سماحة الإسلام مع غير المسلمين

2011-09-22

صلاح الدق

سماحة الإسلام مع غير المسلمين

إهداء

الإسلام هو دين العدل والتسامح مع غير المسلمين المسالمين لنا.لقد عاش اليهود والنصارى وغيرهم بجوار المسلمين آمنين على أنفسهم وأموالهم وأماكن عبادتهم، ولم يُجبر المسلمون أحداً على الدخول في الإسلام. وهذه حقيقة ثابتة منذ ظهور الإسلام.

يقول اللهُ تعالى:( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)

* فإلى كُلِّ طالبِ عِلْمٍ يريد أن يعرف سماحة مع غير المسلمين على ضوء القرآن الكريم وسُّنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- بفهم سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، أُهدي هذه الرسالة.

 

 

المقدمة

الحمدُ لله، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سُلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيرًا، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد :فإن الإسلام هو دين العدل والتسامح مع غير المسلمين، وقد أوصى الله تعالى في كتابه العزيز، وكذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- في سُّنته بالمسالمين لنا من غير المسلمين خيراَ.من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بسماحة الإسلام مع غير المسلمين في المجتمع المسلم.

أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العِلْم الكرام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى أهل الذمة:

 الذَّمَّةُ:العَهْدُ والأَمانُ والضَّمانُ والحُرْمَةُ والحقُ.وسُمِّيَ أَهل الذِّمَّةِ بذلك لدخولهم في عهْدِ المسلمين وأمانهم.

(النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ2صـ 168)

روى النسائيُّ عن عَلِيٍّ بنِ أبي طالبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ. (حديث صحيح)(صحيح سنن النسائي للألباني جـ 3صـ281)

قال ابنُ الأثير: إذا أعْطَى أحدُ الجَيْشِ العَدُوَّ أمَاناً جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يُخْفِرُوه ولا أن يَنْقُضوا عليه عَهْده . (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ2صـ 168)

حرية عقيدة غير المسلمين:

يقول الله تعالى(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256)

قال الإمام ابن كثير: يقول تعالى:(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ) أي: لا تُكْرِهُوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام فإنه بَيْنٌ واضحٌ جليٌ دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكْرَه أحدٌ على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مُكْرَها مقسورًا. (تفسير ابن كثير جـ2صـ 444)

قال أسْلَمُ (مولى عمر): سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي أيتها العجوز تَسْلمي، إن الله بعث محمداً بالحق. قالت: أنا عجوزٌ كبيرةٌ والموت إليَّ قريبٌ. فقال عمر: اللهم اشهد، وتلا (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .(تفسير القرطبي جـ3صـ 278)

عدم ظلم غير المسلمين :

قال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)

قال ابنُ جرير الطبري: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيامُ لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصِّروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدِّي، واعملوا فيه بأمري. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 95)

وأما قوله: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) فإنه يقول: ولا يحملنكم عداوةُ قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 95)

وأما قوله ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )

فقال ابنُ جرير الطبري: يعني بقوله جل ثناؤه: اعدلوا أيها المؤمنون، على كل أحد من الناس وليًّا لكم كان أو عدواً، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 96)

روى أبو داودَ عن صَفْوَانِ بْنَ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً(متصلو النسب) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ(خصمه) يَوْمَ الْقِيَامَةِ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2626 )

الإحسان إلى غير المسلمين :

يقول اللهُ تعالى:( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)

قال ابنُ جرير الطبري: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عَمّ بقوله:(الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصصْ به بعضًا دون بعض . (تفسير ابن جرير الطبري جـ25صـ 611)

وقوله:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) يقول: إن الله يحبّ المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقّ والعدل من أنفسهم، فيبرّون من برّهم، ويُحْسنون إلى من أحسن إليهم. (تفسير ابن جرير الطبري جـ25صـ 612)

قال القرطبي: دخل ذميٌ (رجل من غير المسلمين) على إسماعيل بن إسحاق القاضي فأكرمه، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك؛ فتلا هذه الآية عليهم.( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) (تفسير القرطي جـ:18 صـ 59:58)

الإحسان إلى الوالدين الكافرين :

 إن شريعتنا الغرَّاء لا تهمل الإحسان إلى الوالدين ولو كانا كافرين فضلاً عن الوالدين العاصيين . ولقد حثنا القرآن العظيم بأسلوب رائع بليغ على بر الوالدين وإن كانا مشركين، عسى أن تكون هذه المعاملة الطيبة سبباً في هدايتهما .

