأحدث في دين الله ما ليس منه فترده الملائكة عن الحوض كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً: كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين، وإن أول الخلائق يُكْسَى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم. {متفق عليه}. وهذا لفظ البخاري في كتاب الرقاق باب الحشر.

وفي الحديث الآخر، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا. {متفق عليه}.

فالبدع التي يحدثها الناس على خلاف منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم - تجرهم إلى هذا المصير، لأن كل بدعة ضلالة، وكل بدعة في الدين مردودة على من ابتدعها كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

ولقد كان سلفنا الصالح أشد الناس اتباعًا لهدي رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - . قال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.

وقال ابن عمر: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.

وقال ابن عباس: ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيى البدع وتموت السنن. {اللالكائي}.

وقال عمر بن عبد العزيز: أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم - ، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا وببصر نافِذٍ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون. {أبو داود- كتاب السنة}.

والبدع التي يروج لها أعداء السنن كثيرة جدّا، حتى لو رأيت الناس اليوم، وقارنت بينهم وبين ما كان عليه سلف الأمة لرأيت البون شاسعًا، والأمة غير الأمة، وشتان بين أمة في حال عزها وقوتها واجتماعها على الحق، وبين أمة قد نزغ الشيطان بينها فصارت فرقًا وأحزابًا كل حزب بما لديهم فرحون، تركت سبيل عزها، واتبعت سنن من كان قبلها من الأمم إن شبرًا فشبر وإن ذراعًا فذراع.

وإن مما أحدثه أهل البدع في زمان الضعف والفرقة بدعة الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم - في الثاني عشر من ربيع الأول متبعين في ذلك هدي النصارى في احتفالهم بعيد الميلاد، والعجيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يتفق العلماء على يوم مولده تحديدًا، وأنه -صلى الله عليه وسلم - مات في شهر ربيع الأول، ودخل المدينة بعد الهجرة في شهر ربيع الأول، ولكن أبى المبتدعون إلا أن يخصوا هذا الشهر بالاحتفال بالمولد وزعموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يحتفل بالمولد لأنه كان يصوم يوم الاثنين والخميس ويقول عن يوم الاثنين: هذا يوم ولدت فيه، ولو صدقوا في زعمهم واتبعوا السنة لصاموا يوم الاثنين ويوم الخميس كما كان رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - يصوم.

ولكن أهل البدع لا يهتمون بالعبادة بقدر ما يهتمون بالبدعة ولهذا فاليوم عندهم بل والشهر كله موسم للطعام والشراب وعرائس الحلوى مما ورثوه عن أسلافهم من العبيديين الذين كانوا يتقربون بِسبِّ أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وسائر الصحابة، ويغالون في علي وبنيه ويبنون القباب والمشاهد ويرفعون القبور ويطوفون بها ويدعون أهلها من دون الله عز وجل، ومن نصحهم وقال لهم: هذا خلاف السنة نبذوه واتهموه ببغض النبي -صلى الله عليه وسلم - وبغض الصالحين.

فإلى الله المشتكى ممن ترك هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين من بعده واتبع غير سبيل المؤمنين، ونذكرهم بمقالة الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول -صلى الله عليه وسلم - .

وبمقالة إمام دار الهجرة: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ونسأل الله أن يعصمنا الزلل وأن يجعلنا ممن اعتصم بالكتاب والسنة وبهدي سلفنا الصالح، وأن يهدي ضال المسلمين وأن يوحد صفوفهم على الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله أولا وآخرا.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع هداه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عدد المشاهدات 4962