 قال الله عَزَّ وَجَلَّ ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان:15)

قال ابن كثير:إن حَرَصَا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسنًا إليهما . ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ11 صـ54 )

قال الإمام القرطبي :الآيةُ دليلٌ على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق. ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ14 صـ66 )

روى الشيخانِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ:قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ. ( البخاري حديث 2620 / مسلم حديث 1003 )

قال ابن حجر العسقلاني :( وَهِيَ رَاغِبَةٌ) أي طَالِبَةً فِي بِرِّ اِبْنَتِهَا لَهَا خَائِفَة مِنْ رَدِّهَا إِيَّاهَا خَائِبَة.

( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ277 )

الإحسان إلى الجيران غير المسلمين :

 كان جيران الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة أصحاب ديانات مختلفة، فكان منهم اليهود والمشركون، الذين يعبدون الأصنام، وعلى الرغم من ذلك كان يدعوهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يُجبرهم على الدخول في الإسلام، ولم يَعْتَد على حُرماتهم وأموالهم، وترك لهم حرية العبادة مع أن المسلمين كانوا أصحاب الكلمة العليا في المدينة ولم يسفك دمَ أحدٍ منهم بغير حق، وكذلك فعل أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع جيرانهم من غير المسلمين .

روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عن مجاهد بن جبر قال: كنت عند عبد الله بن عمرو بن العاص وغلامه يسلخ شاة فقال : يا غلام، إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال بعض القوم : اليهودي ؟! أصلحك الله، قال إني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يُوصي بالجار حتى خشينا أو رأينا أنه سيورثه . ( حديث صحيح) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 95 )

هكذا كانت معاملة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لجيرانهم غير المسلمين في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعد موته في البلاد الجديدة التي فتحوها، فعاش غير المسلمين في دولة الإسلام في أمان شريعة الله تعالى، وشهد لهذه المنقبة العظيمة كُلُّ مُؤَرِخٍ مُنصفٍ مِن غير المسلمين .

سهل بن عبد الله التستري :

 كان لسهل بن عبد الله التستري (رحمه الله) جارٌ ذميٌ، وكان قد انبثق من كنيفه (مرحاضه) إلى بيت سهل ثقب فكان سهل يضع كل يوم الجفنة( الوعاء ) تحت ذلك البثق فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد فمكث رحمه الله على هذه الحال زماناً طويلاً إلى أن حضرت سهلاً الوفاة فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: أدخل ذلك البيت وانظر ما فيه فدخل فرأى ذلك ثقب والقذر يسقط منه في الجفنة. فقال: ما هذا الذي أرى! قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت وأنا أتلقاه بالنهار وأُلقيه بالليل ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف أن لا تتسع أخلاق غيري لذلك، وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى. فقال المجوسي: أيها الشيخ أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم مات سهل رحمه الله . ( الكبائر للذهبي صـ252)

ذبائح أهل الكتاب:

يجوز للمسلم أن يأكل من ذبائح أهل الكتاب ( اليهود أو النصارى ) وهي التي يحل أكلها شرعاً من الإبل والبقر والغنم والدواجن، بشرط أن يتم ذبحها على الطريقة الإسلامية، وذلك باستخدام آلة ذبح شرعية (سكين ) وإذا لم نعلم حال الذابح من أهل الكتاب هل ذكر اسم الله على الذبيحة أم لا، فذبيحته حلال، لأن الله تعالى قد أباح لنا أكل الذبيحة التي يذبحها واليهودي والنصراني، وقد عَلِمَ اللهُ أننا لا نقف مع كل ذابح.

 ( فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ 10 فتوى رقم 1312، 1313، 1314، 1315 صـ 3618:3599)

قال سبحانه:( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5)

قال ابنُ جرير الطبري:يعني جَلَّ ثناؤه :اليوم أحل لكم، أيها المؤمنون، الحلالُ من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.

وقوله:( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )، وذبائحُ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأُنزل عليهم، فدانُوا بهما أو بأحدهما، حِلٌ لكم. يقول: (حِلٌّ لَكُمْ )، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام. فإن من لم يكن منهم مِمَّن أقرَّ بتوحيد الله عزَّ ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام عليكم ذبائحهم. (تفسير ابن جرير الطبري جـ9صـ 573:572)

روى ابنُ جرير الطبري عن ابن عباس: قوله( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )، ، فإنه أحلَّ لنا طعامهم ونساءهم. (تفسير ابن جرير الطبري جـ9صـ 579)

روى ابنُ جرير الطبري عن قتادة قوله( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )، ، أي: ذبائحهم.(تفسير ابن جرير الطبري جـ9صـ 579)

روى ابنُ جرير الطبري عن الضحاك قال في قوله: ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) قال: أحل الله لنا طعامهم ونساءَهم. (تفسير ابن جرير الطبري جـ9صـ 579)

روى ابنُ جرير الطبري عن مجاهد في قوله:( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )، قال: العفائف. (تفسير ابن جرير الطبري جـ9صـ 585)

روى ابنُ جرير الطبري عن الشَعبي في قوله:( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) قال: إحصانها: أن تغتسل من الجنابة، وأن تحصن فرجها من الزنا. (تفسير ابن جرير الطبري جـ9صـ 585)

إهداء غير المسلمين من الأضاحي :

يجوز إعطاء غير المسلمين من لحوم الأضاحي لفقرهم أو لقرابتهم أو لجوارهم أو تأليفاً لقلوبهم، بشرط أن لا يكونوا محاربين لنا، وذلك لأن النسك إنما هو في ذبح الأضحية تقرباً إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك الحكم في صدقات التطوع وذلك لعموم قوله تعالى : (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ( الممتحنة : 8 )

ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ أسماءَ بنت أبي بكر الصديق أن تَصِلَ أمها بالمال,وكانت أمها مشركة في فترة الهدنة التي كانت بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل مكة. روى الشيخانِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ:قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.

(البخاري حديث 2620 / مسلم حديث 1003 )

أما الصدقات الواجبة كالزكاة وكفَّارة اليمين فلا يجوز إعطاؤها لغير المسلمين .

 ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ381 )( فتاوى اللجنة الدائمة جـ11 صـ424 )

حرمة دماء وأموال غير المسلمين:

(1) روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا . ( البخاري حديث 3166 )

قال ابن حجر العسقلاني : قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا، المراد به من له عهد مع المسلمين، سواء بعقد الجزية أو هدنة من سلطان أو أمان مِن مسلم. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ271 )

(2) روى النسائيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا.(حديث صحيح) ( صحيح سنن النسائي للألباني جـ 2صـ284)

(3) روى الطبرانيُّ (في معجمه الصغير) عن عمرو بن الحمق الخزاعي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : مَنْ أَمَّنَ رجلاً على دمه فقتله، فأنا بريءٌ من القاتل وإن كان المقتول كافراً.

(حديث صحيح)( صحيح الجامع للألباني حديث:6103)

هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- في معاملة غير المسلمين:

 إن الله قد أرسل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق والرسالة الإسلامية الخاتمة فكان رحمة للعالمين، ولقد كانت الدولة الإسلامية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- رحمة وأماناً للناس جميعاً، فعاش اليهود والنصارى بجوار المسلمين آمنين على أنفسهم وأموالهم وأماكن عبادتهم وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعرض عليهم الدخول في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يجبر أحداً منهم على الدخول في الإسلام، وهؤلاء الذين بقوا على دينهم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحث المسلمين على حُسْنِ معاملتهم وعدم التعرض لهم بالأذى ولم يسفك النبي -صلى الله عليه وسلم- دم أحد منهم بغير حق .

روى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ. (البخاري حديث:1356)

وهكذا كانت حُسْن معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لجاره اليهودي سبباً في إسلام ولده، فليحرص كل منا على أن يسلك منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حُسْنِ معاملته لجيرانه غير المسلمين .

(1) عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الطائف:

روى الشيخانِ عن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ:لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا .

( البخاري حديث 3231 / مسلم حديث 1795 )

(2) عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مشرك أراد قتله:

روى البخاريُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزْوَةَ نَجْدٍ فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ(أي الظهيرة) وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟قُلْتُ: اللَّهُ .فَشَامَهُ(أي: ردَّ الرجلُ السيفَ في غِمده) ثُمَّ قَعَدَ فَهُوَ هَذَا. قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- . ( البخاري حديث 4139 )

وفي رواية الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُحَارِبَ بْنَ خَصَفَةَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالسَّيْفِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: لَا وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ. (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ23صـ193 حديث 14929)

(3) عفو الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ثُمامة بن أُثال :

روى البخاريُّ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ(أي تركت دين الآباء) قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- . ( البخاري حديث 4372 )

(4) عفو الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة اليهودية :

روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا.(قال أنس) فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- . ( البخاري حديث 2617 )

(5) عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل مكة:

 لما فتح الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة، اجتمع له أهلها عند الكعبة ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ . قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ . ( سيرة ابن هشام جـ4 صـ412 )

(6) نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوصي بأهل مصر خيراً:

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا.(مسلم حديث:2543)

قال النووي(رحمه الله): قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به وأما الذمة فهي الحرمة والحق وهي هنا بمعنى الذمام .وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم.وفيه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم منها إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة ومنها أنهم يفتحون مصر.(مسلم بشرح النووي جـ8صـ338)

روى الحاكمُ عن كعب بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا افتتحتم مصر، فاستوصوا بالقِبط خيراً، فإن لهم ذمةً ورحِماً. (حديث صحيح)(السلسلة الصحيحة للألباني حديث 1374)

حماية أم هانيء لرجلين من المشركين:

قَالَتْ أُمّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَكّةَ، فَرّ إلَيّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي(أقارب زوجها)، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخِي، فَقَالَ: وَاَللّهِ لَأَقْتُلَنهُمَا، فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَوَجَدْته يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ فَلَمّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشّحَ بِهِ ثُمّ صَلّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ مِنْ الضّحَى ثُمّ انْصَرَفَ إلَيّ فَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمّ هَانِئٍ مَا جَاءَ بِك ؟ " فَأَخْبَرْته خَبَرَ الرّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- : قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت، وَأَمّنّا مَنْ أَمّنْت، فَلَا يَقْتُلْهُمَا .قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. (سيرة ابن هشام جـ 4صـ411)

عبد الله بن رواحة واليهود:

روى أحمدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا كَانُوا وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ (أظلمكم)قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا. (إسناده قوي) (مسند أحمد جـ 23صـ210)

ابن تيمية يطلق الأسرى النصارى:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية(رحمه الله) خَاطَبْت غازان(ملك التتار) فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الأسرى الْمُسْلِمِينَ، ثم قال غازان: مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ . فَقُلْت لَهُ : بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا ؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا، لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ . فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ . وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ : ( الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا )

(مجموع فتاوى ابن تيمية جـ28صـ:618:617)

التجارة مع غير المسلمين:

 كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- والصحابة يشترون من غير المسلمين ما يحتاجون إليه من الطعام وغيره.

روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. (البخاري حديث2916)

هدايا غير المسلمين:

 يجوز للمسلم أن يَقبَلَ هدايا غير المسلمين أو يرسل إليهم الهدايا، تأليفاً لقلوبهم.

(1) أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ، حاكمُ مصر، لِلنّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أُمّ إبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيّةَ وَاسْمُهَا : مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ وَأُخْتَهَا مَعَهَا، وَاسْمُهَا سِيرِينُ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَغُلَامًا اسْمُهُ مَأْبُورُ وَبَغْلَةً اسْمهَا دُلْدُلُ وَكُسْوَةً وَقَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ النّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-. (الروض الأُنُف للسهيلي جـ4صـ390)

(2) بعثت أم كلثوم، بنت علي بن أبي طالب، زوجة الخليفة عمر بن الخطاب، إلى ملكة الروم(امرأة هرقل) بطِيب ومشارب وأواني خاصة بالنساء، فجمعت امرأة هرقل نساءها، وقالت: هذه هدّية امرأة ملك العرب، وبنت نبيّهم، وكاتبتها وكافأتها، وأهدت لها؛ وفيما أهدت لها عقد فاخر. فلما انتهى به البريد إلى عمر بن الخطاب أمره بإمساكه، ودعا: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلّى بهم ركعتين، وقال: إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى من أموري؛ قولوا في هديّة أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم؛ فأهدت لها امرأة ملك الروم، فقال قائلون: هو لها بالذي لها، وليست امرأة الملك بذمّة فتصانع به، ولا تحت يدك فتتّقيك.وقال آخرون: قد كنّا نهدي الثياب لنستثيب، ونبعث بها لتباع، ولنصيب ثمناً. فقال: ولكنّ الرسول رسول المسلمين، والبريد بريدهم، والمسلمون عظّموها في صدرها. فأمر بردّها إلى بيت المال، وردَّ عليها بقدر نفقتها. (تاريخ الطبري جـ 2صـ 601)

عدم أخذ الجزية من غير القادرين من غير المسلمين:

معنى الجزية:

 مقدارٌ محددٌ من المال يدفعه غير المسلمين، الذين يدخلون في عهد المسلمين، مقابل دفاع المسلمين عنهم، وحمايتهم، وتوفير الأمان لهم في المجتمع المسلم.(فقه السُّنة للسيد سابق جـ3صـ405)

من يدفع الجزية:

تجب الجزية على غير المسلم، الذكر، الحر، البالغ، العاقل، القادر على الكسب، وتسقط الجزية عن المرأة، والعبد، والطفل، والمجنون، والشيخ الكبير، والمريض، والفقير، والرهبان في أماكن عبادتهم، وكل من هو عاجز عن الكسب.(المغني لابن قدامة جـ13 صـ221:216)

روى مسلمٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ يُشَمِّسُ نَاسًا مِنْ النَّبْطِ (فلاحو العجم) فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَقَال:َ مَا هَذَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا. (مسلم حديث:2613)

(1) كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رضي الله عنه - فِي عقد الذمة لِأَهْلِ الْحِيرَةِ زَمَنَ خلافة أَبِي بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه - :وَجَعَلْت لَهُمْ أَيُّمَا شَيْخٍ ضَعُفَ عَنْ الْعَمَلِ، أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ، أَوْ كَانَ غَنِيًّا فَافْتَقَرَ وَصَارَ أَهْلُ دِينِهِ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ، طُرِحَتْ جِزْيَتُهُ، وَعِيلَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعِيَالُهُ مَا أَقَامَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ.(الخراج لأبي يوسف صـ 144) .

إن الذين يسعون إلى تقرير التكافل الاجتماعي وبيان صوره لن يجدوا أعظم من هذه الصورة في الإسلام مع مخالفيه، فهو يتسامى بمن يعيشون في كنفه ويحوطهم برحمته وإحسانه عندما يحتاجون إلى مواساة لأي سبب من الأسباب بل يجعلهم عيالاً على بيت مال المسلمين أيا كانت ديانتهم .

إن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يرضى أن يذل رجل من أهل الذمة وهو يحيا في كنف الإسلام فيعيش على الصدقة يتكفف الناس ولكن الإسلام يحميه ويكرمه ويوجب على الدولة أن تعوله وتعول عياله.

(2) روى أبو عُبيد القاسم بن سلام عن أبي رجاء الخراساني، عن جسر أبي جعفر قال : شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة، قرئ علينا بالبصرة : أما بعد، فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتياً وخسراناً مبيناً، فضع الجزية على من أطاق حملها وخل بينهم وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين وقوة على عدوهم، وانظر من قِبَلَك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأَجْر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقَوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مَرَّ بشيخ من أهل الذِّمة يسأل على أبواب الناس، فقال : « ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كَبَرك، » قال : ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه. (الأموال لأبي عُبيد القاسم بن سلام صـ50)

معاهدة عمر بن الخطاب مع نصارى بيت المقدس

بسم الله الرحمن الرحيم

 هذا ما أعطى عبد الله عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء (بيت المقدس) مِن الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سُفيان . (تاريخ ابن جرير الطبري جـ 2صـ 449)

معاهدة عمرو بن العاص مع أهل مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

 هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملّتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم، وبرّهم وبحرهم؛ لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينقص، ولا يساكنهم أهل النُّوبَةِ، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصّلح، وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جنى شرارهم، فإن أبى أحدٌ منهم أن يجيب رُفِعَ عنهم من الجزاء بقدرهم، وذمّتنا ممّن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الرّوم وأهل النّوبة فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذّهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا. عليهم ما عليهم أثلاثاً في كلّ ثلث جباية ثلث ما عليهم، على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمّته وذمّة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين، وعلى أهل النُّوبَةِ الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأساً، وكذا وكذا فرساً، على ألاّ يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة.

 شهد على ذلك العَقد الزبير بن العوام وعبد الله ومحمد ابنا عمرو بن العاص.

فدخل في ذلك أهل مصر كلّهم، وقبلوا الصلح، وبنى عمرو بن العاص مدينة الفسطاط، ونزل بها المسلمون.

 (تاريخ ابن جرير الطبري جـ 2صـ 515:514)

وختاماً : أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العِلْم.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين .

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عدد المشاهدات 11686